هل يلقي “كأس العالم” بظلاله على مستقبل العلاقات السعودية المغربية؟
قبل أيام قليلة، صوّتت المملكة العربية السعودية لصالح الملف الأمريكي المشترك ضد الملف المغربي في سباق تنظيم كأس العالم 2026، ما أثار غضب المغربيين وسخطهم، مطالبين سلطات بلادهم بالردّ على هذا العمل السعودي الذي وصفه البعض بـ “الخيانة” لا سيما أن كثير من المصادر الصحفية الأجنبية تحدثت عن تحريض سعودي لدول عربية بعدم التصويت للمغرب، فهل يلقي ما فعله السعوديين في العاصمة الروسية موسكو بظلاله على مستقبل العلاقات بين البلدين؟
احتجاج استجابة لإحساس شعبي بالأسى
الباحث السياسي المغربي رشيد لزرق، اعتبر في تصريح لنون بوست أن “ما حدث يوم الأربعاء الماضي من قبل الأشقاء السعوديين شكّل صدمة كبيرة للمغاربة، لكن ذلك لا يجب أن يخرج من إطاره الكروي” وفق قوله. وقال لزرق: ” تصويت المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج خلف احساس بالخذلان على المستوى الشعبي والرسمي، خاصة وأن الوفد السعودي لم يكتفي بالتصويت ضد المغرب بل لعب دورا كبيرا في الترويج للملف الأمريكي المشترك، والضغط على بعض الدول الآسيوية والعربية لعدم التصويت للملف المغربي”.
واستدرك الباحث السياسي المغربي بالقول، “لكن هذه المرحلة يجب طيها، والنظر نحو المستقبل، فجوهر العلاقات المغربية السعودية أقوى من مثل هذه الحوادث التي قد تفهم إذا ما نظرنا إلى السياق السياسي والإقليمي والضغط الأمريكي الرهيب الذي استنزف خزينة المالية السعودي، وسعي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى كسب الدعم الأمريكي لبلوغ العرش.”
يعتبر المغرب من أبرز الداعمين والمشاركين في التحالف العربي الذي تقوده السعودية
وأثار إعلان وزير الثقافة والاتصال المغربي، محمد الأعرج، عدم مشاركة بلاده في أشغال اجتماع وزراء إعلام دول التحالف المشارك في حرب اليمن، مبرّراً ذلك بارتباطات أخرى، وهي أوّل مرة يتخلف فيها وزير مغربي عن اجتماع يخصّ دول التحالف، التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين الرباط والرياض.
رشيد لزرق أكد في حديثه أن القرار المغربي يمكن إدخاله في إطار الاحتجاج على المملكة المغربية السعودية، واستجابة للإحساس شعبي مغربي بالأسى؛ بعد مساهمة السعوديين في وقف حلم المونديال.” فهو وفق رشيد بمثابة “عتاب للمملكة المغربية للمملكة العربية السعودية التي كان من المأمول، كعادتها مساندة الحلم المغربي بدل الاتجاه في المنحى المعاكس، خاصة وأن اجتماع التحالف سيأتي بعد أيام قليلة من الحادثة”.
واعتبر لزرق أن “عدم المشاركة المغربية، يفهم منها سعي مغربي لإيصال رسالة للسعوديين، كون المغرب له سيادته وسياسته الداخلية المستقلة التي يجب أن تفهمها المملكة”. ومع ذلك قال رشيد: :لكن لا يعني ذلك الدخول في المحور المخالف للمملكة العربية السعودية خاصة وأن السياسة الخارجية المغربية لا تمتاز بالانفعالية والمزاجية”.
وعن امكانية انسحاب المغرب من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، قال لزرق، “لا أتوقع أن تتخلى الرباط على المملكة العربية السعودية في حرب اليمن كرد فعل على ما حصل فعلاقات البلدين أقوى بكثير من أن يؤثّر فيها قرار عرضي”.
فضل المغرب عدم المشاركة في اجتماع وزراء التحالف، احتجاجا منه على الموقف السعودي الأخير
ويعتبر المغرب من أبرز الداعمين والمشاركين في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ويهدف إلى “دعم الشرعية في اليمن”، وأبرز الحاضرين كذلك في التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في الـ15 من ديسمبر 2015، الذي تشكل من 34 دولة ووصل لاحقًا عدد أعضائه إلى 39 دولة لمحاربة “الإرهاب” انطلاقًا من مقره في الرياض.
الصحراء: الرهان الأكبر للمغرب
عدم التسرّع والانقياد إلى ردّ الفعل الانفعالي، برّره رشيد بكون رهانات المغرب أكبر على مستوى العلاقات مع دول الخليجية خاصة السعودية والإمارات في دعم قضية الأولى المتمثلة في الوحدة الترابية في سياق دولي وإقليمي حاسم، ودعوة مجلس الأمن للتفاوض المباشر.
وأكّد لزرق أن “المغرب مدعو إلى ألا يكون رهين لرد الفعل بل النظر للمستقبل الدولتين، ومباشرة بعد إعلان نتائج التصويت، وفوز الملف “الأمريكي -الكندي- المكسيكي” بـ 134 صوتا، من بينها أصوات دول عربية وإسلامية، مقابل 65 صوتا للمغرب، انتشر غضب مغربي واسع في الشبكات الاجتماعية على ما اعتبر “خيانة وغدراً” من لدن دول حليفة للرباط.
يُعول المغرب على المملكة العربية السعودية لتمتين الخطوات التي قام بها في السنوات الأخيرة على مستوى البنية التحتية وتنمية الاقتصاد
وتعتبر السعودية من أبرز الداعمين للمغرب في قضية الصحراء الغربية، حيث ما فتئت الرياض تؤكّد دعمها لسياسة الرباط في هذا الشأن. وتعتبر الصحراء الغربية، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، حيث يسيطر المغرب على 80% منها ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية.
ورغم أن ستّ دول عربية إلى جانب السعودية (الأردن، البحرين، الإمارات، العراق، لبنان، الكويت) صوتت لصالح الملف المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، فإن غضب الشارع المغربي طال فقط السعودية، بالنظر إلى دورها المحوري في حسم الصراع بين الملفين المرشحين، فقد قادت حملة للترويج للملف الثلاثي وترجيح كفته.
علاقات شخصية
الباحثة المغربية في الشؤون السياسية شريفة لموير، أكّدت من جهتها أن العلاقات المغربية مع السعودية هي علاقة تتجاوز كونها علاقة بين دولتين شقيقتين ذلك أنها علاقة شخصية بين المؤسسة الملكية في المغرب والملكية في العربية السعودية.
لومير أشارت لموير إلى أن المغرب يمكن له أن يتفهم ولو بمرارة التصويت السعودي المضاد لملفه في تنظيم بطولة كأس العالم، لكون الرهانات المستقبلية أقوى، من ذلك بناء علاقات تقوم على أساس الاحترام المتبادل، والتفاعل بين البلدين الشقيقين ودعم اقتصادي وسياسي للمغرب في قضية الصحراء المغربية، في منعطف حساس تمر به قضية الوحدة الترابية للمغرب.
عادة ما يقضي الملك السعودي إجازته الصيفية في مدينة طنجة المغربية
واعتبرت الباحثة المغربية أن “رسائل الأسف وخيبة الأمل” التي وجّهتها الديبلوماسية المغربية للسعودية والدول العربية الحليفة التي لم تصوت لملفه، جاء نتيجة خيبة الأمل في عدم الفوز بشرف تنظيم هذه الدورة وما سبّبه الخيار السعودي من احتقان داخلي.
ويُعول المغرب على المملكة العربية السعودية لتمتين الخطوات التي قام بها في السنوات الأخيرة على مستوى البنية التحتية وتنمية الاقتصاد، فبعد المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أطلقها في السنوات الأخيرة، كمخطط المغرب الأخضر وسياسة الطاقات المتجددة الطموحة، تبقى حاجة المغرب ماسة إلى تدفق ثابت للأموال بغية تمويل مشاريعه.