حتى الأمراء لم يسلموا.. فواتير الكهرباء تشعل غضب السعوديين

shrk_lkhrb_lswdy

أثارت التعريفات الجديدة لفاتورة الكهرباء لشهر يونيو/حزيران المنقضي، حالة من الاستنكار والجدل داخل المجتمع السعودي، نظرًا لما تتضمنه من قفزات غير مسبوقة لم يشهدها السعوديون طيلة العقود الماضية، وهو ما فجر براكين الغضب بداخلهم انعكست بشكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعي.

الشركة السعودية للكهرباء أرجعت هذه القفزة في أسعار الفواتير (253% زيادة عن العام الماضي) في المقام الأول إلى تصحيح أسعار التعريفة الكهربائية هذا العام، حسب شرائح الاستهلاك في القطاع السكني، إضافة إلى تغيير أنماط الاستهلاك في فصل الصيف، من خلال الارتفاع الكبير في استخدام أجهزة التكييف، موضحة أن 70% من قيمة استهلاك الفاتورة يعود في الغالب إلى استخدام أجهزة التكييف.

ويبدو أن هذا التبرير لم يقنع الكثير، فمن خلال هاشتاغ “فاتوره الكهرباء” عبر آلاف السعوديين عن احتجاجاتهم وغضبهم، مستعرضين بعض القصص التي تكشف ما أسموه تجاوز الشركة لـ”المنطق” في هذه الزيادات، مطالبين السلطات بالتدخل لإيقاف هذا الأمر فورًا، فيما ذهب آخرون إلى احتمالية أن تكون الشركة “مخترقة من الأعداء، لا سيما أن بعض موظفيها غير سعوديي الجنسية وغير مسلمين”.

غضب في الشارع السعودي

بعد ساعات قليلة من تدشين هاشتاغ “فاتورة الكهرباء” الذي جاء بالتزامن مع إعلان الفواتير عبر الموقع الإلكتروني للشركة، تجاوزت عدد التغريدات حاجز الـ”ربع مليون” تغريدة في غضون دقائق معدودة، ولا زال العدد مرشحًا للزيادة خلال الساعات القادمة في ظل بقاء الأوضاع على ما هي عليه.

الاحتجاجات التي ساقها المغردون السعوديون عبر الهاشتاغ المخصص تركزت حول محورين أساسيين: أولها: الزيادة الجنونية في أسعار الفواتير هذا الشهر مقارنة بالأشهر السابقة، وهو ما كان صدمة للكثيرين الذين اتهموا الشركة بـ”أكل الناس بالباطل” دون موضوعية في التقييم.

نسبة ارتفاع فواتير الكهرباء للسكان بلغت هذا الشهر 253% للمشتركين ممن لم يتجاوز استهلاكهم الشهري 2000 واط، مقارنة بفواتيرهم التي سجلت العام الماضي، إذ بلغت تعرفة الكهرباء لكل كيلو واط في الساعة سابقًا 5 هللة فيما وصلت الآن إلى 18 هللة

الكاتب والإعلامي صالح العمودي اتهم شركة الكهرباء بفرض الفواتير بتقديرها، دون وجود أسس واقعية أو صحيحة لكمية الاستهلاك، مغردًا بقوله “منطق أكل أموال الناس بالباطل.. فشركة الكهرباء لم تعد ترسل من يقرأ العداد ويسجل استهلاك الكهرباء كما كان يحدث في السابق وأصبحت تقدر الاستهلاك جزافًا دون رقيب أو حسيب”.

فيما أشار عضو مجلس الشورى السابق حمد القاضي إلى أن “ارتفاع أسعار الكهرباء في المملكة لا يضاهيه إلا ارتفاع حرارة الجو”، مناشدًا العاهل السعودي التدخل العاجل لحل الأزمة وإجراء دراسة عاجلة لشرائح الكهرباء وتخفيضها رحمة بالمواطنين السعوديين.

https://twitter.com/halkadi/status/1012342775969468416

أما المحور الثاني فيتعلق بزيادة فواتير كهرباء الشقق والعقارات غير المأهولة بالسكان، وهو ما كان مثار سخرية واستنكار الكثيرين، إذ إن هناك مباني ووحدات سكنية غادرها أهلها ولم يسكنها أحد ومع ذلك جاءت فواتيرها أعلى من الأشهر السابقة التي كانت مكتظة بسكانها.

المراسل التليفزيوني بدر رافع قال إن شقته كانت مقفلة وفارغة من السكان لثلاثة أسابيع، حين كان مسافرًا، ورغم ذلك وصلته فاتورة بقيمة 500 ريال، وهو ذات الأمر مع الإعلامي علي هبة، إذ صدرت فاتورة الكهرباء لمنزله الذي لم يسكنه 22 يومًا نحو 410 ريالات، رغم عدم وجود أدوات كهربائية تعمل فيه سوى ثلاجة واحدة.

الأمر لم يتقصر على الوحدات التي لم يكن سكانها بداخلها وفقط، بل تجاوز ذلك إلى الوحدات التي لم تسكن بعد، ولا تزال قيد الإنشاء، حيث صدرت فاتورة كهرباء على منزل ما زال قيد الإنشاء ولم يُسكَن بعد، ولا يوجد بداخله أي “لمبة” تعمل بقيمة 880 ريالاً.

حتى الأمراء لم يسلموا

من الواضح أن قفزة أسعار الفواتير لم تفرق بين مواطن وأمير، إذ شملت الزيادات جميع طوائف الشعب، وهو ما كشفه الأمير سعود محمد العبد الله الفيصل، حين غرد مستنكرًا أن تكون فاتورة فيلته التي لا تتجاوز 400 متر ولا يسكنها أحد منذ بداية رمضان قرابة 21 ألف ريال، واصفًا ما حدث بأنه “غير منطقي”، وإن حذف هذه التغريدة بعدها بساعات.

تذمر سعود الفيصل، يعيد أجواء  يناير/كانون الثاني الماضي، حين قال النائب العام في السعودية إن السلطات اعتقلت 11 أميرًا سعوديًا، بعد أن تجمهروا في قصر الحكم في الرياض، في احتجاج نادر على إجراءات تقشف شملت إيقاف سداد فواتير الكهرباء والماء عن الأمراء.

يذكر أنه وقبل تلك الحادثة كان الأمراء في السعودية معفيين من دفع فواتير الكهرباء والمياه، إلا أن الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت السعودية في تطبيقها مؤخرًا شملت خفض الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة، وتقليص مزايا كان أعضاء العائلة الملكية يتمتعون بها، ومنها الإعفاء من فواتير الكهرباء والمياه والمرافق العامة.

الكهرباء ترد

ارتأت شركة الكهرباء السعودية بداية الأمر تجاهل الاحتجاجات والاعتراضات الصادرة بحق فاتورة هذا الشهر، غير أن الضغوط التي مورست عليها من الجميع، مواطنين وإعلاميين واقتصاديين حتى ومن بعض الأمراء، دفعتها لأن ترد عبر بيان لها دعت فيه مشتركيها الذين لديهم اعتراض أو ملاحظات على فواتيرهم بالتواصل معها عبر قنوات الاتصال المتعددة مثل مركز الاتصال والموقع الإلكتروني وحساب تويتر لخدمات المشتركين.

الشركة بررت ارتفاع الفواتير بأنه بسبب تصحيح أسعار التعريفة الكهربائية هذا العام حسب شرائح الاستهلاك في القطاع السكني، إضافة إلى تغيير أنماط الاستهلاك في فصل الصيف من المشتركين البالغ عددهم 9 ملايين مشترك، لافتة إلى أن 70% من قيمة استهلاك الفاتورة يعود في الغالب إلى استخدام أجهزة التكييف، معربة عن سعادتها لتلقي أي ملاحظات تتعلق بالخدمة، متعهدة بمعالجتها على وجه السرعة.

https://twitter.com/Kahrabaiat/status/1012289395167301632

لكن من الواضح أن التبريرات التي ساقتها الشركة عبر بيانها لم تكن مقنعة لكثير من المستهلكين، وهو ما كشفته ردود الفعل حياله، حيث علق الدكتور أحمد الزهراني متهكمًا: بيان الشركة عميق.. مقنع.. مفصل.. السبب هي المكيفات بنسبة 70%.. سبب جديد لأننا كنا في مثل هذا الوقت من العام الماضي نعيش في الجانب البارد من الكرة الأرضية، ولسبب لا تعرفه إلا شركة الكهرباء تحولنا هذا العام إلى مناطق الحرارة التي تتطلب تشغيل المكيفات.. يا له من بيان حكيم.

أما الكاتب الصحفي هاني الظاهري فيرى أن الشركة السعودية للكهرباء غير مهنية وتفتقر إلى كادر محترف قادر على إدارة الازمات:

يذكر أن نسبة ارتفاع فواتير الكهرباء للسكان بلغت هذا الشهر 253% للمشتركين ممن لم يتجاوز استهلاكهم الشهري 2000 واط، مقارنة بفواتيرهم التي سجلت العام الماضي، إذ بلغت تعرفة الكهرباء لكل كيلوواط في الساعة سابقًا 5 هللة فيما وصلت الآن إلى 18 هللة.

وقد قدر اقتصاديون ارتفاع تكاليف الأسر السعودية بنسبة 30% بعد ارتفاع أسعار الكهرباء مؤخرًا لا سيما مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة مما يسهم في زيادة استخدام التكييف التي تمثل أعلى نسبة في استهلاك الكهرباء.

https://twitter.com/hukusfof/status/1013036216688750592

سنوات من التقشف

حالة الركود التي يشهدها الاقتصاد السعودي خلال السنوات الخمسة الأخيرة التي دفعته للتراجع في معدلات النمو واستمرار العجز في الموازنة للعام الرابع على التوالي، دفعت السلطات في المملكة إلى اتخاذ بعض الإجراءات التقشفية فيما سميت بـ”خطة الإصلاح” بهدف سد العجز وتغطية النفقات لا سيما الخارجية منها في ظل تعدد النوافذ المفتوحة على المملكة، سواء في اليمن أم سوريا، أو حتى استرضاء البيت الأبيض الأمريكي، وهو ما تسبب في إرهاق الاقتصاد السعودي بصورة كبيرة، كان المواطن فيها هو الضحية.

مظاهر عدة شهدتها المملكة خلال الآونة الأخيرة أزاحت النقاب بصورة كاملة عن الوضع الحقيقي للاقتصاد السعودي بعيدًا عن شعارات الاستقرار والتقدم المرفوعة من السلطات الحاكمة، منها اتجاه الرياض لأول مرة منذ عقود إلى الاقتراض من بنوك عالمية، كذلك مراجعة أو تجميد مشاريع غير مكتملة في البنية التحتية بمليارات الدولارات بهدف خفض عجز الموازنة الذي فشلت السياسات المتبعة في كبح جماحه خلال السنوات الماضية.

الخبراء يرجحون عدم قدرة الاقتصاد السعودي على إحداث نقلة إيجابية على المدى القريب رغم إقرار “رؤية 2030” التي تقوم على عدة خطوات من بينها طرح شركة أرامكو العملاقة للاكتتاب العام، ويرونها لا تعدو كونها مسكنات لتهدئة الوضع لا معالجته بصورة كاملة.

حزمة من القرارات التقشفية أضطرت المملكة لاتخاذها خلال السنوات الماضية في محاولة لإحداث حالة من التوزان بين النفقات والإيرادات، دون اعتبار للتداعيات الناجمة عن هذه السياسات على المواطن السعودي.

الخطوة الأولى كانت رفع أسعار الوقود بنسب تجاوزت في بعض الأحيان 80% على عدة مراحل، وهو ما كان له أثره على أسعار السلع والخدمات المقدمة بالطبع، هذا بخلاف الزيادات الكبيرة التي فُرضت على العمالة الوافدة، اعتبارًا من مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، بمبلغ 100 ريال شهريًا (26.6 دولار) عن كل مرافق يرتفع حتى 400 ريال (106.7 دولار) شهريًا بحلول عام 2020.

كما شرعت الحكومة في رفع رسوم تجديد الإقامات التي سترتفع بواقع أربعة أضعاف بحلول 2020، فمن المخطط تحصيل الحكومة 24 مليار ريال (6.4 مليار دولار) من رسوم الوافدين في موازنة العام 2018، وفق التقديرات الرسمية، لتزيد إلى 44 مليار ريال (11.7 مليار دولار) في عام 2019، ولتقفز إلى 65 مليار ريال (17.3 مليار دولار) في عام 2020.

الخبراء يرجحون عدم قدرة الاقتصاد السعودي على إحداث نقلة إيجابية على المدى القريب رغم إقرار “رؤية 2030”

هذا بخلاف تطبيق ضريبة القيمة المضافة بداية من شهر يناير/كانون الثاني 2018، وهي ضريبة تُفرض على السلع والخدمات التي يجري بيعها وشراؤها، وتساهم بشكل كبير في رفع منظومة الأسعار وإنعاش خزينة الدولة بمليارات الدولارات، بجانب اعتزام الحكومة الاقتراض من المواطنين خلال هذا العام عبر طرح صكوك، في خطوة لجمع أكبر قدر من السيولة المالية التي ستوجه لتغطية جزء من عجز الموازنة العامة.

ساهمت هذه الإجراءات القاسية في زيادة معدلات الفقر في واحدة من أغنى دول العالم، وهو ما أشارت إليه بعض التقارير التي أزاحت الستار عن تزايد معدلات البطالة والفقر في المملكة، كاشفة أن “ما بين مليونين وأربعة ملايين سعودي يعيشون على أقل من 530 دولارًا شهريًا” أي (17 دولارًا يوميًا)، وأن “الدولة تخفي الفقر بشكل جيد”.