منذ أشهر عدة، تسعى عدد من الأحزاب التونسية والمنظمات الوطنية إلى الإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية التونسية ورئيسها يوسف الشاهد نتيجة فشله في قيادة البلاد إلى بر الأمان وانقاذها من أزماتها المتعددة وفق قولهم.
سعي كبير اتخذ أشكال عدة، من مطالبة الشاهد بالاستقالة مباشرة إلى عرقلة نشاط حكومته وصولا هذه المرة إلى توقيع عريضة برلمانية لحمل الشاهد على طلب تجديد الثقة في حكومته حتى يتسنى لنواب البرلمان سحبها منه.
التوجه إلى البرلمان
تحرك هذه المرة، جاء عن طريق نواب تابعين لنداء تونس وأخرين تابعين لأحزاب في المعارضة. ويقوم هؤلاء النواب حاليا بتجميع الإمضاءات على عريضة تدعو رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى عرض تجديد الثقة في حكومته على البرلمان.
هذه العريضة بادر بالقيام بها مجموعة من نواب المعارضة والائتلاف الحاكم بالنظر إلى “الوضع الذي تعيشه البلاد والصراع القائم على السلطة ممّا أضرّ بمصالح البلاد الإقتصاديّة والاجتماعية، وفقا لتصريح النائب عن الكتلة الديمقراطية ورئيس حزب حركة الشعب زهير المغزاوي لوكالة الأنباء التونسية.
تُتهم الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد بعدم التحرك بفاعلية في مرحلة حساسة تمر بها البلاد
أكد المغزاوي أنّ “عرض تجديد الثقة في حكومة الشاهد على البرلمان هي أحد الحلول التي يراها النواب اليوم ضروريّة وذلك بتجديد الثقة فيها ومواصلة عملها أو سحب الثقة منها واتخاذ الإجراءات اللازمة.”
وينصّ الفصل 97 من الدستور على انّه يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مُضيّ خمسة 10 أيام على إيداعها لدى رئاسة المجلس. واستبعد المناوئين للشاهد القيام بعريضة لوم ضده، حيث ينصّ الفصل 80 من الدستور التونسي على أنه لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة في حالات الطوارئ.
مسؤولية فشل الحكومة
تتهم الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد التي تشكلت قبل سنتين وتم تعديلها في عديد المرات، بعدم التحرك بفاعلية في مرحلة حساسة تمر بها البلاد. فرغم نجاح تونس في انتقالها السياسي بعد ثورة 2011 إلا أن اقتصادها يواجه أزمة كبيرة أثرت على السلم الاجتماعي للبلاد.
تعيش تونس منذ اعلان وقف العمل بوثيقة قرطاج جمودا سياسيا، حيث يقف خصوم الشاهد عاجزين عن إقالته وفشل الأحزاب التي تدعهم في إقناعهم ببقائه. وكان مراقبون قد توقعوا منذ إعلان السبسي إيقاف العمل بوثيقة قرطاج أن تنتقل مهمة الحسم في مصير الحكومة إلى البرلمان.
ويصر حزب نداء تونس، وهو حزب رئيس الوزراء، إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل على ضرورة إقالة حكومة الشاهد كلها بدعوى إخفاقها في إنعاش الاقتصاد المنهك ووصول المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات “كارثية”، وإيجاد ربان جديد لرئاسة الحكومة، على أن تكون شخصية ندائية تلتزم بعدم الترشح للانتخابات المقبلة في العام 2019، وتحظى بثقة حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس.
الحل الوحيد المتبقي؟
يعتبر إكراه الشاهد على عرض حكومته على البرلمان طلبًا للحصول على الثقة، السيناريو الوحيد المتبقي أمام معارضيه للإطاحة به. وهو نفس ما حصل مع سلفه الحبيب الصيد سنة 2016. ويتطلب هذا الأمر تسليط ضغوط سياسية جمة على الشاهد المتمسك بالبقاء على رأس الحكومة.
ولا تكاد تمر سنة دون أن تتشكل حكومة جديدة في تونس، فخلال الـ7 سنوات الماضية شهدت البلاد تشكيل 9 حكومات متتالية على يد 7 رؤساء حكومة، لم يدم مكوث أطولها مدة في القصبة أكثر من سنة ونصف، وكل حكومة تشهد بدورها أكثر من تعديل وزاري، حتى إن بعض الوزراء لم يتمكنوا من معرفة أروقة وزاراتهم.
يذكر لأنّ مسألة التعديل الحكومي كانت محلّ خلاف لدى بعض الأحزاب والمنظّمات الوطنية وأدّت إلى تعليق العمل والمفاوضات حول وثيقة “قرطاج 2” حيث تمسّكت حركة النهضة ببقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد لتنفيذ البرنامج المتفق عليه في حين اختلف معها في ذلك حزب “نداء تونس” والاتحاد العام التونسي للشغل و”الوطني الحر”، داعين إلى تغيير جذري يشمل رئيس الحكومة.
تخشى أطراف سياسية في البلاد على رأسها حركة النهضة الإسلامية من تمادي حالة الفراغ السياسي إن تم تغيير حكومة
تعتبر مسألة الحصول على أغلبية (109 أصوات)، لسحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد أمرا صعبا، فمع تمسك حزب “النهضة” صاحب الأغلبية البرلمانية بـ68 مقعدًا برلمانيًا بالإبقاء على يوسف الشاهد رئيسًا لحكومة الوحدة الوطنية، يتضاءل أي مشروع لتنحيته عن طريق البرلمان.
حتى إن “نداء تونس” (56 نائباً) قد يجد نفسه وحيداً أمام هذا السيناريو، خصوصاً بعد إعلان الكتل المنشقّة عن “النداء”، التي منحت ثقتها سابقاً للشاهد، تمرّدها على اتفاق قرطاج وانتفاضتها ضد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. ويرجّح مراقبون، في ظل تمسك حزب “النهضة” بموقفه، استحالة حجب الثقة عن الشاهد من دون حصول توافق مع الأحزاب البرلمانية من خارج اتفاق قرطاج.
الشاهد يناور
رغم مواصلة المفاوضات حول مصير حكومته، يواصل الشاهد عمله على رأس الحكومة، حتى أنه سرّع في نشاط عمله بالقيام بعديد الاصلاحات التي كان قد أعلن عنها في وقت سابق وتردّد في تنفيذها مرات عدة.
يحاول الشاهد رمي الكرة في ملعب معارضيه، حيث أكّد مسؤولون في الحكومة نية الشاهد الاعلان عن تعديل وزاري جزئي في قادم الأيام. خاصة وأنه أقال وزير الداخلية لطفي براهم الذي يعتبر أحد أذرع نجل الرئيس حافظ قائد السبسي في الحكومة.
وتخشى أطراف سياسية في البلاد على رأسها حركة النهضة الإسلامية من تمادي حالة الفراغ السياسي إن تم تغيير حكومة يوسف الشاهد الآن، كما تخشى أيضا التعطيل الذي قد يطال مؤسسات وأجهزة الدولة، مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المبرمج في خريف سنة 2019.