شاب شيشاني في الـ”21″ من عمره، وراء مقتل شاب فرنسي، وإصابة أربعة أشخاص آخرين بجراح في منطقة الأوبرا السياحية المزدحمة، قبل أن ترديه الشرطة قتيلًا.. هكذا قالت أجهزة التحقيق الفرنسية عن الحادث الذي وقع الشهر الماضي، وسبب جراحًا معنوية وسياسة واجتماعية للمسلمين هناك أكثر من غيرهم، ولكنه فتح ملف الشيشان من جديد، وعلاقتها بالتطرف والعنف، وتصدير الجهاد التكفيري إلى العالم.
كيف يخترق داعش أوروبا بمنتهى السهولة؟
تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم في فرنسا على الفور، وأكد أنه من تنفيذ أحد رجاله المخلصين وهو حمزة عظيموف، الذي طعن ضحاياه بأشد المناطق زحامًا بالسياح في باريس العاصمة، وكأنه يريد أن يترك بصمة كارثية لجميع بلدان العالم عن الإسلام والمسلمين، في سبيل إثبات أنه لايزال بخير، سواء على مستوى تجنيد المزيد والمزيد من الشباب، أو قدرته الخارقة على اختراق البلدان الأوروبية، وإراقة الدماء فيها.
كان نجوم التنظيم خلال السنوات الماضية في الأغلب من جنسيات البلدان التي حل بها، سواء السيناوية من مصر، أو السوريين والعراقيين، إلا ان ظهور الشيشان في الصورة الجهادية بين الحين والآخر، يؤكد أنها ما تزال أرضًا خصبة للفكر الجهادي كما كانت دائمًا، وليس هذا فقط، بل يشير الحادث الأخير في فرنسا إلى سيطرة تنظيم داعش أكثر من غيره على الشعبية الدينية في منطقة القوقاز، وبأضعاف مضاعفة وبتفوق كاسح على تنظيم القاعدة، الذي فقد بريقه وربما انتهى تمامًا بعد وفاة أسامة بن لادن.
“الآن الآن جاء القتال”.. كانت هذه التركيبة اللغوية عنوان الإصدار الداعشي لمعاقبة الحكومة الروسية وحليفتها الشيشانية؛ حاول التنظيم استعراض قوته وبث الخوف والرعب في رجال صنع القرار بروسيا للتقليل من عمليات استهداف التنظيم في سوريا
يحاول تنظيم الدولة دائما اللعب على هذه المفصلية وتأكيد ريادته في الشيشان، رغم انشغاله في تنظيم صفوفه ومواجهة عمليات استئصاله التي تمضي على قدم وساق؛ قبل عامين تحديدًا كان داعش لايزال في قويًا، واختار أن يفاجئ العالم بإصدار مرئي يوثّق فيه منهجية عمل رجاله في الشيشان، أظهر الفيديو هجوم شرس من جنود التنظيم على كل مظاهر التبعية لروسيا في البلاد، وعلى رأسها الارتكازات الأمنية وأقسام الشرطة.
“الآن الآن جاء القتال”.. كانت هذه التركيبة اللغوية عنوان الإصدار الداعشي لمعاقبة الحكومة الروسية وحليفتها الشيشانية؛ حاول التنظيم استعراض قوته وبث الخوف والرعب في رجال صنع القرار بروسيا للتقليل من عمليات استهداف التنظيم في سوريا والابتعاد عن مساندة بشار الأسد، وكذلك الإيحاء للرأي العام الغربي أن التنظيم يملك خلايا معلنة وأخرى خاملة ستخرج في الوقت المناسب كما جاء في الإصدار وقتها، كان يريد إعلامهم أن الموت قادم كي ينتظروه من أي اتجاه لا يخطر لهم على بال.
رادر الدولة الإسلامية في القوقاز
كانت منطقة القوقاز ضمن رادر “الدولة الإسلامية” لذا أعلنها البغدادي ولاية أخرى ضمن خلافة “تنظيم الدولة” في منتصف عام 2015، ليسارع الخطى بذلك إلى توسيع الرقعة الجهادية المنتمية له، وقدم إصدارًا لبعض الشباب الذين يقدمون البيعة للبغدادي وهم يشهرون أسلحتهم ويتعهدون بالقتال حتى الموت على دين وأهداف ومبادئ التنظيم.
أكثر ما يشير إلى الاستراتيجية المخططة بعناية في أروقة التنظيم، ومعرفته جيدًا بالخريطة الجهادية في العالم، اعتماده اللغة الروسية المرتبة الثالثة بعد العربية والإنجليزية للتعامل بها داخل صفوف دولته المزعومة، وربما كان يريد إرسال طرف خيط إلى المخابرات وأجهزة الدولة الروسية لمعرفة عدد الروس بين خلايا التنظيم ضمن استراتيجية العنترية التي يتبعها لتخويف خصومه، لتكشف الأجهزة عن مفاجأة كبرى بوجود حوالي 23 ألف مقاتل يتحدث الروسية في صفوف التنظيم بسوريا والعراق وحدها، منهم حوالي ٢٠٠٠ من أصول روسية، وليسوا فقط يتحدثون الروسية.
نفس الأسباب التي تؤدي إلى التطرف في كل البلدان العربية والإسلامية، موجودة أيضًا في الشيشان، سواء ارتفاع نسبة البطالة، أو الخلل في البنى الاجتماعية للدولة، التي لم تحميها إعادة بناءها على الطراز الروسي، بعد نهاية صراعات التسعينيات المدمرة
“تملك الشيشان الخبرة القنالية لذا لدينا شعبية كبيرة داخل الدولة الإسلامية”، يقول المقاتل السابق ماشييف في حوار لموقع دويتشا فيلا الألماني، أجراه مطلع هذا العام، مؤكدًا أن الشيشان التي أعيد بناؤها بتمويل روسي بعد نهاية الحروب الدموية في التسعينات، أصبحت مرتعاً للتعصب الديني، وهو واقع ترفض قيادة الجمهورية الاعتراف به، بل إن رمضان قاديروف الرئيس الشيشاني، نفى تمامًا وجود مقاتلين شيشان في سوريا.
يرى ماشييف أن نفس الأسباب التي تؤدي إلى التطرف في كل البلدان العربية والإسلامية، موجودة أيضا في الشيشان، سواء ارتفاع نسبة البطالة، أو الخلل في البنى الاجتماعية للدولة، التي لم تحميها إعادة بناءها على الطراز الروسي، بعد نهاية صراعات التسعينات المدمرة، التي خلقت أرضا خصبة للتطرف الديني، حتى أصبح تجنيد أبناء الشيشان المهمة الأسهل على الإطلاق لداعش.
“رجال الشيشان أعظم جنود تنظيم الدولة”
يمكن القول، أن أبو عمر الشيشاني، وزير الحرب بتنظيم الدولة، هو أعظم من ظهر في صفوف داعش حتى الآن من القوقاز، تدرج في مناصب التنظيم القيادية، في ظل امتلاكه لخبرات ضخمة، كونها من مشاركته كمقاتل في حرب بلاده مع روسيا خلال الصراع على إقليم أبخازيا عام 2008؛ كان الشيشاني أحد أبرز القيادات العسكرية الداعشية المطلوبة للعديد من دول العالم، وخصوصًا في الولايات المتحدة وروسيا، قبل أن يعلن تنظيم الدولة عن مقتل وزير الحرب كما كانت تسميه الولايات المتحدة، في يوليو من عام 2016 .
كان الشيشاني صاحب مكانة مرموقة في التنظيم، تتحدث جميع التقارير التي تناولت سيرته عن علاقته الوثيقة بأبو بكر البغدادي، لذا احتل عددًا من المناصب الهامة والرفيعة بالتنظيم، بداية من توليه قيادة “مجلس شورى المجاهدين” عام 2014 في مدينة الرقة، ثم الإشراف على سجن الطبقة لاستخراج المعلومات الهامة من الرهائن الأجانب، بجانب هندسة عملية المناورة بهم مع البلدان الغربية.
في أواخر عام 2014، ومع صعود نجم الشيشان، حاولت أمريكا الوصول إليه بكل الطرق خصوصًا بعد توثيق رغبته في الانتقام منها عبر إصدار مرئي أذاعه التنظيم، قال فيه أبو عمر “إن أمريكا عدو الله ورسوله ويجب تحويل الحرب إلى عقر دارها”، لتحاول الولايات المتحدة بكل الطرق استهدافه وعندما فشت أدرجته على قوائمها المخصصة للإرهاب الدولي، وخصصت خمسة ملايين دولار لمن يفيد بمعلومات قد تقودها للوصول إليه.
طوال عامين ظل الشيشاني شبحًا يهدد أمريكا، إلى أن دارت معارك عنيفة في مدينة الشدادي السورية مطلع عام 2016، بين تنظيم الدولة الإسلامية، وقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة جوًا بطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ليلجأ التنظيم إلى بطله الخارق أبو عمر، فأرسل إلى مناطق الصراع لترجيح كفته، قبل أن يتتبعه الطيران الأمريكي المدعوم استخباراتيًا، ويستهدفه بضربة جوية مركزة، أصابته بجروح خطيرة ليعلن التنظيم بعد حوالي أربعة أشهر من إعلان أمريكا مصرع الشيشاني، نهاية مقاتله الجبار في يوليو من نفس العام.
بعد مقتل أبو عمر، اتخذ تنظيم الدولة أسلوبًا تكتيكيًا مع قادته المنتمين إلى القوقاز، خصوصًا أنهم الأكثر دراية بأمور الحرب، واستهدافهم يخسره الكثير، لذا أعلن في 2016 تولي قائد شيشاني آخر ــ لم يسمه ــ إمارة إقليم برقة على الحدود الغربية المصرية، وذلك في عز الصراع الدائر بين الجيش المصري وداعش، في محاولة من التنظيم لتكوين بؤرة له جديدة يستطيع من خلالها إعادة السيناريو السوري، وفي منطقة تذخر بحقوق البترول بجانب التوتر والصراع الدائر فيها بين جميع القوى الليبية على الأرض.
المثير أن أغلب ضحايا الفكر الداعشي تحديدًا، ينتمون إلى عائلات محترمة ومتدينة، ويرى الآباء في هفوة أبنائهم وصمة عار لشرفهم وشرف عائلاتهم، حسبما يقول الرئيس “قاديروف”، الذي يناصب التنظيم العداء رغم خلفيته الإسلامية المتشددة هو الأخر، ولا يسمح لمواطني بلاده الذين يقاتلون حاليًا في صفوف تنظيم الدولة بالعودة إلى وطنهم مرة أخرى
كانت الشيشان أهم مكونات جيش المهاجرين والأنصار، وبحسابات الواقع ظل هذا الجيش مصدر رعب كبير في غرف العمليات الحربية للتحالف، خصوصَا أن المعلومات الاستخباراتية الأمريكية، كانت تؤكد دائمًا أن الشيشان وليس البعثيين من سوريا والعراق، هم من يضعون أخطر الخطط الهجومية والدفاعية لتنظيم الدولة، آخرها تقرير سري للمخابرات الأمريكية كشف عنه المرصد السوري المعارض، الذي لفت إلى أن المقاتلون الشيشان هم الأكثر شراسة، وهذا ما يفسر إسناد مهمة قيادة الجهاز الأمني، وهو أخطر أنظمة داعش إلى القوقازيين، المتشددين أكثر من واضعي بذرة التنظيم أنفسهم.
المثير أن أغلب ضحايا الفكر الداعشي تحديدا، ينتمون إلى عائلات محترمة ومتدينة، ويرى الآباء في هفوة أبنائهم وصمة عار لشرفهم وشرف عائلاتهم، حسبما يقول الرئيس «قاديروف»، الذي يناصب التنظيم العداء رغم خلفيته الإسلامية المتشددة هو الآخر، ولايسمح لمواطني بلاده الذين يقاتلون حاليا في صفوف تنظيم الدولة بالعودة إلى وطنهم مرة أخرى، إلا من تاب منهم واعترف دون إجبار بقسوة، أيا كان سببه، سواء ضعف ثقافتهم الدينية، أو اهتزاز انتمائهم الوطني، وكلاهما عار ووبال على الشيشان بأكملها.
يذكر أن جماعة الإرهابية صناعة اميركية صهيونية، وتتبنى الفكر الوهابي التكفيري المتطرف الذي تروج له دول إقليمية تسعى لتمرير أجندة إقليمية ودولية تهدف لتجزئة المنطقة بعد تدميرها.