العديد من المفاوضات التي جرت بين روسيا وقيادة الفصائل في درعا، باءت بالفشل، إلا أن المفاوضات الأخيرة التي اتفق عليها كلا الطرفين نجحت لكن ليس بالشكل المطلوب الذي تأمله قوات المعارضة المسلحة في الجنوب السوري، حيث قدمت غرفة العمليات المركزية في الجنوب والتي تمثل معظم فصائل المعارضة في درعا، عدد من البنود لكنها لم تكن مرضية للطرف الآخر روسيا، وقوبلت بالرفض.
بنود الاتفاق بين الوفد الروسي وقيادة الفصائل
مصادر عن الوفد المفاوض ذكرت أن المقترحات المقدمة من الجانب الروسي تعد كخارطة الطريق نحو إيجاد حل يشمل كافة منطقة الجنوب السوري، وتضمنت بنود الاتفاق التي حصل عليها “نون بوست”، وقف الأعمال القتالية في الجنوب بصورة فورية من كلا الطرفين، فيما تعهد الجانب الروسي بعدم دخول قوات تابعة للنظام، والأمن إلى المناطق التي يشملها الاتفاق، إضافة إلى عودة النظام إلى المناطق التي كان فيها قبل بدء الهجمة على الجنوب.
كما سيتم تسليم السلاح الثقيل بصورة تدريجية، بالتزامن مع عودة الأهالي إلى القرى والبلدات التي نزحوا منها، وشملت البنود عودة مؤسسات الدولة المدنية إلى العمل، ضمن إدارة أبناء المنطقة وعودة جميع الموظفين إلى وظائفهم مع رفع العلم النظام السوري، كما نوه البيان إلى فتح مختلف الطرق بين قرى وبلدات الجنوب مع دمشق والسويداء أمام الحركة المدنية والاقتصادية.
شملت البنود تسوية أوضاع المنشقين بما يضمن سلامة وعدم ملاحقة أي منهم (مهما كانت صفتهم) وفتح طريق الخروج لمن يرغب بالهجرة إلى إدلب
ومن البنود المتفق عليها تشكيل قوة محلية في كل منطقة لضبط الأمن إضافة إلى تشكيل قوة مركزية مدعومة بالسلاح المتوسط لمساندة القوة المحلية في المنطقة وتتكفل القوة المركزية بحماية معبر نصيب مع إمكانية تقديم ما يلزم من قبل الفصائل لتأمين الطريق من معبر نصيب وحتى خربة غزالة، وبخصوص معبر نصيب اتفق على إدارته من قِبَل موظفين مدنيين بتأمين وحماية من قِبَل الشرطة الروسية والتسريع بتطبيق بنود اتفاق أستانا بما يتعلق بملف المعتقلين والمخطوفين لإطلاق سراحهم والبدء بتبادل الجثث والقتلى من الطرفين.
وشملت البنود تسوية أوضاع المنشقين بما يضمن سلامة وعدم ملاحقة أي منهم (مهما كانت صفتهم) وفتح طريق الخروج لمن يرغب بالهجرة إلى إدلب وتوزيع نقاط إجراء التسوية جغرافيا حسب الحاجة ضمن آلية متفق عليها، يعتبر الاتفاق بمثابة خارطة طريق وحل مناسب للوضع الراهن لحين إيجاد حل شامل على مستوى سوريا.
وتزامناً مع الاتفاق الذي عقد في يوم الجمعة 6/ تموز ـ يوليو بدأت الخطوة الأولى من تنفيذ بنود الاتفاق حيث بدأت الفصائل في ريف درعا الشرقي بتسليم السلاح الثقيل، فيما توجه النظام عشرات الحافلات لنقل النازحين من الحدود السورية الأردنية في “المنطقة الحرة” إلى مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي إلا أن مئات العائلات رفضت نقلهم بالحافلات الخضراء، وذلك خوفاً من أي اعتداءات من قبل قوات النظام والمليشيات الموالية له، أثناء عملية نقلهم، وبثت تسجيلات فيديو مصورة على موقع فيسبوك، تٌظهر رفض الأهالي الصعود في الباصات الخضراء، وسط مناشدات لملك الأردن لمراقبة ما يفعله النظام بهم حسب تعبيرهم.
اتفاق دون مكاسب للمعارضة.. ومخاوف للمدنيين من العودة
وفي السياق أكد الناطق الرسمي باسم غرفة العمليات المركزية في الجنوب إبراهيم الجباوي في تصريحات سابقة له، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الوفد الروسيّ يشمل مناطق شرق درعا فقط، وأشار الجباوي أنه لم يعد عناك غرفة عمليات مركزية تجمع الفصائل ولا يمكن الأخذ بالضمانات الروسية نسبة لتجارب سابقة، وأكد أن المناطق الممتدة من نوى حتى حدود الجولان لم يشملها الاتفاق.
تعد المناطق التي وقع عليها الاتفاق ما يقارب ثلث المناطق المحررة في الجنوب السوري
كما وصف الجباوي الاتفاق بالمحبط وحكم القوي على الضعيف، وأن التهديدات الروسية هي التي أجبرت الفصائل على التوقيع على الاتفاق، وعلى ما يبدو أخذت المعارضة المسلحة في الجنوب السوري موقفاً ضعيفًا في ظل الضغط الذي تعرضت له، من قبل معظم الدول كالأردن وروسيا وأمريكا، وحفاظاً منها على ما تبقى من المنطقة الجنوبية وافقت على الاتفاق خاصة مع اغلاق الحدود السورية الأردنية التي كان لها دور فاعل بزيادة معاناة النازحين المنتشرين على الشريط الحدودي.
وتعد المناطق التي وقع عليها الاتفاق ما يقارب ثلث المناطق المحررة في الجنوب السوري، ومع الهجمة الشرسة توجه عدد قليل من المدنيين إلى ريف درعا الغربي فيما توجه القسم الأكبر نحو الحدود السورية الأردنية، وتزداد مخاوف المدنيين الذين سيعودون إلى مناطقهم التي شملها الاتفاق لا ضامن لهم أبداً وهل سيفي الضامن الروسي الذي رعى الاتفاق أم أن هذا الاتفاق حبر على ورق وتعود قوات النظام إلى المنطقة وتسعى فساداً من خلال اعتقال الشبان كما فعلت في مناطق سابقة في حمص والغوطة.
تشكيل عسكري جديد في الجنوب السوري
أعلنت فصائل المعارضة المسلحة العاملة في الجنوب السوري يوم السبت 7/ تموز ـ يوليو عن تشكيل جديد في الجنوب تحت مسمى “جيش الجنوب”، يضم كافة فصائل المنطقة.
بيان تشكيل جيش الجنوب
وحصل “نون بوست” على نسخة من البيان الموحد للفصائل، وجاء فيه “نظراً لما تمر به الثورة السورية من مرحلة خطيرة، ولما تمر به مهد الثورة خصوصاً، ولضرورة توحيد الصفوف وتوحيد القرار العسكري والسياسي، بما يحفظ كرامة أهلنا ويحافظ على ثوابت الثورة؛ نعلن نحن الفصائل والكيانات العاملة في الجنوب السوري، انحلالنا واندماجنا تحت تشكيل عسكري موحد تحت مسمى (جيش الجنوب)”.
دعا جيش الجنوب في بيانه جميع الفصائل العاملة على أرض الجنوب، إلى الانضمام لهذا الجيش
وينضوي تحت التشكيل الجديد، كل من “جيش الأبابيل، المجلس العسكري في تسيل، وألوية قاسيون، وغرفة سيوف الحق، وألوية جيدور حوران، ولواء أحرار قيطة، وجيش الثورة في منطقة الجيدور، وغرفة عمليات النصر المبين، وغرفة عمليات واعتصموا، والفصائل المنحازة من المنطقة الشرقية، والمجلس العسكري في بلدة الحارة”.
ودعا جيش الجنوب في بيانه جميع الفصائل العاملة على أرض الجنوب، إلى الانضمام لهذا الجيش، وأعلن الجيش عن حالة النفير العام والجاهزية لقواته لاستقبال كل من يرغب برص الصف، وتوحيد الكلمة من أرض الجنوب، وأكد على “أن قرار الحرب لن يحول دون كرامتهم وأرضهم، فيما عاهدوا الله وأهل الجنوب السوري بأن يبذلوا دمائهم رخيصة في سبيل أرضهم”، ويضم التشكيل الأخير كافة الفصائل العاملة في الجنوب في كل من محافظتي القنيطرة ودرعا.
وفي السياق صرح قيادي في المعارضة السورية بالريف الغربي لدرعا، السبت 7/ تموز ـ يوليو عن تشكيل فريق تفاوض جديد، وذكر الدكتور أحمد الصالح، الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة جاسم، وعضو بخلية الأزمة التابعة للمعارضة المسلحة في درعا أنه “تم تشكيل جيش الجنوب في المنطقة الغربية والقنيطرة لرد أي عدوان طارئ على المنطقة وكما تم تشكيل فريق تفاوض من أجل التوصل لاتفاق يضمن سلامة أهلنا وشبابنا ويحفظ البلاد وتم البدء بإجراءات تنسيق التفاوض في المنطقة”.
ويأتي تشكيل هذا الفصيل على خلفية الاتفاق الذي عقدته غرفة العمليات المركزية في الجنوب مع الوفد الروسي وممثلي نظام الأسد، كما سبق وأعلنت غرفة العمليات المركزية في الجنوب انحلالها الاتفاق وذلك بلسان المتحدث الرسمي بغرفة العمليات في الجنوب إبراهيم الجباوي.
مع تزايد قوة الهجمة التي يوجهها النظام في الجنوب السوري، والمفاوضات التي لا تحقق مكاسب للمعارضة، يتخوف السوريون الذي يقطنون في المناطق المحررة في كل من إدلب وحلب، من مصير مماثل لما يجري في درعا
ويبدو أن تشكيل هذا الفصيل نابغ عن المشاكل التي تعرضت لها الفصائل في الجنوب والخيانات التي اقتادت بعض قيادات الفصائل إلى تسليم العديد من المناطق في ريف درعا الشرقي، ونتيجة هذا الفشل عملت هذه الفصائل على توحيد صفها، وذلك لتحقيق بعض المكاسب في المفاوضات التي ستجري مستقبلاً، فيما لا يخفى أن من المرجح أن يكون لجيش الجنوب دوراً بارزاً في قيادة أمن المنطقة، في المفاوضات المستقبلية، فهل ستعوض المعارضة ما خسرته؟ ولكن لن يدع النظام وروسيا الفصائل تستلم تلك المنطقة لأنها ستشكل عثرة عليهما في الجنوب وقد يكون مثيل هذا الريف كسابقه في المفاوضات، والأيام القادمة ستكون كفيلة بإخبارنا.
ومع تزايد قوة الهجمة التي يوجهها النظام في الجنوب السوري، والمفاوضات التي لا تحقق مكاسب للمعارضة، يتخوف السوريون الذي يقطنون في المناطق المحررة في كل من إدلب وحلب، من مصير مماثل لما يجري في درعا، وحملات التهجير الأخيرة جمعت أطياف المعارضة في المنطقة المحصورة بمحافظة إدلب وأجزاء من محافظة حماة وأرياف حلب، مما يؤكد وجود خزان بشري ضخم في هذه المناطق قد تفوق المعاناة ما يحصل في الجنوب في حال كان مصير الشمال السوري مماثلاً، ونهاية العمليّات في جنوب سوريا تضع الشمال السوري أمام خطر كبير، على أصحاب القرار العسكري قبل السياسي إيقاف الجري وراء السلطة والمال والداعم العسكري والكشف عن مصير ملايين الناس في إدلب وحماة وحلب، والتجهيز لمعارك محتملة مع النظام وروسيا وإيران، مع نهاية ملف الجنوب.