عيدروس الزبيدي الشاويش القادم من محافظة الضالع يرى نفسه أقرب إلى حلمه في رئاسة جنوب اليمن أكثر من أي وقت مضى، بعد أن وجدت فيه الإمارات ضالتها المنشودة في مهمة جمع البيادق السوداء لرعاية مشروعها الكولونيالي في اليمن.
ولد عيدروس قاسم الزبيدي عام 1967 بقرية زُبيد بمحافظة الضالع وسط اليمن، وهو العام نفسه الذي شهدت فيه اليمن إجلاء آخر جندي بريطاني، وبها تلقى تعليمه الأساسي والثانوي قبل أن ينتقل إلى عدن ليلتحق بالكلية الجوية التي تخرج منها برتبة ملازم ثانٍ، بعدها بعام واحد أُدرج ضمن وزارة الداخلية فيما كان يعرف حينها بالجنوب العربي إبان الحكم الاشتراكي في النظام الشطري الذي أفل نجمة بعد تحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب في 22 من مايو/أيار 1990، في تلك الفترة جنح الزبيدي – أسوة بالقيادات الجنوبية – للوحدة، وانتقل إلى صنعاء حيث أوكلت إليه كتيبة حماية السفارات والمنشآت، كما تم ضمه إلى القوات الخاصة.
لم تكد تنقضي 4 سنوات من عمر الوحدة اليمنية حتى بدأت تتعثر بثوبها، حيث بلغت حالة الاستقطاب بين الشمال والجنوب ذروتها مع حلول عام 1994، تبدلت فيها المواقف رأسًا على عقب، وبدأت ملامح انفراط عقد الوحدة بالظهور، فما إن انبثقت شرارة حرب الانفصال حتى غادر الزبيدي حاضرة البلاد والتحق بركب المعسكر الانفصالي الذي كان يعرف بـ”جيش جمهورية اليمن الديمقراطية” طمعًا في نيل منصب ذي شأن في حكومة الجنوب التي يبدو أنه بالغ كثيرًا في تقدير قوتها وراهن على انتصارها، ليُصدم ورفاقه بهزيمة ماحقة أطاحت بالمعسكر الانفصالي حين دخلت القوات الشمالية مدينة عدن يوم 7 من أبريل/نيسان من العام نفسه، ففر الزبيدي مع من فر إلى جيبوتي خوفًا من الاعتقال أو المحاكمة بتهمة التمرد.
تلك المجموعة التي أسسها الزبيدي اضطلعت بالقيام بتفجيرات وقلاقل، وخططت لاغتيال شخصيات عسكرية موالية لنظام علي صالح
علاقة بالية مع السعودية
خلال تلك الفترة كانت المملكة العربية السعودية تبحث عن أوراق ضغط على نظام الرئيس الراحل علي عبد لله صالح الذي كان حينها يماطل في الامتثال لرغبتها بترسيم الحدود، فكان الزبيدي أحد تلك الأوراق، حيث استقطبته المخابرات السعودية، فبعد عامين في المنفى لعب المال السعودي لعبته في إعادة الزبيدي سرًا إلى اليمن، ليؤسس بادئ الأمر خلية من المخربين أطلقت على نفسها حركة “حتم” وهي اختصار لـ”حق تقرير المصير”، وهو شعار شعبوي توارت تحته حركة الزبيدي لكسب تعاطف اليمنيين الجنوبيين الذين يرون فرض نظام صنعاء للوحدة بقوة السلاح غبنًا في حقهم.
تلك المجموعة التي أسسها الزبيدي اضطلعت بالقيام بتفجيرات وقلاقل، وخططت لاغتيال شخصيات عسكرية موالية لنظام علي صالح، وقد فطن الأخير لتلك الزوبعات التي كان الريال السعودي محركها الأول، فأذعن لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية عام 2001، وحينذاك أمسكت الرياض كفها عن ضخ الدعم المالي للزبيدي وحركته، وتخلت عنه ليصبح مطاردًا يلاحقه حكم الإعدام غيابيًا الذي أصدر ضده من المحكمة العسكرية، قبل أن يصفح عنه نظام صالح بعد ذلك.
من ريال الرياض إلى درهم أبو ظبي
غياب الزبيدي وحركته المشبوهة عن الواجهة لم يدم طويلًا، حتى ظهر ببيان يعلن فيه عوده نشاط حركته “حتم” من جديد، تزامنًا مع احتجاجات ثورة الشباب السلمية عام 2011، لكن ظهوره هذه المرة كان لمصحة زبون آخر غير الرياض، إنما أبوظبي التي ساورها القلق من احتمال فقد مصالحها في اليمن في حال رحيل صالح الذي أخلص في تقدير مصالحها على حساب كثير من المصالح الوطنية، فافتعل الزبيدي وزمرته أعمال شغب مسلحة راح ضحيتها عدد من العسكريين.
ما إن أصبح الزبيدي محافظًا لعدن، حتى اشتد ساعده بدعمٍ من الإمارات التي سارعت إلى إحكام قبضتها على الجنوب وتجنيد آلاف العناصر خارج نطاق الشرعية
متمرد في سربال ثائر
لمع نجم الشاويش المنبوذ الذي أحيط بهالة ثورية من أولياء نعمته في أبوظبي عقب مشاركته إلى جانب التحالف العربي في القتال لدحر المسلحين الحوثيين عن المحافظات الجنوبية التي كانوا قد سيطروا عليها، وقد شفع له ذلك إلى جانب ما استتر به من ولاء للشرعية بهدف استدرار رضا الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي عينه محافظًا للعاصمة المؤقتة عدن خلفًا للمحافظ جعفر محمد سعد الذي أُغتيل بسيارة مفخخة بمدينة عدن في بداية ديسمبر/كانون الأول عام 2015.
ما إن أصبح الزبيدي محافظًا لعدن حتى اشتد ساعده بدعمٍ من الإمارات التي سارعت إلى إحكام قبضتها على الجنوب وتجنيد آلاف العناصر خارج نطاق الشرعية، بنيت على ولاءات سقيمة لخدمة أجندة أبوظبي، آنئذٍ بدأ الزبيدي في إظهار عقوقه السياسي والتمرد على قرارات الرئيس هادي، ما دفع الأخير إلى إصدار قرار يقضي بعزل أهم حليفين للإمارات بعدن (عيدروس الزبيدي ووزير الدولة السلفي هاني بن بريك) في 27 من أبريل/نيسان 2017 على خلفية تجاوزاتهما المتكررة في الانصياع للسلطة الشرعية مراعاة لمصالح أبو ظبي.
قرار العزل جاء بعد ساعات من نشوب فوضى أمنية في مطار عدن الدولي، عقب قيام قوات موالية للوزير بن بريك بإيقاف قائد اللواء الرابع حماية رئاسية مهران القباطي في المطار، وإجباره على العودة بطائرة خاصة إلى الرياض.
الأمر الذي سخن الموقف بين الشرعية والإمارات وأذنابها في عدن إلى مستويات حرجة، على إثره تململت الدعوات الشطرية وعَلَتْ صيحتها المطالبة بالتشطير وإثارة بواعث الفوضى في العاصمة المؤقتة، مُحدثة شرخًا سياسيًا في صف الشرعية ما زال يتسع إلى الآن، حيث خرج الزبيدي يكيل الشتائم متحديًا السلطة الشرعية، ومعلنًا تشكيل ما أسماه “المجلس الانتقالي الجنوبي” في 11 من مايو/أيار 2017، وهو عبارة عن هيئة سياسية تضم لفيفًا من الجنوبية المؤيدة للانفصال برئاسة الزبيدي، وضمّت التشكيلة قرابة 24 عضوًا من عدد من المحافظات الجنوبية، من الشخصيات التي تربطها علاقات جيدة مع الإمارات.
أبدى مسؤولون حكوميون في الإمارات غبطتهم من التصعيد الشطري في عدن، على نحو أظهر للعلن أن الإمارات تنظر إلى ما يحدث في عدن على أنه معركتها هي
الكيان الجنوبي وكرة الثلج
بعد أن تلا الزبيدي بيانه بشأن مجلسه الانتقالي سارعت بعض القيادات الانفصالية التقليدية إلى إعلان موقفها المؤيد للمجلس، كما صرح الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض – الذي تستضيفه الإمارات على أراضيها – بوقوفه إلى جانب مجلس الزبيدي، معتبرًا ذلك “إنجازًا تاريخيًا”.
فضلًا عن ذلك أبدى مسؤولون حكوميون في الإمارات غبطتهم من التصعيد الشطري في عدن، على نحو أظهر للعلن أن الإمارات تنظر إلى ما يحدث في عدن على أنه معركتها هي، لـ”تأديب” الرئيس هادي حين أزمع على تقليم أضافر عملائها في عدن.
وفي 14 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن تشكيل ما أسماه الجمعية الوطنية العمومية من أكثر من 300 عضو من المحافظة الجنوبية، في مسعى لخلق جسم سياسي واضح الملامح لدولة موازية يسوق زمامها عيدوس الزبيدي.
تمرد الزبيدي قوبل بردود فعل غاضبة من المؤيدين للشرعية التي يرأسها رئيس جنوبي (عبد ربه هادي) من محافظة أبين، معتبرين أن الزبيدي خائن للقضية الجنوبية، وأنه يحاول شخصنتها بإذكاء الانقسامات لتحقيق الانفصال أملًا في رئاسة الجنوب، مستفيدًا من موقف الإمارات التي لا ترى أن مصلحتها إعادة اليمن إلى الحكم الشطري.
يرى الزبيدي أن الظروف مهيأة والفضاء خالي ليتصرف كرئيس لجنوب اليمن، في ظل سلطة شرعية أصبحت قليلة الحلية في ردع التمرد الذي يتعاظم تأثيره مع مرور الوقت، ومع استمرار الإمارات في رعاية المشروع الانفصالي الذي أصبح له ميليشيات مسلحة ومنابر إعلامية من قنوات ومواقع إخبارية جلها بتمويل ورعاية إماراتية.
يعد ما حققه الزبيدي إلى الآن في نظر مؤيديه إنجازًا كبيرًا، فالإمارات التي صنعت من قبله السيسي وحفتر وفَّرت دعمًا سخيًا لنشاطه وجعلت منه بعبعًا انفصاليًا يتمسح بأعتابها
الرئيس عيدروس الزبيدي
خلال الفعاليات التي ينظمها “المجلس الانتقالي” يُقَدّم فيها الزبيدي للجماهير بصفته رئيسًا للجنوب، يتحدث باسمهم بما يقتضيه هواه، في حين لا يجرؤ الجنوبيون الرافضون لاستثمار قضيتهم أو اختزالها في شخصية الزبيدي وطموحاته السياسية.
قبل أيام وفي ذكرى دخول القوات الشمالية عدن التي تصادف الـ7 من يوليو/تموز الحاليّ نظم مجلس الزبيدي فعالية في عدن، أطل الزبيدي بكلمة تحريضية ضد من وصفهم بـ”الأعداء”، في إشارة إلى أنصار الوحدة التي قال إنها ذكرى أليمة عنوانها ضياع الوطن ظلمًا وتجبرًا دون وجه حق، متوعدًا من نعتهم بـ”عصابة 7\7″ بدفع ثمن فعلتهم.
نبرة الوعيد هذه أصبحت لازمة في لغة الزبيدي مؤخرًا، حيث أكد في حوار له مع موقع “إرم نيوز” الإماراتي مطلع هذا الأسبوع، تشبثه بحلمه الشطري وأنه ما زال بحوزته الكثير من الأوراق، حيث قال “إننا لن نتخلى عن أحلامنا وأحلامهم المتمثلة باستعادة وطننا الجنوبي وحقنا في تقرير مصيرنا، أما عن المستقبل فالأيام حبلى بالمفاجآت، ونحن نملك الكثير من الأوراق”.
ما حققه الزبيدي إلى الآن يبدو في نظر مؤيديه إنجازًا كبيرًا، فالإمارات التي صنعت من قبله السيسي وحفتر وفَّرت دعمًا سخيًا لنشاطه وجعلت منه بعبعًا انفصاليًا يتمسح بأعتابها، يرى نفسه الآن قاب قوسين أو أدنى من حلم راوده كثيرًا، في أن يلج باب السلطة بشفرة الدرهم كأول رئيس جنوبي بعد فض الوحدة التي ما تزال إمكانية فسخها محض تكهنات.