مازالت المملكة المغربية إلى الآن تدفع ثمن موقفها الحيادي تجاه قضية حصار قطر، فبعد امتناع السعودية ودول الحصار (الإمارات والبحرين) التصويت للملف المغربي لاحتضان فعاليات كأس العالم 2026، وقبلها تغير خطاب السعودية والإمارات بخصوص قضية الصحراء الغربية، وصل الأمر الأن إلى حدّ تقليص الاستثمارات والهبات الخليجية الموجهة للمملكة بشكل غير مسبوق.
تقلّص الهبات
كشف الإطار العام لاستعدادات الحكومة المغربية لمشروع قانون المالية لسنة 2019 عن وجود مجموعة من التحديات التي تواجه حكومة سعد الدين العثماني في ثاني مشروع لقانون المالية منذ تعيينه، في مقدمتها ارتفاع ثمن المحروقات في السوق الدولي، وتقلص الدعم الخليجي للمغرب.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي في ندوة صحفية أعقبت المجلس الحكومي أن الهبات الخارجية بالنسبة للمغرب تقلصت. وأوضح المسؤول الحكومي أن تدفق الاستثمارات الخارجية تراجع في 5 أشهر الماضية لغاية شهر مايو/أيار مشيراً إلى أن من أحد تحديات الحكومة هو تحفيز مناخ الاستثمار والأعمال وتعزيز الثقة.
سبق أن أشار البنك المركزي المغربي إلى إمكانية عدم تجديد الاتفاق مع دول الخليج
ما زال بنك المغرب ينتظر وصول الهبات المتبقية من مجلس التعاون الخليجي، التي تقدر بـ7 مليارات درهم، والتي يفترض أن يتم التوصل بها في سنة 2018. وجرى رصد مبالغ الهبات في حساب خاص بالخزينة من أجل تمويل مشاريع في قطاعات الزراعة، والبنيات التحتية، والصحة، والسكن، والتعليم العالي، والتربية الوطنية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ويشترط لتقديم تلك المساعدات وضع مشروعات، تجيزها لجان مشتركة، كي يتم تحويل المبالغ المالية المتفق عليها بين الطرفين. وتوجه تلك المساعدات للاستثمار في مشاريع يراد من ورائها دعم الاقتصاد المحلي، حيث البنيات التحتية، والقطاع الصحي والسياحة.
ولم تتعد منح دول مجلس التعاون الخليجي، إلى حدود مايو/ أيار الماضي، نحو 15.5 مليون دولار، مقابل 112 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، حسب الخزانة العامة للمملكة المغربية. ويتوقع المغرب الحصول في العام الحالي من دول مجلس التعاون الخليجي على 740 مليون دولار، بعدما حصل العام الماضي على نحو 950 مليون دولار.
عدم تجديد الاتفاق
مع تراجع الاستثمارات والهبات المرصودة للمغرب، بدأ الحديث في المملكة عن إمكانية عدم تجديد دول مجلس التعاون الخليجي الاتفاق الذي تقدم بموجبه منحا للمغرب، والذي ينتهي سريان الاتفاق القائم بنهاية العام الحالي 2018، وهو ما سيؤثّر على اقتصاد البلاد.
وكان المغرب قد أبرم اتفاقا من أجل الحصول على منح بقيمة 5 مليارات دولار من أربع دول من مجلس التعاون الخليجي، ممثلة في قطر والسعودية والكويت والإمارات. ووفق محافظ البنك المركزي المغربي، في مناسبة سابقة، فإن ما تبقى من ذلك المبلغ يصل إلى 740 مليون دولار، حيث جرى إدراجه ضمن حسابات الموازنة ورصيد النقد الأجنبي.
تأثر الاقتصاد المغربي نتيجة عم إيفاء الخليجيين بالتزاماتهم
تم الاتفاق على رصد مبلغ الهبات بين 2012 و2016، لتمويل مشاريع تنموية بالمغرب، حيث التزم كل بلد من البلدان الأربعة بتوفير 1.25 مليار دولار. غير أن تباطؤ وتيرة صرف تلك الهبات في بعض السنوات، جعل مدة استحقاقها تمتد لغاية العام الحالي. وتدفقت التحويلات في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، وفق البيانات الرسمية، كي تتجاوز توقعات الحكومة المغربية بنحو 12%.
وسبق أن أشار البنك المركزي المغربي إلى إمكانية عدم تجديد الاتفاق مع دول الخليج، حيث خفض توقعاته لرصيد النقد الأجنبي في 2019، مقارنة بالعام الحالي. وكانت هبات دول الخليج قد مثلت في العام ما قبل الماضي، 68% من مجمل الهبات التي تلقتها المملكة، حسب تقرير لمكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية.
تراجع الاحتياطي الأجنبي
يراهن المغرب على تلك التحويلات هذا العام من أجل المساهمة في حصر عجز الحساب الجاري في حدود 4.1% من الناتج الإجمالي المحلي، حسب البنك المركزي. وساهمت التحويلات التي حصل المغرب عليها من دول الخليج لغاية مايو/ أيار الماضي، في تعزيز إيرادات الحسابات الخاصة بالخزانة العامة، التي وصلت إلى حوالي 4 مليارات دولار.
تباطؤ وتيرة تحويل مساعدات مجلس التعاون الخليجي للمغرب زاد بعد أزمة حصار قطر
في حال إيفاء دول الخليج بالتزاماتها تجاه المملكة المغربية، من المنتظر أن تساهم تلك التحويلات في دعم احتياطي المغرب من النقد الأجنبي، ليصل إلى 255.4 مليار دهم (27.1 مليار دولار)، ما سيغطي 5 أشهر و25 يوما من المشتريات من الخارج، حسب بيانات المركزي المغربي، وفي حال لم تفي بذلك فسيشهد الاحتياطي الأجنبي تراجعا كبيرا.
وتوقع البنك المركزي المغربي أن يسجل النمو الاقتصادي للبلاد نهاية العام الحالي 3.6 %، على أن ينخفض إلى 3.1 % عام 2019، بسبب ضعف نشاط قطاع الصناعة والخدمات الذي سينمو 3.2 %خلال العام الحالي و3.5 % العام المقبل.
أزمة النفط أم حصار قطر
لئن أرجع بعض المحلّلين سبب تراجع الهبات الخليجية المخصّصة للمغرب إلى تراجع عائدات النفط في هذه الدول خاصة المملكة العربية السعودية، فإن العديد من المتابعين للشأن المغربي يرى أن هذا التراجع سببه الموقف المغربي من قضية حصار قطر.
وتباطأت وتيرة تحويل مساعدات مجلس التعاون الخليجي للمغرب، منذ بدء تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، منتصف العام 2014، إلا أن التراجع ظهر بشكل أكثر وضوحا خلال العام الماضي، خاصة بعد بدأ أزمة حصار قطر.
العديد من المتابعين للشأن المغربي يرى أن هذا التراجع سببه الموقف المغربي من قضية حصار قطر
مع بدء فرض الحصار على قطر في يونيو 2017، أعلن المغرب البقاء على الحياد الإيجابي والرغبة بلعب وساطة لحل الأزمة، حيث دعا الملك محمد السادس الأطراف المعنية في الأزمة الخليجية إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبديًا استعداد المملكة للوساطة من أجل حل الأزمة.
كما قرّر المغرب حينها إرسال طائرة محملة بمواد غذائية إلى قطر، “تماشيًا مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما يستوجبه، خاصة خلال شهر رمضان الكريم، من تكافل وتآزر وتضامن بين الشعوب الإسلامية”، حسب بيان للخارجية المغربية.