فيما تعاني الساحة الفلسطينية انسدادًا سياسيًا داخليًا بين حركتي فتح وحماس، وخارجيًا مع “إسرائيل”، ويزداد الحديث عن خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع تدهور وضعه الصحي، يظهر العالم الفلسطيني ورجل الاعمال واسع الانتشار في الولايات المتحدة الأمريكية الدكتور عدنان مجلي، بشكل مفاجئ على خريطة المرشحين لخلافة الرئيس عباس؛ ليفتح ظهوره الصراع على منصب الرئيس القادم.
عدنان مجلي.. قصة الظهور السياسي المفاجئ
وسط هذا الوضع الفلسطيني المتأزم، كانت الاستطلاعات والاستقراءات تحوم حول شخصيات في الساحة الفلسطينية لها تجربتها السياسية داخل الصندوق الفلسطيني مثل محمد دحلان ومراوان البرعوثي وجبريل الرجوب وسلام فياض وفرج عريقات، وبورصة الأسماء واسعة وتشمل شخصيات عديدة، فخلافة عباس معركة قد تكون أطرافها معروفة نسبيًا، ولكن أوراق اللعب ما زالت خفية.
لكن وبشكل مفاجئ ومن خارج الصندوق يظهر اسم عدنان مجلي في الصحف الأوروبية ومواقع عربية وفلسطينية، ومع ظهور العديد من الصفحات الممولة التي تروج له خلال الأيام القليلة الماضية طُرح اسم الرجل بقوة في الساحة السياسة الفلسطينية برغبة دولية وإقليمية فيما يبدو، خاصة من الرياض وواشنطن.
وحين تطلع على السيرة الذاتية لعالم الكيمياء الطبية، تجد أنه قريب جدًا من الطب وإدارة الأعمال، وبعيد كل البعد عن الساحة السياسية، فقد حصل على الدكتوراه من جامعة “إكستر” البريطانية، وحقق أكثر من 800 براءة اختراع، وابتكر أدوية للأمراض المستعصية كالسكري والإلزهايمر.
وفي مجال الأعمال، يمتلك مجلي خبرة عملية طويلة، فهو يترأس شركة “ترانزتك فارما” للأبحاث الطبية بأمريكا، والرئيس التنفيذي لمجموعة مجلي التنفيذية التي تضم شركات للطاقة والمراقبة والإنشاءات والمقاولات والصرافة، وجمعية “الدكتور عدنان مجلي التعليمية الخيرية” لدعم طلاب الجامعات الفلسطينية المتفوقين لاستكمال تعليمهم.
مع بداية العام الحاليّ ألقى عالم الكيمياء الطبية عدنان مجلي معطف المختبر في شركته الشهيرة “ترانزتك فارما” التي تُوصف بأنها “إمبراطورية طبية”، وحضر في يناير/كانون الثاني إلى قطاع غزة
ومع بداية العام الحاليّ ألقى عالم الكيمياء الطبية عدنان مجلي معطف المختبر في شركته الشهيرة “ترانزتك فارما” التي شهدت نجاحًا كبيرًا، وتُوصف في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها “إمبراطورية طبية”، وحضر في يناير/كانون الثاني إلى قطاع غزة، بالتزامن مع إعلان القطاع “منطقة منكوبة إنسانيًا”.
ورغم أن جولة الرجل بدت “علمية خيرية” في ظل الظروف التي يشهدها القطاع، فإن وصوله من معبر بيت حانون/إيريز، في وقت يصعب فيه على الكثير من الشخصيات الوصول إلى هذه المنطقة الجغرافية المحاصرة، دون إرادة إسرائيلية أو إرادة إقليمية، جعل الزيارة تُوصف بـ”السياسية”، وقد أثار استدعاؤه من حقل طبي علمي الكثير من التساؤلات عن تلك الشخصية التي اقتصرت اهتماماتها قبل ذلك على مجال الاختراعات والبحث العلمي، ولم تكن ذات اهتمام مسبق بإدارة ملفات سياسية شائكة.
أسئلة أخرى أُثيرت عن أهداف الزيارة في هذا التوقيت تحديدًا، والواقع السياسي المتزامن مع الحديث المتكرر عن وجود مؤشرات لصناعة قيادات جديدة في الخارج، ومخططات التسوية وإنهاء القضية الفلسطينية، وكذلك لقاؤه فصائل فلسطينية وشخصيات عامة وعشائرية، على رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في وقت قيل فيه إن زيارته للتعريف بشخصه وقدراته الاقتصادية والعملية والسياسية، فيما وصفت حماس اللقاء معه بأنه كان حديثًا معمقًا عن آخر التطورات الفلسطينية، خاصة في ملف المصالحة وضرورة إنجازه الملف في أقرب وقت.
مجلي خلال لقائه فصائل فلسطينية وشخصيات عامة على رأسها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية
من مختبر الكيمياء إلى مختبر السياسة
تزامن مع هذه الزيارة حديث فلسطيني وإقليمي عن ترشيح مجلي لدخول المعترك السياسي الفلسطيني، وهو حديث ليس جديدًا، ففي الأسبوع الأول من فبراير/شباط 2017، نشرتبعض وسائل الإعلام الفلسطينية أخبارًا تتحدث أن الرئيس عباس، يفكر في تعيين عدنان مجلي رئيسًا للحكومة الفلسطينية الجديدة، حيث يعد صديقًا مقربًا من نجل عباس، وله علاقات مع الحزب الجمهوري الأمريكي.
ووفقًا لمصادر مقربة من حركة حماس، لصحيفة الأخبار اللبنانية التي نشرت تقريرًا وصفت فيه مجلي بـ”صديق ترامب”، قُدمت الزيارة على أن الرجل سيكون له دور في السياسة الفلسطينية قريبًا، وذلك بتزكية من الرئيس محمود عباس ضمن توصيات أمريكية، كما طُرح اسمه ليكون رئيس وزراء في أي حكومة وحدة وطنية مقبلة.
لعل ذلك ما دفع مواقع إعلامية تابعة للقيادي المنشق عن حركة فتح محمد دحلان، لمهاجمة الزيارة التي انصبت على حماس، ما دفع البعض لربط الهجوم بخشية دحلان من موافقة الإدارة الأمريكية ومعها دول عربية على جعل مجلي بديلًا عنه في المرحلة القادمة، خاصة أن عدم مشاركة هذا الرجل في الساحة السياسية قد تجعله بديلًا مقبولًا للفلسطينيين في ظل الصورة السوداء عن الأسماء البديلة المطروحة فلسطينيًا، سواء من فتح أم خارجها.
الأطراف الدولية الفاعلة – وخاصة الولايات المتحدة – ربما تمنح مجلي امتيازًا لزيادة نفوذه السياسي بين من ينافسه لتسلم مواقع قيادية فلسطينية
أما على صعيد بروز دوره السياسي، فإن مجلي يرتبط بعلاقات وثيقة مع أوساط في النخبة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما مع الحزب الجمهوري، كذلك له علاقات مع شخصيات مهمة في الحزب الديموقراطي كـ”هيلاري كلينتون”، وهو من رتب الاتصال الأول بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والفلسطيني محمود عباس في مارس/آذار من عام 2017.
كما أن الاتحاد الأوروبي الذي يُعتبر الداعم والراعي الأكبر للفلسطينيين سياسيًا واقتصاديًا، يبحث عن قياديين محتملين من خارج الدوائر السياسية المعروفة والمألوفة، وهنا يبرز اسم عدنان مجلي، بحسب ما نشره موقع “إيلاف” السعودي نقلًا عن مصدر أوروبي، فالهدف كما يبدو من طرح وتعويم بعض الأسماء الجديدة هو خلق نقاش فلسطيني فعال عن القيادة المستقبلية للفلسطينيين في ظل الظروف الجديدة والقديمة التي تسود الشارع الفلسطيني، كإعلان ترامب بأن القدس عاصمة “إسرائيل” وعملية المصالحة المتجمدة.
هذه الأطراف الدولية الفاعلة – وخاصة الولايات المتحدة – ربما تمنح مجلي امتيازًا لزيادة نفوذه السياسي بين من ينافسه لتسلم مواقع قيادية فلسطينية، بسبب امتلاكها مفاتيح التأثير الدبلوماسي والتمويل المالي في فلسطين، وفي الوقت نفسه، قد تسبب هذه العلاقات له إحراج شعبي، كون الاقتراب من الإدارة الأمريكية ليس إيجابيًا بنظر الرأي العام الفلسطيني، لأنها تدعم “إسرائيل” ضده، لا سيما الإدارة الحاليّة.
وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني، في وقت سابق: “القيادة الفلسطينية باتت تساورها مخاوف جدية من إمكانية قيام الإدارة الأمريكية والإسرائيلية بخلق بدائل عن القيادة الحاليّة”، واصفًا تعامل عباس مع هذه الأطروحات بـ”الجدي”، ليس في إطار التدخل السياسي لتغيير السياسات للسلطة فقط، “بل تغيير طبيعة ومضمون ووظيفة السلطة والقيادة الفلسطينية”.
يرتبط مجلي بعلاقات وثيقة مع شخصيات مهمة في الحزب الديموقراطي كـ”هيلاري كلينتون”
على أبواب السلطة الفلسطينية
بعد أشهر قليلة من الزيارة الأولى لقطاع غزة، وتحديدًا في يوليو/تموز من عام 2018 كان الظهور الأبرز للعالم الفلسطيني من خلال زيارته الثانية للقطاع ولقائه بقادة حماس وعقده سلسلة اجتماعات وفعاليات شعبية ورسمية، والأهم من ذلك أعلن مجلي خلالها مبادرة سياسية للإنقاذ الوطني وإنهاء الانقسام الفلسطيني في أواخر يونيو/حزيران.
وأمام مجموعة من النخب السياسية والأكاديمية في قطاع غزة طرح عدنان مجلي مبادرة سياسية جديدة لإنهاء الانقسام الفلسطيني ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع تتضمن عودة الفلسطينية لإدارة الحكم في غزة ودخول حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تحظى بمختلف القوى السياسية، وإجراء انتخابات عامة في موعد يتفق عليه.
ويرى مجلي أن مبادرته السياسية تتطلب إعادة إحياء المجلس التشريعي وإجراء انتخابات عامة وتوحيد القوى والتشكيلات العسكرية في غزة كافة ضمن قوات الأمن الوطنية التي ستخضع لإدارة تامة من وزارة الداخلية والحكومة الفلسطينية مع دعوة حماس لتجميد تطوير السلاح وحفر الأنفاق واعتماد المقاومة السلمية وسيلة للعمل الوطني في هذه المرحلة.
وفي رصد لردود الفعل، التزمت الفصائل الفلسطينية الصمت إزاء مبادرة مجلي، ولم تعلن مواقفها، ربما لدراستها بشكل هادئ، لكن وسائل الإعلام الفلسطينية علقت عليها، فمن عارضها من الكتاب اعتبرها تمهد الطريق لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وإغراء الفلسطينيين بتحسين ظروفهم الاقتصادية على حساب القضية الوطنية، ومن أيدها رأى أنها تقدم رؤية جديدة تستحق الاحترام والتقدير، نابعة من حرص مجلي على القضية الفلسطينية، بعد ما وصلت إليه من تيه وضياع، وما وصل إليه الفلسطينيون من إحباط.
أما حماس فلم تعلن موقفًا علنيًا بخصوص مبادرة مجلي ومواقفه السياسية، لكن لقائه مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس بمكتبه بمدينة غزة في 30 من يونيو/حزيران، شهد نقاشًا معمقًا عن آخر التطورات السياسية للقضية الفلسطينية وسبل التعامل معها، وبحث التحركات الجارية محليًا وإقليميًا ودوليًا حول أوضاع قطاع غزة، والتخفيف عن الفلسطينيين وإنهاء الحصار، كما جاء في بيان للحركة على موقعها الرسمي.
فيما لم تبد السلطة الفلسطينية تحمسًا كبيرًا إزاء ظهور مجلي، ربما لأنه ليس فتحاويًا، أو لأنه خارج المنظومة الحاكمة، وقد تخشى أن يتم فرضه عليها من قبل المجتمع الدولي بعد غياب محمود عباس عن المشهد السياسي، كما لم تعقب السلطة الفلسطينية رسميًا على ظهور مجلي في الساحة السياسية.
وفي 4 من يوليو/تموز، أعلنت وكالة “سما” الإخبارية المحلية في استطلاع رأي سألت فيه: أي من الشخصيات الفلسطينية الأنسب لموقع رئيس الحكومة؟ ووضعت مجلي بين أسماء قيادية أخرى كرئيس الوزراء الحالي رامي الحمد الله ورئيس الوزراء السابق سلام فياض، على أن ينتهي التصويت في أغسطس/آب، فهل نجاح مجلي في المجالين الأكاديمي والأعمال يعني بالضرورة أنه ناجح في العمل السياسي؟
وسائل إعلام تحدثت عن أن الرئيس عباس يفكر في تعيين عدنان مجلي رئيسًا للحكومة الفلسطينية الجديدة
هل يصل “الرقص على حبال التناقضات” بمجلي إلى السلطة؟
ربما لا تبدو الطريق معبدة أمام مجلي لتولي مواقع قيادية رفيعة المستوى في الساحة الفلسطينية، في ظل وجود قيادات فصائل تاريخية وسياسية كبيرة، الأمر الذي قد يجعل اسمه مرشحًا ضمن أسماء أخرى لتولي مهام تكنوقراطية فنية أكثر من كونها سياسية، كرئيس للحكومة أو وزير المالية، وهي مواقع قد تحظى بتأييد فصائل كبيرة وازنة، نظرًا لخبرته المالية والاقتصادية.
وقد يصطدم مجلي بدحلان، وهو واحد من تلك القيادات التي تتربع على قائمة المرشحين المحتملين لرئاسة السلطة الفلسطينية، فالأخير يرى أن مجلي منافس له في إمكانية وراثة الرئيس محمود عباس، وهذا الأمر انعكس بشكل أساسي في جميع وسائل الإعلام التابعة له؛ حيث هاجمته منذ البداية، لأن عدنان مجلي ليس لديه الإشكالات التي يعاني منها دحلان، والمتمثلة في الرفض الشعبي له لدى الكثير من سكان القطاع – القريبين من حماس – الذين يرونه شريكًا في أحداث الانقسام عام 2006 و2007.
وبحسب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، وعضو شبكة السياسات الفلسطينية بلال الشوبكي، فإن تبني دحلان من الإمارات لا يعني بالضرورة أن السعودية راضية عن شخص دحلان، وبالتالي هناك طرح لمجلي وكأنه رجل السعودية في فلسطين، كما للإمارات رجلها، وهذا الأمر الذي قرأه دحلان والمقربون منه، ولذلك ربما يحاولون الآن التصدي لمجلي.
كما أن مواقف عدنان مجلي المتناقضة من بعض القضايا الجوهرية قد لا تعينه على تقلد أي منصب سياسي، ففي حواره مع صحيفة “الأهرام” المصرية أبدى مجلي رفضه التام للمقاومة المسلحة، فالمقاومة – من وجهة نظره – يجب أن تكون سلمية، فالتفاهم مع الإسرائيليين يحقق فرصة للنمو الاقتصادي، وإعادة تأهيل الحياة المدنية في غزة مقابل تحييد السلاح، مضيفًا رأيه في المقاطعة الفلسطينية لأمريكا بالقول: “لا.. المقاطعة ليست في صالحنا.. يجب علينا أن نركز على الطاقة الإيجابية، وليست السلبية، والمقاطعة عمل سلبي”.
وإلى أبعد من ذلك ذهب الرجل حين أبدى رأيًا غير واضح بخصوص “صفقة القرن”، فقال: “إن الصفقة تكون دائمًا بين طرفين، ويجب أن يكون الطرفان على وفاق تام لتتم الصفقة، أليس كذلك؟ مضيفًا “حين اجتمعت بقادة حماس في غزة خلال يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران أدرك أنها تتبنى المقاومة السلمية، وأقرت بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وهي عازفة عن الحرب، وملتزمة بهدنة مفتوحة مع “إسرائيل”، ولديها قرار بعدم دخول مواجهة عسكرية معها.
ربما لا تتوافق آراء هذا الرجل الذي لا يؤمن بالنضال المسلح مع الحراك الشعبي الفلسطيني، لكنه ليس على عداوة مع أي من الأطراف الفلسطينية؛ ما قد يؤهله – بحسب الرؤية الأمريكية – ليكون خليفة لرئيس السلطة، وبقبول جميع الأطراف الفلسطينية، وبما أنه لا يوجد لديه قاعدة جماهيرية حقيقية يستند عليها، فإن رؤيته قد تكون اللعب على المتناقضات.