تواصل قوات النظام حملتها الشرسة على الجنوب السوري، منذ منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي مستفردة في كل منطقة، وتتزامن الحملات العسكرية مع طلعات جوية وقصف مدفعي وصاروخي يحرق المدن والبلدات الواقعة بأرياف درعا، انتهى ملف الريف الشرقي للمحافظة بعدد من المجازر ونزوح الآلاف، وتكللت تلك الحرب بالنجاح لقوات النظام وميليشياته في المنطقة.
وبكل ما تعنيه الكلمة تحطم أبرز معقل للمعارضة في الجنوب السوري وأهمه رمزيةً بضوء أخضر عالمي على يد كل من روسيا وقوات النظام والميليشيات الإيرانية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني، لم يعد الأمر مستورًا، بعدما استطاعت قوات النظام خرق العديد من المفاوضات والاتفاقات وبغطاء روسي جوي يدك كل من لا يرغب بالتسوية لإجباره على المفاوضات.
ويعد التصعيد الأخير لقوات النظام على الريف الغربي من محافظة درعا الأعنف منذ خمس سنوات إلى الآن، وعلى الرغم من تماسك قوات المعارضة المسلحة في مناطق ريف درعا الغربي، فإنها رضخت للاتفاق بعد تدمير المنطقة وإبادتها بآلة الأسد الإجرامية التي أوقعت مئات القتلى من المدنيين في المنطقة.
اتفاقات منفردة يخوضها النظام في كل منطقة
استفردت قوات النظام والميليشيات التابعة له في كل منطقة على حدة، حيث استغلت تفكك قوات المعارضة وعدم وجود علاقة متينة بين بعضها البعض، إضافة إلى خيانة عدد من قيادة الفصائل في المنطقة الشرقية من درعا لهم، وعودتهم إلى حضن النظام وذلك عبر تسوية أوضاعهم ومن أهمهم تجمع شباب السنة الذي حاد إلى حضن النظام بقيادة أحمد العودة، الذي انضم مؤخرًا لميليشيا سهيل الحسن.
يمكن لمن لا يرغب من عناصر المعارضة بتسوية أوضاعهم مغادرة الجنوب السوري مع أفراد عائلاتهم إلى إدلب في الشمال السوري
فيما توصلت المعارضة في مدينة انخل بريف درعا، الثلاثاء 17 من يوليو/تموز، لاتفاقية تسوية مع النظام والميليشيات التابعة له، تحت رعاية روسية، وأبرز ما جاء في الاتفاق عدم دخول قوات النظام إلى داخل المدينة لوضع نقاط وحواجز لها، فيما سيتم افتتاح مركز لتسوية وضع جميع المطلوبين للنظام، كما يحق لجميع العناصر المسلحة التابعة للمعارضة تسوية أوضاعهم مع النظام.
ويمكن لمن لا يرغب من عناصر المعارضة بتسوية أوضاعه مغادرة الجنوب السوري مع أفراد عائلاتهم إلى إدلب في الشمال السوري، ويرفع علم النظام السوري في البلدة وتعود المؤسسات له بعد خروج غير الراغبين بتسوية أوضاعهم، وإعطاء المنشقين والمتخلفين عن خدمة العلم فترة تأجيل لمدة ستة أشهر فقط، ويحق للأفراد من خارج انخل تسوية أوضاعهم والعودة لبلداتهم وقراهم.
كما كشف تسجيل صوتي حصل عليه “نون بوست” لأنور الجندي أحد ثوار مدينة الصنمين، مفاوضات مع الجانب الروسي، يقول فيه الجندي: “الصنمين الآن أمام خيار التهجير للشمال السوري، والسبب هم قادة فصائل حوران، وذلك بعد مناورات النظام التي طالب فيها بتسلم السلاح في المدينة، وتسوية أوضاع المطلوبين دون أي خيارات أخرى”.
فيما ذكر الجندي أنهم استطاعوا تأجيل الرد على وفد النظام إلى حين التفاوض مع الروس، الذي جرى يوم السبت 14 من يوليو/تموز، وأوضح أن العميد صالح العلي التابع لقوات النظام أعطى مهلة حتى يوم أمس الأربعاء لتسليم كامل السلاح، إلا أن المعارضة تستعد للخروج بسلاحها إلى الشمال.
وتأتي أهمية مدينة الصنمين الواقعة في الريف الشمالي لمحافظة درعا، الفرقة التاسعة، كأحد أكبر مواقع قوات النظام ويسيطر على بعض أحياء المدينة فصائل من المعارضة خلال السنوات الماضية، دون أن يتجرأ النظام على القيام بأي عملية عسكرية على المنطقة في تلك الفترة.
وفي مدينة نوى الواقعة شمال درعا توصلت فصائل المعارضة السورية المسلحة الأربعاء 18 من يوليو/تموز لاتفاق مع الجانب الروسي، ونصت بنود الاتفاق التي حصل عليها “نون بوست” على تسليم القطع والتلال العسكرية في محيط نوى بما فيها تل أم حوران شمال نوى وتلي الهش شمال إلى الشرق من نوى لقوات النظام، كما لن يكون هناك أي وجود لقوات النظام داخل المخطط التنظيمي للمدينة حاليًا، فيما يُسمح للأرتال المتوجهة إلى جبهات تنظيم الدولة بالمرور عبرها، حسب البنود التي أوردها الاتفاق.
فيما يتم تسليم دبابة ومدافع هاون مبدأيًا والاحتفاظ بباقي السلاح حتى إنهاء ملف تنظيم الدولة الإسلامية داعش، كما تبدأ التسويات لكل الراغبين على اختلاف التهم الموجهة، وتبدأ التسوية بتسليم السلاح الخفيف، والضباط المنشقون لهم الخيار في العودة لمهامهم أو التسريح من الخدمة.
والمجندون المنشقون يرتبط مصيرهم بمصير الدورة العسكرية التي التحقوا بها في أول خدمتهم، يسرح إن تم تسريحها ويُتم خدمته في حال لم يتم تسريحها، وإلى كل من لا يرغب في التسوية يتم ترحيله إلى إدلب، وموعد الترحيل يقرره وفد التفاوض، ويحصل المطلوبون لخدمة الجيش على تأجيل لمدة ستة أشهر، ثم عليهم الالتحاق بعدها في قطعهم العسكرية، ويأتي هذا الاتفاق بعد العديد من المجازر التي ارتكبها قوات النظام وطائراته في حق المدنيين في مدينة نوى شمالي درعا
تقدم كبير للنظام في ريف درعا
أحكمت قوات النظام والميليشيات المرافقة له سيطرتها الإثنين 16 من يوليو/تموز على عدة بلدات وتلال محيطة بها في ريف درعا، بعد أن أرغمها القصف الروسي المكثف على الاستسلام، حيث سيطرت قوات النظام على بلدة الحارة وتلتها وبلدة المال وتلتها والمسحرة وتلتها.
أحرزت قوات النظام تقدمًا الثلاثاء 17 من يوليو/تموز ، حيث سيطرت على تل المحص قرب بلدة نمر بريف درعا، بمساندة من الطائرات الحربية الروسية
واتفقت قوات المعارضة على تسليم المناطق للنظام عقب الخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات النظام، على جبهتي الحارة ومسحره في المواجهات التي دارت بينهما، مساء يوم الأحد الماضي، حيث يعد تل الحارة والتلال المحيطة به من أبرز النقاط الحاكمة في المنطقة، فتؤمن لمن يسيطر عليها سيطرة نارية واسعة على الطرقات الرئيسية في قرى درعا والقنيطرة.
كما أحرزت قوات النظام تقدمًا الثلاثاء 17 من يوليو/تموز، حيث سيطرت على تل المحص قرب بلدة نمر بريف درعا، بمساندة من الطائرات الحربية الروسية وتقع هذه البلدة شمال غرب درعا، عقب مواجهات مع تحرير الشام، فيما سيطرت قوات النظام على بلدات كفر ناسج وعقربا والطيحة، عقب سيطرتها على التلال الإستراتيجية، وأكدت وسائل إعلام النظام سيطرته على 90% من محافظة درعا، وذلك عقب سيطرته على مجموعة تلال تمكنه من كشف مواقع المعارضة في ريفي درعا والقنيطرة.
مجازر يرتكبها النظام والمدنيون يصلون حدود الجولان
ارتكبت قوات النظام مجزرة بحق المدنيين الثلاثاء الماضي في بلدة عين التينة بريف القنيطرة، حيث استهدفت طائرات النظام مدرسة تأوي نازحين من ريف درعا، وتسببت باستشهاد أكثر من 10 مدنيين، بينهم نساء وأطفال، فضلًا عن دمار أصاب المنطقة المستهدفة.
كما تشهد منطقة ريف القنيطرة معارك عنيفة بين قوات المعارضة المسلحة وقوات النظام، في محاولة من الأخيرة التقدم والسيطرة على عدة مناطق ضمن حملتها العسكرية التي تشنها على الجنوب السوري.
نزح آلاف المدنيين من قرى وبلدات ريف درعا الغربي والجنوبي الغربي نحو حدود الجولان المحتل، ولا يزال مصير هذه العائلات مجهولًا بعد سيطرة النظام على معظم محافظة درعا
استشهد أكثر من 19 مدنيًا غالبيتهم من النساء والأطفال، بقصف مدفعي وصاروخي وجوي على الأحياء السكنية في مدينة نوى، فجر أمس الأربعاء، مع استمرار الحملة العسكرية لروسيا والأسد على ريف درعا الغربي، وتحدث ناشطون من المدينة عن استشهاد وجرح العشرات منذ بدء قوات النظام قصفها على المدينة بعد منتصف الليل، بأكثر من 300 صاروخ راجمة وعشرات قذائف المدفعية والدبابات، بالتزامن مع قصف جوي بالبراميل المتفجرة والطيران الحربي.
كما أدى القصف إلى خروج المستشفى الميداني الوحيد في المدينة عن الخدمة، وعدم قدرة طواقم الإسعاف على نقل الجرحى، وجراء هذه الحملة رضخت قوات المعارضة المسلحة للاتفاق مع الجانب الروسي، كما استشهد أربعة أطفال وأصيب عدد من المدنيين مساء الأربعاء الماضي، وذلك بقصف جوي بالبراميل المتفجرة على بلدة تسيل بريف درعا الجنوبي الغربي التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وتركز القصف على بلدتي تسيل وجلين وتلال الجابية والجموع، وذلك لتمهيد تقدم النظام على تل الجابية.
فيما نزح آلاف المدنيين من قرى وبلدات ريف درعا الغربي والجنوبي الغربي نحو حدود الجولان المحتل، ولا يزال مصير هذه العائلات مجهولًا بعد سيطرة النظام على معظم محافظة درعا ومحاولته التقدم نحو ريف القنيطرة، فيما رفعت عشرات العائلات الرايات البيضاء قرب حدود الجولان مما يظهر كمية المآسي التي يعانون منها حتى لجوأهم إلى “إسرائيل”، ويخشى هؤلاء المدنيون من خطر وقوعهم تحت قبضة قوات النظام، التي تتقدم باتجاههم، ومن جهة الغرب يواجهون خطر تنظيم الدولة الإسلامية تحت مسمى جيش خالد بن الوليد المبايع للتنظيم.