خرجت نائبة رئيس الوزراء السويدية “آسا رومسون” في عام 2015 تبكي أمام شاشات وكالات الإعلام وهي تعلن أن بلادها “غير قادرة على فعل المزيد” مشيرة إلى سياسة السويد نحو استقبال اللاجئين والمهاجرين خلال الأزمة التي اجتاحت شواطئ أوروبا في ذلك الوقت، أقرّت “رومسون” حينها في بيانها أن قرار السويد بترحيل المهاجرين واللاجئين وإعادتهم من حيث أتوا هو قرار بشع، وسيجعل حياة اللاجئين أكثر صعوبة مما هي عليه، إلا أن السويد قررت منذ 2015 أن تردع طلبات اللاجئين والمهاجرين وأن تعاكس سياسة “الباب المفتوح” الأوروبية.
لطالما كانت “السويد السعيدة” مكانًا يرحب باللاجئين والمهاجرين، وبالأخص في القرن العشرين حينما استقبلت كثير من اليهود والأوروبيين الشرقيين واللاجئين من البوسنة والهرسك في نهاية القرن الماضي، حتى أنها كانت الأفضل من بين دول الاتحاد الأوروبي في احتواء أزمة اللاجئين السوريين، حيث قامت وحدها باستقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين حينما قررت كثير من الدول الأوروبية إعادة كثير من اللاجئين طالبي اللجوء داخل الأراضي الأوروبية إلى تركيا من جديد، إلا أن كثير من السويديين لم يكونوا راضيين عن سياسة بلادهم.
لم يرضى كثير من أحزاب اليمين المتطرف في السويد بسياسة “الباب المفتوح” التي تتبعها بلادهم، ولهذا شهدت السويد على مدار عام 2016 سلسلة من الحرائق المتعمدة لمراكز اللاجئين ومخيماتهم التي تجمع بيوتهم السكنية، بعد أن تشكلت في السويد جماعات عرفت نفسها بأنها “جماعات ضد الهجرة” تولت بنفسها حرق كل مجمع سكني تعلن عنه السلطات تخصيصه للاجئين.
“لن تصبح السويد دولة سويدية بعد عشر سنوات من الآن”، هكذا عبرت واحدة من أعضاء “جماعات ضد الهجرة” حينما حاورتها صحيفة “quartz” عن سبب انضمامها لجماعات كارهي المهاجرين واللاجئين لتجيب الأخيرة بأنها لن ترى بلادها كما كانت خلال عقد من الآن، لن تبقى السويد على حالها، حيث يمتلك اللاجئين راتب شهري وسقف فوق رؤوسهم يأويهم ويمتلكون خدمات لا يمتلكها كثير من السويديين، حيث تابعت بأنها لن تستغرب إن وجدت شوارع السويد تمتلأ بمن هم داكني البشرة بعد سنوات قليلة من الآن.
على الرغم من أن السويد كانت من أكثر الدول الأوروبية الداعمة لسياسة الباب المفتوح لاستقبال اللاجئين، إلا أن ذلك كان سببًا كافيًا لكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة لاستخدام ذلك لاتهام السويد بتعاونها مع الأنظمة الإرهابية وسماحها بحدوث العمليات الإرهابية من خلال سماحها بمزيد من اللاجئين للدخول إلى البلاد، حينها روجت كثير من الأحزاب السياسية اليمينية في أوروبا إلى أن سياسة “بلاد الفضيلة” التي لا تعترف بالعنف والقسوة حلًا يجب أن تتوقف مشيرين إلى سياسات السويد المرحبة باللاجئين منذ القرن العشرين.
طالبة سويدية تمنع ترحيل لاجئ أفغاني
https://www.youtube.com/watch?v=6G7XhKeQbkE
مقطع الطالبة السويدية كاملًا من داخل الطائرة
انتشر مقطع مصور لناشطة سويدية على متن طائرة في مطار “جوتنبرغ” في السويد كانت قد صعدت للطائرة المتجهة لإسطنبول مخصوصًا لحماية لاجئ أفغاني من الترحيل قسرًا إلى بلاده، حيث قامت بتصوير نفسها داخل الطائرة وهي تحتج بعدم الجلوس في مقعدها مجبرة طاقم الطائرة على عدم الإقلاع مع استمرارها بالتهديد بأنها لن تجلس في مقعدها إلا بعدما يتم إنزال اللاجئ الأفغاني عن تلك الطائرة وعدم ترحيله قسرًا إلى “الجحيم” على حد قولها.
تعاطف كثير من ركاب الطائرة مع موقف الطالبة السويدية “إيلين إيرسون” وقرروا بدورهم عدم الجلوس في مقاعدهم ريثما يتم إنزال اللاجئ من الطائرة ومنع السويد ترحيله، كان من بين الرواد مسافرين أتراك قرروا ضم صوتهم للطالبة السويدية، حيث ظهروا بدورهم في المقطع المصور قائلين بأنه لا معنى هنا لإرسال ذلك الفتى إلى حتفه بإرجاعه إلى بلاده التي قد يُقتل فيها، ويجب على طاقم الطائرة عدم الإقلاع بينما يوجد ذلك الفتى بين الركاب، فإما يقوموا بإنزاله وإما ينزل جميع الركاب من الطائرة.
صورة تداولها نشطاء “أوقفوا الترحيلات” في السويد إشارة لحرق مراكز اللاجئين في السويد وسياسات الترحيل الإجباري التي تُرسلهم إلى “الجحيم”
تعرضت “إيلين إيرسون” لكثير من الانتقادات ومحاولات من قبل بعض ركاب الطائرة لإرغامها على الجلوس في مقعدها بالإكراه وجعلها تتوقف عن التصوير مدافعين عن ذلك بأن ما يطبقه طاقم الطائرة هو سياسات بلادها السويد، إلا أن “إيلين” ردت بذلك قائلة أنها تحاول تغيير سياسات بلادها لأنها غير عادلة وتصعب من حياة اللاجئين أكثر مما هي صعبة، ولا يحق لهم ترحيل اللاجئ وردعه عن طلب حق اللجوء إلى بلادهم.
Canada is using ancestry DNA websites to help it deport people. https://t.co/Dvd0K7Yvoa
— VICE (@VICE) July 26, 2018
كندا تستخدم تحاليل الحمض النووي “DNA” للاجئين والمهاجرين لتستخدمها كسبب لترحيل كثير منهم إلى “مواطن أجدادهم” (المصدر)
لا تجد كثير من الأحزاب اليمينية المتطرفة ويسار الوسط في السويد أن الأعمال الإرهابية في أفغانستان تستهدف المدنيين وبناءًا عليه لا يوجد داع لطلبات اللجوء من كثير من الأفغان
بدأت السويد في ترحيل العديد من اللاجئين الذين تُرفض طلبات اللجوء الخاصة بهم، على كل من يُرفض طلبه الرحيل فورًا وإلا سيتم ترحيله إلى بلاده، وذلك مع بداية تطبيق سياسة حزب “يسار الوسط” السويدي قبل الانتخابات المتوقع أن تشهدها السويد في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، حيث يرى حزب يسار الوسط أن أفضل طريقة للحفاظ على نظام هجرة سليم هو الترحيل الفوري لكل من يأتي للبلاد ويُردع طلبه في اللجوء.
شركات الطيران هي سلاح المتظاهرين الأخير
لاجئ أفريقي متظاهرًا بلافتة تقول “الآن أنا أبيض، هل ستُرحلني؟
كان الحل الوحيد أمام كثير من المتعاطفين مع أزمات المهاجرين واللاجئين هو إظهار احتجاجاتهم على سياسات بلادهم المعايدة والقاسية أحيانًا من خلال شركات الطيران، لم يكن احتجاج الطالبة السويدية هو الأول من نوعه، حيث استُخدمت شركات الطيران أكثر من مرة من قبل المحتجين والمتظاهرين لإظهار ردة فعلهم الغاضبة من ردع وترحيل طالبي اللجوء إلى بلادهم، حيث شهد العام الماضي كثير من الحالات المشابهة في كثير من المطارات الأوروبية من بينها مطار “ستانسند” في لندن.
قبضت الشرطة الإنجليزية على 17 محتج العام الماضي من داخل مطار “ستانسند” في مدينة لندن كانوا قد قبعوا على جناح الطائرة وربطوا أنفسهم إليه ليمنعوا إقلاع طائرة تحمل لاجئين أفارقة من النيجر و من غانا، وعلى الرغم من تهديد المتظاهرين بمواجهتهم لعقوبات قد تزج بهم في السجن إلا أنهم رفضوا التحرك آنذاك لمنع الترحيل القسري للاجئين الأفارقة.
لا تقوم البلاد الأوروبية بترحيل المهاجرين واللاجئين الواصلين للبلاد خلال الشهور القليلة الماضية فحسب، بل يقومون بترحيل عائلات كاملة عاشت في بلادهم أكثر من عقد كامل
منذ أواخر العام الماضي بدأت “لندن” تتبع سياسة “الترحيل الجماعي”، حيث تستأجر طائرة كاملة متجهة للبلد الذي جاء منه اللاجئين وتقوم بترحيلهم قسريًا بشكل جماعي على متن طائرة واحدة بعد ردع طلبات لجوئهم إلى المملكة المتحدة، إلا أن المطارات الإنجليزية شهدت حالات اختراق من المتظاهرين إلى مهبط الطائرات ومكان إقلاعها تعد الأولى من نوعها منذ بداية أزمة اللاجئين في أوروبا.
لاجئين يحملون لافتة تقول “يُرحلوننا للموت لأننا نملك بشرة سوداء”
على عكس “جماعات كارهي المهاجرين” تم تشكيل جماعات من المدافعين عن حقوقهم في ظل القوانين الأوروبية المخالفة لسياسة “الباب المفتوح” للمهاجرين واللاجئين من المناطق المنكوبة وصفوا أنفسهم بجماعات “أوقفوا الترحيل”، تحاول الجماعات الأخيرة تعزيز حق اللاجئين في طلب اللجوء حينما يشعرون بالخوف على حياتهم، وتسليط الضوء على السياسات التي تحرمهم من اللجوء إلى البلاد التي فتحت لهم أبوابها في المقام الأول وتلفت نظر المجتمع الدولي إلى الممارسات غير الإنسانية التي تتبعها بلادهم تجاه اللاجئين.
استطاع المتظاهرون توقيف عشرات رحلات الطيران التي تحمل مهاجرين ولاجئين مُرحلين قسريًا إلى بلادهم منذ عام 2015 وحتى اليوم، إلا أن ذلك لم يساعد كثيرًا في وقف ترحيل تلك البلاد لكثير من اللاجئين، حيث احتلت ألمانيا المرتبة الأولى بين الدول الأوروبية في ترحيل طالبي اللجوء، فبحسب صحيفة ألمانية فإن ألمانيا قامت بترحيل عشرات الآلاف من طالبي اللجوء بعدد يفوق عدد طالبي اللجوء في عام 2017 محتلة بذلك المرتبة الأولى في ترحيل اللاجئين والمهاجرين.
“فعلت كل شيء طلبته ألمانيا مني، أعطيتهم كل الوثائق التي يحتاجونها ليسمحوا لي باللجوء، وكل ما استلمته منهم ورقة تشير إلى أنه سيتم ترحيلي في يوم الثلاثاء”
لاجئ أفغاني في حديثه مع سي إن إن من برلين
تعتبر ولاية “بافاريا” في المقدمة في ترحيل كثير من طالبي اللجوء في ألمانيا بقيادة رسمية من رئيس وزراء “بافاريا” الذي عرض “خطة الهجرة” في 10 يوليو/تموز الماضي قائلًا بأن في عيد ميلاده الـ69 سوف يتم ترحيل 69 طالب للجوء، لقد أوضحت ألمانيا ذلك مع سياسة اللجوء والهجرة لهذا العام بأن كل من رُفض طلبه عليه الرحيل فورًا وإلا سيتم الأمر قسريًا.
يتم ترحيل كثير من طالبي اللجوء الآن إلى البلد الأولى التي دخلوا منها إلى أوروبا، وهناك يتم تحديد ما ستقبلهم تلك البلد أم لا، والتي لا تتمتع في أغلب الأحوال بسياسة حماية اللاجئين وغير مستعدة لاستقبال أعداد كبيرة منهم كما هو الحال في ألمانيا أو السويد، وبالتالي ترحلهم تلك البلد إلى موطنهم الأصلي حتى ولو كان منكوبًا.