أعلن الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال إتمام صفقة شراء حصة من شركة “سناب شات” الشهيرة للتواصل الاجتماعي، بقيمة 950 مليون ريال (250 مليون دولار) ما يمثل 2.3% من أسهم الشركة التي تحظى بشعبية سعودية واستخدام هو الأكبر على مستوى العالم.
ابن طلال أوضح في بيان عبر موقعه الرسمي أن هذه النسبة من أسهم “فئة أ” بالشركة المذكورة، وأن فترة الشراء انتهت بتاريخ 25 من مايو/أيار الماضي، بإجمالي تقريبي بلغ 11 دولارًا للسهم، الذي نتج عنه الاستحواذ على هذه النسبة من الأسهم، ما يجعل الوليد واحدًا من أكبر المساهمين في الموقع الجماهيري الكبير.
رجل الأعمال السعودي المطلق سراحه يناير/كانون الثاني الماضي إثر تسوية مالية مع السلطات السعودية رفض الإفصاح عنها، برر صفقته الأخيرة “استثمارنا في سناب شات يعد امتدادًا لإستراتيجيتنا للاستثمار الشخصي في مجال التكنولوجيا الحديثة”، لافتًا إلى أن هذه المنصة “واحدة من أكثر منصات وسائل التواصل الاجتماعي ابتكارًا في العالم، ونعتقد أنها بدأت للتو في تخطي سطح إمكاناتها الحقيقية”.
لجوء الوليد إلى الاستثمار في مجال الإعلام عامة ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد إطلاق سراحه وتعهده بالعمل على دعم رؤية محمد بن سلمان، أثار عددًا من التساؤلات بشأن دوافع هذه الصفقة ودور ولي العهد فيها، في إطار سياسة المملكة لبسط نفوذها الإعلامي على معظم النوافذ لخدمة أجنداتها الخارجية والإقليمية وتعبيد الطريق أمام طموحات وأطماع الأمير الشاب.
إستثمرت ٩٥٠ مليون ريال سعودي لاتمام صفقة شراء حصة بنسبة ٢,٣٪ في شركة سناب شاتhttps://t.co/XXOgEvEB2W
I invested $250 Million to acquire 2.3% stake in @Snapchat companyhttps://t.co/bdAMGVw3DI pic.twitter.com/jBIiAfqy7t
— الوليد بن طلال (@Alwaleed_Talal) August 7, 2018
الوليد يعود بقوة
لم يغب الملياردير المعتقل سابقًا عن الأضواء كثيرًا، إذ عاد لسوق المال والأعمال بصفقتين خلال أغسطس/آب الحاليّ هما الأكبر في المملكة خلال الأشهر الأخيرة الماضية، الأولى حين وقع صفقة بين شركة “المملكة” القابضة ومجموعة “روتانا” من جهة وشركة “ديزر” الفرنسية من جهة أخرى، قبل أسبوع تقريبًا.
الصفقة التي بلغت قيمتها قرابة مليار ريال سعودي (260 مليون دولار) تتضمن شراء أسهم مصدرة حديثًا في شركة ديزر، عن طريق شركة المملكة القابضة ومجموعة روتانا، موضحًا أن الاستثمار وتوقيع العقد الحصري مع “Deezer” سيمثل نقلة نوعية للمجموعة.
لم تكن صفقة الأمس الأولى من نوعها فيما يتعلق بالاستثمار في مجال منصات التواصل الاجتماعي، ففي 2011 استحوذت شركة المملكة القابضة على حصة في موقع تويتر بقيمة 1.125 مليار ريال سعودي (300 مليون دولار أمريكي)، بما قيمته 3.8% من قيمة الموقع الذي تقدر قيمته بـ15 مليار دولار بحسب أحدث مزادات شراء الأسهم فيه.
الولاء الكامل أو الاعتقال.. هذا ملخص المشهد العام في السعودية منذ قدوم ابن سلمان وتنصيبه وليًا للعهد، فالرجل لا يقبل بأنصاف الولاء ولا التغريد – ولو نادرًا – خارج السرب الذي وضع الأمير الشاب ملامحه بدقة وإحكام
هرولة رجل الأعمال – العربي الوحيد المدرج في قائمة شبكة “بلومبرغ” لأثرياء العالم لعام 2018 بثروة تقدر بـ17.9 مليار دولار، على الرغم من خسارته خلال هذا العام لـ1.88 مليار دولار بحسب الشبكة الأمريكية – لشراء حصة من الأسهم في سناب شات بعد تويتر أثارت عددًا من التساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الصفقة التي تأتي في وقت تتعرض فيه المملكة لانتقادات لاذعة بسبب ملفها الحقوقي المهلهل وسياساتها العدائية التي أفقدتها الكثير من حلفائها وجيرانها، إضافة إلى تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى التي أثارت قلق وحفيظة المنظمات الأممية.
صفقة بمبلغ مليار ريال بين @Kingdom_KHC و @RotanaMusic وشركة @Deezer الفرنسية.
الإستثمار وتوقيع العقد الحصري مع @Deezer سيمثل نقلة نوعية لمجموعة روتانا وفرصة استثمارية مميزة لشركة المملكة القابضة.
One Billion Riyals deal between @kingdom_khc & @RotanaMusic & @Deezer company pic.twitter.com/TeZMmD1HxF
— الوليد بن طلال (@Alwaleed_Talal) August 2, 2018
دعم رؤية ابن سلمان
بعد إطلاق سراحه إثر فترة اعتقال زادت على الشهرين مع عشرات المشتبه بهم الآخرين، بينهم أمراء ووزراء حاليّون وسابقون في قضايا تتعلق بالفساد، توقع البعض أن يخرج الوليد بحزمة من التحديات تتناسب والتهديدات التي لوح بها قبل ذلك، غير أن الأمور سارت عكس ما كانت تذهب إليه معظم السيناريوهات.
المليادرير السعودي بعد أيام قليلة من إطلاق سراحه تعهد بتقديم الدعم لبرنامج الإصلاحات الشاملة الذي يقوده ابن عمه محمد بن سلمان، وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” مزيلة بصورة تجمعه وولي العهد كتب: “تشرفت بالاجتماع مع أخي سمو ولي العهد وتناقشنا في الأمور الاقتصادية ومستقبل القطاع الخاص ودوره في نجاح رؤية 2030، والفوائد التي ستعود على الوطن والمواطن والقطاع الخاص”، مضيفًا “سأكون من أكبر المؤيدين للرؤية من خلال شركة المملكة القابضة وجميع الشركات التابعة لها”.
وقال بن طلال حينها إنه أبرم صفقة مع السلطات لكنه رفض الإفصاح عن تفاصيلها، منوهًا إلى مناقشات جرت مع صندوق الاستثمار العام، وهو صندوق الثروة السيادية الذي يرأسه ولي العهد، بشأن الاستثمار المشترك داخل المملكة، ما يشير إلى تفاهمات أبرمت بين الرجلين يحفظ بها الوليد حياته في مقابل دعم طموح الأمير في خلافة عرش والده، وهو ما دفع كثير من المحللين إلى الذهاب تفسيرًا لصفقة الأمس بأنها أحد إفرازات تلك التفاهمات التي جرت مؤخرًا.
تشرفت بالاجتماع مع أخي سمو #ولي_العهد وتناقشنا في الأمور الإقتصادية ومستقبل القطاع الخاص ودوره في نجاح #رؤية_2030، والفوائد التي ستعود على #الوطن و #المواطن و #القطاع_الخاص.
سنكون أحد أكبر الداعمين للرؤية عبر @Kingdom_KHC من خلال مشاركتها في أكثر من قطاع استثماري. pic.twitter.com/BhszLMfBcT
— الوليد بن طلال (@Alwaleed_Talal) July 12, 2018
تضييق الخناق
الولاء الكامل أو الاعتقال.. هذا ملخص المشهد العام في السعودية منذ قدوم ابن سلمان وتنصيبه وليًا للعهد، فالرجل لا يقبل بأنصاف الولاء ولا التغريد – ولو نادرًا – خارج السرب الذي وضع الأمير الشاب ملامحه بدقة وإحكام، ومن ثم كان التضييق والاعتقال والتنكيل مصير من يفكر في الشذوذ عن القاعدة.
السلطات السعودية وخلال الأشهر الأخيرة كثفت من وتيرة حملة اعتقالاتها الواسعة التي استهدفت دعاة إسلاميين وأكاديميين ومحللين سياسيين واقتصاديين وكتاب صحف وشعراء، في محاولة منها لإخماد أي أصوات معارضة للانتقال المتوقع للسلطة لمصلحة ولي العهد الحاليّ، بالإضافة إلى الانتقادات الموجهة لرؤية 2030 الاقتصادية التي أطلقها.
الهبوط بسقف الحريات وصل خلال الفترة الأخيرة إلى أدنى مستوياته منذ عقود، فباتت تويتة واحدة أو منشور واحد كفيلًا أن يثير قلق السلطات الحاكمة وينغص نومها، وهو ما حدث قبل يومين مع كندا، إذ فجرت تغريدة للخارجية الكندية التي تطالب فيها بالإفراج عن النشطاء المعتقلين ينابيع الغضب السعودي الذي وصل إلى آفاق ما كان يتوقعها أحد، هذا في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن انتقادات أخرى – أمريكية كانت أو بريطانية – تتجاهل ما بها، بل على العكس تسعى لتوطيد علاقتها معها بشتى السبل.
المنظمات الأممية والصحف العالمية شنت هجومًا شديدًا على توجهات المملكة الأخيرة، واصفة ما حدث بتحول السعودية إلى زنزانة كبيرة في عهد ولي العهد وحاكم البلاد الفعلي محمد بن سلمان، كذلك انتقدت منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان هذه الاعتقالات ووصفتها بالجائرة وغير العادلة.
لم تكن صفقة الأمس الأولى من نوعها فيما يتعلق بالاستثمار في مجال منصات التواصل الاجتماعي، ففي 2011 استحوذت شركة المملكة القابضة على حصة في موقع تويتر بقيمة 1.125 مليار ريال سعودي (300 مليون دولار أمريكي)
الإعلام.. السلاح الأكثر قوة
ترسخ في يقين السلطات السعودية أن الإعلام السلاح الأكثر قوة في العصر الحاليّ، ومن ثم بات العزف على أوتار السيطرة عليه الإستراتيجية الأهم لدى الرياض لتحسين صورتها خارجيًا وتنفيذ أجندتها الإقليمية، والزود عن الاتهامات التي تلاحق سياساتها العدائية ليل نهار.
وتوجد بأمريكا وأوروبا الكثير من جماعات الضغط التابعة للسعودية التي تؤثر بشكل أو بآخر في السياسة الأمريكية والرأي العام ككل، وتعمل على دعم توجهات الرياض الخارجية حيال الملفات الإقليمية التي تحتاج إليها، وكما أوردت صحيفةtruth out الأمريكية المتخصصة في التحليلات السياسية، فهناك بعض الكيانات الأمريكية التي تتلقى تبرعات كبيرة من المملكة على رأسها مجلس سياسة الشرق الأوسط ومعهد الشرق الأوسط ومتحف سميثسونيان فرير للفنون.
علاوة على ذلك فإن هناك عددًا من البرلمانيين المقربين من نظام آل سعود داخل مجلس الشيوخ، على رأسهم السيناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، كذلك زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل من ولاية كنتاكي، إذ تشير التقارير إلى تلقيهم أموال وتسهيلات من الحكومة السعودية مقابل دعم توجهاتها داخل البرلمان.
أما في مجال الإعلام فحدث ولا حرج، فقد سعت السعودية مبكرًا لإحكام السيطرة على بعض المؤسسات الإعلامية الضخمة في أمريكا وأوروبا لدعم توجهاتها وتشويه صورة المعارضين لها، كان آخر تلك الصفقات الاستحواذ على الصحيفة البريطانية الشهيرة “إندبندنت”، حيث دفع مستثمر سعودي ملايين الدولارات إلى المؤسسة الإخبارية البريطانية التي تعرف بالدفاع عن القضايا الليبرالية، ما أثار مخاوف بشأن غض الطرف عن ملفات حقوق الإنسان في السعودية.
صفقة الوليد لشراء حصة من سناب شات يمكن تفهمها في إطار مساعي المملكة إحكام السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي إيمانًا بدورها القوي خلال الفترة الأخيرة
وبالعودة للوراء قليلًا وبالتحديد في يونيو/حزيران 1992، حيث تقرير نشرته صحيفة “النيويورك تايمز” عن “متابعة استحواذ السعوديين على وسائل الإعلام لكسب النفوذ في العالم العربي”، كشف استثمار الرياض عشرات الملايين من الدولارات للحصول على أبرز وسائل الإعلام ووكالات الأنباء في أوروبا وأمريكا.
التقرير كشف أنه في عام 1992 نجحت المملكة في إتمام صفقة شراء شركة يونايتد برس العالمية عن طريق شركة الشرق الأوسط للإذاعة المحدودة، المملوكة لشقيق العاهل السعودي الراحل الملك فهد ويدعى وليد الإبراهيمي، وكانت الصفقة بقيمة 395 مليون دولار.
وقد خلص التقرير إلى أن حزمة من وسائل الإعلام في أوروبا وأمريكا باتت تحت سيطرة السعودية بما لديها من مال وإنفاق سخي، حتى بلغ عدد تلك الكيانات الإعلامية المملوكة للرياض خلال عام 1992 ما يقرب من 12 وسيلة إعلامية.
وعربيًا تسعى الرياض عبر أذرع قواها الناعمة إلى اقتحام الإعلام العربي بصورة جديدة وإستراتيجية مختلفة، حيث شكّل سوق الإعلان الرياضي حالة الجذب الأولى للاستثمار السعودي، قبل أن تتطور الفكرة للاستثمار في الإعلام الترفيهي الفني والسياسي، إذ ترى السعودية أن النمط التشاركي في أي مشروع استثماري فرصة جيدة لتحقيق المستوى المطلوب من الأرباح التي تُحقق لها الاستمرار، ليس على مستوى السوق الإعلامي بل على مستوى الوجود السياسي.
ففي مصر على سبيل المثال دُشنت شبكة تليفزيونية جديدة بأموال سعودية ممثلة في رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل الشيخ، وتُشير التقديرات إلى أن إنشاء الشبكة التليفزيونية الجديدة كان برغبة مباشرة من السعودية وولي العهد محمد بن سلمان الذي رأى في الإعلام المصري فرصة رابحة للاستثمار.
ومن ثم فإن صفقة الوليد لشراء حصة من سناب شات يمكن تفهمها في إطار مساعي المملكة إحكام السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي إيمانًا بدورها القوي خلال الفترة الأخيرة الذي فاق كبريات وسائل الإعلام التقليدية، ليواصل محمد بن سلمان وأذرعه مسيرته نحو تشكيل الخريطة الإعلامية، الرسمية والخاصة والاجتماعية، بما يتوافق مع أجندته الداخلية والإقليمية.