تعتبر القارة الإفريقية أكثر القارات التي تسكنها القبائل في العالم، لأنها منطقة حيوية وغنية جدًا بالحضارات الإنسانية وفيها العديد من التجمعات البشرية الموجودة منذ قدم الزمان، من تلك القبائل والتجمعات نجد شعب “البانتو” الذي يعد أكبر شعوب البشرية حاليًّا.
400 مجموعة عرقية مختلفة
يعد شعب “البانتو” أهم الجماعات البشرية الموجودة في إفريقيا وأكبرها عددًا، حيث تقدر أعدادهم بنحو 30 مليون نسمة، كما تعد من أكثر الجماعات الإفريقية اختلاطًا بالسلالات الإفريقية والسلالة القوقازية المنتشرة في الشمال الإفريقي وبعض المناطق الإفريقية الأخرى.
تتكون شعوب البانتو من قرابة 400 مجموعة عرقية مختلفة من إفريقيا، وهي إحدى السلالات الفرعية للسلالة الزنجية التي تنتشر على طول الحدود في كينيا وأوغندا والكونغو ونيجيريا، بدءًا من السواحل النيجيرية المطلة على المحيط الأطلسي غربًا مرورًا بحوض الكونغو وإقليم هضبة البحيرات الاستوائية وكينيا، انتهاءً بمصب نهر جوبا على المحيط الهندي شرقًا.
يُعرف شعوب البانتو بأنهم الزنوج الذين يستعملون شكلًا من أشكال الكلمة “نتو” على أنه يعني “إنسان” أي رجال القبيلة؛ ومن هنا يأتي لفظ كلمة “بانتو”، ويحتل البانتو ثلثي إفريقيا من خلال تحديدهم بالمعيار اللغوي، وينقسمون إلى 3 مجموعات.
مجموعة أولى تسمى “البانتو الشرقيين” وينتشرون في أوغندا شمالًا إلى كينيا وتنزانيا وزامبيا وموزمبيق وحتى شمال نهر الزمبيزي، فيما تعرف المجموعة الثانية بـ”البانتو الجنوبيين”، ويتوزعون على جنوب نهر الزمبيزي وكونتي وهو إقليم فسيح يشمل زيمبابوي وموزمبيق وبتسوانا وجنوب غرب إفريقيا وناميبيا.
أما المجموعة الثالثة وهم “البانتو الغربيين” فيمتد توزيعهم من الأطلسي شمال نهر كوتني إلى غرب زيمبابوي، ومحور البحيرات العظمى حتى غرب إفريقيا وجنوب الكاميرون والكنغو والغابون إلى جنوب السودان.
تذهب أسطورة قبيلة”كيكيو” إلى أن تأسيسها يعود لرجل اسمه غيكويو
يقول بعض المؤرخين إن أولى قبائل البانتو عاشت على الأغلب في الكاميرون، واستمروا في هذه المنطقة مئات السنين حتى أوائل التقويم الميلادي حيث بدأت إحدى أكبر عمليات النزوح في التاريخ نتيجة النمو السكاني الكبير الذي فرض عليهم أن يهاجروا نحو أراضٍ جديدة، وبحلول عام 1500 كانت شعوب البانتو قد انتقلت إلى معظم أواسط إفريقيا وشرقها وجنوبها، وأنشأت هذه المجموعات ممالك كبيرة في وسط إفريقيا.
أبرز قبائل “البانتو”
تضم شعوب البانتو العديد من القبائل المنتشرة في إفريقيا، من ذلك قبائل “الزولو” التي تعد أهم قبائل البانتو في منطقة جنوب إفريقيا، وهي مجموعة من القبائل الإفريقية اشتهرت بخصائصها القتالية وولعها بالحرب، وخلال عشرينيات القرن الـ18 بدأت بقيادة زعيمها الشهير شاكا بمهاجمة الشعوب المجاورة بوحشية، ويبلغ تعداد الزولو حاليًّا نحو 10 ملايين نسمة يستوطن معظمهم جنوب إفريقيا وينتشر بعضهم في زيمبابوي وزامبيا وموزمبيق.
وقد عاشت هذه القبيلة في فترة التفرقة العنصرية في كوازولو (أي بلاد الزولو) وهي الوطن القومي الذي خصصته لهم حكومة جنوب إفريقيا العنصرية السابقة، وأخضعت الحكومة قبيلة الزولو والسود في جنوب إفريقيا لسياسة التفرقة العنصرية.
توجد لغات البانتو بدرجة كبيرة في شرق وجنوب الكاميرون وفي المناطق المعروفة باسم وسط إفريقيا وشرق إفريقيا وجنوب إفريقيا
إلى جانب “الزولو” نجد قبيلة “كيكيو”، وتقطن قبيلة كيكيو وسط كينيا حول جبل يطلقون عليه اسم “كيرنياغا” أي الجبل المشع، وتشكل مناطق سكنهم فضاءً من أجود المناطق الزراعية الكينية وأكثرها خصوبة، لذا يزاول أفراد هذه القبيلة الزراعة.
وتذهب أسطورة هذه القبيلة إلى أن تأسيسها يعود لرجل اسمه غيكويو، يزعمون أن إلاههم “نغاي” منحه جبل كينيا وأمره بالزواج من زوجته مومبي التي رزق منها 9 بنات تزوجن برجال قدموا من مكان ما فانحدرت من نسلهم مجموعات بشرية كثيرة أصبحت تعرف بقبيلة كيكيو.
تهيمن كيكيو سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا في كينيا منذ استقلالها، وتسيطر على الاقتصاد الكيني والزراعة خصوصًا زراعة وتسويق البن، ومن بين المنحدرين من قبيلة كيكيو أول رئيس لكينيا بعد الاستقلال جومو كينياتا وثالث رؤساء كينيا الرئيس الحاليّ.
اللغات الأكثر انتشارًا
يقدر عدد اللغات التي تنتمي إلى أسرة البانتو ببضع المئات، إلا أن أشهرها نحو 15 لغة، وأكثرها استخدامًا وانتشارًا هي اللغة السواحيلية، وتستخدم 17 لهجة رئيسية تتفرع منها 15 لهجة مختلفة، ويتعامل بها ما يقرب من 25 مليون إفريقي، ونشأت هذه اللغة من امتزاج اللغة العربية باللهجات الإفريقية الساحلية ولغات البانتو، وكان للهجرات العربية من عمان والساحل اليمني المقابل والخليج العربي أكبر الأثر في تكوين هذه اللغة.
إلى جانب اللغة السواحيلية، نجد عدة لغات أخرى أهمها غندا (اللغات المحلية في دولة أوغندا) والفاجنالو (القسم الجنوبي من القارة) وتسوانا (لغة بتسوانا) ومببا ونياجنا ولوبا وكينوبا، ولغتي ياوندا ودواال.
توجد لغات البانتو بدرجة كبيرة في شرق وجنوب الكاميرون وفي دول وسط إفريقيا وشرق إفريقيا وجنوب إفريقيا، ويقول بعض المؤرخين إن لغات البانتو قد نشأت في المنطقة الشرقية من نيجيريا فيما يقول آخرون إن نشأتها كانت في الكاميرون.