يقوم الاقتصاد الليبي في جزء كبير منه على تجارة النفط، ما جعله رهينة الاستقرار في مناطق الإنتاج والبيع، فأي صراع على النفط في البلاد سيكون أثره مباشرًا ووخيمًا على الاقتصاد “المريض” أصلًا، وهو ما يفسر التراجع الكبير الذي عرفه اقتصاد ليبيا خلال السنوات الأخيرة.
موارد نفطية مهمة
تنتج ليبيا حاليًّا أكثر من 1.05 مليون برميل يوميًا من النفط، وتأمل في زيادة ذلك والعودة إلى مستويات ما قبل ثورة 2011، حيث كانت ليبيا تنتج نحو 1.6 مليون برميل يوميًا، غير أن هذا الإنتاج غير مستقر ومرتبط بالحالة الأمنية، فقد تراجع في مرات عديدة إلى 200 ألف برميل وصعد قليلًا لاحقًا إلى ما بين 400 و600 ألف برميل يوميًا.
ويشكل النفط نحو 94% من موارد البلاد، وأهم ما يميزه غزارة الآبار المستخرج منها وقربه من موانئ التصدير، وتفيد تقديرات نشرت عام 2010 أن الاحتياطات المؤكدة من النفط الخام في ليبيا تقدر بنحو 46.42 مليار برميل، أي نحو 3.94% من احتياطي العالم، و6.36% مما تنتجه المنظمة العربية المصدرة للبترول (أوبك)، و4.87% مما تنتجه أوبك (الدول المصدرة للنفط).
هذه الأزمات المستمرة وصلت في أغلب الوقت إلى صراع مسلح بدعم خارجي يتوقف على إثره إنتاج النفط
أما الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي فتقدر بنحو 1549 مليار متر مكعب أي نحو 0.83% من احتياطي العالم، في حين بلغ حجم المسوق منه 15.9 مليار متر مكعب أي 0.53% من إجمالي الغاز المسوق في العالم.
وتقدر طاقات مصافي التكرير القائمة في ليبيا بنحو 378 ألف برميل يوميًا، في حين يقدر إجمالي إنتاج المشتقات النفطية في ليبيا بنحو 325.7 ألف برميل يوميًا، وتنتج ليبيا 14.2 ألف برميل يوميًا من الغازولين و39.7 ألف برميل من الكيروسين ووقود الطائرات و80.7 ألف برميل من زيت الغاز والديزل و124.9 ألف من زيت الوقود، و59.8 ألف من المشتقات النفطية الأخرى.
صراع مستمر
هذه الموارد النفطية المهمة كانت سببًا في تحول النفط الليبي من نعمة إلى نقمة، فللحصول عليه أصبحت ليبيا مرتعًا للميليشيات المحلية المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، والمخابرات وعساكر الدول الأجنبية والعربية (مصر والإمارات)، فكل طرف يسعى للحصول على النصيب الأكبر من النفط الليبي دون النظر إلى سيادة البلاد.
ومنذ الإطاحة بنظام معمر القذافي سنة 2011 أصبحت حقول النفط أحد أهم بؤر الصراع بين الفصائل المتنازعة في ليبيا، بدعم من أطراف خارجية تبحث لها عن نصيب من ثروات ليبيا الباطنية التي تعتبر الأهم في المنطقة.
هذه الأزمات المستمرة وصلت في أغلب الوقت إلى صراع مسلح بدعم خارجي يتوقف على إثره إنتاج النفط وتخسر ليبيا موارد مالية في أمس الحاجة إليها، كما حصل مؤخرًا عندما قرر اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود مليشيات الكرامة المناهضة لحكومة الوفاق الشرعية، السيطرة على الهلال النفطي والاستيلاء على العائدات النفطية دون وجه حق.
تداعيات كبيرة على الاقتصاد الوطني
هذه الصراعات حذرت من تداعياتها على اقتصاد البلاد مجموعة الأزمات الدولية، وقالت المجموعة في تقرير لها إن القتال الذي دار في يونيو/حزيران الماضي في “الهلال النفطي” أدى إلى انخفاض صادرات ليبيا النفطية إلى النصف، مما تسبب في انخفاض حاد في العائدات من العملة الأجنبية وصدمة للاقتصاد الذي يعتمد بشكل مفرط على السلع الاستهلاكية المستوردة ويوشك أصلًا على الانهيار.
الميليشيات المسلحة تتسابق للسيطرة على النفط في ليبيا بمساعدة غربية
شدد التقرير على أنه ينبغي للأحداث الأخيرة في الهلال النفطي أن تذّكر الجميع بأن الصراع في ليبيا له أبعاد اقتصادية إضافة إلى الأبعاد السياسية والعسكرية، وأن أي إستراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ينبغي أن تعالج جميع هذه المكونات الثلاث بطريقة متكاملة.
وأكدت مجموعة الأزمات الدولية أن انتهاء المواجهة التي دامت ما يناهز الشهر بشأن منصات تصدير النفط الخام في شرق ليبيا لا يعني انتهاء الصراع هناك، بل يمكن أن تنشأ مواجهة أخرى في وقت قريب جدًا إذا لم تتم معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع.
واقترحت المجموعة الدولية للخروج من هذه الأزمة إجراء مراجعة دولية لعمليات المصرفين المركزيين المتنافسين، وهي الخطوة الأولى التي ينبغي أن تؤدي إلى إعادة توحيد المصرف المركزي، فضلًا عن وجوب انخراط الأمم المتحدة انخراطًا واضحًا مع الشرق، بما في ذلك تأمين المنشآت النفطية في المفاوضات المستقبلية بشأن إعادة هيكلة القطاع الأمني.
وأكد التقرير أن تشكيل حكومة وحدة وطنية وإيجاد قيادة جديدة للمؤسسات الاقتصادية والليبية أمر ليس سهل التحقق، بالنظر إلى الانقسامات المؤسساتية العميقة وتراكم انعدام الثقة منذ العام 2014، وبالأخص المصالح المتعارضة بين السياسيين الليبيين المتناحرين على المناصب في التركيبة الجديدة.
وسبق أن احتلت ليبيا المرتبة 14 عالميًا في التكلفة الاقتصادية لأعمال العنف، بعد أن استنزفت ما يزيد على 26% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقًا لمؤشر السلام العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا.
بلغ الدين العام بنهاية الربع الأول من العام الحاليّ 2018 نحو 100 مليار دينار (74.7 مليار دولار)
وأوضح المؤشر الصادر في يونيو/حزيران الماضي أن ليبيا تقع في المركز الـ17 عربيًا والـ157 من بين 163 بلدًا لعام 2018، ويعتمد المؤشر على 3 نقاط هي مستوى السلامة والأمن المجتمعيين وأحوال الصراع الداخلي والدولي ومقدار العسكرة.
واحتلت ليبيا المرتبة 155 عالميًا في مجال السلامة، أما في أحوال الصراع الداخلي والدولي فحازت على المركز 153 عالميًا، وفي مؤشر العسكرة أُدرجت ليبيا ضمن الدول الـ11 التي أنفقت أكثر من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على النفقات العسكرية عام 2017 على الرغم من الحظر الدولي المفروض على توريد السلاح إلى ليبيا.
اقتصاد منهار
الصراع على النفط زاد من معاناة الاقتصاد الليبي “المريض”، ووصف أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي متعلق بليبيا، الاقتصاد في ليبيا بالمتغير غير المستقر نتيجة إصابته بتضخم قياسي غير مسبوق وعجز مالي مزدوج يحركه ارتفاع المصروفات في الموازنة.
وترك الصراع المسلح على النفط آثاره على الحياة المعيشية لليبيين، من غلاء وغياب للسيولة وهبوط القدرة الشرائية للدينار الليبي، الأمر الذي تعانيه شرائح واسعة من شعب يتجاوز تعداده 6 ملايين نسمة، بينهم مليون من الموظفين.
تراجع المقدرة الشرائية لليبيين نتيجة انهيار إنتاج النفط
وفق تقرير البنك الدولي للعام 2018 فإن معدلات التضخم سجلت مستوى قياسيًا نسبته 28.4% عام 2017 بعد أن بلغ 25.9% عام 2016، وأدى ارتفاع معدل التضخم إلى مجموعة من المتاعب التي أثرت سلبًا على السكان، منها ضعف الخدمات الأساسية وزيادة معدلات الفقر وارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض قيمة الدينار الليبي في مواجهة الدولار في السوق الموازي.
وبلغ الدين العام بنهاية الربع الأول من العام الحاليّ 2018، حسب بيانات مصرف ليبيا المركزي، نحو 100 مليار دينار (74.7 مليار دولار)، مقابل 72 مليار دينار (53.8 مليار دولار) في نهاية ديسمبر 2017، وهو ما يهدد بتفاقم الدين العام وتقلص فرص تعافي الاقتصاد في المستقبل، لا سيما في ظل ارتفاع الإنفاق الحكومي وتضرر البنية التحتية للبلاد بشكل كبير وتردي القطاع المصرفي.