قرار كاميرون بشأن الإخوان .. الأبعاد والمسارات المتوقعة (1/2)
مَن يقف وراء القرار؟
يبدو جليا بوضوح أن السعودية والإمارات هي من تقف وراء قرار كاميرون، فليس بخاف حجم التبادلات التجارية والخدمات الاقتصادية التي تقدمها دول الخليج لبريطانيا، فالتأثير السعودي على القرار في بريطانيا ليس جديداً، فهناك قضية شهيرة تعرف باسم “صفقة اليمامة” كان لها صدى كبير على العلاقات بين البلدين.
تعود صفقة اليمامة إلى عام 1985، حيث وقّع وزير الدفاع البريطاني الأسبق مايكل هيزلتاين المرحلة الأولى من الصفقة مع السعودية، حيث تقوم بريطانيا بتزويد الرياض بطائرات حربية مقاتلة من طراز تورنيدو وبي أيه إي هوك، وتقديم الدعم الفني والصيانة للطائرات، إضافة إلى إقامة قاعدة عسكرية بريطانية عملاقة في السعودية، وبلغت قيمة الصفقة 43 مليار جنيه إسترليني، ما يعادل 86 مليار دولار.
مرّت الصفقة بالعديد من المراحل، إلى أن جاء عام 2004، حيث كشفت صحيفة “الاندبندنت” البريطانية مخالفات مالية طالت مسئولين سعوديين بارزين وآخرين في شركة “بي إيه إي” البريطانية، أكبر شركات الأسلحة في المملكة المتحدة، ومن هنا بدأ التوتر في العلاقات بين البلدين.
فقد لوّحت السعودية بوقف الصفقة، ولجأت إلى شركة “داسو” الفرنسية للحصول على طائرات حربية منافسة للطائرات البريطانية “يوروفايتر”.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد صعّدت الصحافة البريطانية حملتها ضد صفقة اليمامة، وبدأ مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني Serious Fraud Office، في التحقيق في الوقائع التي نشرتها الصحافة.
تصاعدت الحرب الكلامية “الخفية” بين السعودية وبريطانيا، وضغطت الرياض بشدة بـ”كارت الإرهاب” و”المصالح الاقتصادية”، وهددت بوقف التعاون الاستخباراتي مع الحكومة البريطانية في مكافحة الإرهاب، وهو ما أجبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير على إصدار قرار بوقف التحقيقات في تلك الصفقة، حتى لا تتضرر العلاقات الاستراتيجية مع السعودية في مجال الحرب على الإرهاب، وكي لا تفقد بريطانيا آلاف الوظائف التي ستنتج عن فشل الصفقة بين الطرفين.
على الجانب الآخر، فإن إعلان السعودية لجماعة الإخوان “تنظيماً إرهابياً”، ورعاية بريطانيا للجماعة من شأنه حالياً أن يثير التوترات في العلاقات بين البلدين، إضافة إلى دولة الإمارات، وهذا له جانب اقتصادي أيضاً.
فوفقاً لتصريحات المتحدثة باسم الحكومة البريطانية روزماري ديفيس في نهاية مارس الماضي، فإن الإمارات تتصدر دول الخليج والشرق الأوسط في حجم التبادل التجاري مع بريطانيا بقيمة 8.4 مليار جنيه إسترليني سنوياً، في حين تأتي السعودية في المرتبة الثانية بـ 6.8 مليار جنيه إسترليني، أي أن إجمالي التبادل التجاري بين بريطانيا والسعودية والإمارات يصل إلى 15.2 مليار جنيه إسترليني، مقابل 4 مليارات جنيه إسترليني مع قطر، الراعي الإقليمي للإخوان بجانب تركيا.
كما شهد التبادل التجاري مع الكويت ارتفاعا نسبته 7 بالمئة محققا أكثر من2.1 مليار جنيه استرليني، وارتفع التبادل التجاري مع السعودية بنسبة 36 بالمئة ليبلغ أكثر من 8ر6 مليارات جنيه، كما ارتفع التبادل مع قطر بنسبة 7 بالمئة ليبلغ 4.03 مليارات جنيه، وكذلك ارتفع التبادل مع سلطنة عمان بنسبة 18 بالمئة ليبلغ أكثر من 670 مليون جنيه استرليني.
كما أن العلاقة بين السعودية وبريطانيا طويلة ومتشابكة ولا تريد بريطانيا أن تخسر علاقاتها مع السعودية على حساب قادة الإخوان الذي يعتبرون لندن ملاذا آمنا لهم.
ولم تكن فضيحة “اليمامة” المرة الأولى التى خضعت فيها بريطانيا لمطالب المملكة، ففى أعقاب الربيع العربى والتدخل السعودىفى البحرينلمواجهة المظاهرات،أجرى البرلمان البريطانى تحقيقاً برلمانياً حول تلك التجاوزات، مما اعتبرته المملكة أنها تعرضت للإهانة
و في رد فعل يعبر عن الاستياء من ردود أفعال الغرب على الربيع العربي قامت السعودية بتعطيل الاتفاقيات التجارية الموقعة بينهما، وعلقت الخارجية البريطانية على هذا بأن السعودية حليف وصديق مقرب.”
وبالفعل لم يسفر لجنة التحقيق التى كلفها البرلمان للتحقيق سوى عن تقرير صدر بعد عامين من تكليفها ولم يضف جديداً فى العلاقات البريطانية – السعودية.
وتتحدث بعض الوسائل الاعلامية عن أنه ربما يكون هناك دور خفى لرئيس الوزاء السابق “تونى بلير” فبلير الذى صرح أكثر من مرة بدعمه للانقلاب العسكرى بمصر وقد أثنى على الرئيس المرتقب عبد الفتاح السيسي في حين انتقد الإخوان المسلمين لمحاولتهم أخذ البلاد بعيدا عن القيم الأساسية للأمل في التقدم.
كان بلير في مصر هذا الأسبوع. وفي يوم الثلاثاء قالت الجارديان: “هناك دور رئيسي (في تحريات بريطانيا حول الإخوان المسلمين) سوف يلعبه السيد جون ساور، الرئيس الحالي لوكالة الاستخبارات البريطانية والذي عمل كسفير بريطاني لمصر بين 2001 و 2003. كما أن ساور الذي عمل مستشارا لوزير الخارجية في ولاية توني بلير في داونينج ستريت له علاقات قوية بالنظام القديم لحسني مبارك.
ولبلير علاقاته القوية بدول الخليج فقد أشرف على وضع استراتيجية الكويت 2020 بصفته مستشار لأمير الكويت ، وهو ما أثار الجدل كثيراَ حينها.
تداعيات القرار
بإعلان التحقيق في أنشطة جماعة الإخوان، يخطو كاميرون في انقسام عميق بشأن هذه المسألة. فبمتابعة الصحف البريطانية التى تناولت هذا القرار بالتحليل، يبدو أن هناك خلاف داخل الحكومة ومؤسسات الدولة تجاه هذا القرار، فبعض المسؤولين في وزارة الخارجية لا يشعرون بارتياح في حديث البعض بأن الإخوان يجب أن تُحظر؛ مثل هذه الخطوة، كما يقولون، يمكن أن تدفع أنصارها نحو الجماعات الأكثر تطرفًا.
ويُنظر أيضا إلى عدم معرفة رئيس الوزراء على ما يبدو بجماعة الإخوان باعتباره أمرا غريبا. كان دبلوماسيون ومسؤولون في المخابرات على اتصال مع الحركة خلال سنواتها في المعارضة وكان أعضاء من حكومة السيد مرسي يدعون في كثير من الأحيان لمحادثات غير رسمية في منزل السفير البريطاني في القاهرة . كما تم إصدار عدد من الأوراق حول حكومة مرسي وقيادة الإخوان.
لكن مسؤولين في وايت هول قالوا لصحيفة فاينانشال تايمز يوم الثلاثاء إن وزارة الخارجية قلقة من أن التحقيق يمكن أن يؤدي إلى تطرف ما كانت منظمة سلمية ومعتدلة نسبياً.
وقال احد كبار الشخصيات الحكومية: “هذا يتعارض مع ما تقوم به وزارة الخارجية بالفعل في هذا المجال، على الصعيدين المحلي وفي الشرق الأوسط. حيث إنه يخاطر بتحول أنصار منظمة معتدلة وغير عنيفة والتي تناضل من أجل الديمقراطية إلى متطرفين”.
وقد طُلب من خدمة الاستخبارات برئاسة جون سويرز، وهو سفير سابق لمصر، بالنظر في المزاعم بأن الإخوان كان وراء الهجوم على الحافلة المصرية.
وقالت داونينغ ستريت إن المراجعة لا تهدف بالفعل إلى حظر المنظمة، وهو شيء حذرت منه وزارة الخارجية من أن يصبح أمرًا مدمراً للغاية بين المجتمعات المسلمة في المملكة المتحدة والخارج. وقد أدى هذا التأكيد إلى بروز التهمة بأن التحقيق يهدف بدلا من ذلك إلى تهدئة المخاوف لدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقال مسؤول بريطاني رفيع المستوى: “لقد كنا تحت ضغط هائل، وكذلك الأمريكيون، من السعوديين لفعل شيئ حيال الإخوان المسلمين. هم يعتبرونها منظمة ارهابية وبالفعل هم غاضبين منا لمجموعة من الأسباب”.
وكانت الرياض منتقدة للمملكة المتحدة وسياسة الولايات المتحدة بشأن عدد من القضايا الإقليمية، بما في ذلك ترددهم في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد بشار الأسد في سوريا وتعزيز علاقات أوثق مع إيران “.
مع أمر ديفيد كاميرون بالتحقيق في التنظيم المصري، يحذر كريسبين بلانت، وزير العدل السابق، من أن وضع الجماعة على لائحة الإرهاب دون وجود أدلة كافية يمكن أن يكون له عواقب خطيرة.
أمر ديفيد كاميرون بإجراء تحقيق في “فلسفة وأنشطة” جماعة الإخوان المسلمين والتي من شأنها تقييم المعلومات من أجهزة الأمن والاستخبارات حول امكانية ارتباطها بالإرهاب.
لكن النائب المحافظ حذر من أن التحقيق قد يأتي بنتائج عكسية إذا نتج عنه وصف الجماعة بشكل خاطئ بوجود ارتباط لها بالإرهاب. وقال كريسبين بلانت، وهو وزير العدل السابق، إن المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى شعروا بتهديد سياسي مباشر من الإخوان.
وقال إن المسؤولين بالريطانيين كان عليهم واجب لتحديد أن قيادات الجماعة لم تُحرِض أو تُخطط لأعمال عنف في مصر أو في أي مكان آخر، لكنه حذر من أن: “السياسة التي يساء تطبيقها يمكن أن تدفع أتباع الجماعة إلى أحضان القاعدة”.
وقال “الشيء الأسوأ الممكن حدوثه هو تجريم الإخوان المسلمين لوضعهم على قائمة الإرهاب بأدلة قليلة أو معدومة. سيكون هذا خيانة لقيمنا وسيجعل المشكلة أكثر سوءا”.
المسارات المتوقعة
من المتوقع أن تسير نتائج التحقيقات فى ثلاثة مسارات هما:
المسار الأول: أن تنتهى اللجنة إلى عدم وجود أى شبهات حول نشاط الجماعة وأفرادها فيما يتعلق بأنشطة إرهابية سواء المملكة أو خارجها.
المسار الثانى: أن يتم إدانة الجماعة ” وخاصة أن اللجنة إدارية وليست قضائية” بتقرير مبدئى يتم الاستفادة منه وتوظيفه إعلامياً فى إطار محاربة الجماعة والتنظيم الدولى، دون توقع ممارسات على الأرض، والدخول فى سجال قضائى يمتد لعدة سنوات.
المسار الثالث: أن يتم تجميد عمل اللجنة واقعياً والاكتفاء بما تم الإعلان عنه واعتباره مرضياً للدول الداعمة للانقلاب
وأعتقد أن المسار الثانى هو الأرجح تنفيذه خلال المرحلة المقبلة وخاصة كما أوضحنا سابقاً أن اللجنة إدارية وتهدف بصورة أساسية إلى تضييق الخناق على تحركات الجماعة وقادتها وضبط الحركة المالية،ومحاولة إشغال الجماعة وقادتها بلندن من دعم الحراك الشعبى المعارض للانقلاب.