ترجمة وتحرير: نون بوست
تعد العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ شهر نيسان/ أبريل من سنة 2011 الأكثر شمولاً على الإطلاق، ولكنها لم تردع الرئيس السوري بشار الأسد على مدى السنوات السبع الماضية عن شن حرب وحشية على شعبه، ما أسفر عن مقتل نصف مليون سوري، وتشريد ملايين آخرين، وخلق أزمة إنسانية كارثية في البلاد. ولكن، لماذا لم تنجح العقوبات في وقف آلة القتل التي يستخدمها نظام الأسد؟
إلى حد ما، يمكن أن يعزى فشل هذه العقوبات إلى تشبث نظام الأسد بالبقاء على رأس السلطة، فضلا عن المساعدات العسكرية والاقتصادية التي يتلقاها من حلفائه إيران وروسيا وحزب الله. لكن جزءًا كبيرًا من اللوم يقع على الجهود الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة في سوريا. ففي الواقع، سمحت وكالات الأمم المتحدة، مثل منظمة الصحة العالمية، لنظام الأسد بالسيطرة على المساعدات الإنسانية الدولية البالغة 30 مليار دولار، واستخدام أموال المانحين للالتفاف حول العقوبات ودعم الجهود الحربية للحكومة، مع العلم أن هذه المليارات من الأموال مقدمة في شكل مساعدات من الحكومات الغربية التي فرضت العقوبات على نظام الأسد.
إن قدرة الحكومة السورية على إجهاض أكثر الجهود الإنسانية كلفة تسلط الضوء على حاجة الأمم المتحدة لإصلاح نظامها الذي تعول عليه لتقديم المساعدات، حيث تحترم سيادة الدول حتى عندما تعلن الحرب على فئات من سكانها. ومن المهم تحقيق هذا الإصلاح الآن، قبل أن يكرر نظام الأسد تكتيكات إعادة التوجيه المميتة والناجحة من خلال نداءاته الجديدة لتلقي مساعدات إعادة الإعمار.
حسب شروط الأسد
تعود جذور مشاكل الأمم المتحدة في سوريا إلى السنوات الأولى للحرب الأهلية. ففي ربيع سنة 2012، عندما بدأ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالتعبئة لتقديم المعونة إلى سوريا، أصرت الحكومة السورية على أن يركز مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية جميع العمليات في دمشق. وأشار النظام إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182، وهو أساس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي ينص على أنه “ينبغي تقديم المساعدة الإنسانية بموافقة من البلد المتضرر” وأن “الدولة المتضررة لها الدور الرئيسي في بدء المساعدة الإنسانية وتنسيقها وتنظيمها وتنفيذها داخل أراضيها”. ونظرا لأن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يحتاج إلى موافقة الدولة المتضررة، فقد خضع لشروط الأسد.
أجّلت الحكومة انتخابات الهلال الأحمر إلى أجل غير مسمى، قامت بتطهير أعضاء المجلس المستقلين، وفصلت الموظفين المؤهلين
في وقت وجيز، تدفق نحو 216 مليون دولار من المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد، ونما هذا المبلغ ليصل إلى أكثر ثلاثة مليارات دولار سنويا في السنوات اللاحقة. وقد أدى إطلاق الأمم المتحدة عملياتها في دمشق إلى مواجهتها لمجموعة من المشاكل المتداخلة سمحت لنظام الأسد بالسيطرة على جهود الإغاثة. كما تطلب وزارة الشؤون الخارجية السورية من جميع الوكالات الإنسانية التوقيع على اتفاق مع الشريك الرسمي للحكومة، ألا وهو الهلال الأحمر العربي السوري، وتحظر الزيارات الميدانية والبرمجة دون إذن من الهلال الأحمر. وقد تم ربط الهلال الأحمر منذ فترة طويلة بجهاز الدولة السوري، وقد تم تجنب التلميح لاستقلاله منذ سنة 2011.
عندما أجّلت الحكومة انتخابات الهلال الأحمر إلى أجل غير مسمى، قامت بتطهير أعضاء المجلس المستقلين، وفصلت الموظفين المؤهلين. ووفقا لمتطوعي الهلال الأحمر السابقين الذين تحدثت إليهم، تسلل عملاء المخابرات متنكرين كمتطوعين إلى المنظمة. وإثر هذه التغييرات، أصبحت السياسة غير الرسمية الجديدة للهلال الأحمر تقوم على توصيل المساعدات وفقًا للمعايير الحزبية. وتم اعتقال الموظفين والمتطوعين الذين انتهكوا هذه القواعد وتعرضوا للتعذيب، بل وقتلوا.
ثّبتت الحكومة نفسها من خلال إصدار تأشيرات انتقائية لموظفي المنظمات الإنسانية الدولية، حيث قامت بتفضيل رعايا الدول الحليفة، مثل السودان، وفرضت رقابة صارمة على توزيع المساعدات والإمدادات الطبية، التي لا تحجبها فقط عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مثل إدلب، وإنما على تلك المناطق التي كانت تحت الحصار في السابق وتحكمها حاليا القوات الحكومية، مثل الغوطة الشرقية.
لتجنب سيطرة النظام، فضلت العديد من وكالات الإغاثة الدولية أن تجري عملياتها عبر الحدود من تركيا أو الأردن، والعمل مع الشركاء السوريين للوصول إلى ملايين المدنيين اليائسين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وقد تم إثبات فعالية هذا النهج خلال تفشي مرض شلل الأطفال سنة 2013، خاصة أن منظمة الصحة العالمية ومقرها دمشق، ظلت صامتة طوال شهور، في حين أنكرت الحكومة هذا الأمر.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية جعل خطته للاستجابة الإنسانية لسنة 2016 مقبولة من قبل النظام باستخدام اللغة التي تفضلها الحكومة
بعد ذلك، أثبتت المنظمات غير الحكومية السورية التي تعمل عبر الحدود من تركيا أن شلل الأطفال قد عاد للتفشي في سوريا وأجرت حملة تطعيم جماعية ناجحة. ومع ذلك، كانت عواقب قيام المنظمات غير الحكومية بتقديم مساعدات إنسانية فعالة خارج سيطرة الأسد جليّة، حيث تم طرد “ميرسي كور” من دمشق في نيسان/ أبريل من سنة 2014. وفي تموز/ يوليو من نفس السنة، وبعد أن وافقت روسيا على حجب حق النقض، تبنى مجلس الأمن الدولي رسميًا القرار عدد 2165، الذي يجيز المساعدة عبر الحدود، وهو ما مثل علامة بارزة في تحديد أولويات المساعدات الإنسانية وتقديمها على السيادة. ومع ذلك، استمرت وكالات الأمم المتحدة غير الراغبة في إفساد العلاقات مع الحكومة، في إعطاء الأفضلية لعملياتها في دمشق، ومنح نفوذ هائل للنظام.
في مثال مؤثر لآثار هذا النفوذ، بدأت منظمة الصحة العالمية سنة 2014 بنشر خريطة الأسد المفضلة لسوريا، التي تضم جزءاً كبيراً من تركيا. والأهم من ذلك، أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية جعل خطته للاستجابة الإنسانية لسنة 2016 مقبولة من قبل النظام باستخدام اللغة التي تفضلها الحكومة، أي من خلال استخدام كلمة “الصراع” بدلاً من “الأزمة”؛ و”المواقع المدرجة في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة” بدلاً من “المناطق المحاصرة من قبل القوات الحكومية”. كما ألغى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية برمجة إزالة الألغام لأنه كان سيعمل عبر الحدود خارج نطاق سيطرة الأسد.
خيم الهلال الأحمر التركي في أوردو، خلال شهر يونيو/ حزيران من سنة 2011.
التلاعب بالمساعدات
لم يؤدي قرار وكالات الأمم المتحدة بالعمل انطلاقاً من دمشق في الحد من فعالية تقديم المساعدات فقط، بل مكّن نظام الأسد من إعادة توظيف الأموال الدولية لتحقيق غاياته الخاصة. وقد تضمنت جهود الإغاثة في سوريا تدفقات هائلة من الأموال، خاصة بالنسبة لبلد يعاني من شلل اقتصادي بسبب سنوات من الحرب الأهلية. ويشير تقرير غير منشور من قبل المركز السوري لبحوث السياسات إلى أنه سنة 2017، كانت النفقات الإنسانية الإجمالية للمجتمع الدولي في سوريا، بما في ذلك مصادر التمويل التابعة للأمم المتحدة وغير التابعة للأمم المتحدة، تعادل نحو 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد.
في بداية الحرب، أدرك النظام أن حجم هذا الجهد سيطغى على قدرات الهلال الأحمر. ونتيجة لذلك، أنشأت الحكومة سنة 2013 لجنة الإغاثة العليا، وهي وكالة مكلفة بتنسيق طلبات الأمم المتحدة للوصول إلى المساعدات الإنسانية مع الوزارات الحكومية الرئيسية والفروع المختلفة لقوات المخابرات.
من الأساسي الحصول على موافقة مجلس حقوق الإنسان لأي عمليات تسليم للمعونات من الهلال الأحمر، مما يسمح للحكومة بالتحكم في من يتلقى الإغاثة، وأين، ومتى. وقد تم توقيع رسالة تسهيل للجنة الحقوق الإنسانية سنة 2016 التي توافق على تسليم معونة الهلال الأحمر من دمشق، وقد حصل عليها الكاتب من مصدر داخل مجتمع المساعدات السورية، وقعه وزير الصحة السوري وضباط من القوات الجوية ووكالات المخابرات العسكرية، مما يشير إلى الدور المشتبه به من قبل هذه الوكالات في توجيه الجهود الإنسانية. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من وزارة الصحة ورؤساء القوات الجوية والاستخبارات العسكرية يخضعون لعقوبات بريطانية وأمريكية وأوروبية.
تطلب وزارة الشؤون الخارجية التي تُفرض عليها عقوبات من الولايات المتحدة، من المنظمات التي تعتمد على شركاء التنفيذ المحليين، وهي وكالات تابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية، أن تختار شركاءها من قائمة “المنظمات غير الحكومية الوطنية”
إلى جانب السيطرة على المساعدات، تقوم الحكومة بالسيطرة على أجزاء كبيرة من التمويل الإنساني لدفع ثمن المجهود الحربي. وتبدأ عملية السحب من ضريبة تفرض على مرتبات جميع موظفي الإغاثة، تتراوح من خمسة في المائة للموظفين الوطنيين الأقل أجرا إلى 20 في المائة للموظفين الدوليين.
علاوة على ذلك، تطلب وزارة الشؤون الخارجية التي تُفرض عليها عقوبات من الولايات المتحدة، من المنظمات التي تعتمد على شركاء التنفيذ المحليين، وهي وكالات تابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية، أن تختار شركاءها من قائمة “المنظمات غير الحكومية الوطنية”. هذه العبارة هي تعبير ملطف عن الكيانات التي يسيطر عليها النظام، مثل “الأمانة السورية للتنمية” (أسستها وتترأسها السيدة السورية الأولى أسماء الأسد)، أو شركات قابضة متخفية في هيئة جمعيات خيرية، مثل البستان، التي يملكها ابن عم الأسد رامي مخلوف. وتخضع كل من أسماء الأسد ومخلوف للعقوبات الدولية، بالإضافة إلى وزير الشؤون الخارجية، وليد المعلم.
في أيار/ مايو من سنة 2017، أضافت وزارة الخزانة الأمريكية “البستان” إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات. ومع ذلك، لا تطلب الأمم المتحدة من المنظمات الشريكة لها الكشف عن شركائها الثانويين في التعاقد، حيث لا يزال بإمكان المنظمات غير الحكومية الوطنية مثل “الأمانة السورية للتنمية” التعاقد من البستان والكيانات المماثلة، وتوجيه أموال الأمم المتحدة إلى المطلعين على النظام.
لقد اضطرت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى شراء الهواتف المحمولة من سيريتل، وهي شركة أخرى تابعة لمخلوف. وبالمثل، تجبر الحكومة الأمم المتحدة على استضافة موظفيها الدوليين البالغ عددهم 150 موظفاً في فندق “فور سيزونز” بدمشق، المملوك بشكل مشترك مع وزير السياحة سامر فوز، وهو رجل أعمال متحالف مع الحكومة ومسؤول عن الاستيلاء على ممتلكات النازحين تحت قانون المصادرة الجديد رقم (10) لسوريا.
يشير أفضل تقدير الى أن ما بين 2 و18 في المائة فقط من معونات الأمم المتحدة تصل فعلياً إلى السوريين المحتاجين
من جانب آخر، استفاد نظام الأسد من وكالات الإغاثة من خلال اللعب بأسعار الصرف أيضًا، حيث يجب أن تُدفع الأموال اللازمة للبرمجة، والرواتب الوطنية، وشراء الأدوية والسلع والخدمات المحلية إلى البنك المركزي بالدولار بسعر الصرف الرسمي، بنسبة أقل بنحو 20 إلى 25 في المائة عن سعر السوق السوداء. وبالتالي يذهب الفارق لجيوب الحكومة. وتشير التقديرات التي استخدمت بيانات خدمة التتبع المالي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن هذه التلاعبات أنتجت ما لا يقل عن مليار دولار من الإيرادات للنظام. ويتجلى استخدام نظام الأسد لكيانات الأمم المتحدة لتفادي العقوبات من خلال استخدام منظمة الصحة العالمية لأموال المانحين لشراء إمدادات نقل الدم نيابة عن وزارة الدفاع السورية، التي تسيطر على بنك الدم الوطني.
بناء على ذلك، فإن منظمة الصحة العالمية تدعم فعليًا نفس الوزارة التي تقصف المدنيين وتهاجم المستشفيات وتحجز المساعدات التي يمكن أن تنقذ حياة العديد من الأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، في حين أن نظام الأسد يلوم العقوبات وليس استهدافها الخاص للبنية التحتية المدنية والمستشفيات التي عمقت أزمة الصحة العامة في سوريا.
ينعكس احتفاظ دمشق بوكالات الأمم المتحدة على كيفية ترتيب أولويات التمويل. فبين سنتي 2012 و2013، ذهبت جميع مساعدات الأمم المتحدة، البالغة 1.2 مليار دولار، إلى دمشق مباشرة. وسنة 2014، بلغ إجمالي المساعدات الدولية للأمم المتحدة 1.2 مليار دولار، ولم يذهب سوى 6.5 مليون دولار للوكالات الدولية التي تعمل عبر الحدود من تركيا، بينما ذهب أكثر من مليار دولار إلى وكالات الأمم المتحدة في دمشق. وقد استمر هذا النمط خلال سنة 2015 أيضًا، عندما تلقت المنظمات غير الحكومية السورية العاملة عبر الحدود أقل من واحد في المائة من إجمالي ميزانية الأمم المتحدة الموجهة في شكل مساعدات لسوريا.
تمثل سوريا واحدة من الحالات الاستثنائية التي جعلت وكالات الأمم المتحدة تخرق التقاليد المعمول بها بشأن احترام سيادة الدولة
يشير أفضل تقدير الى أن ما بين 2 و18 في المائة فقط من معونات الأمم المتحدة تصل فعلياً إلى السوريين المحتاجين. علاوة على ذلك، نادراً ما تذهب تلك المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها؛ أي السوريون الذين يعانون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وغالباً تحت الحصار. وبدلاً من مساعدة المدنيين المعرضين للخطر، ذهبت معظم المساعدات إلى الحكومة السورية. ويكمن التناقض والمفارقة المحزنة في أن القوى الدافعة وراء العقوبات ضد الحكومة السورية، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كانت أيضاً من أكبر ممولي المساعدات الإنسانية الموجهة لسوريا التي قوضت تلك العقوبات.
حان الوقت للتغيير
تمثل سوريا واحدة من الحالات الاستثنائية التي جعلت وكالات الأمم المتحدة تخرق التقاليد المعمول بها بشأن احترام سيادة الدولة. ولكن لقد حان الوقت لإعادة النظر في الصفقة التي عقدوها مع الشيطان، وتبيُّن ما إذا كان وجودهم في دمشق مضرا. وتواصل وكالات الأمم المتحدة تبرير قرارها بالعمل مع الحكومة السورية بتعلة أن نسبة كبيرة من الأشخاص المعوزين الذين يحتاجون لمساعدتهم يقطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. ومع ذلك، لا تزال وكالات الإغاثة غير قادرة على الوصول إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، لاسيما أولئك المحاصرين في الغوطة الشرقية التي استعادتها الحكومة في مطلع هذه السنة.
في الوقت الراهن، تمثل محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة أحد أكثر المناطق المحتاجة للمساعدة في شمال سوريا، وهي تضم ملا يقل عن ثلاثة ملايين ساكن. وإذا افترضنا أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد جدد القرار عدد 2165 القاضي بإدخال المساعدات عبر الحدود دون تفويض، فيُسمح للوكالات الإغاثة الأممية بالوصول إلى هؤلاء المدنيين عبر تركيا وتقديم الدعم لهم، وذلك دون العمل مع الحكومة السورية. أما إذا بقيت هذه الوكالات في دمشق، فستُمنع من تقديم يد العون للمدنيين في إدلب في حين يواصل نظام الأسد وحلفاؤه قيادة حملته الدموية لاستعادة المحافظة.
العبرة المستقاة من سوريا هي أن الدافع الإنساني لإنهاء هذه الحرب ليس كافيا
بينما تقترب الحرب السورية من نهايتها وبدأ النظام السوري في التضرع لنيل مساعدات إعادة الإعمار، ستصبح مسألة استقلالية الوكالات التابعة للأمم المتحدة أكثر أهمية من ذي قبل. فإذا كان نظام الأسد يريد تلقي المساعدة لإعادة بناء المدن التي لعب دورا رئيسيا في إلحاق الدمار بها خلال الحرب، فعليه أن يفعل ذلك بطريقة مختلفة تماما، لاسيما أن المانحين الدوليين يطلبون إرساء سلطة واحدة لاختيار الشركاء المحليين رافضين بذلك قبول الطرق التي تتوخاها حكومة الأسد لاقتطاع نسب من أموال المساعدات لتحقيق مصالحها الخاصة، كما يلتمسون إجراء تدقيق شرعي لتحديد كيفية إنفاق الأمم المتحدة لميزانية قدرها مليار دولار في سوريا، وفقا لنموذج الصندوق العالمي، وهي منظمة تمويل دولية.
إن العبرة المستقاة من سوريا هي أن الدافع الإنساني لإنهاء هذه الحرب ليس كافيا. فلوقت طويل، تهربت وكالات الأمم المتحدة من التحقيقات من خلال رفع راية “النوايا الحسنة”. ولكن لا يمكننا أن نبقى مكتوفي أمام النتائج الكارثية التي خلفتها تلك “النوايا الحسنة” في سوريا. فإذا كانت الأمم المتحدة غير قادرة على تحسين آلية عملها في سوريا بشكل جذري فعليها أن تخرج منها، إلى أن يفقد نظام الأسد الدموي سلطته ويصبح غير قادر على فرض نفسه على الشعب السوري.
المصدر: فورين أفيرز