للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً قررت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إجراء انتخابات داخلية في صفوفها استمرت لعام متواصل، وأفرزت قيادة جديدة لمكتبها السياسي في قطاع غزة والخارج، وقد غيبت النتائج وجوهاً تاريخية مهمة، وحصلت في ظروف سريعة فيها نوع من الإصلاح الإجباري المفروض من إيران وحزب الله مع أن الأخيرتين كانتا ترغبان بشكل آخر للقيادة بعيداً عن القيادي محمد الهندي.
غادر رمضان شلح 65 عام الساحة السياسية للجهاد الإسلامي بسبب مرضه منذ عام متواصل، وإجراءه مؤخراً عملية قلب مفتوح في لبنان، وقد كان الرجل يتمتع بعلاقة قوية ومتينة مع إيران وحزب الله، وبدأ مؤخراً التوسع قليلاً في علاقاته مع المحيط كتركيا وقطر، لكنه انهى مشواره السياسي داخل الجهاد الإسلامي بسبب مرضه، مع أن الرجل يصنف من أهم الشخصيات الفلسطينية السياسية الحاضرة.
الانتخابات والانتقادات
تشابه الانتخابات التي حصلت في الجهاد الإسلامي تلك التي حصلت داخل حركة حماس، لم تكن على طريقة المؤتمر العام، ولم تتم بطريقة علنية، وجرت في مراكز ومساجد معينة، وشابها كثير من الانتقادات وجهها أعضاء من داخل التنظيم لها، أهمها استثناء عدد مهم من القيادة التاريخية مثل إبراهيم أبو مر وفتحي أبو عليان في غزة، إضافة لتزكية أسماء بعينها دون مرورها قائمة الانتخاب أو ترشيحها عبر الكوتات والتحالفات القوية، وبغض النظر عن هذه الانتقادات وانعكاسها السلبي على افراز قيادة من داخل الجهاد الإسلامي بطريقة ديمقراطية تماماً، إلا أن أفراد الجهاد الإسلامي يرون مبدأ الانتخابات وانجازها للمرة الأولى بهذه الطريقة أمر إيجابي له ما بعده في مستقبل الحركة التي تتمتع بموقع متقدم بين الفصائل الفلسطينية.
في قطاع غزة فاز كل من يوسف الحساينة ووليد القططي ومحمد حميد ونافذ عزام وخالد البطش كأعضاء للمكتب السياسي الجديد
وحقيقة الأمر أن تنظيم الجهاد الإسلامي ظل لفترة طويلة يعاني من مشاكل إدارية ومؤسساتية في التنظيم، مع مشاكل في الاستقطاب وأزمة مالية عاجزة عن سد الالتزامات المالية لموظفيه وكوادره، فرضت على التنظيم إصلاحات اجبارية واضطرارية، ومع أن الانتخابات للإصلاحات جاءت متأخرة إلا أنها خطوة متقدمة لإصلاحات هيكلية وترتيبات إدارية تعطي زخماً أكبر لقيادة جديدة.
أعضاء المكتب السياسي الجديد
في قطاع غزة فاز كل من يوسف الحساينة ووليد القططي ومحمد حميد ونافذ عزام وخالد البطش، أما أعضاء المكتب السياسي في الخارج فاز كل من أكرم العجوري ومحمد الهندي وأنور طه وأبو السعيد الميناوي وزياد النخالة، ومع أن الهندي لم يحصل على ثاني أعلى أصوات فقد حصل أبو أكرم العجوري عليها بعد النخالة مباشرة.
الشخصيات القوية في الجهاد الإسلامي
– زياد النخالة
الأمين العام الجديد للجهاد الإسلامي، ويلقب بالحاج زياد وهو من مواليد 1953، واستشهد والده في مدينة خانيونس إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956، واعتقل النخالة في عام 1971 وحكم عليه بمدى الحياة ليفرج عنه في صفقة تبادل الجليل عام 1985 مع “إسرائيل”، وهو المكلف بتأسيس الجهاز العسكري للجهاد الإسلامي الذي عرف فيما بعد بسرايا القدس، وقد أبعدته “إسرائيل” عام 1988 إلى جنوب لبنان، وبعد استشهاد الشقاقي انتخب 1995 رمضان شلح أميناً عاماً للجهاد الإسلامي، وزياد النخالة نائباً له، والنخالة مدرج على قوائم الإرهاب الأمريكية في 2014 بحجة دعمه للحركات المعادية لـ”إسرائيل” وايصال السلاح لغزة.
يعتبر محمد الهندي الشخصية الأقوى داخل حركة الجهاد الإسلامي جراء نفوذه الممتد على القيادات في قطاع غزة، وهو شخصية مقربة جداً من حركة حماس وفكرها
يتمتع نخالة برضى من كافة الأطراف داخل الجهاد الإسلامي وباقي الفصائل الفلسطينية وشخص متزن له احترامه بين الجميع، كما أن علاقته مع إيران وحزب الله علاقة وطيدة، وهو مربط الفرس لاستمرار الدعم المالي والعسكري من إيران والحزب، كما تربطه علاقة نسب مع القيادي الأهم في الجهاد الإسلامي محمد الهندي، فهو صديقه المقرب.
– محمد الهندي
يعتبر محمد الهندي الشخصية الأقوى داخل حركة الجهاد الإسلامي جراء نفوذه الممتد على القيادات في قطاع غزة حيث مركز وقوة الحركة، وهو شخصية مقربة جداً من حركة حماس وفكرها ويتمتع بذكاء سياسي جيد، وكانت تدور بينه وبين الأمين العام السابق رمضان شلح خلافات كبيرة، لكن الأخير لم يستطع استثناءه من صناعة القرار نتيجة نفوذه الكبير في قطاع غزة وخارجها داخل الجهاد الإسلامي، وقد خاض الانتخابات وحصل على ثالث أعلى أصوات بعد نخالة أولًا، وأكرم العجوري ثانياً، ويطمح أن يصبح نائب الأمين العام، وبرغم خلافاته مع شلح وقدرته على إنشاء جهاد إسلامي جديدة إلا أنه آثر الصبر وزيادة نفوذه بهدوء، وبنفس طويل في العمل والتخطيط بعيد المدى.
– خلاف الهندي مع إيران
يضع الهندي تصوراً جديداً داخل الجهاد الإسلامي يسعى للانفتاح فيه على المحيط الإقليمي وليس فقط إيران، ويبحث لتطوير علاقات الجهاد الإسلامي مع قطر وتركيا ومصر والسعودية وكافة الأطراف التي يستطيع الوصول إليها، ولا يريد فقط أن تبقى الجهاد الإسلامي مقتصرة على التمويل المقدم من إيران، ليخلق مساحة أكبر في صناعة القرار السياسي للجهاد الإسلامي، وهو ما لا يعجب إيران، حيث زارها مؤخراً وعزز قناعة سابقة لديها بضرورة إزاحته من منصب الأمين العام للجهاد الإسلامي أو منصب نائب الأمين العام.
يعتبر البعض تنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين أنه مهلهل لا يملك بنية تنظيمية صلبة، نتيجة التأثير الإيراني فيه ودعم أطراف وتقويتها على حساب أطراف أخرى
لم يحسم منصب نائب الأمين العام بعد، مع أن ما أُشيع في الإعلام أن الهندي هو نائب الأمين العام، وبرغم العلاقة القوية للهندي مع الأمين العام زياد النخالة، إلا أن ضغوطات كبيرة لتحييده من المنصب تمارس إيرانياً، لذا من المتوقع إلغاء منصب نائب الأمين العام مؤقتاً، وقد يرى الأمين العام مسألة أصوات نتائج الانتخابات التي حصل عليها العجوري بنسبة أعلى من الهندي مخرجاً جيداً لمنع الاحراج.
نقاط القوة والضعف في الجهاد الإسلامي بعد الانتخابات الجديدة
يعتبر البعض تنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين أنه مهلهل لا يملك بنية تنظيمية صلبة، نتيجة التأثير الإيراني فيه ودعم أطراف وتقويتها على حساب أطراف أخرى، ويعتبر آخرون أن القاعدة الاجتماعية في الجهاد الإسلامي غير منتشرة نتيجة ضعف نشاطه الاجتماعي مقارنة بباقي الفصائل وسنعرج هنا على أبرز نقاط القوة والضعف في التنظيم بعد الانتخابات الأخيرة.
– الأزمة المالية
يعاني الجهاد الإسلامي من أزمة مالية خانقة على مدار أكثر من ثلاث سنوات ماضية، وهي في سياقها الطبيعي في ظل الأزمات المالية التي تعاني منها الفصائل الفلسطينية ابتداءً من حماس والجهاد والجبهة الشعبية، كما السلطة الفلسطينية التي تتعرض لهجمة غير مسبوقة من التقليصات المالية لاعتبارات سياسية.
واجه الجهاد الإسلامي صعوبة بين أفراده في فهم الفكر الذي يطرحه المؤسس الشهيد فتحي الشقاقي
يعتمد الجهاد الإسلامي في تمويله على إيران وحزب الله بشكل أساسي “المحور”، لذلك عانى من أزمة مالية لاعتبارات سياسية ولوجستية في توصيل الأموال إلى داخل قطاع غزة خصوصاً ضمن أزمات التمويل في السياق العام بعد الثورات العربية.
– الاستقطاب
لعدم وجود هيكلية تنظيمية واضحة، ولا نظام داخلي أو لوائح داخلية واضحة، وغياب البنية التنظيمية الصلبة بالإضافة إلى النشاط الاجتماعي والنقابي والمؤسساتي الضعيف نسبياً مقارنة بحركة فتح وحماس، فإن مشكلة الاستقطاب حاضرة بقوة داخل الجهاد الإسلامي يطرح تساؤلين مهمين، ما مدى قدرة الجهاد الإسلامي على استقطاب أعضاء وكوادر جدد، وما مدى حاجة الجهاد الإسلامي بهم؟
– الأزمة الفكرية
واجه الجهاد الإسلامي صعوبة بين افراده في فهم الفكر الذي يطرحه المؤسس الشهيد فتحي الشقاقي، فكثير من الافراد يرونه نظرياً أو صعباً على التطبيق وغير واضح، ولذلك سعت القيادة لتبسيط أفكار الشقاقي بين أفراده، وطرح البعض منهم ضرورة تحديث أفكاره لتوافق التغيرات المحيطة بالتنظيم داخلياً وخارجياً، وأدى ذلك لوجود فراغ بين فكر الجهاد الإسلامي والممارسات السياسية لقيادته.
– القوة الإعلامية
تتمتع حركة الجهاد الإسلامي بجمهور عريض خصوصاً في قطاع غزة الذي يفضل الاستماع أو مشاهدة اعلامها كإعلام متزن يقع في الوسط في ظل التشابك الإعلامي اليومي بين حماس وفتح، وقد استطاعت التأثير في الشارع الفلسطيني خصوصاً الطبقة الوسطى التي تفضل الاستماع لإذاعة القدس المحلية كخيار أول بعيداً عن أخبار التجاذبات السياسية بين طرفي الانقسام حماس وفتح، كما أن للجهاد أذرع إعلامية مختلفة من خلال قناة فلسطين اليوم أو موقع فلسطين اليوم أو إذاعة القدس وغيرها.
– القوة العسكرية
تتصل خطوط مهمة داخل الجهاز العسكري للجهاد الإسلامي، بالجنرال الإيراني قاسم سليماني، والحرس الثوري، الذي يقدم دعماً بكافة أشكاله، حيث تمتلك الجهاد القوة العسكرية الثانية في فلسطين من خلال منظوماتها الصاروخية قصيرة المدى وغيرها، وهنا يمكن القول أن الحرس الإيراني له تأثير واضح في الفترة الأخيرة بقرار التصعيد على الجهاد الإسلامي، مع أن التنظيم يحاول أن ينتظم بقراراته مع الفصائل الفلسطينية الأخرى فيما يتعلق بالتهدئة.
خلاصة القول إن الانتخابات الأخيرة التي حصلت في الجهاد الإسلامي ستؤسس لمرحلة إعادة هيكلة التنظيم من جديد، وترتيب لوائحه الداخلية، مما سيزيد قوته داخلياً ويضعف قدرته على الاستقطاب، لكن حالة الترهل التي أصابت التنظيم في السنوات الأخيرة ستقف عائقاً نحو تمدده.