فصل جديد تدخله أزمة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي عقب المؤشرات الأولية التي توصلت إليها لجان التحقيقات التركية المخولة بمتابعة القضية، والمتعلقة بإدانة السعودية في إخفاء الكاتب قبل تعرضه للاغتيال، وفي غضون ساعات قليلة أو أيام قد يكشف النقاب عن تفاصيل الحادث بصورة رسمية.
شبكة “CNN” الأمريكية نقلًا عن مصدرين خاصين بها أشارت إلى أن الحكومة السعودية تستعد لتقديم اعتراف بمقتل خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، بصيغة تحمل بين ثناياها تبرئة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أي مسؤولية عن مقتله.
الشبكة كشفت أن التقرير، الذي هو الآن قيد التحضير، يعترف بوفاة الكاتب السعودي بسبب خطأ وقع في أثناء استجوابه، خلال عملية كان المقصود منها اختطافه من تركيا وليس قتله، فيما رجح مصدر منهما أن التقرير على الأرجح سيخلص إلى أن العملية جرت دون إذن، والضالعين فيها سيحاسبون.
وبينما تصل القضية إلى محطتها قبل الأخيرة، سيناريوهات عدة طرحت نفسها على موائد النقاش، فيما يتعلق بما يمكن أن تتعرض له المملكة حال ثبوت إدانتها رسميًا، ما بين عقوبات اقتصادية وضغوط سياسية، غير أن السيناريو الأكثر حضورًا بحسب خبراء يتعلق بإعادة تفعيل “قانون ماجنيتسكي” الذي وضعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما، بهدف تمكينها من ملاحقة المتورطين في جرائم متعلقة بحقوق الإنسان، خاصة بعد تصاعد العديد من الدعوات البرلمانية لاستخدامه ضد المملكة والمتورطين في عملية الاغتيال حال ثبوتها.
صحيفة “واشنطن بوست” أشارت في خبر عاجل لها صباح اليوم أن معلومات استخباراتية أمريكية أظهرت أن ابن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي
تورط سعودي
الفحص الأولي داخل القنصلية السعودية “أظهر أدلة بارزة على مقتل خاشقجي رغم محاولات طمسها” بحسب مصدر في مكتب المدعي العام التركي لـ”الجزيرة“، مضيفًا أن الأدلة التي وجدت تدعم شبهة تعرض الكاتب لجريمة قتل، حيث لوحظ أن المحققين الأتراك يركزون في بحثهم على أماكن محددة، حيث رفعوا البصمات وأجروا تحليلات باستخدام المعدات التي يحملونها، وخلال البحث اهتموا بمعاينة غرفة في الطابق العلوي للقنصلية.
واستمرت عمليات التفتيش قرابة 9 ساعات، غادر بعدها أعضاء فريق التحقيق التركي مقر القنصلية، ثم تبعهم المدعي العام التركي، وأعقبهم الفريق السعودي بعد نحو ساعتين، وأظهرت صور بثتها وكالات الأنباء شاحنات الفريق التركي تغادر مقر القنصلية، فيما نُقل عن مصادر مطلعة أن تسجيلات صوتية بحوزة جهات التحقيق التركية تكشف تفاصيل واضحة عن مقتل خاشقجي، حيث مكث دقيقتين فقط داخل مكتب القنصل ثم دخل عليه أشخاص وانهالوا عليه بالضرب.
نيويورك تايمز في تقرير لها أول أمس وضعت تعريفًا جديدًا لولي العهد، مشيرة أن الترجمة العملية لمسمى (MBS) هي (Mister Bone Saw)، أي السيد منشار العظم، في إشارة إلى ما أثير بشأن الطريقة البشعة التي قتل بها خاشقجي
المصادر ذاتها أضافت أن صوت خاشقجي كان يُسمع وهو يتحدث لهؤلاء الأشخاص عن محاولتهم ضربه بإبر ثم يسكت صوته، وذلك بعد دقائق قليلة من دخوله القنصلية في إسطنبول يوم 2 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، وهو ما أكدته روايات أخرى في عدد من الصحف الأجنبية.
صحيفة “واشنطن بوست” أشارت في خبر عاجل لها صباح اليوم أن معلومات استخباراتية أمريكية أظهرت أن ابن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي، فيما طالبت في افتتاحيتها بضرورة محاسبة من أمر بذلك حال اعتراف السعودية بجريمة القتل، وهو ما طالبت به بعض العواصم الأوروبية الأخرى على رأسها لندن وبرلين وباريس في بيانهم المشترك أمس.
عاجل | واشنطن بوست: معلومات استخباراتية أمريكية تظهر أن بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي
— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) October 16, 2018
صحيفة “نيويورك تايمز” أحد أبرز مصادر تلميع ابن سلمان خلال الفترة الأخيرة، وكانت تحتل نصيب الأسد في الترويج له كونه “القائد المصلح”، في تقرير لها أول أمس وضعت تعريفًا جديدًا لولي العهد، مشيرة أن الترجمة العملية لمسمى (MBS) هي (Mister Bone Saw)، أي السيد منشار العظم، في إشارة إلى ما أثير بشأن الطريقة البشعة التي قتل بها خاشقجي عبر منشار قطع جسده إلى أشلاء.
عاجل | افتتاحية واشنطن بوست: إذا اعترفت #السعودية بقتل خاشقجي فيجب محاسبة من أمر بذلك
— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) October 16, 2018
ارتباك في الديوان الملكي
ردود الفعل السعودية وتعاطيها مع الأزمة منذ بدايتها كشف حالة الارتباك الواضحة التي تخيم على الديوان الملكي وقراراته، فبعد 12 يومًا من الإنكار المتواصل للسعودية بشأن مسؤوليتها عما حدث، وتوجيه الاتهامات لأطراف أخرى، فضلًا عن جزم ابن سلمان خروج خاشقجي من مقر القنصلية بعد دقائق من دخولها، ها هي الرياض الآن تحاول رسم مسار آخر يحفظ لها ماء وجهها ويحمي سمعة ولي عهدها مستبقة الإعلان الرسمي لنتائج التحقيقات.
التحركات السعودية الأخيرة سواء فيما يتعلق بالاتصال الذي أجراه العاهل السعودي بالرئيس التركي، فضلًا عن توجه وفد من المحققين السعوديين برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات لأنقرة وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة لكشف ملابسات القضية، هذا بخلاف القرار السعودي بتشكيل لجنة داخلية لدراسة الأزمة والتحقيق فيها، تشي باعتراف غير معلن بالتورط في الجريمة، وإن كانت المشكلة الآن هو كيفية الإخراج بالطريقة التي تقي المملكة ونظامها مغبة الملاحقة.
اتصالات مكثفة تجريها الرياض هذه الأيام مع واشنطن في محاولة لتسوية القضية، على رأسها تلك التي أجراها ولي العهد بالبيت الأبيض للتحدث مع جاريد كوشنر صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعدما بدأ اللوم يتجه ناحيته وناحية الديوان الملكي في قضية اختفاء خاشقجي.
ووفق “CNN” فإن ابن سلمان من بادر بالاتصال لنفي الاتهامات، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون انضم لاحقًا للمكالمة، وبعدها أجرى وزير الخارجية مايك بومبيو – الذي وصل الرياض اليوم – حديثه مع ابن سلمان، موضحًا أنه لن يكون قادرًا على الالتفاف حولهم.
من المؤكد أن الثمن سيكون باهظًا، فالمملكة باتت أسيرة عدد من السيناريوهات المطروحة على موائد النقاش حال ثبوت تورطها رسميًا، على رأسها الملاحقة الدولية للجناة والمتورطين في الجريمة
هذا بخلاف ما كشفته “نيويورك تايمز” بشأن اتصالات سعودية مع الأتراك للتحدث بسرية عن إيجاد حل لقضية اختفاء جمال خاشقجي، مضيفة أن السعوديين أعربوا لواشنطن عن ثقتهم بقدرتهم على تسوية القضية، وفقًا لما أورده مسؤولون أتراك وأمريكيون مطَّلعون على المحادثات.
علاوة على ذلك تشير بعض المصادر إلى شروع السلطات السعودية في استدعاء بعض من تداولت وسائل الإعلام التركية أسماءهم في حادثة اختفاء خاشقجي، للاستفسار عن سبب وجودهم في إسطنبول في التوقيت نفسه الذي يتقاطع مع آخر ظهور علني للكاتب السعودي، وذلك بحسب موقع “إيلاف” الذي يديره عقمان العمير المقرب من السلطات السعودية وابن سلمان.
ترامب وسيناريو القتلة “المارقين”
قوبل ما أشار إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من احتمال أن يكون “قتلة مارقون” وراء اختفاء جمال خاشقجي خلال اتصال أجري مع العاهل السعودي، بالرفض الشديد من برلمانيين وسياسيين أمريكيين، مؤكدين أن القيادة السعودية ضالعة في الأمر، ولا بد من محاسبتها واتخاذ موقف حاسم ضدها.
وطلب كوشنر ومستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو من ولي العهد توضيحًا مفصلًا عن الحادثة، فيما أرسلت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي رسالة رسمية إلى البيت الأبيض للمطالبة بالتحقيق واتخاذ قرار بشأن العقوبات، حيث قال السناتور ليندسي جراهام إنه سيكون هناك ثمن باهظ ستدفعه المملكة حال ثبوت إدانتها.
Been hearing the ridiculous “rogue killers” theory was where the Saudis would go with this. Absolutely extaordinary they were able to enlist the President of the United States as their PR agent to float it. https://t.co/ChRFyleneR
— Chris Murphy 🟧 (@ChrisMurphyCT) October 15, 2018
عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي السيناتور كريس ميرفي – في تغريدة على تويتر- قال إنه يسمع بأن “نظرية القتلة المارقين السخيفة هي ما سيذهب إليه السعوديون، من المذهل حقًا أنهم استطاعوا توظيف رئيس الولايات المتحدة كوكيل للعلاقات العامة لترويجها”، فيما أشار عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي السيناتور كريس فان هولن بأن إشارة ترامب تجافي الحقيقة، محذرًا بلاده “ألا تكون شريكة في التستر على هذه الجريمة البشعة”، بحسب تعبيره.
السيناتور تيم كين من الحزب الديمقراطي يرى أن كلام ترامب يمثل “إهانة“، بينما قالت السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة سامانثا باور “فكرة عدم معرفة محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) بإرسال فريق لاختطاف خاشقجي سخيفة”.
الملاحقة الدولية أبرز السيناريوهات المتوقعة حال ثبوت تورط السعودية في اغتيال خاشقجي
قانون ماجنيتسكي
ساعات أو أيام قليلة تفصلنا عن تأكيد إدانة السعودية في جريمة اختفاء جمال خاشقجي، وسط مؤشرات أولية تثبت بشكل كبير تورط المملكة، هذا إن لم يحدث طارئ قد يدخل القضية برمتها إلى ثلاجة المفاوضات عبر تسوية تدفع فيها الرياض ثمن الحفاظ على ماء وجهها ومصير ولي عهدها.
من المؤكد أن الثمن سيكون باهظًا، فالمملكة باتت أسيرة عدد من السيناريوهات المطروحة على موائد النقاش حال ثبوت تورطها رسميًا، على رأسها الملاحقة الدولية للجناة والمتورطين في الجريمة خاصة بعد مطالبة العديد من الجهات الدولية بإجراء تحقيق دولي مستقل ومحاسبة المتورطين، وهو ما يدفع بقانون ماجنيتسكي إلى الصعود تحت الأضواء مرة أخرى.
هذا القانون الذي وضعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما عام 2012، وتم تفعيله دوليًا عام 2016، بهدف تمكينها من ملاحقة المتورطين في جرائم متعلقة بحقوق الإنسان، من المحتمل وبقوة أن يكون السيناريو الأبرز لملاحقة الفريق المتهم بتدبير عملية الاغتيال أو القتل أو الاخفاء، وعلى رأسهم ولي العهد بحسب المصادر.
يبقى سيناريو التسوية وتمرير الأزمة دون اتخاذ أي عقوبات في محاولة لحفظ ماء وجه السعودية وتحصين سمعة ولي عهدها الأقرب من وجهة نظر البعض
22 من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ طالبوا الرئيس الأمريكي، عبر رسالة رسمية، بفتح تحقيق في الحادث بموجب قانون ماجنيتسكي، وكان من بين الموقعين على الرسالة السيناتور الجمهوري البارز بوب كوركر والسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام والديمقراطي بوب مينيندز .
القانون يلزم الرئيس بناءً على طلب من رئيس لجنة العلاقات الخارجية بفتح تحقيق سريع في اختفاء خاشقجي وإبلاغ الكونغرس بنتائجه سواء بفرض عقوبات أو عدمه في فترة لا تتعدى 120 يومًا، وبناء على النتائج سيكون بإمكان الكونغرس فرض عقوبات على المسؤولين عن اختفاء خاشقجي “حتى لو كانوا في أرفع المناصب في المملكة”.
وتتنوع العقوبات حيال الأشخاص الذين ثبت تورطهم بحسب القانون ما بين رفض تأشيرات دخول، وتجميد أموال المسؤول الأجنبي المتورط في الجريمة، وهو ما قد يساهم في توتير العلاقات السعودية الأمريكية بحسب “واشنطن بوست“.
الملاحقات القضائية ليست العقوبة الأبرز في قانون ماجنيتسكي إذ إنه من المتوقع أن يكون هناك ثمن اقتصادي باهظ، يصل في بعض الأحيان إلى اللجوء إلى حجز الممتلكات أو الأصول التي قد تكون تحت سيطرة الولايات المتحدة، بخلاف الهزة الاقتصادية المحتملة التي لاحت بشائرها في الآفق إثر إعلان شخصيات دولية ومؤسسات إعلامية مقاطعة مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” المقرر انعقاده في السعودية برئاسة ولي العهد، على رأسهم وزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز ورئيس البنك الدولي جيم يونج كيم ورئيس شركة فياكوم الأمريكية التنفيذي بوب باكيش ورئيسة شركة “ثريف غلوبال” أريانا هافينغتون والرئيس التنفيذي لشركة “أوبر” الأمريكية دارا خسروشاهي.
إن أزمة كهذه فرصة سانحة لمزيد من الابتزاز الأمريكي للحصول على دفعة جديدة من ثمن الحماية الذي طالما نادى به ترامب، فالأمر لا علاقة له بحريات أو انتهاكات حقوق إنسان
سيناريوهات أخرى قد تكون مطروحة على الطاولة وإن تباينت درجة احتمالية تحقيق كل منها، بعضها يتعلق بمستقبل الأمير الشاب الطامع في العرش الذي بات محاصرًا من الجهات كافة، وهو ما ذهبت له بعض الصحف الغربية من أن قضية جمال خاشقجي وضعت سمعة محمد بن سلمان ومستقبله السياسي على المحك.
ويبقى سيناريو التسوية وتمرير الأزمة دون اتخاذ أي عقوبات في محاولة لحفظ ماء وجه السعودية وتحصين سمعة ولي عهدها الأقرب من وجهة نظر البعض، حال لجوء المملكة إلى تحميل أطراف أخرى غير رسمية مسؤولية الجريمة كـ”كبش فداء”، لكن لا بد من دفع المقابل لذلك.
منذ الوهلة الأولى تتعامل إدارة ترامب مع السعودية على أنها “البقرة الحلوب” التي تدر ذهبًا ينعش خزائن أمريكا التي تعاني من أزمات في السنوات الأخيرة، ومن ثم فإن أزمة كهذه فرصة سانحة لمزيد من الابتزاز والحصول على دفعة جديدة من ثمن الحماية الذي طالما نادى به ترامب، فالأمر لا علاقة له بحريات أو انتهاكات حقوق إنسان، وإلا فأين أمريكا مما يحدث في اليمن حيث عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين بينهم أطفال ونساء فضلًا عن تفشي الأمراض والأوبئة التي تهدد حياة الملايين من اليمنيين؟