بعد أشهر من التعثر، استؤنفت الجولة السابعة من مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور ممثلين عن الجهتين، الغربية والشرقية، إلا أن هذه المفاوضات باءت بالفشل مثل غيرها، ما جعل البعض يشكك في النوايا المصرية وجدية مساعيها لتوحيد الجيش الليبي، خاصة مع دعمها طرف على حساب الأطراف الأخرى.
المسودة المصرية
المسودة التي سعت القاهرة للاتفاق بشأنها، يقول العديد من الليبيين إنها لم تأتِ بأي جديد وستكون مجرد حبر على ورق كسابقاتها، ونص مشروع المسودة المقترح على تشكيل 3 مجالس (مجلس للأمن القومي بقيادة سياسية، ومجلس للدفاع الوطني بقيادة سياسية عسكرية، ومجلس للقيادة العامة بقيادة عسكرية)، وتشكيل الهيكل التنظيمي والمهام والواجبات المناطة بكل مجلس من المجالس الـ3.
ويأتي هذا الاجتماع بعد 7 أشهر من توقف اللقاءات، حيث توقفت لقاءات القاهرة عند اللقاء الـ6 المنعقد في مارس/آذار الماضي، الذي انتهى إلى تشكيل لجان فنية من ضباط المنطقتين لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، دون الحديث عن رئاستها وتبعيتها للسلطة المدنية في البلاد.
تشكلت اللجنة المصرية المعنية بليبيا في أغسطس/آب 2017 بقرار من الرئيس المصري
إلى جانب ذلك، أكدت المسودة المقترحة خضوع المؤسسة العسكرية للسلطات المدنية وفق الأصول الديمقراطية والدستورية، وهذه العلاقة تخضع للضوابط التي يحددها الدستور والقوانين التي تنظم الشأن العام عمومًا والشأن السياسي أو العسكري على وجه الخصوص، وفق بنودها.
مع ذلك أكدت نفس المسودة التي تم الاتفاق عليها بين المجتمعين الإبقاء على اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منصبه الذي منحه له البرلمان الليبي في طبرق، قائدًا عامًا للقوات المسلحة مدة 4 سنوات، يضاف إليها عام آخر.
وكانت القاهرة قد استحدثت مسار الحوار بين الضباط والعسكريين في المنطقة الغربية وضباط حفتر منذ مطلع السنة الماضية، لكن مخرجات هذه اللقاءات بدأت تخرج للعلن منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ليعلن فايز السراج لأول مرة في مارس/آذار الماضي تكليفه لضباط تابعين لحكومته ليكونوا الطرف الممثل للمنطقة الغربية في لقاءات القاهرة.
تباين في وجهات النظر
هذه المقترحات روجت لها قيادات الشرق، حيث سارع المتحدث الرسمي باسم قوات حفتر العميد أحمد المسماري إلى الترويج لهذه المقترحات عبر العديد من المؤسسات الإعلامية، وتأكيد الوصول إلى اتفاق يقضي بتعيين حفتر على رأس الجيش الليبي مع صلاحيات واسعة.
ويتكفل القائد الأعلى باختصاصات عدة منها التصديق على حجم القوات المسلحة الليبية وتشكيلها وهيكلها التنظيمي، والتصديق على خطط العمليات الحربية، وإعلان حالتي النفير والتعبئة العامة، وقبول إعلان وقف إطلاق النار، وتعيين القائد العام ورئيس الأركان العامة وإعفاؤهم بناء على اقتراح مجلس الدفاع الوطني، وتفويض وزير الدفاع في بعض اختصاصاته، والتصديق على أحكام الإعدام والطرد والعفو عن العقوبات المحكوم بها من المحاكم العسكرية.
في مقابل ذلك، نفى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا ذلك معتبرًا تصريحات المسماري “غير مسؤولة”، وقال المجلس الرئاسي في بيان له “لا صحة لما يتم تداوله من بعض وسائل الإعلام وتصريحات لبعض الشخصيات التي لا تتبع حكومة الوفاق من أنه تم التوصل إلى اتفاق نهائي في المحادثات الجارية بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية”، في إشارة لبيان المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش.
اعتبر المجلس الرئاسي تصريحات المسماري “غير مسؤولة وتؤثر سلبًا على النتائج المرجوة من اجتماعات مهمة مستمرة من أكثر من عام“، كما أكد المجلس في بيانه أنه ملتزم بالثوابت التي نص عليها الاتفاق السياسي، وعلى رأسها مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة تبعية المؤسسة العسكرية لسلطة مدنية تنفيذية.
وتشكلت اللجنة المصرية المعنية بليبيا في أغسطس/آب 2017 بقرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأُسندت رئاستها إلى رئيس أركان القوات المسلحة المقال محمود حجازي، الذي كان مسؤولًا عن التعاون العسكري مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
دعم مصري لحفتر
رغم ادعائها العمل على توحيد الجيش، يتأكد من مجريات المفاوضات السعي المصري الحثيث للخروج باتفاق يقضي بوجود خليفة خفتر على رأس المؤسسة العسكرية الليبية لأكبر مدة زمنية ممكنة، وسبق أن دربت مصر مسلحين تابعين لخفتر، كما قدمت القاهرة معدات عسكرية متطورة لقواته، فضلًا عن قيامها بالعديد من الضربات الجوية للعديد من المواقع التابعة لقوات معارضة لحفتر، حتى إن مراقبين أكدوا أنه لولا دعم مصر له لما تمكنت قواته من الصمود حتى الآن.
تسعى مصر أيضًا إلى تقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية
مجريات المفاوضات الـ7 أكدت للمتابعين السعي المصري الكبير أن يظل حفتر قائدًا للجيش والفاعل في أي صيغة اتفاق سياسي يجمع قوات الكرامة التي تسمي نفسها “الجيش الوطني الليبي” وباقي القوات التابعة لحكومة الوفاق على رأسها قوات “البنيان المرصوص”.
هذا الدعم المصري لحفتر ليس وليد اللحظة، فقد عرفت مصر منذ تدخلها في ليبيا، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي صيف 2013، بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات المصرية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي.
أسباب هذا الدعم
يقول متابعون للشأن الليبي إن هذا الدعم المصري لحفتر لتولي قيادة الجيش يأتي نتيجة إدراكها تراجع حظوظه السياسية، فمسودة الدستور الجديد تمنع القيادات العسكرية من الترشح للمناصب السياسية المقبلة، وينص البند الـ8 من المادة 111 لمسودة الدستور التي تتضمن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية أن “تمضي سنتان على الأقل على انتهاء خدمته قبل تاريخ ترشحه، في حال كون المترشح عسكريًا أو منتميًا للأجهزة الأمنية”.
إلى جانب ذلك يقول ليبيون إن مصر تسعى للإبقاء على حفتر عنصرًا رئيسيًا في المشهد السياسي الليبي، من خلال هيمنته على الجيش كاملًا دون أن ينازعه أحد في ذلك، حتى تتحرك على الساحة الليبية بشكل أكبر لضمان مصالحها هناك وبسط نفوذها في البلاد.
كما تسعى مصر أيضًا إلى تقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولة مصر ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية.
يتهم حفتر بضرب مقومات الجيش الليبي
من جهته يقول الإعلامي الليبي علاء العماري “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يسعى إلى تثبيت حكمه، وذلك بالقضاء على كل المعارضين له وعلى رأسهم الجماعات الإسلامية المنخرطة في السياسة، ومن منطلق محو هذه الجماعات المعارضة للحكم العسكري تدعم مصر المشير خليفة حفتر منعًا لتأثر المنطقة بهم”.
وأضاف العماري في حديثه لنون بوست “لمصر أطماع في ثروات ليبيا، ومنها ما ينادي به بعض المسؤولين المصريين أن واحة الجغبوب الليبية يجب أن تنقل تبعيتها إلى مصر لأنها كانت أراضي مصرية قديمًا، ولو تمكن حفتر فلن يأبه في تسليمها لمصر فهي ستكون كهدية لها تقديرًا للدعم الذي تلقاه ولا زال يتلقاه منها”.
وفي ديسمبر/كانون الأول سنة 2017، أقام محامي مصري يُدعى علي أيوب دعوى قضائية مصرية تطالب بضم “واحة الجغبوب” الليبية إلى الأراضي المصرية، وحمايتها كجزء من أراضي الدولة، وتكليف الجيش والشرطة بحمايتها، وسط حملة إعلامية تطالب الحكومة المصرية بسرعة ضم المنطقة.
الدور المصري في تفكيك الجيش الليبي
يؤكد العديد من الليبيين الدور المصري السلبي في بلادهم، حتى وصل الأمر بالبعض لاتهام القاهرة بالسعي إلى إفشال مساعي السلام في بلادهم، في هذا الشأن يقول الناشط المدني الليبي محمود إدريس العوامي “شاركت مصر السيسي بدور فعال في تأزيم الوضع في ليبيا بشكل عام”.
ويقول العوامي في حديثه لنون بوست “القيادة العسكرية المنقلبة على الرئاسة الشرعية المصرية المتمثلة في السيسي وحكومته أسهموا بشكل بالغ في تفتيت العلاقات الوطيدة بين مختلف الأقاليم الليبية الشرقي الغربي والجنوبي من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية”.
وأفضت أعمال السلطات المصرية، وفق العوامي، إلى “تحلحل وتفكك في البنية الداخلية للجيش الليبي، بل كان للجانب المصري دور بارز في صناعة الفوضى العارمة في ليبيا على الأصعدة كافة لتستفرد بإدارة هذه الصراعات كما يحلو لها”، وفق قوله.
يعرف عن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر تغليبه لمنطق القوة، لا قوة المنطق
أضاف “لم يتوقف الجانب المصري في تفتيت الجيش بصورة سياسية بحتة، وإنما دعم أطرافًا وتشكيلات مليشياوية بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وبيع الطائرات والعربات المسلحة والمدرعات بالإضافة إلى الدعم اللوجستي والمعنوي، مما أطال أمد بقاء هذه التشكيلات الخارجة عن القانون جاثية على البلاد.
تتميز مناطق عديدة في ليبيا بعدم الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكررة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير/شباط 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، نتيجة غياب سلطة القانون والانقسام الحاصل في البلاد وتعدد المؤسسات.
أكد الناشط الليبي خطورة ما تقوم به القوات المصرية في بلاده، حيث أشار إلى مشاركة طائراتها في قصف عدة مدن في الشرق الليبي والجنوب ومنطقة الهلال النفطي، إضافة إلى مشاركة عدد من الضباط والعسكريين التابعين لها في الاشتباكات التي تدور رحاها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014 وحتى مطلع عام 2018 .
تشتت الجيش الليبي منذ ثورة فبراير
أوضح علاء العماري “دعم حفتر يعني استمرار الحرب في ليبيا والفوضى العارمة، ولعل مصر تسعى لبناء قاعدة شعبية لحفتر في ليبيا، فطول الأزمة في ليبيا يجعل الشعب يفكر في أي منقذ له ولو كان شيطانًا، ومصر تهيء حفتر لهذا اليوم”.
وأضاف “حفتر مختلف عليه في ليبيا، وحتمًا جعله قائدًا عامًا للجيش لن يرضي جميع الأطراف بما فيها أقوى قوة في ليبيا “قوة البنيان المرصوص” في مصراتة وهذا سيدخل البلاد في حرب عاقبتها وخيمة على الجميع”، وتابع في العماري في حديثه لنون “وضع شخصية جدلية على رأس أي مؤسسة أمر غير مقبول فما بالك بمؤسسة كالجيش”.
ويعرف عن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر تغليبه لمنطق القوة، لا قوة المنطق، حيث يعمل على خلق أزمات عديدة في البلاد والعديد من الجبهات حتى يتدخل عسكريًا لوضع حد لها، وذلك لشرعنة وجوده كونه الضامن لاستقرار ليبيا.