أغلقت مكاتب التصويت الخاصة بانتخابات التجديد النصفي التي جرت يوم أمس في الولايات المتحدة أبوابها فجر اليوم، بمشاركة كبيرة مقارنة بالجولات السابقة، في حين لا يزال يتواصل فرز الأصوات وسط استقطاب حاد بين الديمقراطيين والجمهوريين على الفوز بالأغلبية في مجلسي البرلمان (النواب و الشيوخ).
الانتخابات التي تجرى على 33 من أصل 100 مقعد في مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات، وعلى جميع مقاعد مجلس النواب الـ435 لمدة سنتين، بالإضافة إلى الاقتراع على حكام 36 ولاية أمريكية، تكتسب أهميتها كونها تعد استفتاءً على سياسات الرئيس دونالد ترامب خلال نصف ولايته الأولى وهو ما أعطاها هذا الزخم غير المسبوق.
التقديرات تشير إلى مشاركة أكثر من 105 ملايين مواطن أمريكي ما يعادل 45% ممن لهم حق التصويت في العملية الانتخابية، بزيادة نسبية مقارنة بآخر انتخابات نصفية قبل أربعة أعوام، كما سجلت أعداد النساء والشباب ومن اقترعوا لأول مرة زيادة كبيرة.
المؤشرات الأولية تذهب إلى تفوق ديمقراطي في النواب في مقابل حفاظ جمهوري على أغلبية الشيوخ، فيما أعلن إعادة الانتخاب في عدد من الدوائر في ولايات ماساشوستس وكونيتيكت وميريلاند وديلاوير ورود آيلاند، ولا يزال فرز الأصوات مستمرًا في ولايات أخرى مثل فرجينيا وجورجيا وفلوريدا وأوهايو ونورث كارولاينا وويست فرجينيا.
النواب للديمقراطيين والشيوخ للجمهوريين
تحت عنوان “الديمقراطيون للنواب والجمهوريون للشيوخ” كشف الكاتب ديفيد سيدرز في تقرير له على موقع “politico” أبرز ما تم التوصل إليه بشأن نتائج عملية الاقتراع التي لم تنته بعد، لافتًا أنها لم تخرج كثيرًا عن استطلاعات الرأي التي جرت خلال الفترة الأخيرة وتطابقت بصورة كبيرة مع ما أفرزته الصناديق حتى الآن.
وكانت معظم استطلاعات الرأي ترجح فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب (240 مقعدًا للجمهوريين مقابل 195 للديمقراطيين في المجلس الأخير) في مقابل تعزيز الجمهوريين قبضتهم على مجلس الشيوخ (51 مقعدًا للجمهوريين مقابل 49 للديمقراطيين في المجلس الأخير).
وبحسب النتائج الأولية شبه الرسمية يتصدر الجمهوريون مجلس النواب بـ221 مقعدًا مقابل 199 مقعدًا للديمقراطيين (الحصول على 218 مقعدًا يضمن الأغلبية) وفي مجلس الشيوخ يسيطر الجمهوريون حتى الآن على 51 مقعدًا مقابل 44 للديمقراطيين (الحصول على 50 مقعدًا يضمن الأغلبية)، ورغم أن عملية الفرز لا تزال جارية غير أن النتيجة النهائية الرسمية لن تختلف كثيرًا عما تم الإفصاح عنه حتى الآن.
انتخاب رشيدة طليب (42 عامًا) كأول مسلمة في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية ميشيغان
فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب وإن كان متوقعًا في ظل الانتقادات الحادة الموجهة لترامب وحزبه خلال العامين الماضيين غير أنه الأول منذ 8 سنوات، علاوة على أن نتائج تلك الانتخابات ستحدد وبشكل كبير خريطة السيطرة على مجلسي الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، كما ينظر إليها على أنها استفتاء على سياسات وأداء إدارة الرئيس الأمريكي وهو ما كان يخشاه الأخير.
وفي المقابل فإن حفاظ الجمهوريين على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ لا شك أنه نقطة غاية في الأهمية بالنسبة لترامب، إذ يمهد هذا الفوز الطريق لدعم البيت الأبيض في الدفع لصالح مبادرات ومشاريع قوية ومهمة أمام المنافس الديمقراطي الذي بدروه لن يترك الساحة ممهدة أمام الحزب الجمهوري للعزف منفردًا على مسرح الأحداث.
حصول الديمقراطيين على أغلبية النواب كانت متوقعة حتى من قبل دونالد ترامب نفسه، وإن قلل من احتمالية الفوز باكتساح، فيما قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض سارة هاكابي ساندرز: “أعتقد أن جيمس كارفيل قال ذلك أفضل عندما قال إن أي شخص كان يتوقع موجة زرقاء الليلة لن يحصل عليها، ربما تحصل على تموج لكنني أكيد لا أعتقد أن هناك موجة زرقاء”، حسبما نقل موقع “politico“.
أول مسلمة بمجلس النواب من أصل فلسطيني
الملفت للنظر في الانتخابات الجارية الآن أنها تعد الأكثر نسبة في مشاركة المسلمين، إذ تشير التقديرات إلى مشاركة أكثر من مئة مرشح مسلم مقارنة بـ12 فقط خلال انتخابات 2016، هذا في الوقت الذي يواجه فيه المسلمون في أمريكا موجات قاسية من العنصرية والاستهداف غير المبرر.
المشاركة المسلمة في الانتخابات لم تكن من باب “التمثيل الجيد” كما أعتقد البعض، إذ فرض المرشحون المسلمون أنفسهم على قوائم المتنافسين على المقاعد الانتخابية، في إطار إستراتيجية جديدة تتبناها الأقليات المسلمة في دول الغرب خلال الأعوام الثلاث الأخيرة وتهدف إلى الاندماج بصورة أكبر في كيانات صنع القرار للحفاظ على مكتسباتهم والزود عن مصالحهم في ظل التطرف الذي بات يستهدف المسلمين على وجه الخصوص في الآونة الأخيرة.
استند الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية إلى ما يراه مصدر فخر له ولحزبه خلال النصف الأول من ولايته الأولى والمتعلق بتعزيز الاقتصاد وتوفير الوظائف والأمن
رسميًا.. أعلن فجر اليوم انتخاب رشيدة طليب (42 عامًا) كأول مسلمة في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية ميشيغان، في ظل غياب المنافس القوي أمامها، ما أهلها للفوز بسهولة بالمقعد المخصص لها، هذا بخلاف ما تتمتع به من جماهيرية كبيرة نظرًا لاهتمامها بمشكلات وهموم أبناء دائرتها.
طليب أمريكية من أصل فلسطيني، ولدت عام 1976 في الولايات المتحدة، وهي كبرى أخواتها الـ13، وكان والدها المهاجر (من مواليد بلدة بيت حنينا شرق القدس) يعمل في مصانع سيارات فورد في ديترويت بولاية ميشيغان، فيما تنحدر والدتها من قرية “بيت عور الفوقا” من محافظة رام الله بالضفة الغربية.
حصلت رشيدة على الشهادة الجامعية في العلوم السياسية عام 1998، ثم حصلت على شهادة في القانون عام 2004، ومن خلال عملها محامية دخلت ساحة العمل السياسي، وكانت ناشطة في العمل الاجتماعي والبيئي في ولايتها، اعتمدت في حملتها الانتخابية على مواجهة خطاب الكراهية المعادي للإسلام والمسلمين، مؤكدة أنه على الرغم من اختلافها العميق مع الرئيس ترامب، فإن الأمر الأهم بالنسبة لها هو خدمة مصالح من فوضوها في الذهاب إلى واشنطن لتمثيلهم.
وفى مينيسوتا فازت المرشحة الديمقراطية من أصل صومالي إلهان عمر – ذات الـ36 عامًا، لتصبح أول لاجئة مسلمة تدخل مجلس النواب الأمريكي، وذلك رغم وجود منافس جمهوري قوي، لكن دائرتها التي ترشحت لمقعدها ديمقراطية خالصة، وهو ما كان السبب وراء حصولها على المقعد بجدارة.
رشيدة طليب.. أول مسلمة في مجلس النواب الأمريكي
سياسات ترامب على المحك
منذ الوهلة الأولى ذهب الجميع إلى أن الانتخابات النصفية تعتبر استفتاءً عامًا على سياسات الرئيس ترامب التي يصفها منتقدوها بأنها مثيرة للانقسام داخل المجتمع الأمريكي، ولا يستبعد بعض المحللين أن تفضي إلى مفاجآت، وهو ما بدا يلوح في الأفق تباعًا منذ قدومه للبيت الأبيض.
ترامب يعلم جيدًا نتائج سياساته على المستوى الداخلي والخارجي على حد سواء، إذ ساهمت بشكل كبير في تعزيز حالة الانقسام الداخلي لا سيما فيما يتعلق بملف المهاجرين واللاجئين وخطاب العنصرية والكراهية الذي بات منهجًا له طيلة العامين الماضيين، هذا بخلاف هجومه المتواصل على خصومه الديمقراطيين، الأمر الذي أثار حالة من القلق لدى المواطن الأمريكي خشية إفراز أعمال عنف ينفذها متطرفون بيض ضد الأقليات استجابة لمواقف الرئيس المتشددة.
سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب وفق ما تشير إليه النتائج شبه الرسمية حتى الآن سيفتح الباب على مصارعيه أمام مساءلة العديد من المسؤولين في إدارة ترامب
استند الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية إلى ما يراه مصدر فخر له ولحزبه خلال النصف الأول من ولايته الأولى والمتعلق بتعزيز الاقتصاد وتوفير الوظائف والأمن وفتح أسواق جديدة أمام الشركات الأمريكية التي كانت على وشك الإفلاس، هذا بخلاف الأموال التي نجح في ضخها في السوق الأمريكي عن طريق ابتزاز دول الخليج على رأسها السعودية التي حصل منها فقط على ما يزيد على 750 مليار دولار في أقل من عام.
وفي المقابل قاد الرئيس السابق باراك أوباما حملة الديمقراطيين في عدد من الولايات معتمدًا على النتائج الكارثية التي من الممكن أن تفرزها سياسات ترامب، ويراها تهدد طريقة عيش الأمريكيين، هذا بالإضافة إلى تعميق التوتر في العلاقات بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين، مع الوضع في الاعتبار فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الأخيرة التي كانت المسمار الأول في نعش شعبية الرئيس ترامب.
فوز الديمقراطيين سيقوض من سياسات ترامب
ماذا تعني تلك النتائج؟
داخليًا.. فإن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب وفق ما تشير إليه النتائج شبه الرسمية حتى الآن سيفتح الباب على مصارعيه أمام مساءلة العديد من المسؤولين في إدارة ترامب بشأن تعريض مصالح أمريكا للخطر على رأسهم مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر.
كما أن هذا الفوز سيسمح للديمقراطيين بالدخول رسميًا إلى حلبة صناعة القرار، ندًا بند للجمهوريين، وهذا سيخولهم فرض رقابة مؤسسية على رئاسة ترامب، وهو الدور الذي نجح الجمهوريون في حرمان الديمقراطيين منه نظرًا لسيطرتهم الكاملة على المجلس ومن ثم كانت تمرر القوانين والتشريعات والقرارات بأريحية شبه كاملة.
علاوة على ذلك فإن هذا الفوز سيمهد الطريق أمام الحزب الديمقراطي للوصول إلى ضواحي أمريكا ومناطقها النائية ما يعزز من شعبيته ومن ثم زيادة فرصه في الانتخابات الرئاسية القادمة 2020، الأمر الذي يمثل كابوسًا يؤرق مضاجع الجمهوريين داخل البيت الأبيض وخارجه.
خارجيًا.. لا شك أن صعود الديمقراطيين سيؤثر بشكل أو بآخر على أجندة البيت الأبيض الخارجية، ويعيد رسم ملامحها بصورة مغايرة تمامًا لما هي عليه الآن، كما أنه سيحد من دعم ترامب وإدارته للنظم الديكتاتورية في العالم لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي استندت في كثير من ممارساتها المنتهكة لحقوق الإنسان إلى دعم الإدارة الأمريكية الحاليّة، والسعودية ومصر خير مثال على ذلك.
وفي المجمل وفي ضوء ما أفرزته نتائج انتخابات التجديد النصفي فإن ترامب من المرجح أن يكمل فترة رئاسته الأولى “بطة عرجاء” دون التفرد في اتخاذ القرارات وتمرير القوانين كما كان في العامين الماضيين، فالديمقراطيون يعرفون جيدًا طبيعة مهمتهم القادمة في محاولة لتعزيز شعبيتهم على حساب الجمهوريين، استعدادا لمعركة 2020، مستغلين في ذلك “جنون” الرئيس الحاليّ وقدرته الفائقة في استعداء الجميع، وفي المقابل تبقى الأنظمة المدعومة من ترامب تتحسس موضع قدمها ترقبًا لما يمكن أن يطرأ على مواقفه تجاهها وسط تصاعد التوقعات بتغيير واضح من المرجح أن يطرأ عليها بفعل ضغوط الديمقراطيين.