ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد حوالي سنتين من المفاوضات، توصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أخيرا إلى اتفاق بشأن البنود الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي حال وقع تنفيذ هذا الاتفاق، سيتطلب الأمر المرور بعملية انتقالية طويلة الأمد للسماح للشركات والعائلات في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بالتأقلم مع الواقع الجديد. ولكن، يعد هذا الاتفاق مثيرا للجدل بشكل كبير في المملكة المتحدة، في حين أن موقف الحكومة البريطانية ضعيف ويتسم بالهشاشة، مما يعني أن إمكانية عدم التوصل لاتفاق نهائي بشأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي لا يزال أمرا واردا.
في حقيقة الأمر، توصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى اتفاق بشأن وثيقتين غاية في الأهمية فيما يتعلق بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. في المقام الأول، نجد اتفاق الانسحاب، الذي يحدد بنود خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وثانيا، أصدر بيان سياسي الذي يحدد الخطوط العريضة للإطار الذي ستنظم وفقه العلاقات المستقبلية بين الجانبين.
ما هو مضمون اتفاق الانسحاب؟
يشمل اتفاق الانسحاب جل بنود خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، كما يضم أحكام خاصة تنص على السماح للحدود الأيرلندية بالبقاء مفتوحة. وفيما يلي أبرز النقاط الواردة في هذه الوثيقة:
– سيعقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مرحلة انتقالية: بعد خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي في أيار / مايو من سنة 2019، ستبقى في السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي إلى حدود كانون الأول / ديسمبر منة سنة 2020، ولكنها لن تشارك في عملية اتخاذ القرار من قبل الكتلة الأوروبية. خلال المرحلة الانتقالية، سيتوجب على المملكة المتحدة الامتثال لجميع قوانين وقرارات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية. كما ستبقى جزءا من المعاهدات الدولية (على غرار اتفاقيات التجارة الحرة)، التي تلتزم بها الكتلة. وورد في هذه الوثيقة أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يستطيعان التفاوض مجددا بشأن تمديد الفترة الانتقالية بحلول سنة 2020.
عقب انتهاء الفترة الانتقالية في سنة 2020، أو في تاريخ لاحق في حال وقع تمديد الفترة، ستظل المملكة المتحدة جزءا من “اتفاق جمركي” مع الاتحاد الأوروبي إلى حدود إيجاد حل أفضل بشأن إبقاء الحدود الأيرلندية مفتوحة.
– سيقع حماية حقوق المواطنين في الإقامة: سيسمح لقرابة 3 مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة ونحو مليون مواطن بريطاني، الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي بالبقاء في دول الإقامة.
– سيقع التعاطي مع المشاكل المنجرة عن اتفاق الانسحاب من قبل لجنة مشتركة: سيتم حل أي مشاكل مرتبطة باتفاق الانسحاب، بما في ذلك أي خلافات بشأن طرق تأويلها، من قبل لجنة مشتركة تضم مسؤولين من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. في حال فشلت هذه اللجنة المشتركة في التوصل إلى حل بشأن الخلاف القائم، يمكن أن تدعو إلى تشكيل هيئة تحكيمية، التي يتوجب عليها استشارة محكمة العدل الأوروبية.
– ستظل المملكة المتحدة جزءا من “اتفاق جمركي” مع الاتحاد الأوروبي إلى حدود إيجاد حل أفضل: عقب انتهاء الفترة الانتقالية في سنة 2020، أو في تاريخ لاحق في حال وقع تمديد الفترة، ستظل المملكة المتحدة جزءا من “اتفاق جمركي” مع الاتحاد الأوروبي إلى حدود إيجاد حل أفضل بشأن إبقاء الحدود الأيرلندية مفتوحة. نتيجة لذلك، لن يكون هناك حاجة إلى التعريفات الجمركية أو حصص التوريد أو التحقق من قواعد المنشأ بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. لكن الغذاء والمنتجات الزراعية الأخرى ستتطلب عمليات تحقق، لكن ذلك سيتم في ظل الحرص على “عدم التدخل بشكل كبير”، (على سبيل المثال في الموانئ). في الأثناء، ستطبق المملكة المتحدة التعريفة الجمركية الخارجية المشتركة، ولن يسمح لها بالانخراط في اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، ستحافظ أيرلندا الشمالية على الالتزام ببعض القواعد المرتبطة بالسوق الأوروبية الموحدة، لضمان أنه لن يكون هناك حاجة إلى مراقبة الحدود مع جمهورية أيرلندا. لن تشمل هذه الاتفاقيات الجمركية المسامك.
– يمكن إعادة النظر في الاتفاقيات الجمركية: لن يسمح للمملكة المتحدة أن تعمد إلى الانسحاب من طرف واحد من الاتفاقيات الجمركية. في الواقع، سيستدعي إنهاء هذه الاتفاقيات اتخاذ قرار مشترك من قبل لندن وبروكسل.
ماذا بشأن البيان الذي يتعاطى مع مسألة مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة؟
بالإضافة إلى اتفاق الانسحاب، توصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى وثيقة أقصر بكثير التي تصف بشكل عام للغاية المعايير المحددة لطبيعة علاقتهما المستقبلية. بشكل أساسي، تعد الوثيقة بمثابة خطاب نوايا، نظرا لأن الطرفان سيتفاوضان بخصوص المزيد من التفاصيل في الأشهر والسنوات المقبلة. وفيما يلي أبرز النقاط الواردة في هذه الوثيقة:
تعهد كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بأن يتعاونا وأن يستشيرا بعضهما البعض فيما يتعلق بالمشاكل على مستوى السياسة الخارجية والأمن والدفاع.
– سيتفاوض الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن اتفاق في مجال التجارة الحرة: تعهد كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أن يتفاوضا بخصوص اتفاق يهدف إلى التخلص من كل الحواجز في مجال تجارة البضائع. كما تعهدا بأن يتفاوضا بشأن “تحرير” التجارة في الخدمات.
– سيقع التعامل مع تجارة الخدمات المالية من خلال هياكل متكافئة: عقب انتهاء الفترة الانتقالية، سيتوجب على شركات الخدمات المالية في المملكة المتحدة التي ترغب في بيع خدماتها للسوق الأوروبية الموحدة، أن تقوم بذلك من خلال هياكل في الاتحاد الأوروبي متكافئة معها. سيسمح هذا النظام للشركات من الدول التي تفرض لوائح تنظيمية مماثلة للاتحاد الأوروبي بالولوج للسوق المالية التابعة للاتحاد الأوروبي. لكن هذا الهيكل يتسم بقدر من النقائص، فعلى سبيل المثال، لا يتضمن المصارف التجارية، في حين يحق للكتلة الأوروبية أن تلغي إمكانية ولوج الشركات الأجنبية بعد 30 يوما من توجيه إشعار لها.
– سيتعاون الطرفان على مستوى الأمن والدفاع: تعهد كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بأن يتعاونا وأن يستشيرا بعضهما البعض فيما يتعلق بالمشاكل على مستوى السياسة الخارجية والأمن والدفاع. كما وعد كلا الطرفين بأن يقوما بتبادل المعلومات وإعلام المملكة المتحدة بأي خطوات يتخذها الاتحاد الأوروبي ذات صلة بهذه المشاكل.
– سيعمل الطرفان للتوصل إلى اتفاق في أسرع الآجال: تعهد كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بأن يتفاوضا بشأن التوصل إلى اتفاق بشكل سريع، بحيث ستتضح الرؤية بشأن علاقتهما المستقبلية مع نهاية الفترة الانتقالية في أواخر سنة 2020. ولتحقيق ذلك، سينظم الطرفان “مؤتمرات رفيعة المستوى” على الأقل كل ستة أشهر.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
في الوقت الراهن، وإثر التوصل لاتفاق انسحاب، سيعمد الاتحاد الأوروبي، على الأرجح، إلى تنظيم قمة في 25 من تشرين الثاني / نوفمبر لتوقيع الاتفاق بشكل رسمي. عقب ذلك، سيعرض الاتفاق على البرلمان البريطاني للتصويت عليه، وذلك في الغالب في شهر كانون الأول / ديسمبر. في المقابل سيكون ذلك بمثابة العائق الأكبر في وجه الاتفاق، حيث أن معظم المشرعين من المعارضة وعدد مهم من المشرعين الذين ينتمون إلى حزب المحافظين الحاكم يقفون ضد هذا الاتفاق. ويجادل المنتقدون للاتفاق أنه يجبر المملكة المتحدة على مواصلة الالتزام بقواعد وقوانين الاتحاد الأوروبي لآجال غير محددة، في حين لن يكون من حق لندن الانسحاب من طرف واحد من الاتفاق.
علاوة على ذلك، قد يترتب عن حالة عدم الاستقرار في المملكة المتحدة، التصويت بحجب الثقة عن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، حتى قبل أن يقع التصويت على الاتفاق في مجلس العموم البريطاني. وفي حال نجح بعض منافسي ماي في صلب حزب المحافظين في الإطاحة بها، سيقع تعويضها من قبل أحد أعضاء الحزب، أو قد يصل الأمر إلى تنظيم انتخابات مبكرة. ومما لا شك فيه أنه في حال صوت مجلس العموم البريطاني ضد الاتفاق، في الوقت الذي خلقت ماي الأرضية المناسبة حتى يدعو المشرعون بشكل متشدد إلى إجراء انتخابات مبكرة، ستزداد فرص عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بشكل كبير.
المصدر: ستراتفور