مع الانتهاء من معركة درع الفرات بادرت تركيا بإدارة منطقة ريفي حلب الشمالي والشرقي بشكل جدي عن طريق تعزيز وجودها العسكري والإداري في المنطقة، وتقديم الخدمات التعليمية والطبية الصحية، إلى جانب تأمين الكهرباء والماء لسكان المنطقة، وإنشاء مراكز اتصالات وأبراج للشبكة الهوائية التركية وتفعيل عملها في المنطقة، وسنوضح من خلال التقرير كيف تدير تركيا منطقة درع الفرات في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والمدنية الخدمية.
كيف تدير تركيا منطقة درع الفرات عسكريًا؟
نجحت الحكومة التركية بضم فصائل المعارضة المسلحة في تشكيل ضّم معظم الألوية والكتائب العاملة في منطقة درع الفرات، وجاء الاتفاق على خلفية اجتماع بين مسؤولين أتراك وقادة فصائل المعارضة المسلحة التي تسيطر على المنطقة.
يعتبر الجيش الوطني المعارض أول فصيل عسكري ضخم بدعم وتوجيه تركي، ومن أهم التشكيلات العسكرية في منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي، ونشأ التشكيل العسكري في وقت أصبحت فيه المعارضة بأمس الحاجة لجسم وتكتل عسكري يجمع رأيهم وقوة نفوذهم، وذلك بعد خلافات طويلة الأمد فيما بينهم، أوقعت خسائر بشرية ومادية في صفوفهم.
بعد توحيد صفوف المعارضة وحدت القوات التركية عمل المعابر الحدودية مع تركيا وسلمتها لإدارة مدنية، بعد تخلي فصائل المعارضة عنها، وهي كل من معبر باب السلامة ومعبر الراعي ومعبر جرابلس
ولم تقتصر الجهود التركية على توحيد فصائل المعارضة بل تمكنت من إحصاء أعداد الجيش الوطني وتخصيص أعداد الفصائل العسكرية المنضوية تحت ظله والأسلحة والذخائر التي تمتلكها الفصائل، كما منعت تركيا كتائب المعارضة من إقامة مقارها العسكرية في مناطق تجمع المدنيين، وطلبت منهم الخروج إلى معسكرات محيطة في البلدات والقرى التي تنتمي إليها الفصائل العسكرية.
وإضافة إلى ذلك تقدم القوات التركية لعناصر فصائل المعارضة مرتبات شهرية إضافة إلى تأمين الحاجيات الأساسية من طعام وشراب خلال تأدية واجبهم العسكري، ويقدر المرتب الذي يحصل عليه العنصر 500 ليرة تركية شهريًا، أي ما يعادل 45 ألف ليرة سورية، وقال عبد القادر أحد عناصر الجيش الوطني: “تركيا طلبت من عناصر المنطقة كافة جلب الأسلحة الفردية لتوثيقها إضافة إلى توثيق أسماء المنتسبين تحت الفصائل العسكرية”، وأضاف: “هناك عدة شروط لقبول العناصر في صفوف الجيش الوطني، أهمها أن يكون عمر العسكري أكثر من 18 عامًا، بينما يبلغ العمر الأعلى 35 عامًا”، وبين أن من الشروط أن يكون العسكري خاليًا من العيوب البدنية والجسدية ليكون قادرًا على تأدية واجبه على أكمل نطاق.
وبعد توحيد صفوف المعارضة وحدت القوات التركية عمل المعابر الحدودية مع تركيا وسلمتها لإدارة مدنية، بعد تخلي فصائل المعارضة عنها، وهي كل من معبر باب السلامة ومعبر الراعي ومعبر جرابلس، وذلك لتنسيق عمل المعابر في المنطقة، بينما افتتحت الحكومة التركية مؤخرًا معبرًا يصل منطقة معركة غصن الزيتون “عفرين” بالأراضي التركية.
شرطة مدنية وعسكرية تدير أمن مناطق درع الفرات
في وقت باتت به المنطقة تواجه اختراقًا أمنيًا كبيرًا، شكلت تركيا قوات الشرطة والأمن العام في منطقة درع الفرات لضبط أمن المنطقة بشكل فاعل، بعد الكثير من الحوادث التي شهدتها المنطقة، من انتشار عمليات السرقة والخطف والقتل، وتضمن العمل التركي في تشكيل قوات الشرطة والأمن العام تدريب العناصر بشكل جيد داخل الأراضي التركية في وقت مكثف ومحدود، ثم إرسال العناصر إلى مناطق خدمتهم في الداخل السوري.
يضاف إلى الدعم الإداري لجهاز الشرطة والأمن العام في المنطقة، الدعم العسكري واللوجستي، عبر تقديم آليات لتنقل عناصر الشرطة ومدرعات عسكرية لقوات الكوماندوز السورية الذين تدربوا في تركيا قبل تلقيهم أمر خدمتهم في مناطق درع الفرات
واستمرت تركيا بجهود متتالية في تنظيم العمل المدني من ناحية الشرطة العسكرية والمدنية وشرطة المرور وغيرها داخل المدن والبلدات الواقعة في منطقة درع الفرات، لتعزيز نفوذها وسلطتها وذلك للقضاء على المفسدين والأشخاص غير المرغوب بهم في المنطقة، بعد مضايقات من حمل السلاح وإطلاق الرصاص بين التجمعات السكنية، ما دفع تركيا للحد من هذه الظاهرة بطريقة شرعية دون وقوع أي مشاكل بين سكان المناطق.
وتحدث لـ”نون بوست” عبد الرحمن الحسن الذي يملك متجرًا غذائيًا في أسواق مدن منطقة درع الفرات قائلًا: “الخدمات الأمنية التي وفرتها قوات الشرطة في المنطقة لها أهمية بالغة للمحال التجارية للحفاظ عليها من تعرضها للسرقة والنهب”، وأضاف: “الجهود المبذولة حتى وإن كانت بسيطة إلا أنها تصب في مصلحة المواطنين من السكان المحليين، وذلك من خلال توفير سبل الأمن والاستقرار”، مؤكدًا أن شرطة المرور قامت بدورها بشكل فعلي في أسواق المدن لتخفيف الازدحام ومنع وقوع حوادث سير كانت تتأزم مع حمل السلاح إلى إطلاق رصاص.
وقال: “الخدمات التي توفرها تركيا كثيرة ونحن نشكرها على تعاونها في تأمين الحياة الجيدة للمدنيين في المنطقة”، وأكد الحسن أن هناك مخاوف عدة تواجههم من مسألة تخلي الحكومة التركية عن إدارة منطقة درع الفرات لأنها في حال تخلت عنها ستكون مستباحة لكل قوى الأرض وأعداء الثورة، حسب تعبيره.
ويضاف إلى الدعم الإداري لجهاز الشرطة والأمن العام في المنطقة، الدعم العسكري واللوجستي في منطقة درع الفرات، عبر تقديم آليات لتنقل عناصر الشرطة ومدرعات عسكرية لقوات الكوماندوز السورية الذين تدربوا في تركيا قبل تلقيهم أمر خدمتهم في مناطق درع الفرات، بينما وفرت تركيا مرتبات شهرية لعناصر الشرطة، حيث يصل المبلغ الذي يتقاضاه العنصر الواحد 800 ليرة تركية شهريًا، وذلك بما يتناسب مع مصاريف النقل والتوازن للمرتبات الشهرية في مناطق سيطرة النظام، كي لا تصبح المنطقة منطقة جذب سكاني ضخم.
المجالس المحلية.. مؤسسات مدنية تشرف عليها تركيا
نشأت المجالس المحلية في سوريا بعد سيطرة المعارضة المسلحة على العديد من المناطق وخلوها من السلطة والمؤسسات التي تقدم الخدمات التعليمية والطبية في المنطقة، وأخذت المجالس المحلية تطور عملها رغم اقتصار الدعم على بعض الخدمات في فترات سابقة، أما الآن تعتبر المجالس المحلية الممثل الشرعي والوحيد لكل منطقة أو مدينة في مناطق درع الفرات، تم تشكيلها بطريقة توافقية أو انتخابية من مجلس أعيان المدن، وهم مجموعة من كبار الحارات تم اختيارهم كممثلين عن ذويهم، يمكنهم حل كل المشاكل التي تواجه البلدة المقيمين بها.
ازدهر التعليم العالي في مناطق درع الفرات بعد افتتاح تركيا عددًا من الجامعات ومن بينها جامعة حران التركية في مدينة جرابلس ومدينة الباب بريف حلب الشرقي
وأخذت تركيا تبلور الفكرة في عملها وتجسيدها إلى واقع عن طريق دعمها للمجالس المحلية، في تقديم الخدمات التعليمية والطبية التي تعتبر أساسًا للعمل المؤسساتي، لتصل لاحقًا إلى تنفيذ مشاريع خدمية تؤمن الحياة الجيدة نسبيًا لسكان المنطقة.
ومن بين الخدمات كان للتعليم دور رئيسي عبر إعادة عمله عن طريق المكاتب التربوية التابعة للمجالس المحلية، ومع استقرار أمن المنطقة تقريبًا بدأت تركيا بدعم التعليم بجوانبه كافة بدءًا من تأمين المكان وترميمه وصولًا إلى مرتبات المعلمين وإعادة تأهيلهم، في دورات تدريبية لطرائق التعليم، وقال صهيب بكور الذي يدير مدرسة في مدينة مارع: “إعادة تأهيل المدارس وترميمها، جعل العملية التعليمية تعود لسابق عهدها، بعد سنوات من الانقطاع الذي دام لسنوات مما ترك آثارًا سلبية جمة في التلاميذ وحتى المعلمين”، وأضاف: “خلال هذا العام قدمت لنا الحكومة التركية كتبًا مدرسية لكل المراحل الدراسية من الابتدائية إلى الإعدادية والثانوية، مع الاحتفاظ بنسخة المواد التعليمية السورية”.
ازدهر التعليم العالي في مناطق درع الفرات بعد افتتاح تركيا عددًا من الجامعات
وأوضح: “الخدمات التعليمية التي تقدمها تركيا لمنطقة درع الفرات هي حق الجار على جاره لأنها أكثر من جار وصديق للسوريين، ولأنها البلد الوحيد الذي وقف بجانب السوريين منذ اندلاع الثورة السورية، ولا يمكننا إنكار مساندتها لنا”، ويأمل القاطنون في ريفي حلب الشمالي والشرقي دوام التعاون التركي في إدارة المنطقة بعد تخلي الأصدقاء عنهم قبل الأعداء، في وقت أصبحوا بأمس الحاجة فيه للمساعدة.
بينما ازدهر التعليم العالي في مناطق درع الفرات بعد افتتاح تركيا عددًا من الجامعات ومن بينها جامعة حران التركية في مدينة جرابلس ومدينة الباب بريف حلب الشرقي، وفي لقاء سابق أجراه “نون بوست” مع مدير المكتب التعليمي في المجلس المحلي لمدينة الباب قال: “هدفنا تأمين جامعات للطلبة في المنطقة بعد فقدانهم لتعليمهم، لذلك تم التعاقد مع جامعة حران التركية الحاصلة على اعتراف داخلي تركي وعالمي، ونطمح من خلال هذه الجامعة دعم التعليم العالي بالوسائل كافة، والاستقرار في المنطقة جعل التعليم في مختلف مستوياته ذا استمرارية، ومن ذلك سنكون قادرين على تخريج كفاءات علمية قادرة على البذل والعطاء في المناطق المحررة”، وتصدرت منطقة درع الفرات خلال الإدارة التركية على مدى أكثر من عام، أفضل المناطق في تقديم الخدمات للمدنيين في المنطقة، وتعزيز العمل المؤسساتي فيما بينهم.
تبدو المؤسسات المدنية في منطقة درع الفرات راضية عن الخدمات التي تقدمها الحكومة التركية للمنطقة، لا سيما النظرة الإيجابية للتعاون التركي الحثيث في هذه الإطار
أما على الصعيد الطبي فقد قدمت تركيا خدمات عدة لتحسين أداء المشافي في المنطقة بعد افتقارها للكثير من الخدمات الطبية التي أصبحت عائقًا في تقديم العلاج للمرضى، حيث افتتحت تركيا ثلاثة مشافي في مناطق درع الفرات إضافة إلى المشافي المحلية في مدن جرابلس والباب ومارع وأخترين والراعي وأعزاز، تعمل هذه المشافي بإدارة تركية وكوادر سورية من أطباء وطبيبات متخصصين، أجمعت المكاتب الطبية في المجالس المحلية على توحيد عملهم بعد استقرار المنطقة لتحسين أدائهم في تقديم العلاج في شتى المجالات للسكان المحليين وغير المحليين من نازحين ومهجرين.
ومن جانب آخر على الصعيد الخدمي قدمت الحكومة التركية مشاريع لاستثمار الكهرباء في منطقة درع الفرات وتأمينها للسكان المحليين بطرق حديثة وبمقابل بسيط مقارنة بارتفاع أسعار الأمبيرات التي كانت تزيد من معاناة المدنيين، بينما أصلحت المجالس المحلية شبكات المياه في المنطقة لإيصالها إلى المنازل كافة، إضافة إلى إنشاء شبكة مواصلات لتعزيز التبادل التجاري، وقال مير المكتب الخدمي في المجلس المحلي بمدينة إعزاز محمد عمر المصطفى، لـ”نون بوست”: “الخدمات التي تقدمها تركيا عبر المجالس المحلية مهمة جدًا لمنطقة مليئة بالمدنيين، ولكن عملنا مسألة وقت”، وأضاف: “المقيم في المنطقة يدرك تمامًا الجهود التركية المبذولة لتخديم المنطقة، وتنظيم عمل المؤسسات المدنية في المنطقة”، وأكد أن الجانب التركي أكثر من صديق وجار لأنه عرف قيمة جيرانه وساندهم في المراحل الصعبة التي تمر عليهم.
وأوضح المصطفى أن الكثير من الأشخاص المحسوبين على جهات غير تركية حاولوا تشويه العمل التركي في المنطقة، وذلك يؤكد عمالتهم للنظام وميليشياته، وبين أن الشرطة العسكرية في مناطق درع الفرات اعتقلت جميع المفسدين والمسيئين للثورة وللمنطقة بشكل كامل.
جامعات تركية، شبكة مواصلات، ومجالس محلية.. 🏢🇹🇷
كيف تدير #تركيا المناطق الحدودية مع #سوريا؟ 🧐 pic.twitter.com/ZUKnx9b3qa— نون بوست (@NoonPost) November 19, 2018
تبدو المؤسسات المدنية في منطقة درع الفرات راضية عن الخدمات التي تقدمها الحكومة التركية للمنطقة، لا سيما النظرة الإيجابية للتعاون التركي الحثيث في هذه الإطار، وتمكنت تركيا من إدارة المنطقة بينما يجمع الكثير من السوريين على مخاوف تؤرقهم في حال التخلي التركي عن المنطقة الذي سيجعلهم عرضة لأعدائهم، وتعتبر الخدمات التركية لدرع الفرات أفضل ما قدم منذ اندلاع الثورة بعد مشاكل عسكرية وأمنية عاشتها المنطقة لأعوام متتالية، والمتابع للخدمات التركية في المنطقة يكون على إدراك تام بما كانت عليه المنطقة قبل إدارتها من تركيا.
وتبلغ مساحة منطقة درع الفرات نحو ألفي كيلومتر مربع، إلا أن المخطط المتخذ للتدخل التركي قبل انطلاق العملية كان متابعة تحرير 5 آلاف كيلومتر مربع، لكن تدخل الولايات المتحدة التي تدعم قوات سوريا الديموقراطية، وروسيا التي تدعم النظام السوري حالتا دون إتمام عملية درع الفرات، واقتصر نفوذها على ألفي كيلومتر مربع، وهي مناطق أعزاز جرابلس المحاذيتين للحدود التركية ومارع الباب.