عرفت الجزائر في الأيام القليلة الماضية، عودة المستشار الخاص السابق للرئيس بوتفليقة، عبد العزيز بلخادم، إلى المشهد السياسي في البلاد بعد غياب دام 4 سنوات، عودة جاءت في وقت يشهد فيه حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي قاده لسنوات، أزمة داخلية حادة، لها أن تؤثّر على مستقبل الحزب السياسي خاصة أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، فما دلالات عودة بلخادم؟
صديق بوتفليقة المغضوب عليه
أول ظهور سياسي لرئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم، بعد غيابه الطويل، جاء في أثناء لقائه بمعاذ بوشارب، المنسق العام للحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، أول أمس الثلاثاء، في إطار سلسلة لقاءات يجريها بوشارب مع القيادات والكوادر السياسية البارزة في الحزب.
ويعتبر بلخادم أحد أبرز الشخصيات المقربة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حتى أغسطس/آب 2014، ذلك أن الفضل في تبوء بلخادم المشهد العام لسنوات طويلة يعود إلى صاحبه بوتفليقة الذي قربه منه كمستشار ووزير خارجية ووزير دولة ورئيس حكومة، ووضعه كأحد أبرز مسيري حملته للعهدة الرابعة 2014 مكلفًا مع مجموعة من رؤساء الأحزاب على رأسهم عمار سعداني وأحمد أويحيى لتنشيط حملة انتخابية انتهت بحصول بوتفليقة على عهدة جديدة.
وبدأت السنوات الذهبية لعبد العزيز بلخادم مع تولي بوتفليقة مقاليد الحكم سنة 1999، حيث قام الرئيس منذ البداية بعملية استرجاع جميع الوجوه السياسية الفاعلة سواء التي تدرجت سابقًا في مناصب مهمة داخل الدولة أم كانت على رأس الأحزاب السياسية بما فيها المعارضة، ومن بين الأسماء التي التحقت بالركب برز اسم عبد العزيز بلخادم الذي عينه رئيس الجمهورية المنتخب حديثًا في تلك الفترة وزير دولة للشؤون الخارجية في يونيو/حزيران سنة 2000.
يُتّهم ولد عباس بالفشل في مهمة تنظيم البيت الداخلي للحزب ورص صفوفه منذ تسلم الأمانة العامة في أغسطس/آب 2016
برز عبد العزيز بلخادم سياسيًا عام 2004 عندما قاد “انقلابًا” داخل حزب جبهة التحرير ضد أمينه العام المغضوب عليه آنذاك علي بن فليس الذي نافس الرئيس بوتفليقة في انتخابات الرئاسة السنة ذاتها، واستطاع بلخادم بعد عام من ذلك مدعومًا افتكاك منصب الأمين العام لـ”الأفالان” ليدخل بالحزب مرحلة جديدة استطاع أن يضعه كمؤيد غير قابل للتراجع للرئيس بوتفليقة في مختلف المحطات السياسية التي كان فيها الرئيس بحاجة إلى أقرب مقربيه.
وكرد على مواقفه، عين بلخادم وزيرًا للدولة ممثلاً شخصيًا لرئيس الجمهورية في مايو 2005، وظل في هذا المنصب حتى 2006 حين عينه بوتفليقة رئيسًا للحكومة خلفًا لأحمد أويحيى، وفي 2008 عاد أويحيى إلى رئاسة الحكومة، ورجع بلخادم وزيرًا للدولة ممثلاً شخصيًا لرئيس الجمهورية، إلى غاية عشية الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 حين تم تعيينه بمرسوم رئاسي إلى جانب أحمد أويحيى مستشارًا خاصًا لرئيس الجمهورية.
نفس السنة التي عيّن فيها كمستشار خاص للرئيس، عرفت أيضًا إبعاد بلخادم من الواجهة لأسباب مجهولة، ففي 26 من أغسطس/آب 2014، أصدر الرئيس بوتفليقة بيانًا عقب اجتماع مجلس الوزراء أعلن خلاله إقالة مستشاره الخاص وزير الدولة عبد العزيز بلخادم جاء فيه حينها: “إنهاء مهام عبد العزيز بلخادم بصفته وزيرًا للدولة ومستشارًا خاصًا برئاسة الجمهورية وكذا جميع نشاطاته ذات الصلة مع هياكل الدولة كافة”.
وطلب بوتفليقة من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني حينها عمار سعداني “اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم ضمن الحزب ومنع مشاركته في نشاطات كل هياكله”، ولم يصدر حينها أي رد من بلخادم بشأن قرار إنهاء مهامه، وأبدى تفهمه.
أزمة جبهة التحرير
عودة بلخادم، جاءت في وقت يشهد فيه حزب جبهة التحرير الوطني الذي يقوده الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أزمة داخلية حادة، وسط حديث عن وجود خلافات بشأن “العهدة الخامسة”، وأكد استبعاد جمال ولد عباس من الأمانة العامة للحزب وقبلها استبعاد رئيس البرلمان سعيد بوحجة من منصبه حدّة هذه الأزمة المتواصلة منذ أشهر عدة.
وقبل أسبوعين، تسلم رئيس البرلمان الجزائري معاذ بوشارب الذي لا يحوز عضوية المكتب السياسي ولا اللجنة المركزية، رسميًا مهامه كمنسق عام جديد لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، ولتنتهي بشكل نهائي مهام الأمين العام السابق للحزب جمال ولد عباس، وعدد من الموالين له ممن يوصفون بـ”الصقور”.
يعتبر استبعاد ولد عباس من الأمانة العامة للحزب آخر تمظهرات أزمة “الأفلان”
يُتّهم ولد عباس بالفشل في مهمة تنظيم البيت الداخلي للحزب ورص صفوفه منذ تسلم الأمانة العامة في أغسطس/آب 2016 من سابقه عمار سعيداني، ومنيت جبهة التحرير الوطني في عهد ولد عباس بتراجع تمثيلها على مستوى البرلمان والمجالس المحلية رغم محافظة الحزب على صدارته، لكن الفارق بينه وبين غريمه التجمع الوطني الديمقراطي تقلص مقارنة بانتخابات 2012.
ورغم أخطائه وخطابه السطحي الضحل الذي أوصل الحزب الحاكم إلى مستوى هزيل من الفكر السياسي لم يعشه مطلقًا من قبل، لم يكن ولد عباس إلى وقت قريب من المغضوب عليهم، فقد كان إلى حد بعيد من المرضي عنهم لدى صانعي القرار، خاصة جناح محيط الرئيس بوتفليقة.
إعادة التوازن للمشهد السياسي
يرى عدد من المتابعين للشأن العام في الجزائر أن عودة بلخادم إلى المشهد السياسي، تهدف أيضًا إلى إعادة التوازن للساحة السياسية في علاقة تتسم بالندية بين حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى.
وفي أوّل تصريح له مع معاذ بوشارب، ثمّن بلخادم قرار بوتفليقة إبعاد الأمين العام السابق للحزب جمال ولد عباس، وقال: “أعتقد أن الرئيس بوتفليقة رفع الغبن عن المناضلين بتمكينهم من إعادة بناء الحزب على أسس صحيحة، وهذه خطوة مهمة لإخلاء الحزب من الدخلاء ومكافحة الفساد وشراء الذمم داخل الحزب، لأن جبهة التحرير ليست مصنعًا أو مزرعة ولا شركة أسهم ولا دكانًا للإيجار”.
وتعقيبًا على كلام بلخادم، قال الإعلامي الجزائري رياض معزوزي لنون بوست: “الحديث عن تطهير الحزب من الدخلاء، وبأن الحزب لم يعد شركة ذات أسهم يوحي بأن هناك مشاكل كبيرة يتخبط فيها الحزب الحاكم”.
ويعتبر أويحيى وحزبه المستفيد الأول من أزمات جبهة التحرير وإبعاد قياداتها القوية عن الساحة السياسية في البلاد، وحرب التومقعات داخله، وفي الفترة الأخيرة استغل أويحيى حالة الغموض التي تغذيها الشائعات والتسريبات المنسوبة للرئيس، والراجعة إلى غيابه عن الساحة وعجزه عن حسم الأمور بشكل واضح ومباشر نظير متاعبه الصحية، لتقوية نفوذه ومكانته.
ويسعى أويحيى، لتقوية نفوذه قبل انتخابات 2019 لخلافة الرئيس العليل، فالرجل حسب مقربين له ملّ من مراوحة المكان بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزبه وبعض المناصب الوزارية منذ 1995، فهو يرى في نفسه المرشح الأمثل لخلافة بوتفليقة في منصب الرئاسة.
وتعد الانتخابات الرئاسية المقبلة أبرز حدث يستأثر باهتمام ونقاشات الجزائريين ووسائل الإعلام المحلية هذه الفترة
سبق أن وجه أويحيى بنبرة المرشح الموعود، سهام النقد لسياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والبداية من سياسة بوتفليقة الاجتماعية، ورفعه لأجور ملايين العمال، فضلاً عن السكن والتجارة والفلاحة والتعامل مع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي.
وقبل أشهر، حذر مناضلون وناشطون في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر من أي تسوية لأزمة القيادة خارج حضور عبد العزيز بلخادم، وشددوا على فشل أي مشروع سياسي يستهدف إعادة ترتيب الأوراق، واستعادة رموز الأجنحة المتمردة، دون القيادي المذكور، بالنظر إلى ما يمثله من ثقل داخل الجبهة، ومن امتداد شعبي في الأوساط الاجتماعية.
ويرى الكاتب الصحفي والعضو المؤسس لأول نقابة جزائرية لناشري المواقع الإلكترونية سعيد بودور، أن “عودة بلخادم دليل آخر على الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، حيث تم إقصاؤه من الحزب سنة 2014 من طرف الرئيس نفسه الذي أمر بعودته”، وفق قوله.
وقال بودور في تصريح لنون بوست: “إلى حد كتابة هذه الأسطر لم يصدر من رئاسة الجمهورية أي تصريح رسمي أو مرسوم رئاسي يفيد إعادة بلخادم، وكأن البلاد لا يوجد فيها شعب ورأي عام يجب مخاطبته بما يحدث”.
ويضيف محدّثنا “جبهة التحرير ليست حزبًا بالمفهوم الأكاديمي، فهي جهاز أو أداة سلطة تعمل بقرارات مركزية وبالتالي عودة بلخادم لن تلقى أي اعتراض”، وتابع “الأهم هو ورقة الطريق التي جاء من أجلها هذا الشخص القريب من السلطة”.
تأجيل الانتخابات؟
خريطة الطريق التي تحدث عنها الصحفي الجزائري لم تتضح معالمها بعد وفق قوله، غير أنه حصره في تقديم مرشح مزكى من طرف حاشية بوتفليقة أو العمل على تأجيل الانتخابات أما مشروع العهدة الخامسة فيبقى أمر صعب للغاية وفق سعيد بودور.
ويقول سعيد بودور في حديثه لنون بوست: “تأتي عودة بلخادم في إطار ترتيب البيت تحسبًا للانتخابات الرئاسية القادمة سواء تقديم مرشح من حاشية الرئيس أو تأجيلها حسب آخر التسريبات، بمعنى اسم بلخادم غير مهم كثيرًا بقدر المهمة التي أوكلت له”.
بدوره، يقول رياض معزوزي في حديثه لنون بوست: “أول مهام بلخادم ستكون ترميم البيت الداخلي للحزب الحاكم، ثم البحث عن الشخصية التي ستمثله في السباق نحو قصر المرادية لتأمين بقاء كرسي الرئاسة عند جبهة التحرير الوطني، لأن كل المؤشرات تقول بأن بوتفليقة لن يترشح لعهدة جديدة”.
يستبعد العديد من المراقبين ترشح بوتفليقة لولاية خامسة
تشير تسريبات من الحزب الحاكم إلى إمكانية تأجيل هذه الانتخابات، وذلك بأن يحل الرئيس بوتفليقة البرلمان عقب التصديق على مشروع قانون المالية 2019، لتنظم انتخابات تشريعية مسبقة ويؤجل موعد الرئاسيات بالتمديد لبوتفليقة لعامين إضافيين بدل ترشيحه لولاية خامسة.
توافق بين جناحي الرئاسة والمؤسسة العسكرية
من جهته اعتبر الباحث بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجزائر محمد باشوش أنه “بالنظر لشخصية ومسار بلخادم التي تتلخص في كونه السياسي المطيع الذي يحبذ القرارات التوافقية فإن عودته تؤشر على حصول توافق بين جناحي الرئاسة والمؤسسة العسكرية على مخرج تسيير المرحلة القادمة”.
وأضاف باشوش في حديثه لنون بوست “يعتبر بلخادم ندًا سياسيًا لأحمد أويحيى ما يعني أن قبوله بدور مسوق سياسي لنظام الحكم الحاليّ فيه إشارة إلى أن تسليم المشعل وفتح المجال لترشح جيل الاستقلال للرئاسيات تمّ تأجيله، ما يتضمن إشارة واضحة بأن على السيد أحمد أويحيى أن ينضم إلى المسوقين السياسيين، وينأى بنفسه عن الترشح في ظل حديث مفاده أن أويحيى قد يكون مرشحًا محتملاً للجناح الرئاسي الذي يقوده شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة”.
ومن المنتظر أن تجري الانتخابات الرئاسية القادمة في شهر أبريل/نيسان المقبل، وتعد هذه الانتخابات أبرز حدث يستأثر باهتمام ونقاشات الجزائريين ووسائل الإعلام المحلية هذه الفترة، حيث يحيط الغموض بهوية المرشحين الذين سيتنافسون على الرئاسة والاسم الذي سيقود الجزائر خلال الخمس سنوات القادمة.