تداولت وسائل الإعلام العالمية يوم أمس أخبارًا عن اعتقال كندا، منغ وانزوهو، المديرة المالية لشركة هواوي وابنة مؤسسها، رين شنغ، بناءً على طلب السلطات الأمريكية للاشتباه بخرقها للعقوبات الأمريكية على إيران، مما دفع الصين إلى الاحتجاج والمطالبة بالإفراج عنها، فبحسب بيان للسفارة الصينية في كندا طلبت الصين من كندا أن “تصحح هذا الخطأ على الفور وأن تعيد إلى منغ حريتها”.
جاء هذا البيان بالجانب إلى تصريح شركة هواوي بأنها “ليست على علم بأي خطأ ارتكبته السيدة منغ”، كما رافقت هذه التعليقات شكوك لدى بكين بشأن الهدنة التجارية الممتدة لمدة 90 يومًا وما إذا كانت هذه الحادثة بداية لموجة جديدة من التوترات التجارية بين البلدين.
علمًا أن هذه المرة لم تكن الأولى، ففي وقت سابق من هذا العام، مُنعت الشركات الأمريكية من التصدير إلى شركة الاتصالات الصينية “زد تي” بسبب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية، مما أدى إلى إغلاق الشركة فعليًا، لكن أمريكا عدلت عن قرارها وفرضت غرامة قدرها 1.2 مليار دولار تقريبًا بدلًا من الحظر.
هواتف “هواوي” من المصانع الصينية إلى الأسواق العالمية
لعقود طويلة، ارتبط صيت الاقتصاد الصيني بالمنتجات المقلدة ومتدنية الجودة، لكن شركة “هواوي” نزعت عن الصناعات الصينية هذه الانطباعات التقليدية وخلقت من نفسها نسخة مطورة ومنافسة لأكبر الشركات التكنولوجية في الأسواق المحلية والعالمية، فمشوارها الذي استغرق 30 عامًا من الخطط المدروسة والخطوات الثابتة لم يكن سوى بداية لتحقيق جزء من الحلم الصيني في قيادة عالم التكنولوجيا.
إذ قررت الحكومة الصينية قلب استراتيجياتها الاقتصادية عندما أعلنت خلال الثمانينيات عن خطتها في تحسين البنية التحتية لشبكة الاتصالات في البلاد وكانت الهواتف الذكية هي نقطة البداية لتأسيس شركة عملاقة قادرة على مواكبة التطورات العالمية. وبناءً على حماس السلطات الصينية وما قدمته من حوافز، انطلقت شركة “هواوي” برئاسة المهندس السابق في جيش التحرير الصيني رن زتشنغفي عام 1987؛ مبتدئةً برأس مال لا يتجاوز الـ 3.5 آلاف دولار أمريكي لبيع مقاسم الهواتف وذلك بالاستعانة بنحو 55 موظفًا للعمل في مجال البحث والتطوير.
سيطرت “هواوي” على 10% من إجمالي حجم السوق العالمي في عام 2016 وانتشرت في أكثر من 170 دولة، لتحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد شركتي سامسونج وآبل، ومن هنا أصبحت “هواوي” مصدرًا للقلق بالنسبة لأمريكا
اتبعت “هواوي” استراتيجيات إدارية وقواعد تسويقية وتسعيرية ساعدتها على تحقيق نجاحات ملحوظة، ففي عام 2010، ظهر اسمها لأول مرة في قائمة أغنى 500 شركة في مجلة “فورتشن” الأمريكية، بعد أن حققت مبيعات بقيمة 21.8 مليار دولار وصافي نصيبها من الأرباح 2.67 مليار، ما أثار اهتمام وفضول العالم نحوها ولا سيما أنها قدمت أكثر من 44 ألف طلب براءة اختراع داخل الصين في عام 2013، وحوالي 19 ألف طلب خارج البلاد.
لكن اللحظة الفارقة كانت في عام 2016، حين سيطرت “هواوي” على 10% من إجمالي حجم السوق العالمي بعد أن نجحت في شحن حوالي 149.3 مليون هاتف ومعدات اتصال محققةً نمو بنسبة 30.2%، وانتشار في أكثر من 170 دولة، لتحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد شركتي سامسونج وآبل، ومن هنا أصبحت “هواوي” مصدرًا للقلق بالنسبة لأمريكا على الصعيد الأمني والاقتصادي.
كيف أصبحت منتجات “هواوي” مزعجة للسلطات الأمريكية؟
منذ البداية، قررت الصين أن تكون لاعبًا منافسًا ومُصِدرًا في السوق، لا أن تكون عميلًا ثانويًا ومستوردًا، ولذلك رأت أن السوق الأمريكي الوجهة الأنسب لتحقيق هذه الغاية، وتبعًا لذلك توجهت “هواوي” لعقد اتفاقات مع شركات مسؤولة عن بيع الأجهزة الإلكترونية في أمريكا مثل “إيه آند تي” و”فيرايزون” و”بيست باي”، وفي وقت لاحق تفاجئت “هواوي” بضربة قوية تمثلت بفسخ هذه العقود التجارية وفض أي عملية بيع لمنتجاتها في أمريكا.
يعود السبب في ذلك إلى اتهام الشركة بإنتاج معدات تهدد الأمن القومي الأمريكي، وذلك على خلفية تقارير لجنة الاستخبارات الوطنية التي عبرت عن مخاوفها الأمنية من أجهزة هواوي، وطالبت بتجنب التعاون مع شركات صينية أخرى أو أي جهات تعتمد في بنيتها التحتية على معدات من إنتاج شركات صينية، بذريعة أنها تتعاون مع الحكومة الصينية لتسريب بيانات المستخدمين.
كشف تقرير استخباراتي أمريكي لأول مرة عن العلاقة التي تربط بين “هواوي” و بين جهاز الاستخبارات في بكين، ويقول إن الشركة تلقت مؤخرًا ما يقرب من ربع مليار دولار من الحكومة الصينية خلال السنوات الثلاث الماضية، عدا عن صلتها بالجيش الصيني
وتبعًا لهذه المخاوف، صرحت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بضرورة تكثيف الكونغرس الأمريكي لعمليات تدقيق ومراجعة الاستثمارات الأجنبية التي تكون ملك شركات صينية، وخاصة المدعومة من الدولة الصينية نفسها، وأكدت وجوب حظر اقتناء أصول أمريكية من هذه الجهات للحد من أي مخاطر أمنية في المستقبل.
في وقت لاحق، كشف تقرير استخباراتي أمريكي لأول مرة عن العلاقة التي تربط بين “هواوي” و بين جهاز الاستخبارات في بكين، ويقول إن الشركة تلقت مؤخرًا ما يقرب من ربع مليار دولار من الحكومة الصينية خلال السنوات الثلاث الماضية، عدا عن صلتها بالجيش الصيني ومحاولتها في الحصول على الأسرار والاستخبارات الاقتصادية من شبكات الكمبيوتر الحكومية والخاصة في جميع أنحاء العالم.
وبالفعل مُنعت “هواوي” من دخول الولايات المتحدة منذ عام 2012، وليس ذلك فحسب، فقد ذكرت “وول ستريت جورنال” هذا العام أن “واشنطن تدرس زيادة المساعدات المالية لتطوير قطاع الاتصالات في الدول التي تتجنب الأجهزة الصينية الصنع”، مضيفةً أن “من بين ما يقلق الحكومة، استخدام أجهزة اتصال صينية في دول تستضيف قواعد عسكرية أمريكية مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان”.
ما حقيقة الادعاءات والأدلة الأمريكية؟
على الرغم من هذه الضغوط الشديدة على المنتجات الصينية، حاولت “هواوي” السيطرة على مكانتها وصيتها في السوق العالمي والأمريكي، وأكدت أن “الشركة مملوكة للموظفين”، ولا تحتفظ الحكومة الصينية أو الجيش بأي أسهم أو مناصب في الشركة، لكن التقرير السنوي الأخير للبنتاغون حول الجيش الصيني يقول إن الصناعة الصينية ،بما في ذلك هواوي، تتمتع بعلاقة وثيقة مع جيش التحرير الشعبي الصيني.
كما يذكر تقرير جديد إن وسائل الإعلام الصينية ذكرت أن كبار القادة والرؤساء في “هواوي” لديهم روابط مع جيش التحرير الشعبي الصيني، وفي ذلك إشارة إلى أن رئيسة مجلس إدارة شركة هواوي، صن يافانغ، التي عملت سابقًا لدى قسم الاتصالات بوزارة أمن الدولة (MSS) قبل الانضمام إلى الشركة واستخدمت علاقاتها في الوزارة لمساعدة شركة الشركة على التخلص من “الصعوبات المالية” عندما تأسست في عام 1987.
ذكر تقرير جديد أن كبار القادة والرؤساء في “هواوي” لديهم روابط مع جيش التحرير الشعبي الصيني، وفي ذلك إشارة إلى رئيسة مجلس إدارة شركة هواوي، صن يافانغ، التي عملت سابقًا لدى قسم الاتصالات بوزارة أمن الدولة (MSS) قبل الانضمام إلى الشركة
وإشارة إلى السيد رن أيضًا، الرئيس التنفيذي، الذي عمل في الجيش الصيني من عام 1974 إلى عام 1983 في السلك الهندسي “والذي نادراً ما يذكر خلفيته العسكرية علناً”، بحسب ما جاء في التقرير. وإلى ذلك، فقد نفت هذه التقارير تصريحات المسؤولين في هواوي والتي ادعت أنها تتلقى دعمًا حكوميًا ضئيلًا ليس إلا.
وفي محاولة لتفسير هذه الإجراءات التجسسية، قالت ميشيل كليف، المديرة التنفيذية السابقة لمكافحة التجسس الوطني، إن الصين تواصل النظر إلى الولايات المتحدة على أنها العدو الاستراتيجي الرئيسي لها وتسعى لتوسيع عملياتها الاستخباراتية العدوانية هنا”. في نفس الشأن، وقال كينيث دي جرافينريد، نائب المدير الوطني السابق لمكافحة التجسس إن”جميع هذه الشركات الصينية هي جزء من وزارات الدولة، أو MSS أو مخابرات عسكرية، ولديها أنظمة وموظفين متشابكين”.
كيف ستؤثر حادثة الاعتقال على العلاقات الأمريكية الصينية؟
نتيجة لهذا الإجراء، تأثرت أسهم الأسواق العالمية بشكل ملحوظ، فقد هبطت أسهم هونغ كونغ بنحو 2.5 ٪ وانخفضت أسهم طوكيو بنسبة 1.9٪ وانخفض سوق شنغهاي بنسبة 1.7٪، في حين أن تراجعت الأسهم الأمريكية إلى أكثر من 1٪ و انخفضت المؤشرات الرئيسية في أوروبا بنحو 1٪ إلى 1.5٪ منذ الصباح.
في الأيام القادمة سيتضح ما إذا أرادت أمريكا أن ترسل لصين إشارة بأنها لا زالت جادة بشأن عقوباتها الاقتصادية أو أنها تحذر العالم من إبرام صفقات تجارية مع إيران وما إذا كانت الصين في المقابل ستعتقل مديرين تنفيذين أميركيين
ويشير هو شي جين، رئيس تحرير صحيفة “جلوبال تايمز” إلى موقع “ويبو”، أنه: “في السابق كان من الممكن أن أقول أن الولايات المتحدة تدفع بخط المعركة إلى بابنا وكنت سأعتبر اعتقال منغ هو “إعلان حرب، ولكن اليوم أريد أن أقول إن الصين تواجه لعبة معقدة للغاية، لا يجب أن نكون حازمين فحسب، بل علينا أن نقاتل أيضًا بحكمة”.
وإلى ذلك تبقى التكهنات بالآتي غير أكيدة أو واضحة، إلا أنه في الأيام القادمة سيتضح ما إذا أرادت أمريكا أن ترسل لصين إشارة بأنها لا زالت جادة بشأن عقوباتها الاقتصادية أو أنها تحذر العالم من إبرام صفقات تجارية مع إيران وما إذا كانت الصين في المقابل ستعتقل مديرين تنفيذين أميركيين.