حشيش كتامة
في قلب الريف المغربي، شمال البلاد، على مسافة تقارب الـ450 كيلومترًا من العاصمة الرباط، تعترضك كتامة، وهي بلدة معزولة سرت عليها سمعة زراعة الحشيش أو ما يعرف بالقنب الهندي، حتى غطت على غيرها مما هو معروف عنها، فثلثا أهلها يمارسون زراعة وتجارة الحشيش، ومعظم السكان هناك مطلوبون للعدالة، كأنهم في سجن مفتوح.
أين تقع كتامة ؟
كتامة بلدة صغيرة في منطقة جبلية، تمتد على مساحة 40 كيلومترًا مربعًا، تابعة إداريًا لإقليم الحسيمة، لكن الطريق الأقرب إليها انطلاقًا من العاصمة الرباط هو طريق تاونات، ويعتبر الوصول إليها صعبًا نظرًا للتضاريس الصعبة التي تغلب أرضها.
يقطن في كتامة، قرابة 16 ألف ساكن يرتدون في الغالب ملابس قروية بسيطة أما المنازل فهي أقرب إلى الأكواخ، قلة منها مربوطة بالكهرباء، في وسط القرية تجد بعض المقاهي المتناثرة التي يرتادها الأهالي، وبعض المحلات الصغيرة المخصّصة لبيع المواد الغذائية.
مع اقتراب الوصول إلى كتامة ، تعترضك حقول “الكيف” المتناثرة هنا وهناك، فقد تخصّص سكانها منذ القدم في هذه الزراعة التي انتقلت من زراعة تكميلية إلى نظام الزراعة الأحادية، ومن شدة ارتباط الكيف بكتامة تخلت له عن اسمها وأصبحت تنعت لدى الكثيرين “ببلاد الكيف”.
تمّ إلغاء القوانين التي ترخص زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب مباشرة عقب استقلال البلاد
مصدر العيش الوحيد
تمثل زراعة الكيف مصدر العيش الوحيد للسكان في كتامة ، فهي تستوعب عددًا كبيرًا من العمال الزراعيين خلال مواسم الحرث والحصاد وتصنيع هذه النبتة، كما تشكل المنطقة سوق استهلاكية واسعة، يلجأ إليها التجار من مناطق مختلفة لتصريف منتجاتهم وسلعهم المختلفة، مما يجعل من مجال زراعة الكيف قطبًا ذي إشعاع اقتصادي واجتماعي مهم، رغم المنع القانوني.
وخلال الـ50 سنة الأخيرة، أظهر أهالي كتامة، صمودهم الكبير أمام كل محاولات الحكومات المتعاقبة لمنع أو تقليص زراعة هذا الصنف من المخدرات، كما أظهروا قدرة في التأقلم مع الظروف المتغيرة التي تعرفها السوق الدولية في اقتصاد الحشيش.
ويرجع أهالي قرية كتامة ، اشتغالهم في زراعة وتجارة الحشيش فقط، إلى التهميش المفروض عليهم من السلطات المغربية، إلى جانب أن طبيعة التربة وثقافة المنطقة لا تسمح له بالعمل في أي مجال آخر غير زراعة القنب الهندي، وبفضل “الحشيش” أصبحت القرية من أغنى مناطق المملكة على الرغم من أنها مهمَّشة منذ فترة حكم الملك الحسن الثاني، إلا أن الاستفادة الكبرى للوسطاء والمهربين.
فضلاً عن الزراعة، تنشط في المنطقة سياحة الحشيش أيضًا، فهذه القرية استطاعت أن تجلب نوعًا خاصًا من السياح الباحثين بأي ثمن عن تدخين لفافات الحشيش، حيث تنشط زراعة وترويج نبات القنب الهندي المخدر في المنطقة.
موروث قديم
تفيد بعض الدراسات غير الرسمية، أن زراعة الحشيش في مدن الريف المغربي تعود إلى القرن الـ18 الميلادي، غير أنها بقيت زراعات مشتّتة وغير منظمة لقرون طويلة، وكان استخدام القنب الهندي محليًا في الحدائق والبساتين.
مع مرور الوقت تطورت واتسعت مساحة هذه المناطق المزروعة، وأصبحت منطقة الريف في أقصى الشمال أكثر المناطق إنتاجًا، ويعتبر ظهير 4 من مايو/نيسان 1915 أول نص تشريعي صدر في المغرب يهتم بهذه الزراعة وتمحور حول تنظيم عملية احتكار جلب الدخان والكيف وشمل منطقة الحماية الفرنسية، ووضع هذا الظهير الكيف والدخان في كفة واحدة، إذ خول شركة حصر الدخان احتكار عمليات بيعهما واستيرادهما وتصنيعهما.
بعد سنتين، صدر ظهير ثاني بتاريخ 6 من فبراير/شباط 1917، بالجريدة الرسمية للمنطقة الخليفية تحت رقم 5 بتاريخ 10 من مارس/آذار 1917، وينظّم هذا الظهير الجديد زراعة الكيف بمنطقة الاحتلال الإسباني، بعد أن كان الأول ينظم هذه الزراعة في منطقة الاحتلال الفرنسي.
وفي 3 من أكتوبر/تشرين الأول، جاء الظهير الذي يضبط زراعة الكيف المعروف بـ”ظهير ضبط الكيف”، وبموجبه تم السماح للفلاحين بزراعة الكيف، شريطة تقديمهم بطلب إلى إدارة “سكا تبغ” للحصول على الرخصة من أجل مزاولة زراعتهم بحرية مطلقة، وقد تخصص مركزان في هذا النوع من الزراعة: مركز بمنطقة مراكش في الجنوب: “الحوز”، ومركز في منطقة الحسيمة: “كتامة”.
https://www.youtube.com/watch?v=jZJK464nKpk
نتيجة الرواج الذي عرفته زراعة وتجارة الكيف آنذاك، أخضعت السلطات ثمن بيع الكيف إلى ضريبة بموجب ظهير صادر بتاريخ 25 من يوليو/ تموز1929، الذي حدد نسبة الضريبة في 15% من ثمن بيع الكيف والتبغ على الشركة الدولية ذات المصلحة المشتركة للتبغ بالمغرب داخل منطقة الاحتلال الفرنسي التي بدورها حملت تكاليف هذه الضريبة للفلاحين والمستهلك، وتكملة للظهير السابق صدر ظهير 12 من نوفمبر/تشرين الثاني 1932 بجعل نظام لأنواع التبغ والكيف بالمغرب.
ويعتبر الظهير الصادر في 22 من أغسطس/آب 1935 بالجريدة الإسبانية للمنطقة الخليفة، الظهير الوحيد الذي يحصر النطاق الترابي لمجالات زراعة الكيف ويحددها في ثلاث مناطق هي: “كتامة وبني سدات وبني خالد، والحامل لتوقيع الخليفة السلطاني بالمنطقة الشمالية الحسن بن المهدي بن إسماعيل.
ويقول بعض المغاربة إن إصدار هذه القوانين، تمّ لإرضاء سكان الريف، ومعرفة أحوالهم والتمكّن منهم، خاصة بعد المقاومة الشرسة التي أظهروها في وجه الاستعمار الفرنسي والإسباني، وقد مكّن تقنين زراعة الكيف المستعمر من معرفة أحوال المقاومة وسرعة القضاء عليها.
غير أن هذه القوانين التي ترخّص زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب، تمّ الغاؤها، مباشرة عقب استقلال البلاد من الاحتلال الفرنسي، حيث قام الملك محمد الخامس بحظر القنب الهندي على الصعيد الوطني، وأصدرت السلطات قانونًا يمنع زراعة الحشيش وترويجه لتبدأ معه حكاية الكرّ والفرّ بين السلطات والأهالي.
من الاستهلاك المحلي إلى العالمية
في السابق، كان استهلاك القنب الهندي محليًا، فكان يُدخن باستعمال أنابيب طويلة تسمى بالسبسي أو يتم خلطه بالغذاء، وكان يستخدم أيضًا في طقوس الصوفية الدينية، غير أنه مع الوقت أصبحت هذه العشبة المورد الرئيسي لعيش السكان وتأخذ بُعدًا اقتصاديًا واجتماعيًا حقيقيًا، خاصة خلال العقود القليلة الماضية التي تطورت فيها زراعة الكيف وحوَّلها أباطرة المخدرات لتجارة رائجة.
مع بداية توافد السياح للريف المغربي، سنوات السبعينيات، بدأت زراعة الحشيش تأخذ بعدًا ثانيًا، فالكميات الصغيرة لم تعد تستجيب للطلب الهائل من السياح والمهربين، لذلك اعتمد المغاربة على تقنيات أكثر تطورًا لتدارك النقص.
يعتبر القنب الهندي من أكثر المواد المخدرة استعمالاً في العالم
بداية الرواج الفعلي لهذه المادة، كانت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، نتيجة ارتفاع الطلب عليها من المروجين في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي جعل مرصد للمخدرات بباريس يصدر تقريرًا يتهم فيه المغرب بإغراق أوروبا بالمخدرات.
وإذا كان “الكيف” قديمًا، منتجًا مغربيًا خالصًا في طريقة الإعداد والاستهلاك، فإن الحشيش بمفهومه الجديد كان فكرة الأجانب بامتياز، فهؤلاء من أدخلوا طريقة إنتاج مادة “الحشيش” من عشبة “الكيف” وطريقة إعدادها إلى المغرب، ثم تعليمها للمغاربة وتصديرها إلى أوروبا وانتشرت هناك بسرعة كبيرة سرعة انتشار نزعة “الهيبيز”.
صنف تقرير أممي صدر عن “مكتب مكافحة المخدرات والجريمة” التابع للأمم المتحدة في مايو/أيار 2017، المغرب على رأس البلدان المنتجة للقنب الهندي على الصعيد العالمي، مشيرًا إلى كونه أيضًا من بين أكثر البلدان المصدرة لتلك النبتة تحديدًا نحو أوروبا.
سجن مفتوح
ارتفاع عدد المزارعين المختصين في زراعة هذه المادة المخدّرة، ارتفع معه عدد المطلوبين للعدالة في هذه القرية، وتفيد تقديرات غير رسمية أن أكثر من ثلثي السكان المحليين في البلدة، صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من السلطات الأمنية المحلية بتهمة زراعة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، في إشارة إلى القنب الهندي.
ويحتفظ غالبية الأهالي هناك بعشرات المحاضر الأمنية، فلا يكاد يخلو أي بيت في المنطقة من متهمين بزراعة القنب الهندي، حتى إن بعض البيوت تجد فيها الأب والابن لهم محاضر والتهمة نفسها، وفي مرات أخرى تجد حتى الأم والبنت متهمتين وهاربتين من العدالة أيضًا، فالجميع في حالة سراح مؤقت.
انتشار سياحة الحشيش في كتامة
أمام هذا الوضع، اختار الأهالي هناك عدم مغادرة القرية إلا للضرورة القصوى مع أخذ الاحتياطات اللازمة، حتى لا يتمّ القبض عليهم واقتيادهم إلى السجون لقضاء سنوات السجن المحكومين بها، ما جعل الخوف يسكنهم ولا يفارقهم.
ويعتبر القنب الهندي من أكثر المواد المخدرة استعمالاً في العالم، إذ وصل عدد مستهلكيه إلى 183 مليون شخص، تليه المواد الأفيونية بـ35 مليون شخص، والمستحضرات الأفيونية الطبية بـ18 مليون شخص، وأخيرًا الكوكايين بعدد مستهلكين وصل إلى 17 مليون شخص.