يعيش النظام الجزائري الحاكم هذه الأيام، فترة عصيبة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، تجلّت من خلال عدم إعلانه بعد عن قرار تأجيل الانتخابات المقرّرة في ربيع السنة المقبلة من عدمه، رغم مطالبة أحزاب في المعارضة والموالاة على حدّ السواء بالتأجيل.
تأخر في اتخاذ القرار المتعلّق بالانتخابات، أرجعه بعض المتابعين للشأن الجزائري إلى خشية النظام من التأجيل، كونه سيفقده امتيازات كانت مخصصة حصرا له، فالنظام يخشى تعديل الدستور وبالتالي تعديل نظام الحكم وفقدان الأطراف الحاكمة الأن مكانتها في المستقبل.
دعوات التأجيل
قبل نحو شهر من الأجل الدستوري الأقصى لاستدعاء الهيئة الناخبة من قبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تعالت في الجزائر دعوات لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومؤخرا، طرح حزب “تجمع أمل الجزائر” أحد أحزاب الائتلاف الرئاسي الأربعة، والذي يقوده وزير الأشغال العمومية الأسبق، لعمار غول، فكرة تأجيل الانتخابات، وعقد ندوة “وفاق وطني” تجمع كل القوى السياسية والمدنية نحو إجماع وطني على مرحلة يتم خلالها تمديد الولاية الرئاسية الحالية سنتين أخريين مع ترتيبات سياسية مصاحبة لما بعد انتهاء هذه المرحلة.
وسبق أن نظّمت الجزائر، ندوة الوفاق الوطني في ديسمبر/ كانون الأول 1994، وشاركت فيها الأحزاب والمنظمات والنقابات للخروج من مأزق الانقلاب الذي نفذه الجيش في يناير/ كانون الثاني 1994، والبحث عن توافق وطني وتزكية شخصية لرئاسة الدولة، كان حينها الجنرال ليامين زروال، حتى إجراء انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الأول 1995.
في السياق نفسه، دعت حركة “البناء الوطني” التي يقودها عبد القادر بن قرينة، إلى “حوار سياسي يشمل جميع المكونات السياسية دون إقصاء، يتوج بندوة وطنية“. وأكدت الحركة أنها “تثمن دعوات الحوار الوطني، ولن تخرج عن الإجماع الوطني والانحياز للمصالح الوطنية، والتوجه نحو المستقبل بتهيئة الظروف لانتقال آمن وسلس على المدى المتوسط“.
وصل الرئيس بوتفليقة، إلى سدّة الحكم في أبريل/نيسان سنة 1999
بدورها، دعت حركة “مجتمع السلم” (أقوى الأحزاب الإسلامية المعارضة في البلاد)، رسميا إلى تأجيل موعد الانتخابات بهدف “تعميق الإصلاحات السياسية وتجسيد الديمقراطية الحقيقة على أرض الواقع“. وفي هذا الشأن، قال عبد الرزاق مقري، زعيم الحركة، في حوار مع جريدة “الخبر“، ” نطالب بتأجيل الانتخابات لمدة أقصاها سنة وبشروط توافقية. العهدة الخامسة حظوظها ضعيفة واليوم مع اقتراب الرئاسيات، أصبحت أضعف بسبب اشتداد المرض على الرئيس، وهو ما يعيقه عن دخول الانتخابات”.
وشرح مقري أن التأجيل الذي تدعو إليه حركته “له شروط محددة. أولها ألا تتجاوز مدة هذا التأجيل سنة واحدة. ثانيا أن يكون مبنيا على إصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة. وثالثا أن تنتهي مرحلة التأجيل بالتوافق، أي باختيار رئيس توافقي وحكومة موسعة والذهاب إلى انتخابات تشريعية في إطار لجنة لتنظيم الانتخابات“.
لا يعترض حزب “جبهة القوى الاشتراكية“، كبرى الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائر، على فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويذهب الحزب إلى اعتبار أن الانتخابات الرئاسية ليست حلاً للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.
يتوقع أن تنجز الاننتخابات في شهر ابريل/نيسان المقبل
من جهته، دعا حزب “جيل جديد” المعارض في وقت سابق، إلى البحث عن “حلول سياسية خارج سياق الانتخابات الرئاسية“. وقال نائب رئيس الحزب إسماعيل سعيداني إنه “من غير المجدي انتظار انتخابات رئاسية تكون وفق المعايير الديمقراطية. الشروط لم يتم توفيرها لاقتراع حقيقي أقل من شهرين على استدعاء الكتلة الناخبة، والمناخ السياسي بعيد كل البعد عن التحفيز للمشاركة في منافسة انتخابية لن تكون حقيقية”.
وتطالعنا بين الفينة والأخرى، تصريحات متناثرة من قبل أحزاب الموالاة بضرورة الحفاظ على مبدأ “الاستمرارية”، بمعنى الاستمرار في تطبيق برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وليس انتخابه لعهدة خامسة، عكس ما كانت تنادي به في السابق.
وتنص المادة 136 من قانون الانتخابات في الجزائر على أنه “تستدعى الهيئة الناخبة بموجب مرسوم دستوري في ظرف 90 يوماً قبل تاريخ الاقتراع”، ما يعني أنه يستوجب استدعاءها قبل 14 يناير/ كانون الثاني المقبل كأقصى حد دستورياً.
أما عن موعد الانتخابات، فتنصّ المادة 135 من القانون أن تجرى الانتخابات الرئاسية في ظرف 30 يوماً السابقة لانقضاء عهدة رئيس الجمهورية، وفي حالة بوتفليقة والانتخابات المقبلة، يفترض أن تجرى الانتخابات في الفترة بين 14 مارس/ آذار و14 إبريل/ نيسان المقبل.
النظام يفقد المبادرة
على عكس انتخابات 2014 الرئاسية، والتي كان النظام يملك فيها مرشحا متفقا عليه من قبل الجميع وهو عبد العزيز بوتفليقة، يجد القائمون على الحكم في البلاد أنفسهم هذه المرة في مأزق، ذلك أنهم لم يتمكنوا بعد من إيجاد الاسم الذي سيقود الجزائر خلال الخمس سنوات القادمة، خلفا لبوتفليقة الذي أعياه المرض.
ويعجز النظام الجزائري إلى الأن في الوصول إلى اسم لشخصية سياسية توافقية ترضى عنها المؤسسة العسكرية و”المقربين” من دائرة الرئيس بوتفليقة. ووصل الرئيس بوتفليقة، إلى سدّة الحكم في أبريل/نيسان سنة 1999، ثم أعيد انتخابه سنة 2004 و2009، وفي رئاسيات 2014.
ويشير عديد المؤشرات، أن المتحكمين بالحكم في الجزائر يرون في بوتفليقة الشخص الوحيد، الأن، الذي يحظى بالاجتماع والمتاح أمام النظام في الوقت الحالي رغم تراجع أدائه ونشاطه إلى الحد الأدنى، للاستمرار سنوات أخرى في حكم الجزائر والتحكم في خيراتها.
تأجيل الانتخابات الرئاسية من شأنه أن يمنح النظام فرصة أخرى لتسوية خلافات تكتلاته المتصارعة
ويرى جزائريون، أن المنظومة الحاكمة حولت الانتخابات في البلاد سواء التشريعية أو الرئاسية إلى إجراء بيروقراطي لضمان استمرارية النظام، وإعادة إنتاج نفسه، ذلك أنها لا تسمح بفتح الساحة لتنافس البرامج والمشاريع السياسية، وفتح باب التنافس الرئاسي الجدّي في البلاد.
ويؤكّد جزائريون أن منظومة الحكم ليس لديها أي نية لمغادرة الحكم في البلاد، بل إن القائمين عليها يسعون للخلود فيه، ولا يريدون ترك الجزائر تدخل مرحلة دولة القانون ولا السماح بالتغيير وفقًا لأسس الديمقراطية التي أضحت عندهم بمثابة ديمقراطية الحزب الواحد والرجل الأوحد.
ووفقا للدستور الجزائري، فإنه لا يمكن أن يمكن أن تتأجل الانتخابات إلا عندما تكون البلاد في حالة حرب، وذلك بموجب المادة 110 من الدستور التي تتضمن وقف العمل بالدّستور مدّة حالة الحرب ويتولّى رئيس الجمهوريّة جميع السّلطات. وإذا انتهت المدّة الرّئاسيّة لرئيس الجمهوريّة تمدّد وجوباً إلى غاية نهاية الحرب.
الخشية من التأجيل
تأجيل الانتخابات الرئاسية من شأنه أن يمنح النظام فرصة أخرى لتسوية خلافات تكتلاته المتصارعة، وإعادة هيكلة قوى السيطرة على البلاد والتحكّم في الوضع العام، خاصة مع ظهور بوادر أزمة كبرى تكاد تعصف بحزب جبهة التحرير الوطني الذي يقوده بوتفليقة.
غير أن التأجيل ليس في المطلق لصالح النظام، فالنظام ذاته يخشى ما يمكن أن يترتب عن هذا الأمر، فالتأجيل يمكن أن يصاحبه دعوات لتعديل الدستور ونظام الحكم في البلاد الذي مكّن الجماعة من احكام سيطرتها على الجزائر منذ أكثر من خمسين سنة.
فقد الشارع الجزائري الأمل في التغيير
تخشى المنظومة المتحكمة في قصر الرئاسة بالمرادية، من تعديل صلاحيات الرئيس التي بفضلها تمّ السيطرة على البلاد وخيراتها، وإضاعة الفرصة أمامها للنهوض والتطور والالتحاق بالدول المتقدّمة. ووفق الدستور الحالي، يتمتع الرئيس بصلاحيات كبرى في البلاد، حيث لا يمكن محاسبته على أي عمل يقوم به.
ويراهن النظام الجزائري الذي يخشى خوض أي مغامرة من شأنها أن تعكّر الأجواء وتربك حساباته السياسية، على مسألة الوقت حتى ينظّم صفوفه من جديد، ويتفادى الفراغ في أعلى هرم السلطة، الذي ساهم في مزيد تأزيم الوضع العام في البلاد.
تدفع هذه التطورات إلى الاعتقاد بأن هناك حالة إجماع بدأت تتشكل بأن الجزائر تواجه مأزقا سياسيا، حول عدم القدرة على انجاز انتخابات رئاسية فالقوى الموالية غير قادرة على التوافق فيما بينها على مرشح واحد، ولا المعارضة باستطاعتها ذلك.