أثار قرار واشنطن بسحب قواتها من سوريا جدلاً واسعًا على الصعيد العالمي، وذلك بعد أيام من إعلان تركيا معركة جديدة ستستهدف بها مناطق سيطرة الوحدات الكردية التي تدعمها واشنطن، ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الأمر الذي جعل الوحدات الخاسر الوحيد في اللعبة، ولكن هذا القرار المفاجئ في انتظار ترجمة ملموسة على الأرض.
وعلى الرغم من تمسك واشنطن بحليفها (الوحدات) طوال الشهور الماضية فإنها اليوم تتخذ قراراً بالتخلي عنها، والتمسك الأمريكي بدى واضحاً في الفترة التي مضت على تنفيذ اتفاق منبج ومماطلتها في سير عملية التنفيذ، جعلت صعوبة واضحة في استكمال الاتفاق، مما دعا إلى تأجيله لفترات لاحقة، ولكن التهديدات التركية المتكررة لمنطقة شرق الفرات، جعلت خلافات أنقرة وواشنطن جانبًا، لأنهما شريكان في حلف الشمال الأطلسي.
واشنطن تتخلى عن الوحدات الكردية شرق الفرات وتعلن بدء انسحابها
هل تخلت واشنطن عن الوحدات؟
عادة ما تستخدم القوى الخارجية قوى داخلية محلية لفترة محدودة وفقاً لمصالحها، وفي حال الانتهاء منها تكون كورقة يمكن أن ترمى في أي وقت كان، دون النظر لما قدمته هذه الجهة المحلية، على الصعيد العسكري أو غيره، فالتخلي عنها أمر سهل لا يمكن انكاره، فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الوحدات الكردية في معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، خلال فترة توسعه في المنقطة، وهي اليوم بصدد التخلي عن الوحدات التي اعتبرت انسحاب القوات الامريكية من سوريا خنجراً بظهر قوات سوريا الديموقراطية، التي ضحت بالمئات من عناصرها في سبيل طرد تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
وبعد ساعات من المباحثات التي أجرتها واشنطن بخصوص انسحاب قواتها من سوريا الأربعاء 19 ديسمبر ـ كانون الأول، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، في بيان لها: “بدأنا بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن فيما ننتقل إلى مرحلة جديدة من هذه الحملة”، وأكدت المتحدثة أن “هذه الانتصارات على داعش في سوريا ليست مؤشرًا على نهاية التحالف الدولي أو حملته”، كما أشارت إلى أن تنظيم داعش كان قبل 5 سنوات قوة كبيرة وخطيرة في الشرق الأوسط، لكن الولايات المتحدة دحرت دولة الخلافة عن وجه الأرض.
وقال مسؤول أمريكي مطلع لوكالة رويترز إن الأطر الزمنية لسحب كل القوات الامريكية من سوريا من المتوقع أن تبلغ من 60 يوماً إلى 100 يوماً، وأوضح المسؤول الأمريكي أن القوات الامريكية ستغادر سوريا بعد إنجاز آخر عملية ضد تنظيم داعش شرق دير الزور.
We have defeated ISIS in Syria, my only reason for being there during the Trump Presidency.
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 19, 2018
فيما علق الرئيس الأمريكي دولاند ترامب على قرار انسحاب قواته من سوريا، قائلاً: “لقد هزمنا داعش في سوريا، والسبب الوحيد لوجودي هناك خلال رئاسة ترامب”، وأضاف في تغريدة له على حسابه في تويتر “بعد انتصارات تاريخيه ضد داعش، حان الوقت لجلب شبابنا العظماء إلى الوطن!”، ويؤكد الرئيس الأمريكي أن تواجد قواته في سوريا مقترناً بوجود تنظيم الدولة الإسلامية داعش، التي كانت تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، يأتي هذا القرار خلافاً عما قالته واشنطن منذ أشهر أن قواتها باقية في سوريا حتى القضاء على المطامع الإيرانية في المنطقة، تمهيداً للحل السياسي في سوريا، عبر تشكيل دستور جديد للبلاد.
ويأتي التخلي الأمريكي عن الوحدات الكردية المتمثلة بقوات سوريا الديموقراطية، بعد التعزيزات التركية التي وصلت الحدود المتاخمة لمناطق سيطرة الوحدات في تل أبيض ورأس العين وعين العرب، فيما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر وصفها بالموثوقة “أن جهات عليا أمريكية أبلغت قيادات رفيعة المستوى من قوات سوريا الديمقراطية، أن القيادة الأمريكية تعتزم سحب قواتها من كامل منطقة شرق الفرات ومنبج، الأمر الذي شكل حالة من الصدمة الكبيرة لدى قيادة قوات قسد”، وتتناقض هذا القرار عن الواقع لأن تعزيزات أمريكية وصلت خلال اليومين الماضيين للمنطقة.
أصبحت الوحدات الكردية ورقة لا أكثر تستخدم في وقت ما وتنتهي في وقت آخر، بينما لا يحقق الأكراد أياً من مصالحهم التي حاولوا نيلها من خلال تحالفهم مع العديد من القوى الخارجية التي استخدمتهم والحقت الخسارة بهم، ولا تمتلك الوحدات كثيراً من الخيارات في وقت أصبحت فيه بحاجة إلى حليف آخر
وأضاف: “اعتبرت الجهات القيادية الكردية أن انسحاب القوات الأمريكية في حال جرى، هو خنجر في ظهر قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي، التي سيطرت خلال الأشهر والسنوات الفائتة على أكبر بقعة جغرافية خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية”، وأكدت قيادة قسد أن الانسحاب الامريكي خيانة لدماء آلاف المقاتلين التي نزفت لقتال تنظيم الدولة الإسلامية وخصومهم. ولم تعتبر الوحدات من الدرس الذي لقنته لها روسيا عندما تخلت عنها في منطقة عفرين لصالح القوات التركية مطلع العام الحالي.
وأصبحت الوحدات الكردية ورقة لا أكثر تستخدم في وقت ما وتنتهي في وقت آخر، بينما لا يحقق الأكراد أياً من مصالحهم التي حاولوا نيلها من خلال تحالفهم مع العديد من القوى الخارجية التي استخدمتهم والحقت الخسارة بهم، ولا تمتلك الوحدات كثيراً من الخيارات في وقت أصبحت فيه بحاجة إلى حليف آخر، في حال سحبت واشنطن قواتها من المنطقة.
من جانبه قال مسؤول لجنة العلاقات الدبلوماسية لحركة المجتمع الديمقراطي التابعة لقسد آلدار خليل تعليقاً على قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا: “إن بقوا فيمكن الاستفادة من بقائهم وإن لم يبقوا فإن الأهم مقاومة شعبنا، ولم نعلق آمالنا على القوى الخارجية خلال ثورتنا”، وأضاف: “لم نقل يوماً بأننا سنحمي أنفسنا بقوة قوى خارجية، أو سنحقق ثورتنا بدعم قوى خارجية. بل اعتمدنا على قوتنا الذاتية وبتكاتف شعوب ومكونات المنطقة”.
وتعتبر التصريحات التي يدلي بها المسؤول لدى الوحدات مناقضة للواقع في حين تبدو أن سياسة الأخيرة قمعية جداً وتطال الأشخاص الغير منتمين لهم، على نحو طائفي، وخاصة بعد تحجيم دور العرب في المنطقة والقضاء على صوتهم، في حين تحاول بناء جسراً لامتداد دولة روج آفا المتعارف عليها لدى قواتها، بينما يتحدث السؤول عن الثورة وفي وقت سابق طلبت قيادة الوحدات تدخل النظام السوري في المنطقة لمنع استهدافها من قبل تركيا.
لمن ستكون المنطقة في حال انسحبت القوات الأمريكية من سوريا؟
من الرابح في حال انسحبت القوات الأمريكية من سوريا؟
لا تبدو المعطيات على الأرض واضحة جداً بخصوص انسحاب القوات الامريكية إلى الآن من سوريا، بينما لا تخفى المطامع الدولية في المنطقة بدءاً من حقول النفط التي تحتويها المنطقة وصولاً لاتساع رقعة السيطرة، هناك العديد من الجهات التي تحاول السيطرة على المنطقة لكنها تنتظر الانسحاب الامريكي، كي لا تكون في الواجهة تماماً مع واشنطن. يوجد لدينا احتمالات أحدهما قوات المعارضة المسلحة، التي تدعمها تركيا، والآخر قوات النظام المدعومة من ميليشيات إيرانية من جهة وروسيا من جهة ثانية، والثالث الولايات المتحدة الأمريكية التي ستحصل على تمويل خليجي مقابل محاربتها لتنظيم الدولة الإسلامية داعش.
فإذا اعتبرت الولايات المتحدة أن تركيا هي حليف لها في حلف شمال الأطلسي، فستكون لها السيطرة على المنطقة، إلى جانب قوات المعارضة المسلحة المتكونة في قوات الجيش الوطني المدعوم من قبل تركيا، وذلك بعد انسحاب تدريجي للوحدات، أو القضاء عليهم خلال شن عملية عسكرية في المنطقة، وتمهيداً لذلك التعزيزات التركية التي وصلت الحدود، ومن خلال الجيش الوطني سيكون نواة تشكيل جيش وطني سوري شامل تبنى عليه أسس الدولة، ووضع دستور جديد للبلاد، وذلك في حال تعاون الحلفاء مثل ما أوضحت وزارة الدفاع الأمريكية أنها ستتعاون مع حلفائها في المنطقة.
تعتبر الوحدات الكردية أكثر الخاسرين طالما علقت آمالها على الولايات المتحدة الامريكية التي ستتخلى عنها عندما ينتهي العمل معها
ويعتبر الاحتمال الثاني وارد أيضاً، فالمطامع الإيرانية في المنطقة لا زالت موجودة وذلك عبر محاولاتها المستمرة لاجتياز نهر الفرات، الذي يقسم محافظة دير الزور إلى نصفين، والدخول للسيطرة على المنطقة بشكل كامل للاستثمار حقول النفط ويضاف إلى ذلك فتح اتصال بري لها نحو بيروت، للتمدد الإيراني في المنطقة، إضافة إلى النظام السوري الذي استنجدت به الوحدات في وقت سابق، بإمكانها تسهيل دخول قواته للمنطقة، فإن محاولات الوحدات مستمرة في منع التواجد التركي في شمال شرق سوريا، وسبق ذلك عندما دخلت ميليشيات النظام منطقة عفرين السورية، وتعتبر روسيا التي تحاول تمكين قبضة النظام السوري في كافة الأراضي السورية، راضية هنا، فهي طالما اعتبرت التواجد الأمريكي عائقاً في حل الأزمة السورية.
ومن جانب آخر قد يكون قرار واشنطن بسحب قواتها من سوريا، متلازماً مع مطامعها في الحصول على تمويل خليجي، إذ لم تكفيها آبار النفط في سوريا، فهي تريد أن توصل رسالة، أن تواجد القوات الامريكية أمراً ليس بالسهل فهذا التواجد يحتاج إلى تمويل مادي يعوض الخسارات التي تقدمها القوات مقابل محاربة التنظيم، ولا سيما أن بعض الدول الخليجية ترفض السيطرة التركية على أراضٍ سورية، في وقت نشوب خلافات بينهما، ولكن يعتبر هذا الاحتمال ضعيف.
وتعتبر الوحدات الكردية أكثر الخاسرين طالما علقت آمالها على الولايات المتحدة الامريكية التي ستتخلى عنها عندما ينتهي العمل معها، لكن الرابح واحد، في حال انسحبت واشنطن وأعطت الضوء الأخضر للنظام أو لتركيا للسيطرة على المنطقة، لكن إذا لم تنسحب فهل هي استراتيجية جديدة لتقسيم النفوذ في سوريا من جديد؟