حظيت مناطق معركة درع الفرات التي خاضتها قوات المعارضة المسلحة مدعومة من القوات التركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بأمن لم يتوافر في باقي المناطق السورية، ورغم أنه نسبي لكنه الأفضل على صعيد المناطق المحررة التي تضم تشكيلات عسكرية معارضة للنظام متنوعة التوجه العقائدي والأهداف السياسية.
وتدير منطقة درع الفرات المجالس المحلية التي حملت على عاتقها إدارة المنطقة بمختلف جوانب الحياة اليومية، وتتلقى دعمًا تركيًا، والأمن عكس خصائصه الإيجابية على نشوء القطاع الخاص وتقدمه في المنطقة، لا سيما الكثافة السكانية التي تحتويها منطقة درع الفرات نتيجة التهجير والنزوح.
مدخل مدينة بزاعة شمال شرق حلب
توسع عمراني لافت في درع الفرات
شهدت مدينة أعزاز شمالي حلب، توسعًا عمرانيًا ملحوظًا خلال الأعوام الثلاث الماضية، حيث أصبحت مركز الثقل السكاني الوحيد في الشمال السوري المحرر لمدة عام في أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق ريف حلب الشمالي، هذا التوسع العمراني شمل الأراضي الزراعية المحيطة بالمدينة، وازدهر خلال العامين الماضيين، حيث انتشرت الأبنية الطابقية، إضافة إلى المعامل والمحال التجارية، التي نمت اقتصاد المنطقة.
شقق سكنية طابقية في مناطق درع الفرات
كما شهدت مدينة الباب شمال شرقي حلب، ازدهارًا عمرانيًا بشكل أقل نسبيًا عن مدينة أعزاز نظرًا لقرب الأخيرة من الحدود السورية التركية، لكن اعتبرت مدينة الباب من أهم مدن المنطقة من حيث الخدمات، إضافة إلى تطور القطاع الخاص وإنشاء مكاتب للعقارات وافتتاح مشاريع ضخمة لمواكبة التضخم السكاني في المنطقة، لأنها كانت وجهة مهجري دمشق.
وتأتي مدينة مارع شمالي حلب في الدرجة الثالثة من التوسع العمراني نظرًا لوقوعها قرب خطوط التماس مما يشكل خطرًا على المدنيين، ورغم ذلك فقد نشأ القطاع الخاص وقامت العديد من المشاريع، من بينها سوق الحميدية، وعشرات الأبنية الطابقية، ولعل التسهيلات التركية في عبور مواد البناء إلى المنطقة أسهم بشكل كبير على تحفيز القطاع الخاص لبناء مشاريع يمكنها أن تحد من أزمة تضخم السكان في المنطقة، وشمل التوسع العمراني أغلب البلدات الكبيرة في منطقة درع الفرات لأنها أصبحت مناطق جذب للمدنيين نظرًا لتوفير سبل الأمن والحياة.
تعرف الأرياف بمنازلها الواسعة التي تتسع لعشرات الشقق السكنية في حال بنائها، وبإمكانها أن تضم أكثر من عشر عائلات، إلا أنها كانت لا تتسع لأكثر من عائلتين، فقط من أبناء صاحب المنزل
تعتبر مناطق درع الفرات الواقعة شمال حلب وشمال شرق حلب، مناطق ريفية أكثر منها مدنية، فيختلف نموذج بنائها عن بناء المدن التي تتألف من أبنية سكنية متعددة الطوابق، فهي أبنية أرضية متوزعة على كامل البلدة والقليل منها متألف من طابقين لا أكثر، يعود ذلك إلى الحياة الريفية التي كانت تعيشها المنطقة في السنوات السابقة، قبل اندلاع الثورة السورية، إضافة إلى هجرة الشباب إلى المدينة للبحث عن عمل، مما يؤدي بدوره إلى تخفيض أعداد سكان البلدات، في تلك الآونة.
وتعرف الأرياف بمنازلها الواسعة التي تتسع لعشرات الشقق السكنية في حال بنائها، وبإمكانها أن تضم أكثر من عشر عائلات، إلا أنها كانت لا تتسع لأكثر من عائلتين فقط من أبناء صاحب المنزل، إضافة إلى دار الأغنام وغيرها، لكن التزايد في عدد السكان والبحث عن الإيجار أنشأ القطاع الخاص وبدأ ببناء مشاريع ضخمة.
مشاريع البناء تتيح فرص عمل لمئات الشبان السوريين
البناء يتيح فرص عمل لآلاف الشبان
أكثر ما يؤرق الشباب السوري في منطقة معركة درع الفرات هو العمل الذي سيكون سبيلًا للعيش، فكيف تعيش وأنت لا تملك العمل، وهذا ما يؤدي إلى انتشار السرقة والنصب وقطع الطرقات بالسلاح بعد انتشاره بشكل واسع، وفي ظل ذلك فإن المشاريع البنائية أو الخدمية سواء كانت قطاعًا خاصًا أم عامًا بإشراف المجالس المحلية، كفيلة بأن تقدم فرص عمل لعشرات الشباب الذين لا يملكون قوت أطفالهم.
وكلما ازدادت المشاريع في المنطقة قضت على أزمة البطالة، لأنها ستحد من انتشارها ولو لمدة محدودة، فهي تؤمن فرصًا تعيل أسر تعيش في الخيام على الحدود السورية، لا سيما أنها تستقطب أيدي عاملة حرفية أكثر وتصرف عنهم حاجة الناس.
ونحاول فهم موضوع التوسع العمراني في المنطقة في ضوء اقتصادي، فلعل التدهور الاقتصادي المستمر في المنطقة، وندرة العمل لدى الشباب، أدى إلى وجود فارق كبير بين طبقات المجتمع في المنطقة، حيث أصبح لدى قلة منهم رؤوس أموال وآخرين يبحثون عن لقمة العيش لا أكثر، وتعتبر الفئات من رؤوس الأموال الممول الوحيد لنمو القطاع الخاص في المنطقة.
القصف المستمر من قوات النظام أوقف البناء
القصف والنزوح أوقف عمل القطاع الخاص
خلال فترة وجيزة من سيطرة المعارضة المسلحة على مناطق سورية عدة، بدأت طائرات النظام تقصف منازل المدنيين في سائر المناطق التي خرجت عن سيطرته، مما أدى إلى نزوح ملايين السوريين إلى الأرياف التي باتت في مأمن قليلًا عن المدينة التي تحولت إلى ركام مثل مدينة حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرة النظام في الوقت الحاليّ.
يعيدنا المشهد إلى السنوات الأولى من الثورة، أي في عامها الثاني 2012، فقد عاشت المناطق المحررة حركات نزوح داخلي عديدة من المدن إلى الأرياف والعكس، وإلى الحدود السورية التركية مما أدى إلى ارتفاع نسبة السكان، إضافة إلى الهجرة الخارجية نحو الدول المجاورة، مما أدى إلى توقف البناء والمشاريع الخاصة وأصبح البحث عن الأمن أكثر ما يؤرق السوريين.
لعبت حركات التهجير التي بدأت من حلب نهاية عام 2016، دورًا مهمًا في ارتفاع نسبة السكان، وصولًا إلى درعا ومختلف المحافظات السورية
ولم يقتصر النزوح على أبناء المدن بل تحول نحو الأرياف، فالكثير من سكان القرى والبلدات نزحوا نحو حدود تركيا لصعوبة وصول طائرات النظام إليها باحثين عن الأمن، ولعل نشوء تنظيمات جديدة جعل المعادلة أكثر تعقيدًا أولها تنظيم داعش والمعارك التي دارت بينه وبين قوات المعارضة لمدة عامين وما لحقها من حركات نزوح وتهجير، وثانيها وحدات حماية الشعب التي هجرت عشرات القرى والبلدات شمالي حلب، بعد تمهيد روسي دمر الأبنية السكنية في المنطقة.
كما لعبت حركات التهجير التي بدأت من حلب نهاية عام 2016، دورًا مهمًا في ارتفاع نسبة السكان، وصولًا إلى درعا ومختلف المحافظات السورية، سنوات ينتظرون نهاية الحرب التي جعلتهم فريسة لكل المجرمين، لكنها لم تنته واستمرارها لسنوات أصبح أمرًا غير مرغوب فيه فعادوا رغم الصعوبات مجددًا يبنون ويشيدون دون النظر للمستقبل الذي ينتظر مناطقهم.