لليوم السادس على التوالي تتواصل الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة في السودان والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، على إثر الارتفاع الجنوني في أسعار الخبز والوقود وعدم توفر السيولة النقدية الكافية، وسط مناوشات مع الأمن أسفرت عن سقوط عدد من القتلى فضلا عن عشرات الجرحى والمصابين.
تطور نوعي شهدته الاحتجاجات، متنقلة من الميادين والشوارع إلى ساحات الملاعب الرياضية، فبالأمس وعقب مباراة فريق الهلال السوداني والأفريقي التونسي انطلقت مظاهرات احتجاجاية من ملعب نادي الهلال في مدينة أم درمان، حيث جاب المتظاهرون الشوارع المحيطة بالملعب، رافعين عددًا من الشعارات المناهضة للحكومة.
قوات الأمن السودانية لم تترك للغاضبين المساحة لمواصلة مسيرتهم إلى الخرطوم، فعلى بعد أربعة كيلومترات من الملعب منعت الوحدات الخاصة المحتجين من عبور الجسر المؤدي إلى قلب العاصمة وقصر الرئاسة، مستخدمة في ذلك الغاز المسيل للدموع ما أجبر المتظاهرين على التراجع.
حالة من الكر والفر تشهدها الشوارع السودانية طيلة الأيام الخمس الماضية، وسط إصرار من الغاضبين على مواصلة احتجاجاتهم في الوقت الذي لم تشفع للحكومة وعودها التي قطعتها على نفسها بتخفيف العبء على المواطنين في ظل استمرار الأزمة دون تحسن وبقاء الوضع على ماهو عليه، فلا تزال الطوابير أمام منافذ بيع الخبز والوقود كما هي حتى الآن.
https://twitter.com/apple_sud/status/1076921283881955328
الجيش يعلن عن موقفه
كان السؤال الأبرز على ألسنة المحتجين السودانيين منذ انطلاق احتجاجاتهم: ماذا عن موقف جيش بلادهم؟ ظل هذا السؤال دون إجابة طيلة الأيام الخمس الأخيرة حتى أعلن عن موقفه بصورة رسمية بحسب التعميم الذي نشرته وكالة السودان للانباء بعد ظهر أمس الأحد.
القوات المسلحة في هذا التعميم أعلنت :”التفافها حول قيادتها، وحرصها على مكتسبات الشعب، وأمن وسلامة المواطن، دمه وعرضه وماله”، كما أكدت عملها ضمن منظومة أمنية واحدة ومتجانسة القوات المسلحة، وقوات الشرطة الموحدة، وقوات الدعم السريع، وقوات جهاز الأمن والمخابرات الوطنى.
التعميم صدر عقب الاجتماع الدوري لقادة القوات المسلحة الذي انعقد ظهر أمس بوزارة الدفاع وتم فيه تقديم تقرير شامل حول الأحداث الجارية بالبلاد، ومدى استعداد الجيش للتعامل معها وفق خطة متفق عليها بالتنسيق مع كافة الأجهزة الأمنية الأخرى كما ذكر البيان.
على غرار أيقونة الثورة المصرية، خالد سعيد، فقد تداول ناشطون سودانيون صورة لطفل قالوا إنه قتل خلال المظاهرات، فيما طالب أخرون بنشر هذه الصورة على كافة الحسابات التي تدعو للخروج في مسيرات باعتبارها “أيقونة” الاحتجاجات الشعبية في السودان.
تصعيد المطالب
رغم هدوء الاحتجاجات نسبيًا في شوارع العاصمة الخرطوم في أعقاب تشديد قوات الأمن من إجراءاتها إلا أن عددا من الناشطين أطلقوا دعوات إلى ما سموه “تظاهرة مليونية” باتجاه القصر الرئاسي ، غدا الثلاثاء، ودعا ما يعرف بـ”تجمع المهنيين السودانيين” إلى المشاركة في ما أطلق عليه”الموكب الجماهيري” إلى القصر الرئاسي لـ”تسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحي الرئيس فورا”.
يأتي هذا التصعيد في وقت تشن فيه السلطات السودانية حملة مداهمات واعتقالات ضد قادة ورموز المعارضة، حيث أعلن الحزب الشيوعي السوداني مساء امس الأحد عن اعتقال قوات الأمن لزعيمه محمد مختار الخطيب البالغ من العمر 74 عامًا بالقرب من دار الحزب في حي الخرطوم2.
القيادي في الحزب سليمان حامد في تصريحات له قال إن السلطات الأمنية اقتادت الخطيب إلى مكان مجهول، فيما كشف عن اعتقال ما يقرب من 14 من قيادات تحالف المعارضة السودانية خلال الأيام القليلة الماضية بينهم رئيس التحالف فاروق أبو عيسى.
قوتنا في و حدتنا #مدن_السودان_تنتفض pic.twitter.com/WcgtKwboK5
— Rashid Nuri (@rashidnuri) December 24, 2018
شوقي إسحاق.. أيقونة الثورة
على غرار أيقونة الثورة المصرية، خالد سعيد، فقد تداول ناشطون سودانيون صورة لطفل قالوا إنه قتل خلال المظاهرات، فيما طالب أخرون بنشر هذه الصورة على كافة الحسابات التي تدعو للخروج في مسيرات باعتبارها “أيقونة” الاحتجاجات الشعبية في السودان.
الصورة لطفل يبلغ من العمر 12 عامًا ويدعى شوقي الصادق إسحاق، ويقول النشطاء إنه قتل برصاصة في الرأس أطلقها الأمن السوداني الجمعة الماضي خلال مشاركته في مظاهرات خرجت في منطقة الجزيرة آبا بولاية النيل الأبيض، وتظهر العديد من الحسابات صورة الطفل باعتباره أصغر ضحايا تلك الاحتجاجات وهو يشارك في التظاهرات هاتفَا ضد تردي الأوضاع المعيشية في بلاده.
Latest thro DM:
New areas start to join the protest in addition to Gadarif Umrawabba. Now we have Kas and Buram in Darfur state and Altatar In south Kordufan. protests continued in Aljazira Aba state.#SudanUprising#مدن_السودان_تنتفض
Photos from Umrawabba, Kordufan earlier today pic.twitter.com/LpSzvGTlTe— Khalid Taha (@KhalidmeTaha) December 23, 2018
وبينما تتراجع حجم التغطية الإعلامية للأحداث في السودان فقد لجأ الغاضبون إلى مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات إعلامية بديلة نقلوا من خلالها صورٍ ومقاطع فيديو وأخبار ينقلها الناشطون من داخل المدن السودانيّة، تُظهر زخم التظاهرات والهتافات، بالإضافة إلى العنف الذي يقابل بها المتظاهرون من قبل قوات الأمن.
كما دشن النشطاء داخل السودان وخارجها عدد من الهاشتاغات خاطبوا من خلالها الرأي العام العالمي في محاولة لجذب اهتمامه، على رأسها “#مدن_السودان_تنتفض” الذي نُشرت عليه الأخبار الآتية من السودان، هذا بالإضافة إلى وسمي “#Sudan_revolts#” و”SrisiudanUpng” الذي يستهدف غير السودانيين في المقام الأول.
اسمه شوقي الصادق اسحاق .. احفرو الاسم دا في ذاكرتكم … دا راجيكم يوم القيامة يا كيزان .. ومعاو رب عظيم شديد العقاب #مدن_السودان_تنتفض pic.twitter.com/owAh8JdhbX
— Esmail (@abujalabia) December 23, 2018
هتاف تقشعر له الأبدان
حريه حريه حريه
الطلقه ما بتقتل بقتل سكات الزول#مدن_السودان_تنتفض pic.twitter.com/8cvEqfzoxN— Osman Idris (@manomanoafrican) December 23, 2018
غياب رد الفعل العربي
رغم استمرار الاحتجاجات ليومها الخامس إلا أن الموقف العربي كان غائبًا عن ساحة الأحداث بصورة دفعت الكثير للتساؤل، وجاءت ردود الفعل في معظمها مناشدة للرعايا بتجنب الذهاب إلى مناطق التظاهرات والابتعاد عن أماكن التوتر والقلق، وهو ما كان عليه الموقف السعودي والكويتي والبحريني على حد سواء.
فقد دعت السفارة السعودية في الخرطوم، بتغريدة عبر حسابها الرسمي على “تويتر”، المواطنين السعوديين الزائرين والمقيمين في السودان إلى تجنب الذهاب إلى مناطق الاحتجاجات أو الاحتكاك بالمتظاهرين، وطالبت السفارة من السعوديين التواصل معها في الحالات الطارئة.
السودانيون لا يرغبون في الحكم، فقط هم يريدون العيش وتوفير السلع الأساسية والضرورية للحياة
تحذيرات الرياض جاءت بعد ساعات قليلة من تلك التي أطلقتها البحرين لرعاياها بجانب الإعلان عن دعمها للسودان في ازمتها، بالإضافة إلى مطالبة الكويت رعاياها بمغادرة السودان وهو الموقف الذي استفز الخارجية السودانية التي طالبت باستدعاء السفير الكويتي لديها بسام محمد مبارك القنبدي.
فيما نقلت وسائل إعلام محلية على رأسها وكالة السودان للأنباء عما وصفتها بالمصادر الرسمية، أن الرئيس السوداني تلقى اتصالات هاتفيًا من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر للاطمئنان على الأوضاع في البلاد، معلنًا وفق ما ذكرته الوكالة وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لمساعدة السودان على تجاوز هذه المحنة، مؤكدا حرصه على استقرار السودان وأمنه، بينما لم يصدر بيان رسمي من الدوحة أو الحكومة السودانية بشأن هذه الأنباء
https://twitter.com/KSAembassySD/status/1076914829452107776
جرس إنذار
“السودانيون لا يرغبون في الحكم، فقط هم يريدون العيش وتوفير السلع الأساسية والضرورية للحياة”.. بهذه الكلمات استهل المحامي السوداني، يحيى محجوب، حديثه معلقًا على استمرار الاحتجاجات ليومها الخامس، مؤكدًا أن الوضع غاية في الصعوبة على كافة المستويات.
محجوب في حديثه لـ “نون بوست” أشار أن ما دفع الشعب للتحرك تلك الحالة المتردية من تضييق الخناق عليه، حيث وقع بين فكي التجار والسماسرة وبات سلعة يتلاعب الكبار بها، حتى قفزت أسعار السلع والخدمات إلى قفزات خرافية لم يعد في متناول الغالبية العظمى من السودانيين الحد الأدنى للحياة الكريمة.
وأضاف أن المشكة لن تحل بالقروض، فالأزمة تتلخص في عدم وجود انتاج، وم ثم فإن القروض والدعم المقدم للسودان سيذهب إلى ما أسماهم “القطط السمان” متوقعا مزيد من ارتفاع الأسعار وعدم تغير الوضع على ماهو عليه بالصورة المرضية للغاضبين في الشوارع والميادين.
هناك خلل ما في السياسات الاقتصادية وأن الطاقم الحكومي الحالي لم يستطع إجراء أية معالجات، لذلك أتوقع أن تكون هناك مراجعات اقتصادية حكومية وحلول جذرية .. ربيع عبدالعاطي
من جانبه قال الدكتور ربيع عبد العاطي، القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن الأزمات المعيشية للمواطن هي السبب الرئيسي وراء اندلاع الاحتجاجات، لافتًا إلى أن الذين يرفعون شعارات إسقاط النظام وغير ذلك أعدادهم محدودة من بعض أحزاب المعارضة.
القيادي في الحزب الحاكم في مقابلة مع “سبوتنيك” اعترف أن تلك الغضبة توضح بشكل كبير أن “هناك خلل ما في السياسات الاقتصادية وأن الطاقم الحكومي الحالي لم يستطع إجراء أية معالجات، لذلك أتوقع أن تكون هناك مراجعات اقتصادية حكومية وحلول جذرية لأن اقتصاد السودان لا يعاني من نقص في الإنتاج، فلدينا موارد طبيعية وذهب يتم تهريبه وإنتاج زراعي، نحتاج إلى ضبط في الحدود والتمييز بين المدعوم وغير المدعوم”.
#مدن_السودان_تنتفض #Sudan_Revolts
Sudanese Doctors in Ireland Support the Sudan Revolution pic.twitter.com/fKYYwXT9B3— 𝓨𝓪𝓼𝓪𝓻 𝓗𝓪𝓶𝓶𝓸𝓻 (@YasarHammor) December 24, 2018
كما توقع استمرار الاحتجاجات مالم يتم معالجة الأزمة بصورة كاملة، لافتًا أن انتهاء التظاهرات مسألة مرهونة بالمعالجات ووضع سياسات جديدة موضع التنفيذ، مضيفًا “الجدية التي نراها هى قديمة وتجعل مثل هذه الظواهر تتكرر”
وفي ظل غياب الاهتمام الإقليمي والدولي بما يدور في السودان وسط تجاهل إعلامي مثير للجدل ودعم عربي محدود، يبقى مصير الاحتجاجات أسير قدرة نظام البشير في الاستجابة السريعة للمطالب المرفوعة قبل فوات الأوان، ومع ذلك فكل الخيارات مفتوحة في ظل بقاء كل طرف على مواقفه، المحتجون المصرون على مواصلة التصعيد والحكومة المكتفية ببيانات التخدير والتهدئة.