في زيارة هي الأولى له لمنطقة صراع منذ توليه السلطة قبل عامين، هبطت طائرة الرئاسة الأمريكية – مطفأة الأنوار – التي أقلت الرئيس دونالد ترامب وزوجته وعدد من المساعدين في قاعدة الأسد الجوية غربي بغداد أمس الأربعاء قبل أن تغادر في اتجاه العودة إلى قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا ومنها إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.
الزيارة التي لم تدم أكثر من 3 ساعات كان الهدف منها تفقد القوات الأمريكية هناك وتقديم التهنئة لهم بمناسبة عيد الميلاد، حيث التقى ترامب – الذي أعرب عن حزنه لدخول العراق سرًا – عددًا من الجنود والتقط معهم بعض الصور، بحسب البيان الصادر عن المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز.
حالة من الجدل أثارتها تلك الزيارة غير المعلنة، خاصة أن الرئيس الأمريكي لم يلتق أي من المسؤولين العراقيين على رأسهم رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، هذا بخلاف ما أثير بشأن عدم علم الحكومة العراقية بساعتها على وجه التحديد.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتوجه فيها رئيس أمريكي بزيارة غير معلنة للعراق، فقد سبقة في هذا المضمار الرئيسين السابقين، الجمهوري جورج دبليو بوش والديمقراطي باراك أوباما، غير أن المستجدات التي سبقت زيارة الأمس على رأسها إعلان سحب القوات الأمريكية من سوريا وما تلاها من ردود فعل متباينة، كذلك التصعيد مع طهران، أضفت خصوصية على تلك الزيارة.. فما الرسائل التي حملها ترامب في حقيبته خلال توجهه سرًا للعراق؟
.@FLOTUS Melania and I were honored to visit our incredible troops at Al Asad Air Base in Iraq. GOD BLESS THE U.S.A.! pic.twitter.com/rDlhITDvm1
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 26, 2018
انتهاك للسيادة العراقية
أثارت الزيارة السرية حفيظة عدد من نواب البرلمان العراقي الذين بدورهم طالبوا بعقد جلسة طارئة لبحث ما وصوفه بـ”انتهاك سيادة العراق” فيما اتهم آخرون واشنطن بمحاولة زيادة أعداد قواتها في بلاد الرافدين، بينما هدد البعض بالرد بالمثل على هذه الزيارة غير المعلنة.
صباح الساعدي زعيم كتلة الإصلاح النيابية في بيان طالب بعقد جلسة طارئة لمجلس النواب لبحث “هذا الانتهاك الصارخ لسيادة العراق وإيقاف هذه التصرفات الهوجاء من ترامب الذي يجب أن يعرف حدوده فإن الاحتلال الأمريكي للعراق انتهى”.
كما اعترض على الزيارة تحالف البناء (المقرب من طهران) الذي يقوده هادي العامري، واصفًا إياها بأنها “انتهاك صارخ وواضح للأعراف الدبلوماسية وتُبين استهتاره وتعامله الاستعلائي مع حكومة العراق”، لافتًا أنها “تضع الكثير من علامات الاستفهام عن طبيعة الوجود العسكري الأمريكي والأهداف الحقيقية له وما يمكن أن تشكل هذه الأهداف من تهديد لأمن العراق”، فيما اتهم عضو التحالف فالح الخزعلي، الولايات المتحدة بأنها ترغب في زيادة وجودها في العراق، قائلاً: “القيادات الأمريكية التي انهزمت في العراق تريد العودة مجددًا تحت أي ذريعة وهذا ما لا نسمح به مطلقا”.
أما قيس الخزعلي، زعيم فصيل عصائب أهل الحق المسلح ، فغرد على تويتر قائلاً: “رد العراقيين سيكون بقرار البرلمان بإخراج قواتك العسكرية رغمًا عن أنفك وإذا لم تخرج فلدينا الخبرة والقدرة لإخراجها بطريقة أخرى تعرفها قواتك”.
زيارة #ترامب لقاعدة عسكرية أمريكية بدون مراعاة الأعراف الدبلوماسية يكشف حقيقة المشروع الأمريكي في #العراق
رد العراقيين سيكون بقرار البرلمان بإخراج قواتك العسكرية رغما عن انفك وإذا لم تخرج فلدينا الخبرة والقدرة لإخراجها بطريقة أخرى تعرفها قواتك التي اجبرت على الخروج ذليلة في 2011
— قيس الخزعلي (@Qais_alkhazali) December 26, 2018
فيما علق المتحدث باسم كتائب حزب الله بالعراق جعفر الحسيني بأن “زيارة ترامب المفاجئة إلى قاعدة عين الأسد تعني أنه لا يشعر بالأمان لإعلان زيارته إلى العراق”، مضيفًا “قيادات في المقاومة العراقية توعدت بقطع اليد التي تمتد إلى دول الجوار ومنها سوريا”، لافتًا إلى أن “قرار انسحاب القوات الأمريكية يعود لإرادة الشعب وبرلمانه”.
بينما أشار آخرون إلى أن رئيس الوزراء كان على علم بزيارة وشيكة لترامب إلى العراق، لكن ليس بوقتها المحدد، وتحليق المقاتلات الأمريكية بشكل مكثف في القاطع الغربي من العراق ضمن محافظة الأنبار، منذ مساء أمس الثلاثاء، فهم منه أنه مهمة استخبارية ضد تنظيم “داعش”، وليست زيارة لمسؤول أمريكي رفيع، حسبما نقل “العربي الجديد” عن مسؤول في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي.
كان من المفترض أن يجري استقبال رسمي، لكنّ تباينًا في وجهات النظر بشأن مكان تنظيم اللقاء أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع في المنطقة
وفي المقابل قال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، إن السلطات الأمريكية أعلمت نظيرتها العراقية برغبة ترامب في زيارة العراق مساء 26 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، والحكومة العراقية رحبت بالطلب، مضيفًا في بيان له بأن الزيارة جاءت لتهنئة الحكومة العراقية الجديدة، ولزيارة العسكريين الأمريكيين العاملين ضمن قوات التحالف الدولي الداعمة للعراق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وعن عدم استقبال رئيس الحكومة العراقي لترامب، قال البيان إنه كان من المفترض أن يجري استقبال رسمي، لكنّ تباينًا في وجهات النظر بشأن مكان تنظيم اللقاء أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع في المنطقة، مضيفًا أن عبد المهدي دعا ترامب لزيارة بغداد قريبًا فيما دعا الأخير رئيس الحكومة العراقي لزيارة واشنطن.
حنان الفتلاوي رئيس حركة إرادة وعضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي السابق، علقت عبر بتغريدة لها على “تويتر”، عن مدى علم الحكومة العراقية بهذه الزيارة، قائلة إنه من الصعب أن يدخل رئيس دولة أخرى ليزور جنوده وحكومة الدولة الأخرى لا تدري، “أو أنها تدري والخبر سرّي لأن ترامب يستحي”.
ترمب وزوجته في العراق اليوم !!!
ترى زحمة رئيس يدخل دولة أخرى ليزور جنوده وحكومة الدولة الأخرى متدري !!!! لو تدري والخبر سري لأن ترمب يستحي ؟؟؟
يلا المهم قمتو وياه بالواجب مسگوف لو قوزي لو حتى باقلاء بالدهن!!!!#سيادة pic.twitter.com/Evg9cNDEZF
— د. حنان الفتلاوي (@hanansmohsin) December 26, 2018
وقد نقلت “رويترز” عن عددد من النواب العراقيين قولهم إن ترامب طلب الاجتماع مع رئيس وزراء العراق في قاعدة عين الأسد الجوية وهو ما رفضه بشده ما تسبب في إلغاء أي لقاء رسمي بين الطرفين.
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي
رسائل طمأنة وتحذير
اكتسبت زيارة ترامب السرية للعراق المحاطة بحالة من القلق الأمني غير المسبوق، وهي التي ألغيت مرتين قبل ذلك بسبب تسريب معلومات عن موعدها، أهمية كبرى من خلال الظرف السياسي المحيط بها، كونها جاءت في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين واشنطن وطهران، هذا في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي سحب قواته من سوريا في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر.
وفي هذه الأجواء الملبدة بالغيوم السياسية والأمنية جاءت هذه الزيارة الخاطفة التي تحمل بين طياتها رسائل طمأنة وتحذير في آن واحد، فعلى هامشها قال ترامب: “لا خطط لسحب القوات الأمريكية من العراق”، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس، وأضاف للصحفيين “في الواقع، بإمكاننا استخدام (العراق) كقاعدة إذا أردنا القيام بشيء في سوريا”.
تلميح ترامب لاحتمالية استخدام قوات بلاده المتمركزة في العراق في بعض العمليات في الداخل السوري حسبما تقتضي الحاجة هو في الحقيقة رسالة طمأنة واضحة لحلفاء أمريكا في المنطقة، على رأسهم “إسرائيل” والسعودية، خاصة أنهما على وجه التحديد كانا أكثر القلقين من قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا.
بقاء القوات في العراق حمل إنذارًا لطهران يأتي في إطار تصاعد التوتر بين الجانبين منذ بداية ولاية ترامب الذي يسعى إلى تقويض الدور الإيراني إقليميًا، عبر سلسلة من العقوبات الاقتصادية وتضييق الخناق عليها سياسيًا
معروف أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا كان صمام أمان لتل أبيب في مواجهة الميليشات المنضمة لنظام بشار الأسد والتابعة لإيران، التي طالما مثلت تهديدًا كبيرًا للحدود الصهيونية، وهو ذات الأمر مع الرياض التي تخوض حرب نفوذ داخل سوريا واليمن والعراق ضد غريمها التقليدي الذي نجح في تحقيق عدد من النجاحات في الفترة الأخيرة على حسابها.
وفي الجانب الآخر تحمل الزيارة تحذيرًا واضحًا لإيران التي استشعرت التفاؤل عقب إعلان قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، فضلاً عما أثير بشأن تقليل عدد الجنود الأمريكيين في العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، غير أن الزيارة وما بها من تأكيدات على بقاء القوات في العراق حمل إنذارًا لطهران يأتي في إطار تصاعد التوتر بين الجانبين منذ بداية ولاية ترامب الذي يسعى إلى تقويض الدور الإيراني إقليميًا، عبر سلسلة من العقوبات الاقتصادية وتضييق الخناق عليها سياسيًا
علاوة على ذلك فإن الحديث عن تقوية القاعدة الأمريكية في العراق وتعزيزها خلال المرحلة المقبلة والتأكيد على بقائها حتى بعد دحر “داعش” من آخر معاقلها “الموصل” رسالة ضمنية في مواجهة تمدد النفوذ الروسي في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، الذي نجح في سحب البساط من تحت أقدام الأمريكان في عدد من المناطق الملتهبة على رأسها سوريا بصفة مباشرة واليمن بصورة غير مباشرة.