من جديد عادت تركيا إلى مكانتها كأحد أهم المقاصد السياحية للروس، بحسب إحصاءات أعلنتها مايا لومدزي رئيسة اتحاد منظمي الرحلات السياحية الروسية، مؤكدة أن تركيا احتلت المركز الأول في صدارة الأماكن التي قصدها السياح الروس خلال 2018، الذين ارتفعت نسبتهم إجمالاً هذا العام إلى 8% مقارنة بنفس التوقيت خلال العام الماضي، لترتفع نسبة تركيا من السياح الروس، قياسًا بارتفاع عددهم هذا العام، إلى 25%، مقارنة بعام 2017، وما زالت مستمرة في استقبال المزيد من السياح الروس، لتصل إجمالي توقعات إغلاق الموسم السياحي التركي بنهاية العام، إلى 46 مليون سائح من مختلف أنحاء العالم.
كشف حساب.. كيف عاد الروس مجددًا؟
سياح روس في تركيا
تشير الإحصاءات إلى أن السياح الروس توافدوا على تركيا، خلال الأشهر الست الأولى من عام 2018، بأعداد لا تقل عن 2.3 مليون سائح روسي، بزيادة 40% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، وهو نجاح للقائمين على شؤون السياحة التركية، وإثبات لحرفيتهم في استقطاب السياحة الروسية، وإبقاء بلادهم على رأس مقاصد الروس الخارجية، خاصة أن العام الماضي أيضًا، زادت فيه معدلات الأعداد التي قصدت تركيا، بزيادة قدرها خمسة أضعاف في عدد الزوار الروس تحديدًا، عن العام الذي سبق، وسجلت المؤشرات 4.72 مليون زيارة من روسيا وحدها.
لا شك أن هذه الأرقام للسياح الروس، وانعكاسات هذا الزخم على عائدات السياحة التركية، يعود لتحسن العلاقات الدبلوماسية مع موسكو
وبزيادة أعداد السياح الوافدين إلى تركيا، زادت معها درجة الإنفاق السياحي الروسي، وارتفاع مستوى إنفاق الفرد يوميًا من 230 دولارًا، إلى 300 دولار في النصف الأول من عام 2018، وكانت الوجهة الأكثر استقبالاً لهم “ولاية أنطاليا”.
ولا شك أن هذه الأرقام للسياح الروس، وانعكاسات هذا الزخم على عائدات السياحة التركية، يعود لتحسن العلاقات الدبلوماسية مع موسكو، ونجاح القيادة السياسية التركية في تبريد أعنف أزمة دبلوماسية اندلعت بين البلدين عام 2016، فور إسقاط تركيا طائرة روسية قاذفة من طراز “سو 24” فوق سوريا، وأدى الحادث لتوتر سياسي، ساهم في خفض أعداد السياح الروس في نفس العام بشكل غير مسبوق، إلى نحو 48 ألف سائح روسي فقط، بعد أن كان عددهم في عام 2015 يزيد على 650 ألف سائح، وبعد تحسن العلاقات الروسية التركية، استقبلت الأخيرة في النصف الأول من 2017، أكثر من مليون ونصف مليون سائح روسي، من بين 12 مليون سائح حول العالم زاروا تركيا.
وتتكامل منظومة السياحة في تركيا وتتوحد على خدمة السائح الروسي، بداية من منظمي الرحلات السياحية وأصحاب الفنادق، نهاية بالخطوط الجوية التركية، وتتفنن هذه الجهات جميعًا في تقديم خصومات مغرية واستثنائية للسياح الروس، وكل ذلك من أجل ترميم الآثار السياسية بين البلدين التي طرأت على علاقتهما بسبب إسقاط الطائرة العابر في تاريخ البلدين، وهذه الجدية في إزالة التوتر بينهما، أسفرت عن إعادة العلاقات كما كانت في أسرع وقت.
استطاعت السياسة والدبلوماسية التركية، علاج أغلب المشاكل العالقة بين البلدين، وبناء جسور جديدة من التفاهم، بما انعكس على تعافي قطاع السياحة التركية، وعادت لتكون أول وجهة محبذة للسائح الروسي، بما يتماشى مع اهتمام الحكومة التركية بجذب المزيد من السياح، خاصة من العالم الإسلامي وروسيا والصين، لتنشيط أهم محركاتها الاقتصادية الأساسية.
الاستقرار وأشياء أخرى
تفسر الأعداد المرتفعة للسياح هذا العام، ومن كل بلدان العالم إلى تركيا، مناخ الاطمئنان الذي فرض نفسه، وتحديدًا منذ الربع الثاني لعام 2017، وتعافي تركيا من الأزمات الداخلية والقضايا الأمنية التي كانت تشكل عامل قلق لدى السياح الأجانب، فبجانب روسيا والحفاظ على معدلات مرتفعة من زيارات السياح الروس، حافظت تركيا أيضًا على حصتها من السياح الصينيين.
تتقن تركيا الدعاية السياحية وتعرف كيف تخاطب زبائنها، ونجحت الآلة الدعائية في جعل الصين تعلن بنفسها، أن 2018 هو عام السياحة الصينية في تركيا
وبحسب أحدث الإحصاءات، تدفق على تركيا مليون سائح صيني عام 2018، لتحافظ إسطنبول على استمرار الصين في المركز الثاني كما كانت دائمًا في تدفق السياح إلى تركيا بعد روسيا، خاصة أن كلا البلدين لديهما علاقات ممتدة ووثيقة على جميع المستويات، وبشكل خاصة في السياسة والاقتصاد، وهو ما أثمر عن توقيع اتفاقيات ثنائية، أهمها تعزيز الممر الاقتصادي، وتوسيع التجارة على غرار “طريق الحرير” قديمًا.
سائحة صينية تؤدي رياضة القفز المظلي
وتتقن تركيا الدعاية السياحية وتعرف كيف تخاطب زبائنها، ونجحت الآلة الدعائية في جعل الصين تعلن بنفسها أن 2018 هو عام السياحة الصينية في تركيا، بناء على استحسان مواطنيها للمعاملة التركية، فإسطنبول تعلم جيدًا اهتمام الصينيين بالمعالم والآثار التاريخية والقيم الحضارية والثقافية، أكثر من اهتمامهم بعوامل الجذب السياحية التقليدية كالشمس والرمال والشواطئ، لذلك تنشط تركيا في إبراز الجوانب التاريخية المثيرة لاهتمام الصينيين.
أحد أهم وأحدث إحصاءات وزارة السياحة التركية، أكدت أن سياستهم الدعائية، نجحت بامتياز في تحويل وجهة أعداد كبيرة من السياح الصينيين إلى تركيا عام 2011 بنحو 98 ألف سائح، وبسبب إتقان الأتراك لخبايا الشخصية الصينية، والعمل على ذلك في الدعاية الموجهة، استطاعت مضاعفة هذا العدد إلى أكثر من ثلاثة أضعافه بعد أربع سنوات فقط.
وباستثناء انخفاض أعداد السياح الصينيين عام 2016 لدواعي ومخاوف أمنية، استمرت الأعداد في الزيادة، حتى عن مستويات العودة الطبيعية مع النصف الثاني من عام 2017، وتحاول تركيا تطوير خطابها الدعائي للفوز بحصة أكبر من السياح الصينيين الذين يصل عددهم حول العام سنويًا إلى 180 مليون سائح، بمستوى إنفاق نحو 250 مليار دولار.
استمرار السياحة العربية رغم المناوشات
منتجعات خاصة بـ”السياحة الحلال” في تركيا
وبجانب روسيا والصين، تظل تركيا أفضل أهم وجهات السياح القادمين من الدول الإسلامية أخرى، ولم يتأثر تدفق السائحين العرب بالأزمات السياسية التي تفجرت بين دول المنطقة ومنهم تركيا على خلفية الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، أو خطابها السياسي الساخن تجاه الأحداث، في ظل تطويرها إستراتيجية اقتصادية ودعائية على التوازي، تحفاظ على زيادة حصتها من الزوار، لأسباب عدة أهمها تفردها فيما يسمى بـ”السياحة الحلال”.
تنفرد تركيا في العالم الآن، بشيوع وجه حداثي إسلامي للمجتمع التركي، وعدم تصادم المظاهر الدينية والتاريخية للبلاد مع علمانية الدولة، وهي معادلة لا توجد في أعتى الدول ديمقراطية
يمكن القول إن الإستراتيجية التي تعمل بها تركيا، جعلتها تستقبل مؤخرًا ما يقرب من 5 ملايين سائح مسلم من بين 47.5 مليون سائح، وما زالت تطمح في زيادة جذب المسلمين والعرب إليها، بناء على تقارير الخبراء، الذين يؤكدون أن نجاحها السياحي على صعيد العالم الإسلامي، ليس كل شيء حتى الآن، وما زال هناك مجال لمستويات أفضل.
وكما تسير إستراتيجية التعامل مع الدول العربية الكبرى، تخص تركيا الخليج بإستراتيجية ناجحة للحفاظ على معدلات التدفق السياحي، وهو ما تم بالفعل، وتثبت الأرقام أن التوترات والمشاغبات من بعض دول الخليج تجاه تركيا والعكس، لم تؤثر كثيرًا على حجم الإنفاق الخليجي على السياحة بتركيا، التي بلغت نحو 62 مليار دولار أمريكي.
وتنفرد تركيا في العالم الآن، بشيوع وجه حداثي إسلامي للمجتمع التركي، وعدم تصادم المظاهر الدينية والتاريخية للبلاد مع علمانية الدولة، وهي معادلة لا توجد في أعتى الدول ديمقراطية، ويرتاح الخليج الذي يتميز أبناؤه بثفافة أصولية دينية في المقام الأول، إلى مظاهر تركيا الخرافية، وخاصة في عاصمتها إسطنبول التي تجمع بين تراث المسيحية وهيبة المآذن الإسلامية بشكل مبهر، ما يجعلها واحدة من أجمل التحف المعمارية في الشرق .
كما يتجمع الخليجيون والعرب والمسلمين، لالتقاط الصور التذكارية على جسر غلاطة، وبداخل الجامع الأزرق، ويتحدثون دائمًا عن متعة الوقوف أسفل مآذنه الأنيقة المضاءة ليلاً، وكذلك التنزه أمام قصر توب كابي المطل على القرن الذهبي وبحر مرمرة، وأحد أشهر مراكز حكم السلاطين العثمانيين، طوال مئات السنين، وصولاً إلى قصر دولمة بهجة الذي يقال إنه أفخم وأغلى القصور في العالم، ومنه إلى الذهب والثريات الفخمة والديكورات المزركشة فيما يعرف بالحرمليك والسلامليك، وكل ذلك بتكلفة بسيطة لا تتجاوز 40 ليرة تركية بحسب الكثير من العروض التركية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.