أنكرت الحكومة السودانية التقارير التي تقول بمساعدة مرتزقة روس لقوات الأمن في قمعهم للمتظاهرين وذلك في المظاهرات التي اندلعت الشهر الماضي في السودان ضد التقشف وطالبت كذلك بإنهاء حكم البشير، وكان وزير الداخلية السوداني أحمد بلال عثمان قد أنكر وجود تلك القوات وقال إن الصور التي التقطت في شوارع العاصمة السودانية (الخرطوم) ويظهر فيها رجال بيض بملابس تمويه ويقفون بالقرب من نقاط تجمع الاحتجاجات، هي صور مزيفة، لكن عددًا من الصحفيين في السودان أكدوا وجود قوات أجنبية قرب مناطق الاحتجاج الرئيسية.
كان مصدر لجريدة التايمز البريطانية قد أكد وجود قوات الفاجنر الروسية الخاصة في السودان لتقديم تدريب إستراتيجي وعملي لقوات الأمن السودانية، وقال المصدر المجهول إن المخابرات الوطنية السودانية وقوات الأمن أكدوا وجود تلك القوات لكن رفضوا الإفصاح عن دورها الحقيقي.
وبحسب تقرير ميدل إيست آي فقد قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: “بحسب معلوماتنا فإن ممثلي شركات الأمن الخاصة الروسية لا علاقة لهم بأجهزة الدولة، وهم يعملون حقًا في السودان، لكن مهمتهم تدريب العاملين في الجيش والأمن فقط وليس قمع الاحتجاجات السودانية”.
رصد قوات المرتزقة الروس في شوارع الخرطوم قرب مراكز الاحتجاجات
كانت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قد أظهرت ارتفاع أعداد المواطنين الروس الذين ذهبوا إلى السودان في أواخر 2017، فقد وصل السودان نحو 200 مواطن روسي، وفي الوقت نفسه كان أكبر عدد من الروس الذين سافروا إلى السودان حتى عام 2013 لم يتجاوز 76 مواطنًا روسيًا.
وأكدت وزارة الداخلية السودانية أن الموقف الأمني تحت السيطرة ولا يتطلب تدخل قوات أجنبية، وأضافت أنها ما زالت تتعامل باحترافية مع الاحتجاجات.
رغم طبيعة التظاهرات االسلمية فإن 40 شخصًا على الأقل قتلوا وأصيب نحو 500 شخص في الاحتجاجات على إجراءات التقشف والسياسات الديكتاتورية لعمر البشير، فقد تعاملت القوات الأمنية بعنف شديد معها، ومن المعتقد أن نحو 1000 شخص تعرضوا للاعتقال والتعذيب ومن بينهم الكثير من الطلاب، وأجبروهم على الاعتراف بالانضمام لخلايا إرهابية.
جاءت تلك الاحتجاجات بعد أن رفعت الحكومة أسعار الخبز 3 أضعاف وكذلك ارتفاع أسعار الغذاء منذ بداية العام، حيث توقفت الحكومة عن دعم صادرات القمح، وكان السودان قد واجه في السنوات الأخيرة تذبذبًا في الاقتصاد ونقص العملات الأجنبية مما أدى إلى انخفاض سعر الجنيه السوداني أمام الدولار الأمريكي، ورغم رفع الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية العام الماضي فإن البنوك الدولية تخشى التعامل مع المؤسسات المالية في البلاد، على كل حال، رفض البشير التنازل عن الحكم وأعلن أن تلك المظاهرات مؤامرة أجنبية.
أدانت وزارة الخارجية الأمريكية استخدام الحكومة السودانية للقوة المفرطة ضد المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي
تعد روسيًا حليفًا مهمًا لذلك البلد الإفريقي الذي يعاني من العزلة عن الغرب، كما أن رئيسه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور جنوب السودان.
لذا ليس مستبعدًا أن يطلب السودان مساعدة الكرملين الذي يسعى لتنمية العلاقات التجارية والأمنية والدفاعية مع عدد من الدول الإفريقية، وبالفعل تستثمر روسيا الآن في برامج الطاقة النووية المدنية في البلاد، كما أكد البرلماني في لجنة الدفاع الهادي آدم موسى على توقيع السودان لاتفاقية عسكرية مع روسيا ستمهد الطريق لبناء روسيا قاعدة عسكرية على شاطئ البحر الأحمر.
كما تستثمر روسيا في العديد من الدول الإفريقية، حيث استثمرت الحكومة الروسية 400 مليون دولار في بناء مشروع التعدين البلاتيني في زيمبابوي، وفي محطات الطاقة النووية بمصر، واستثمرت كذلك 220 مليون دولار في مشروع استخراج البوكسيت في غينيا.
كان البشير قد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته لروسيا في كأس العالم 2018 واتفق الاثنان على تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، كما قام البشير بزيارة مفاجئة لسوريا والتقى بشار الأسد الشهر الماضي في خطوة لدعم الحليف الروسي والاعتراف بالحكومة السورية مع اقتراب انتهاء الحرب الأهلية في البلاد.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس السوداني عمر البشير
في عام 2017 أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية قوات “فاجنر” على القائمة السوداء مع أفراد وكيانات روسية أخرى بسبب دورها غير القانوني في الصراع الأوكراني، كما يقدر عدد أفراد تلك القوات في سوريا بنحو 2500 مقاتل.
أكد راديو “دبنقا” – الإذاعة السودانية التي تبث من خارج البلاد – وجود 500 جندي روسي على الحدود السودانية مع جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب دارفور، حيث قتلت الحكومة السودانية 300 ألف شخص في الصراع مع المتمردين، وادعى تقرير الإذاعة أن الروس دربوا القوات السودانية وكذلك المتمردين المسلمين في إفريقيا الوسطى.
وعلى خلفية الاحتجاجات أدانت وزارة الخارجية الأمريكية استخدام الحكومة السودانية للقوة المفرطة ضد المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، وطالبت الحكومة بإطلاق سراح الصحفيين والناشطين والمتظاهرين السلميين الذين اعتقلوا بشكل تعسفي والسماح لهم بالحصول على التمثيل القانوني.