ما الذي تفكر فيه عند سماعك لكلمة “فودو”؟ عرائس خشبية ومسامير؟.. إنها تلك الصورة النمطية التي نعرفها جميعًا، الصورة التي نقلتها لنا الأفلام والمسلسلات الغربية. نوع من أنواع السحر تتمكن من خلاله من إيذاء شخصًا آخر. دعني آخذك في رحلة سريعة إلى موطن الفودو الأصلي.
جمهورية “بنين” Benin:
تشتهر جمهورية “بنين” بالفودو، بل إن نصف عدد سكان جمهورية بنين -والذي يقارب الـ١٢ مليون نسمة- يمارس الفودو بشكل أو بآخر.
يسود الاعتقاد بأن مدينة “أويدا” هي الموطن الأصلي للفودو، كما يقام بها كل عام أكبر مهرجان للفودو في العالم. ذلك المهرجان الديني يجذب جميع تابعي ديانة الفودو من حول العالم؛ ولكنه أيضًا يجذب السائحين المهتمين بالسياحة السوداء.
يتضمن المهرجان العديد من المراسم الجنونية كالرقص الغريب، وذبح العديد من الحيوانات، بل والرقص بتلك الحيوانات المذبوحة.
ليس هذ المهرجان أغرب الأشياء في “بنين”؛ بل هناك أيضًا “سوق الفودو”؛ والذي يستطيع ممارس الفودو شراء جميع المكونات التي يحتاج إليها في طقسه.
العديد من الحيوانات الميتة و المحنطة ستجدها هناك.. قرود، وثعابين، وجراء أيضًا!
الكثير من الحيوانات التي لن تتخيل أنها موجودة هناك.
لكل حيوان من تلك الحيوانات استخدامه الخاص، تستطيع باستخدام رأس بطة الهمس لها باسم عدوك وسوف يصمت إلى الأبد، أو دفن اسم شخص تكرهه بجوار رأس حصان ميت وسوف تندلع المصائب من كل اتجاه في حياته.
في النهاية ستجد أن الفودو جيد وسيء، كما حال كل الديانات متعددة الآلهة، هناك الإله الشرير والإله الجيد؛ إله الحُب وآخر للحرب. لكن على كل حال جميع آلهة الفودو تحتاج إلى القليل من الماء سواء كانت مجرد دماء حيوانات أو دماء بشرية. ولن يتوقف الأمر عند ذلك الحد؛ فستجد هناك شخص أجنبي ما يحمل كاميرا ويصور تلك الأشياء مستمتعًا، ورُبما ساخرًا.
لكن المغامرة الإفريقية لا تقف عند هذا الحد…
جنوب إفريقيا:
هناك عدد كبير من وجوه التشابه بين جنوب إفريقيا ومصر، مدينة “جوهانسبرغ” تشبه إلى حد كبير القاهرة بازدحامها، ومناطقها الراقية والفقيرة.
معظم السائحين العاديين يمرون على “جوهانسبرغ” في طريقهم إلى السفاري، لكنهم لا يبقون فيها مطولًا، وذلك بسبب ما يشاع عنها من خطورة التعرض للقتل أو السرقة، وتلك الأسباب هي التي تجعل العديد من محبي السياحة السوداء يهتمون بزيارة أحيائها الفقيرة تلك!
ما المميز في ذهاب أحدهم لرؤية منزل لشخص فقير بمكان عشوائي؟.. ذلك المنزل الذي يتكون من غرفة واحدة؟ هل هناك نوع من الراحة في رؤية الأشخاص الآخرين يعانون؟ هل هناك نوع من الارتياح يصيب بعضهم عند عودتهم إلى أوطانهم ومنازلهم آمنين، شاعرين أنهم أحسن وأفضل حالًا من غيرهم؟
لا أجد مبرر حقيقي يجعل هذا النوع من السياحة رائجًا “زيارة الأحياء الفقيرة”.
هناك ما يقرب من ٢٠ مليون مواطن جنوب إفريقي يعيشون في عشوائيات وأماكن متسخة، يرتفع فيها معدل الجريمة، فما رأيك أن تأخذ جولة في تلك الأحياء بدراجتك؟ ويجب أن تراعي أن تلك المناطق لا يملك القانون عليها أي سلطة.. إنها مجرد نسخة من “نزلة السمانة” المصرية، أو “الزاوية الحمرا”، تلك المناطق التي سمعت عنها الكثير من الأساطير، لكني لم أجرؤ على الذهاب إليها.
لا يوجد في رأيي شيئًا مميزًا يخص تجربة ذلك النمط من المعيشة، فنحن في العادة نحتاج إلى إجازات تريحنا من ضغط العمل، تُمكننا من تدليل أنفسنا؛ حتى إنني أجد في تسلق الجبال والتخييم في الصحراء مشقة كبيرة لا طائل تحتها.
لكن دعني أخبرك أيضًا أن هذا ليس كل شيء بالنسبة لجنوب إفريقيا؛ فأنت تستطيع مشاهدة إحدى الرياضات الممتعة للغاية وهي الـ”سبينينج Spinning” أو ما يعرف بالدواران بالسيارات.
وتعود أصل تلك الرياضة إلى العصابات الجنوب إفريقية التي كانت تعود إلى مناطقها بسيارات مسروقة؛ ثم يبدأون بالطواف بها في المقابر لتكريم موتاهم. وقد تطور بعد ذلك لتلك الرياضة العجيبة، والتي لا تقتصر فقط على الدوران بالسيارات وإثارة قنبلة من التراب والغازات؛ بل أصبح لها جمهور يشجعها، ومراهنات تُعقد عليها، ومسابقات تُحدد من الأفضل، وكذلك عروضًا مخيفة للتباهي أمام الجمهور!
تلك العروض تتضمن إلقاء نفسك من السيارة، الإمساك ببابها وهي تدور، إخراج نصفك منها وهي تتحرك بشكل سريع، محاولة لمس الأرض بنصفك العلوي وأنت تتدلى منها، وغيرها من المظاهر التي تُحدد أي المتسابقين أفضل، وقد تكون محظوظًا بما فيه الكفاية كي تركب إلى جوار أحد السائقين وتُجرب المتعة التي تكاد تقرب من الموت، تلك المتعة التي أزهقت الكثير من الأرواح.
هذه ليست كل الأشياء المتعلقة بالسياحة السوداء؛ فمازال العديد من الأشخاص يذهلوننا؛ فهم لا يزورون الأماكن الفقيرة فقط، ولا أماكن الكوارث فقط؛ بل مناطق تشتغل فيها الحروب بالفعل!
انتظروا الملف الثالث الخاص بالسياحة السوداء، والذي سوف آخذكم فيه إلى دول الستان.