حالة من الغموض والجدل أثارتها جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأسيوية والتي كان من المقرر أن تضم كل من باكستان، الهند، الصين، ماليزيا وإندونيسيا، إذ كان من المفترض أن يستهلها اليوم السبت بالتوجه إلى إسلام أباد إلا أنها أُجلت يومًا واحدًا في زيارة من المفترض أن تستغرق يومين فقط.
شواهد الاضطراب لم تتوقف عند المحطة الباكستانية فحسب، إذ تأجلت زيارة ابن سلمان لكل من ماليزيا وإندونيسيا لأسباب غير معلومة ولأجل غير مسمى، في وقت تلاحقه الاحتجاجات على خلفية اتهامه بالتورط في قتل الصحفي جمال خاشقجي أكتوبر الماضي بداخل قنصلية بلاده في اسطنبول.
تأجيل الخارجية الباكستانية للزيارة بعد أن أنهت جميع الإجراءات اللازمة، إذ أغلقت الطرق المؤدية إلى العاصمة وإلى المدينة المجاورة لها راولبندي، كما تحدثت السلطات عن تعطيل شبكات الهواتف وإغلاق أجواء العاصمة بشكل كامل خلال يومي الزيارة، فضلا عن حالة البذخ الواضحة التي تشهدها، تزامنًا مع التهديدات الصادرة عن قيادة الحرس الثوري الإيراني بإجراءات انتقامية إزاء ما أسمته “مؤامرات “السعودية والإمارات، أثار الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الجولة التي من الواضح أنها لن تحقق الأهداف المرجوة منها على النحو المطلوب.
بذخ غير مسبوق
الإعدادت التي سبقت الزيارة أثارت جدلا في الأوساط الإعلامية الباكستانية وغير الباكستانية بسبب مظاهر البذخ والترف وضخامة الحاشية حسبما وصفتها شبكة “بي بي سي” البريطانية، التي أشارت إلى أنها صُنِّفت تحت بند ( VVIP ) أي درجة شخص أكثر من مهم.
السلطات الباكستانية صباح اليوم غيرت جدول أعمال الزيارة، وجعلت جميع أنشطتها مقتصرة على القصر الرئاسي ومكتب رئيس الوزراء، من دون ذكر السبب أيضًا، كما أن الحراسة الخاصة لبن سلمان ستتولى مهمة تأمينه مع القوات الخاصة الباكستانية، علاوة على انتشارها الواسع في أرجاء العاصمة، بينما أغلقت معظم الفنادق القريبة من الأماكن الحساسة.
بجانب منحه بروتوكول VVIP عند دخول طائرته إلى المجال الجوي الباكستاني، من المقرر أن يرافقه مقاتلة من طراز JF-17 في الأجواء الباكستانية، هذا في الوقت الذي وصلت فيه خمس شاحنات تحمل احتياجات ولي العهد الشخصية إلى إسلام آباد، من أدوات للتمارين وأثاث وأمتعة شخصية أخرى، وقد تم حجز فندقين من فئة الخمس نجوم بالكامل للوفد المرافق له الذي يضم حوالي 1100 مسؤول ورجل أعمال.
تتوقع السلطات هناك أن تسفر الزيارة التي تعد الأولى لولي العهد لباكستان منذ تعيينه وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، عن استثمارات سعودية بقيمة سبعة مليارات دولار
كما وصل الحرس الملكي إلى العاصمة الباكستانية للقيام بالترتيبات الأمنية اللازمة لاستقبال ولي العهد بحسب مسؤول في بلدية إسلام آباد، بجانب شحن حوالي 80 حاوية من الأمتعة واللوازم للأمير وحاشيته، والذي سيكون أول ضيف دولة يقيم في المبنى الحكومي المخصص لرئيس وزراء باكستان
علاوة على ذلك سيتم نشر عناصر من الجيش الباكستاني في نقاط مهمة خلال جدول الزيارة، فيما سيقوم عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني باستقبال ضيفه في المطار، وتم حجز أسطول مكون من 300 سيارة لاند كروز ليستخدمه الوفد أثناء الإقامة في باكستان.
من المقرر أن بن سلمان سيكون ضيف الشرف في مؤتمر الاستثمار الدولي المقرر عقده في إسلام آباد خلال زيارته، الذي من المقرر أن يشارك فيه الوفد المرافق له وأكثر من 100 رجل أعمال سعودي وباكستاني، وستقام مأدبة غداء على شرفه في بيت رئيس الوزراء، في حين تم تحديد مأدبة الدولة في قصر الرئاسة.
استعدادات كبيرة لزيارة ولي العهد لباكستان
7 مليار دولار استثمارات سعودية
يترقب الباكستانيون الزيارة ببالغ الأهمية، آملين في إنعاش خزائنهم بما يسهم في حلحلة الوضع الاقتصادي المتردي والذي تفاقم في السنوات الأخيرة بصورة ألقت بظلالها القاتمة على حياة الملايين من الشعب الباكستاني، وتعليقًا على الزيارة قال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، في تصريح لوكالة “سبوتنيك“، على هامش قمة ميونيخ للأمن “لطالما تمتعت باكستان والسعودية بعلاقات جيدة على المستوى السياسي، لكن اعتقد هذه الزيارة سترفع العلاقات إلى مستوى جديد من التعاون الاقتصادي، وستعطي رفعا للعديد من الاستثمارات الجديدة في باكستان، وهو أمر جيد وصحي، ويسعدنا”.
أما رئيس الوزراء، عمران خان، فأشاد في الوقت ذاته بما أسماه “الإصلاحات” التي باشرها محمد بن سلمان، مؤكدا أن بلاده تريد أن ترى السعودية قوية في الساحة الدولية، مؤكدًا، في لقاء مع قناة “العربية”، أن ولي العهد “يقوم بإصلاحات عصرية ونحن ندعمه”
تضييق الخناق حول ابن سلمان دوليًا بسبب قضية خاشقجي دفعه إلى فتح آفاق جديدة مع بعض دول المنطقة في محاولة لاستعادة جزءًا من الشعبية المفقودة
ومن المقرر أن يشمل برنامج الزيارة عقد اجتماعات بين ولي العهد وعدد من كبار المسؤولين بينهم الرئيس عارف علوي ورئيس الوزراء، وقائد أركان الجيش قمر جاويد باجوا، فيما أعلن مسؤولون باكستانيون عن تأجيل ملتقى اقتصادي مشترك كان سيعقد خلال الزيارة بسبب ما وصف بظروف قاهرة.
يعول الباكستانيون على الزيارة في ضخ استثمارات جديدة
الدوافع الاقتصادية هي الشغل الشاغل للشارع الباكستاني من وراء هذه الجولة، إذ تتوقع السلطات هناك أن تسفر الزيارة التي تعد الأولى لولي العهد لباكستان منذ تعيينه وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، عن استثمارات سعودية بقيمة سبعة مليارات دولار خلال العامين المقبلين، ويشمل ذلك الاستثمار مصفاة نفطية في ميناء غوادر الإستراتيجي على بحر العرب، فيما تذهب مصادر أخرى إلى أن إجمالي الاستثمارات يتجاوز 15مليار دولار.
Saudi Crown Prince Mohammad bin Salman to arrive in Pakistan on Feb 17: FO https://t.co/uNn78DJcXO
— Geo English (@geonews_english) February 16, 2019
في الثاني من يناير الماضي زار وفد من رجال الأعمال والمستثمرين وأعضاء الغرف التجارية والصناعية السعودية، ميناء «جوادر» الباكستاني، الذي يُعتبَر النقطة المحورية لمشروع الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني المتصل بمبادرة «طريق الحرير»، وأطلعوا على على الإمكانات والفرص الاستثمارية المتوفرة في الميناء، والمناطق التابعة له، فضلاً عن فرص الاستثمار المتاحة في المناطق الاقتصادية الخاصة الملحقة بمشروع الممر الاقتصادي
أحمد الغامدي مستشار وزير الطاقة وقائد مكتب تحقيق «رؤية (2030) لمنظومة الطاقة» على هامش الزيارة قال إن «هناك تنسيقاً بين المجلس السعودي الباكستاني التنسيقي للتعاون الاقتصادي، لتوفير الزيارة إلى ميناء (جوادر) لإطلاع رجال الأعمال والجهات الحكومية الأخرى في السعودية على الفرص الاستثمارية في الميناء الباكستاني»، مضيفاً أنه «كجانب اقتصادي واستثماري، فإن السعودية تسعى إلى إيجاد فرصة استثمارية في باكستان بشكل عام وفي ميناء (جوادر) على وجه الخصوص إذ إنها منطقة استراتيجية، في ظل العلاقات القوية بين السعودية وباكستان».
جدير بالذكر أن باكستان كانت من أوائل الدول التي وقفت إلى صف الرياض أثناء الضغوط الشديدة التي تعرضت لها عقب مقتل خاشقجي، إذ أعلنت دعمها الكامل للمملكة، وشارك رئيس وزرائها في المؤتمر الاستثماري بالرياض، لتعلن الحكومة السعودية بعد ذلك حزمة تمويل لباكستان بقيمة ستة مليارات دولار.
رئيس وزراء باكستان خلال زيارته السابقة للرياض
تخفيف الضغوط الدولية
من المقرر أن يزور ولي العهد عقب الانتهاء من زيارته لباكستان كل من الهند التي تشهد الأجواء بينها وبين جارتها حالة من التوترعقب التفجير الذي نفذه مقاتل كشميري ضد قافلة عسكرية هندية داخل الجزء الخاضع للهند بإقليم كشمير المتنازع عليه، وأسفر الهجوم عن مقتل 44 عسكريا.
حديث يدور في الأفق حول وساطة سعودية بين الجارتين، نيودلهي وإسلام أباد، خاصة بعد تلويح الأولى بإجراءات صارمة ضد الثانية التي رفضت تحميلها المسؤولية عنه، ثم تشمل الجولة كذلك الصين التي ينتظر أن يزورها الخميس المقبل، وكان التقى رئيسها شي جين بينغ على هامش قمة مجموعة العشرين أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس.
الجولة رغم حالة الاضطراب التي تشهدها في أعقاب إلغاء محطتي ماليزيا وإندونيسيا لأسباب غير معروفة ولأجل غير مسمى، فضلا عن تأجيل زيارة إسلام أباد ليوم واحد، تهدف في المقام الأول إلى تلميع صورة ولي العهد ونظامه أسيويًا، ومحاولة تخفيف حدة الضغط التي تتعرض له المملكة خلال الأونة الأخيرة.
ومن ثم فإن تضييق الخناق حول ابن سلمان دوليًا بسبب قضية خاشقجي دفعه إلى فتح آفاق جديدة مع بعض دول المنطقة في محاولة لاستعادة جزءًا من الشعبية المفقودة وترميم بناء المملكة الخارجي الذي تعرض لكثير من الشروخات جرًاء سياسات الأمير الطامع في الكرسي بأي ثمن.
وفي الإطار ذاته فإن ضخ الاستثمارات السعودية الضخمة في باكستان وإبرام اتفاقيات مع الهند والصين، يحمل في ثناياه أبعادا جيوسياسية أخرى، تتمثل في مناهضة النفوذ الإيراني في تلك الدول، خاصة وأن علاقة خان على سبيل بنظام طهران تتمتع بالتنسيق والتفاهم حيال العديد من الملفات وهذا كان أحد أسباب القلق السعودي من فوزه بداية الأمر.