أعلن حسين الشيخ رئيس اللجنة الفلسطينية المسؤولة عن التواصل مع “إسرائيل” في القضايا المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الجمعة، رفض السلطة الفلسطينية مقترحًا إسرائيليًا تشارك بمقتضاه الحكومة الفلسطينية، ممثلةً في مدينة جنين الواقعة بالضفة الغربية، في مشروع تدشين خط سكة حديد دولي يربط بين حيفا الإسرائيلية وعواصم عربية لم يُسمّها.
وقال الشيخ في تغريدة على موقع “تويتر”: “إسرائيل عرضت علينا المشاركة في سكة حديد من جنين إلى حيفا، ومنها إلى العديد من العواصم العربية، ورفضنا ذلك رفضًا قاطعًا، لا للتطبيع قبل زوال الاحتلال الإسرائيلي، ولا للحلول الاقتصادية التي تكرس الاحتلال، كسرة الخبز ليست بديلًا عن حرية الأوطان”.. فما هذا المشروع الذي يتحدث عنه القيادي الفلسطيني المتخصص في هذا الشأن؟ وما السياقات التي أنتجت هذا الطرح؟ ولِم الآن تحديدًا؟
حيفا – الخليج.. قطار قديم جديد
في الماضي، كان هذا الخط عاملاً باسم” خط مرج بن عامر”، كفرع من سكك حديد الحجاز التي أنشأتها الدولة العثمانية بغرض نقل الحجاج، وأدارها الانتداب البريطاني لاحقًا (1920:1948)/ إلا أن هذا الخط كان ممتدًا من حيفا شمالًا إلى درعا جنوبًا فقط.
في مطلع الألفية الجديدة، عام 2005 تحديدًا، أصبح الإسرائيليون أكثر جدية وحماسة في إحياء هذا المشروع، فقرروا تشغيله بمسار جديد، استنادًا إلى تفاهمات السلام مع الأردن بحيث يبدأ القطار الجديد رحلته من حيفا الإسرائيلية، مارًّا ببيسان الأردنية شمال غور الأردن
وبعد تفجير هذا الخط من العصابات الصهيونية خلال الحرب العربية الإسرائيلية خوفًا من تدفق المساعدات العسكرية السورية إلى فلسطين، جرت محاولاتٌ عِدّة لإحيائه مجددًا تحت الإدارة الإسرائيلية، أبرزها تلك التي كانت بعد الحرب مباشرة، حيث جعلته مقتصرًا على المسار بين حيفا -سمخ لأغراض تِجارية، إلا أنها لم تكتمل، وبيعت القطارات في سوق الخردوات عام 1952، ثم لحق هذه المحاولةَ محاولتان في الثمانينيات، وفشلتا أيضًا لضعف المخصصات المالية اللازمة للعمل، وظل المشروع متوقفًا هكذا دون تحريك.
وفي مطلع الألفية الجديدة، عام 2005 تحديدًا، أصبح الإسرائيليون أكثر جدية وحماسة في إحياء هذا المشروع، فقرروا تشغيله بمسار جديد، استنادًا إلى تفاهمات السلام مع الأردن بحيث يبدأ القطار الجديد رحلته من حيفا الإسرائيلية، مارًّا ببيسان الأردنية شمال غور الأردن، واصلًا إلى مرج بن عامر عند جسر الشيخ حسين، لتكون إربد، شمال الأردن، آخر محطاته في هذا الاتجاه، بطول 60 كيلومترًا، وسرعة 160 كيلومترًا في الساعة، وبالفعل، أعلن الإسرائيليون في 2016 انتهاءهم من المرحلة الأولى من المشروع التي تصل إلى غور الأردن.
ولكن، في الآونة الأخيرة، وبعد ارتفاع موجة التطبيع، أعاد الإسرائيليون مراجعة التصورات الهندسية للمشروع، متحدثين عن عودة قطار الحجاز، بحيث يمتد القطار جنوبًا ليخترق العراق وينتهي في الدمّام السعودية بطول 1590 كيلومترًا، قابلة لزيادة نحو ألف كيلومتر في حال انضمام الإمارات إلى المشروع، فقالت يديعوت أحرونوت العبرية في مطلع 2018 إن مبلغًا من المال يقدّر بـ15 مليون شيكل قد خُصص في ميزانية عام 2019 لإنجاز المخططات الأولية للمشروع، تبعها زيارة لوزير النقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إلى عُمان، في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، بغرض المشاركة في اجتماعات مؤتمر النقل الدولي، تحدث خلالها عن “مشروع لربط دول الخليج بالبحر المتوسط عبر حيفا“.
قطار السلام
انتهى مرج بن عامر وأمسى صفحة منسية في كتب التاريخ، ولم يعد الوصول إلى إربد كافيًا، فأطلقت الحكومة الإسرائيلية اسمًا جديدًا على هذا الخط، فأصبح قطار السلام، فبخلاف الدول العربية التي سيخترق القطار الإسرائيلي أراضيها، وهي دول معظمها لم تكن تقيم علاقاتٍ دبلوماسية مع “إسرائيل” كما هو معلوم، فإن المشروع، بحسب كاتس، سيشهد مباركةً ومشاركة دولية عابرة للقارات، فستقوم الولايات المتحدة بدور “قائد” القطار، وسيكون للصين التي نالت نصيب الأسد من كعكة مشاريع “إسرائيل” على المتوسط وتهدف إلى تطوير تجارتها في المتوسط عبر طريق الحرير، مقعدٌ في المقدمة، وستنوب ألمانيا التي عرض عليها نتنياهو المشروع في وقت سابق، عن الاتحاد الأوروبي.
استغلت “إسرائيل” تآزُر عدة سياقات محلية وإقليمية لطرح المشروع في هذا الوقت
وتتوقع “إسرائيل” أن تبلغ تكلفة المشروع ملياري شيكل، تشمل حفر أنفاق وإنشاء جسور ومسارات مزدوجة للتغلب على وعورة تضاريس المنطقة من جهتها، إلا أنها تقول إن مشروعًا بهذا الحجم سيدر، في حال اكتماله، نحو 200 مليار دولار للدول المشاركة، خاصة أن نحو 25% من الصادرات التركية ونحو 20% من الصادرات الأردنية تمر عبر ميناء حيفا على البحر المتوسط.
وقد استغلت “إسرائيل” تآزُر عدة سياقات محلية وإقليمية لطرح المشروع في هذا الوقت، فمن جهة، فإن الحكومة الفلسطينية أعلنت، أواخر الشهر الماضي، نيتها البدء في دراسات مد خط سكة حديد تربط شمال الضفة بجنوبها، فحاولت “إسرائيل” اقتناص الفرصة وجس نبض السلطة فيما يخص تفاهمات صفقة القرن وبيان ما إذا كانت السلطة مستعدةً للتراجع، ومن جهة، فإن توقف الموانئ السورية المطلة على المتوسط عن العمل قد أدى إلى اعتماد التجارة فعليًا على طريق حيفا – بيلسان عبر الشاحنات العملاقة، وهو ما دفع المسؤولين الإسرائيليين للحجاج عن مشروعهم بمنطق: إذا كان مسار التجارة فعليًا يمر من حيفا إلى الأردن عبر الشاحنات، فلم لا نحفظ الطرق ونستبدل الشاحنات بخط السكك الحديدية، خاصة أنه مناسب من ناحية الوقت والمال مقارنة بالطرق البحرية حول الجزيرة العربية، إلى جانب كونه تعزيزًا للأمن المشترك والاستخبارات، والمصالح الاقتصادية، كجزء من التعاون الذي تقوده الولايات المتحدة بين دول المنطقة المعتدلة في مواجهة إيران بحسب كاتس.
كيف استعدت “إسرائيل” للمشروع؟
من جهتها، تقوم “إسرائيل” منذ مدة بإعادة تعريف نفسها لوجيستيًا كمركز للتجارة الإقليمية، عبر إعادة تأهيل مطاراتها الجوية وموانئها البحرية، مستغلة موقعها الجغرافي الإستراتيجي على البحرين، المتوسط والأحمر، حيث قامت مؤخرًا (يناير/كانون الماضي) بافتتاح مطار رامون الدولي على البحر الأحمر، الذي يبعد 18 كيلومترًا فقط عن منتجع إيلات السياحي، مقارنة بمطار عوفدا الذي يبعد نحو 45 كيلومترًا عن المنتجع، وسط تقديرات بأن يخدم المطار الذي تكلف إنشاؤه 450 مليون دولار، نحو مليوني مسافر سنويًا، ويساهم في حل الأزمة التي تعرض لها مطار بن جوريون حينما استهدفته حماس بصاروخ أدى إلى تعطل الرحلات الجوية إبان حرب يوليو/تموز 2014.
تشير المعطيات الأخيرة المتتابعة على غرار رفض السلطة الفلسطينية المشاركة في مؤتمر أوسلو، ورفض المشاركة في مشروع القطار، إلى أن السلطة الفلسطينية ستخوض معاركها القادمة مع الاحتلال بمفردها
وعلى البحر المتوسط، أعادت الصين تأهيل أهم ميناءين إسرائيليين في الشمال، فقد أُسند في 2014 إلى شركة “تشاينا هاربور” الصينية بناء ميناء جديد في أشدود، بتكلفة إجمالية تصل إلى مليار دولار أمريكي، تشمل رصيفًا طوله 1050 مترًا وكاسرًا للأمواج ارتفاعه 2800 متر، ومن المخطط أن يتم الافتتاح وبدء العمل في الميناء عام 2021، وفي 2015، فازت شركة “شانغهاي إنترناشيونال بورت جروب” بعقد تطوير ميناء حيفا بقيمة ملياري دولار، تقوم الشركة بموجبه بإدارة الميناء لمدة 25 عامًا، بدءًا من عام 2021 أيضًا.
كما شرعت الحكومة الإسرائيلية، في أكتوبر/تشرين الأول 2014، في ربط إيلات على البحر الأحمر، بميناء أشدود الجاري إنشاؤه علي البحر المتوسط عبر خط سكة حديد طوله 350 كيلومترًا، وتكلفة بلغت 15 مليار دولار، وهو ما اعتبره الباحث الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية يواف شتيرن استعدادًا لمشروع سكك حديد “حيفا – الدمام”، مؤكدًا أنه كان حلمًا يراود تل أبيب منذ رئاسة بن غوريون مجلس الوزراء منتصف خمسينيات القرن الماضي.
انهيار العوائق.. السلطة وحيدة دون أشقائها
تشير المعطيات الأخيرة المتتابعة على غرار رفض السلطة الفلسطينية المشاركة في مؤتمر أوسلو، ورفض المشاركة في مشروع القطار، وإعلان المجلس الأمني المصغر “كابينت” بالأمس خصم 138 مليون دولار من مخصصات الحكومة الفلسطينية، إلى أن السلطة الفلسطينية ستخوض معاركها القادمة مع الاحتلال بمفردها، خاصة بعد تجاهل الدول العربية الشروط والخطوط العريضة – التي تضمنتها تغريدة الشيخ – نظير الموافقة الفلسطينية على المشاركة في هذا المشروع أو غيره، وهي إنهاء الاحتلال، وألا تُرهن السياسة بالاقتصاد.
أعلن من وارسو جاريد كوشنر، المبعوث الأمريكي للسلام وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الموعد النهائي لطرح “الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط” ستكون عقب انتخابات الكنيست القادمة المُفترض أن تُجرى 9 من أبريل/نيسان القادم
فبالنسبة لكون التطبيع مرهونًا بالحل النهائي للقضية الفلسطينية أو ما أسماه الشيخ “إنهاء الاحتلال”، فقد تجاوزت الدول العربية الحدود التقليدية للتطبيع، وأصبحت ممارسات مثل الانعقاد السري اللقاءات الأمنية بين قادة الجانبين، وتبريرها بذريعة الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب بمجرد وصول أخبارها إلى العواصم العربية عبر الصحف العبرية – كما حدث مع أنور عشقي ضابط الاستخبارات السعودي الذي قضى بـ”إسرائيل” أسبوعًا كاملًا في يوليو/تموز 2016 – جزءًا من الماضي، شأنها شأن المؤتمرات الدولية التي كان يُبرر لها بسياقها كما حدث في المنامة، يوليو/تموز 2018، عندما شاركت “إسرائيل” في اجتماعات لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو.
تجاوز قطار التطبيع العربي هذه المحطة (التي كانت فارقة آنذاك) إلى محطة اللقاءات العلنية التي صارت تُعقد على مستوى الرؤساء والوزراء، لتُبحث خلالها آفاق التعاون الاقتصادي، ويتبارى وزراء الخارجية العرب في الدفاع عن “إسرائيل” والتبرير لها، ومهاجمة أعدائها (حماس والجهاد وحزب الله وإيران) وبيان أن موقفهم الحتمي غير مرهون بحل القضية الفلسطينية، كما جاء في مقطع الفيديو الذي نشره المكتب الإعلامي لبنيامين نتنياهو من أوسلو، وهو ما يشير إلى قبول القادة العرب بالمبدأ الإسرائيلي (تطبيع ثم حل) بالمخالفة للمبادرة العربية للسلام التي تقول إن التطبيع الكامل للعلاقات العربية الإسرائيلية مرهونٌ بحل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
وكانت مصر، ممثلةً في شركة “دولفينوس”، قد أعلنت في فبراير/شباط 2018 أنها، على خطى الأردن، قد وقعت اتفاقًا تستورد بموجبه 65 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المستخرج من حقلي تمار ولوثيان الواقعين في حدود “إسرائيل” البحرية بالمتوسط، بقيمة 15 مليار دولار، ولمدة 10 أعوام، وهو الاتفاق الذي وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه “عيد” لبلاده.
وفيما يخص الحل النهائي للقضية الفلسطينية، فقد أعلن من وارسو جاريد كوشنر المبعوث الأمريكي للسلام وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الموعد النهائي لطرح “الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط” ستكون عقب انتخابات الكنيست القادمة المُفترض أن تُجرى 9 من أبريل/ نيسان القادم.
نتنياهو يطمح أيضًا في إعادة تشغيل أنبوب (الموصل – حيفا) الذي كان ينقل النفط الخام من كركوك شمال العراق، إلى فلسطين، عبر الأردن، قاطعًا مسافة 942 كيلومترًا، ولكنه توقف جرّاء مشاركة العراق في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948
وبحسب مقال في “Foreign Policy” الأمريكية، فإن الولايات المتحدة قد حددت موقفها الجوهري من أهم بنود “صفقة القرن”، القدس واللاجئيين، قبل أن تقوم بطرحها علنيًا، حيث اعترفت بالقدس عاصمةً لـ”إسرائيل” بدلًا من تل أبيب، وتوقفت عن تمويل ودعم الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، في دلالة على عدم اعترافها بقضية اللاجئين، مؤكدة (أي الصحيفة) أن ما ينتظر الفلسطينيون من هذه الصفقة “بعض المنافع الاقتصادية مقابل إجبارهم على الاستقرار، حيث لا أمل لدولة فلسطينية ذات سيادة”.
يُشار إلى أن نتنياهو يطمح أيضًا في إعادة تشغيل أنبوب (الموصل – حيفا) الذي كان ينقل النفط الخام من كركوك شمال العراق، إلى فلسطين، عبر الأردن، قاطعًا مسافة 942 كيلومترًا، ولكنه توقف جراء مشاركة العراق في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، حيث يتوقع أن تنخفض أسعار الوقود في حال عودته بنسبة 25%.