لسنوات طويلة، اقتصرت حقوق المرأة التركية على قضايا العنف المنزلي والتمييز الجندري في العمل والتعليم، ولكن منذ عام 1908 أثيرت مسألة جديدة حول حقها في المشاركة في القرارات السياسية، وتبعًا لذلك أسست مجموعة من النساء أول حزب نسائي باسم “حزب النساء الشعبي” في عام 1923، بقيادة نازيحة محي الدين، اعتراضًا على منع المرأة من التصويت في الانتخابات.
وبعد أعوام معدودة، كسبت المرأة التركية حقها في التصويت، وكان هذا الإنجاز أولى خطوات مشوارها السياسي وبدأ اسمها يندرج تحت قائمة الأسماء السياسية في البرلمان والبلديات وغيرها من المحافل السياسية، وأهمها دخول نحو 17 نائبة للمرة الأولى إلى مجلس النواب في البرلمان عام 1935، واختيار مفيدة إلهان من مدينة مرسين كأول رئيسة بلدية في تركيا عام 1950.
وعلى الرغم من هذه البداية المبكرة، إذا قارنها مع نساء الدول الأخرى -قبل 10 سنوات من النساء في فرنسا ونحو 35 سنة من سويسرا-، إلا أنها أخذت الكثير من الوقت لتحويل حقوقها المكتوبة في الدستور إلى أدوار فعالة ولاسيما أنها تعرضت لهجوم قوي أثناء الحكم العلماني لحزب الشعب الجمهوري والذي منع النساء المحجبات من الترشح ومنع البعض الآخر من التصويت في بعض المناطق.
ويعتقد أن حزب العدالة والتنمية المحافظ ساهم في استقرار الحضور النسائي في المجالس الإدارية والسياسية في تركيا، فقد أشارت رئيسة الفروع النسائية في حزب الرفاه، سيبال أرسلان أن “أردوغان هو من أعطى الهوية السياسية للمرأة وحولها من ضحية إلى لاعب قوي في الوسط، وهذا ما كانت المرأة بحاجته حتى تطور من نفسها”.
أي حزب في تركيا يريد أن يصل إلى السلطة، لا بد له أن يكسب أصوات النساء الناخبات ودون ذلك لن يستطيع الوصول إلى السلطة
وأضافت إلى ذلك، المحامية وعضو اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية، أوزيليم زنقين، في مقابلة سابقة لها مع صحيفة “دايلي صباح”، قائلةً: “إن الرئيس رجب طيب أردوغان أدرك من البداية أهمية وجود المرأة في الوسط السياسي، وذلك لأنه يعتقد أن المرأة هي أساس فعالية القرارات والمصير السياسي في تركيا، خلافًا لبقية الأحزاب التي تبدو ظاهريًا أنها داعمة للمرأة ونشاطها السياسي وفي المقابل لا تجد أثرًا لمشاركتها في برامجهم أو انتخاباتهم”.
مشيرةً إلى أن “أي حزب في تركيا يريد أن يصل إلى السلطة، لا بد له أن يكسب أصوات النساء الناخبات ودون ذلك لن يستطيع الوصول إلى السلطة”، ويتضح ذلك من خلال سياسة الحزب الحالي الذي طبق هذه القاعدة منذ تأسيسه ودفع المرأة للمشاركة والتغيير أيضًا حتى أصبحت النساء محركًا قويًا ورئيسيًا للمصير السياسي في البلاد وجزءً أساسيًا من صورته في المنابر الدولية.
هل تسيطر المرأة التركية على المناصب الدبلوماسية قريبًا؟
بحسب جريدة “حرييت” التركية، فإن عدد الموظفات الدبلوماسيات في وزارة الخارجية بلغ نحو 624 من أصل 1777 موظف دبلوماسي ومن بينهن 37 امرأة يشغلن منصب سفير من أصل 239 ممثلية دبلوماسية تملكها تركيا حول العالم، ما يعني أن 35% من العاملين في الوزارة هم نساء. وبالرغم من هذه الزيادة النوعية، رأى بعض النشطاء الأتراك أن هذه الزيادة ليست كافية بعد لتحقيق المساواة بين الجنسين في السياسة ولا يزال هذا المجال الملعب الرئيسي للرجل.
وتحفيزًا لهذا التوجه، دعت السيدة الأولى، أمينة أردوغان، السفيرات التركيات ومسؤولات دبلوماسيات في إحدى المرات إلى القصر الرئاسي في أنقرة، تذكيرًا وامتنانًا لأدوارهن في السياسة التركية، قائلةً: “بإمكانكن كعاملات في السلك الدبلوماسي جعل قوة تركيا الناعمة أكثر فعالية في المنابر الدولية. وكمواطنين في دولة أثبتت أن بإمكان الإسلام التعايش مع الديمقراطية، دولة لم تكن أبداً مُستَعمَرَة، يمكنكم جعل قيمنا المحلية تلتقي مع التوجهات الدولية”.
علمًا أن عام 1982، كان ثورة كبيرة في تركيا التي شهد تاريخها آنذاك على أول امرأة سفيرة وممثل دائم للجمهورية في المجلس الأوروبي في ستراسبورغ، وهي فيليز دينشمان التي فتحت الأبواب لعشرات النساء لاحقًا لكسر التقاليد والمألوف. جدير بالذكر أنه في عام 1932 أي في بداية تأسيس الجمهورية، كانت أديل عايدة أول امرأة دبلوماسية في وزارة الخارجية، ولكنها كانت لا تزال استثناءً في ذاك الوقت.
أول سفيرة تركية
ولا سيما أن النساء ابتعدن لفترة طويلة عن هذه الوزارة ولم تكن المهن الدبلوماسية جذابة لطموحاتهن أو أهدافهن، وقد يكون السبب في ذلك أن الثقافة التركية الاجتماعية لم تكن مستعدة بعد لتقبل المرأة في تلك المناصب ولا سيما أن العمل فيها يكون تحت ظروف صعبة وضد تفضيلات الزوج التركي الذي يبحث عن حياة عائلية مستقرة، وهو ما لم يكن موجودًا في الحياة الدبلوماسية التي تفرض على المرأة أن تتخلى عن منصبها بسبب التزاماتها المنزلية والعائلية.
بالنهاية، وبعد 84 عامًا من اكتساب المرأة حقوقها السياسية، لا تزال النساء في تركيا أقل من المعدل العالمي للتمثيل النسائي في المجال السياسي الذي يهيمن عليه الرجال، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة القفزة الهائلة التي حققتها النساء في المناصب المركزية في الدولة تدريجيًا منذ 40 سنة. جدير بالذكر، أن ذلك ينطبق أيضًا على المؤسسات التعليمية، فوفقًا لبيانات عام 2018، ارتفعت نسبة الدكاترة المحاضرات في الجامعات إلى 42%.