تتركز السياسة الخارجية الإماراتية على شراء الذمم والضمائر، لتثبيت مكانتها في المناطق التي تريد تعزيز نفوذها فيها، من ذلك ما يحصل في ليبيا، فبعد ما حصل مع المبعوث الأممي الأسبق برناردينو ليون، ها هو نفس السيناريو يتكرر مع المبعوث الحاليّ غسان سلامة، وذلك بهدف السكوت عن جرائمها هناك، وجرائم حليفه الأبرز خليفة حفتر.
شراء الذمم
يقول الإعلامي الليبي علاء العماري: “الإمارات تحاول أن تظهر بثوب الملتزم بوجهة نظر المجتمع الدولي تجاه الملف الليبي لكنها في حقيقة الأمر تخالفها تمامًا فتحاول تمرير ما تريد في ليبيا إما سرًا أو علنًا عن طريق ما يمكن تسميته بـ”شراء ذمم” مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا فتنفذ أجندتها عن طريقهم”.
ويعطي العماري في تصريحه لـ”نون بوست” أمثلة على ذلك ويقول: “مثلاً علاقة الإمارات عن طريق عبد الله بن زايد مع المبعوث الأممي الأسبق لليبيا برناردينو ليون وجعله مديرًا لمعهد إماراتي للدراسات والأبحاث ومستشارًا لمؤسسات إماراتية أخرى، أثرت على هندسة الاتفاق السياسي الليبي الذي وقع في الصخيرات المغربية بين الأطراف الليبية وجعلت من هذا الاتفاق مستحيل التنفيذ”.
يقول الإعلامي الليبي إن الغاية من وراء ذلك “استغلال الوقت والاستمرار في دعم المشير خليفة حفتر لتمكينه على أكبر قدر من المدن ليصبح أمرًا واقعًا يدعى إلى طاولات التفاوض ورأينا هذا في باريس وباليرمو والأيام الماضية في أبو ظبي بحضور المبعوث الأممي الحاليّ غسان سلامة”.
كثيرًا ما يلتقي غسان سلامة مع كبار المسؤوليين الإماراتيين، حتى قبل أن يعين في منصب المبعوث الأممي الخاص لليبيا
عبّر علاء العماري عن استغرابه من اختيار غسان سلامة الإمارات دون غيرها لعقد الاجتماعات الأخيرة بين الأطراف الليبية، مؤكدًا أنه لا يجد إجابة لذلك، “إلا إن سلمنا أن الإمارات نجحت في التأثير على سلامة وتوجيهه ليعقد الاجتماع لديها وفي رحاب مشايخها وتأثيرها على سلامة حتمًا مرده للمناصب التي منحتها أبو ظبي له أيضًا”.
وعمل سلامة أستاذًا للعلاقات الدولية في معهد “العلوم السياسية” بالعاصمة الفرنسية باريس الذي ترعاه دولة الإمارات العربية، كما يشغل أيضًا منصب مستشار في “أكاديمية الإمارات الدبلوماسية” التي يرأسها المبعوث الأممي السابق لليبيا برناردينو ليون.
وتهدف “أكاديمية الإمارات الدبلوماسية” إلى تطوير علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة مع العالم، والترويج لسياساتها الخارجية، إضافة إلى تدريب الكادر العامل في السلك الدبلوماسي، وذلك لتنفيذ أجندات البلاد الخارجية.
وسبق أن حصل غسان سلامة على جائزة من مهرجان أبو ظبي، وذلك لمساهمته البارزة في القطاع الثقافي في العالم العربي، وهو ما يفسر الحظوة الكبيرة التي يتمتع بها سلامة لدى المسؤوليين الإماراتيين، فهو على قدر عالٍ من الأهمية لديهم.
حفتر في لقاء مع غسان سلامة
كثيرًا ما يلتقي غسان سلامة مع كبار المسؤوليين الإماراتيين، حتى قبل أن يعين في منصب المبعوث الأممي الخاص لليبيا، ويعد من أبرز المستشارين السياسيين في دولة الإمارات، حيث يقدم لهم الدعم الفني والاستشاري في العديد من القضايا والمواضيع، خاصة التي تتعلق بالعالم العربي.
تعقيد الوضع الليبي
الغموض الذي يكتنف العلاقة بين مبعوثي الأمم المتحدة مع بعض الدول وبالذات الدول العربية التي تشكل أطرافًا في الأزمة الليبية، من شأنه وفق الإعلامي والكاتب الصحفي الليبي عصام الزبير، أن يعقد الأزمة الليبية أكثر، وقال الزبير في تصريح لنون بوست: “دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر طرفًا في أزمة ليبيا ومن مؤيدي وداعمي اللواء المتقاعد خليفة حفتر حتى بالسلاح ولم يتم توجيه التهمة لها رغم قرارات الأمم المتحدة الصادرة في حق ليبيا بمنع استيراد السلاح والتصدير لها”.
ويؤكد الإعلامي الليبي أن غسان سلامة قدم الكثير للإماراتيين، وساعدهم على تنفيذ العديد من الخطوات في ليبيا، من ذلك الدفع بعملية الكرامة التي يقودها حليف الإماراتيين حفتر والتغاضي عن أفعالها التي تنتهك حقوق الإنسان واعتبارها حملة تحارب الإرهاب.
وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية، وساهمت في ارتكاب مليشيات الكرامة التي يقودها خليفة حفتر في ارتكاب جرائم حرب ضد مدنيين عزل في مناطق مختلفة في ليبيا، على غرار بنغازي ودرنة.
وقال عصام الزبير لنون بوست: “المبعوث الأممي الحاليّ أيد مخططات الإمارات في ليبيا أكثر من مرة كما فعل المبعوث الذي سبقه، ونصر حليفهم هناك، وفرضه في المشهد العام في البلاد، حتى يكون قوة في مستقبل البلاد”.
بدأ الدور الإماراتي في ليبيا، يبرز للعيان، منذ ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة في مايو 2014، وإعلانه الانقلاب العسكري على مؤسسات الدولة القائمة
يدفع التهور الإماراتي وتغليبها طرف على حساب آخر، إلى هدم كل الجهود الدبلوماسية الدولية المبذولة، مما يفاقم الصراع الليبي ويعمق الأزمة في هذا البلد العربي الذي يعاني من أزمة متواصلة منذ سنوات عدة، وصلت تداعياتها السلبية إلى دول المنطقة.
وتم تعيين وزير الثقافة اللبناني الأسبق غسان سلامة، مبعوثًا للأمم المتحدة في ليبيا، في شهر يونيو/حزيران 2017، خلفًا للألماني مارتن كوبلر، وذلك بعد أشهر طويلة من المشاورات والمباحثات بين العديد من الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي.
ويعد سلامة سادس مبعوث أممي خاص إلى ليبيا، إذ تولى الأردني عبد الإله الخطيب منصب أول مبعوث أممي في أثناء أحداث ثورة فبراير/شباط عام 2011، ليخلفه البريطاني إيان مارتن من سبتمبر/أيلول 2011، إلى أكتوبر/تشرين الأول 2012، ثم اللبناني طارق متري من سبتمبر/أيلول 2012 وحتى سبتمبر/أيلول 2014، ثم الإسباني برناردينو ليون من أغسطس/آب 2014 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2015، وأخيرًا الألماني مارتن كوبلر من أكتوبر/تشرين الأول 2015 إلى نهاية يوليو/تموز 2017.
أجندات الإمارات في ليبيا
شراء غسان سلامة ومن قبله برناردينو ليون، الغاية منه وفق العديد من الليبيين، دعم مكانة الإمارات في ليبيا، وعرفت هذه الدولة العربية منذ تدخلها في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات الإماراتية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي، في مسعى منها لإجهاض الثورة الليبية ودعم العسكر كما فعلت في مصر من خلال دعمها المشير عبد الفتاح السيسي في انقلابه على الرئيس محمد مرسي.
وسبق أن أشارت العديد من التقارير الاستخباراتية إلى دور إماراتي “مشبوه” في ليبيا، حيث أكدت تقارير قيام الإمارات بتزويد حفتر بالسلاح رغم الحظر المفروض على السلاح إلى ليبيا، كما أن هناك حديثًا عن وجود طيارين إماراتيين في ليبيا.
يعتبر حفتر أحد أبرز رجال الإمارات في ليبيا
كان تقرير لموقع “IHS Jane” البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية والفضائية قد كشف عن قاعدة جوية إماراتية في الشرق الليبي، في مطار “الكاظم” تعمل بها طائرات هجوم خفيفة وأخرى من دون طيار، لدعم قوات تابعة لحفتر، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أكدت عبر تصريحات رسمية، أن الإمارات ومصر شنتا غارات جوية على ليبيا.
وبدأ الدور الإماراتي في ليبيا يبرز للعيان منذ ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة في مايو 2014، وإعلانه الانقلاب العسكري على مؤسسات الدولة القائمة، حيث أكدت تقارير عديدة وجود دعم سياسي وعسكري ومادي إماراتي لحفتر للتخلص من المؤتمر الوطني العام.
وتعتبر الممارسات الإماراتية المختلفة في ليبيا، وخرقها للسيادة الوطنية بتدخلها في الشؤون الداخلية، جريمة من جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وخرقًا فاضحًا لجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة، وانتهاكًا صريحًا للأعراف الدولية والإنسانية كافة.
لم تكتف الإمارات بشراء ذمم المبعوثين الأممين، بل أيضًا شراء ذمم وضمائر العديد من الشخصيات الليبية البارزة خاصة التي عملت مع نظام معمر القذافي، فقد أصبحت ملاذًا لقيادات نظام القذافي وداعمي الثورة المضادة في هذا البلد العربي الذي يعيش على وقع الحرب وانتشار السلاح، خدمة لأجندتها “الخبيثة” المناوئة للثورات العربية.