بالرغم من تجريم القانون الإنساني الدولي الإساءة إلى جثث الضحايا قبل 70 عامًا تقريبًا حين أقر المجتمع الدولي “اتفاقية جنيف” بعد 4 أعوام على انتهاء الحرب العالمية الثانية لحماية القتلى من الانتهاكات المهينة مثل تقطيع أجسادهم أو حرقهم والتقاط الصور معهم ونشرها لاحقًا، إلا أن تحقيق لـ”بي سي سي” عربي أظهر مؤخرًا مخالفة عناصر من القوات الخاصة في “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر لهذه القوانين المصنفة تحت قائمة “جرائم الحرب”.
يبين الفيديو الذي تم تداوله على منصة يوتيوب وصفحة فيسبوك مشاهد لمقاتلين ومدنيين تم إعدامهم وتشويه أجسادهم، إذ يلقي القانون الدولي هذه المسؤولية على السلطات الفاعلة والتي ترغمها على محاكمة المسؤولين ومعاقبتهم كمجرمين مع تشديدها على ضرورة دفن الميت ضمن الأعراف السائدة ودون اختراق حرمته أو حشره في مقابر جماعية إلا إذا اقتضت ظروف قهرية بذلك، فما الذي حدث في ليبيا؟
اختراق صارخ للقوانين الدولية والإنسانية
في نهاية شهر نيسان/إبريل الماضي، قالت الأمم المتحدة بأنها “تجمع وتوثق” انتهاكات حقوق الإنسان من قبل أطراف النزاعات المسلحة في ليبيا والتي تتأهب لتسليمها إلى هيئات الأمم المتحدة بهدف وضع حد لحالة الانفلات والفوضى في البلاد، وذلك منذ أن أطلق حفتر عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس وسط رفض وسخط دولي واسع.
وأتت هذه المواقف على خلفية بعض التصريحات الإعلامية الليبية التي أفادت بأن قوات حفتر قامت بتصفية مقاتلًا تابعًا لحكومة الوفاق، اسمه فراس الككلي (23 عامًا)، وذلك بعدما وقع أسيرًا في معركة الدفاع عن طرابلس، حيث انتشرت صور لجثمانه وهو مرميًا على الطريق فوق مقدمة سيارة عسكرية، ومن حوله المسلحين وهم يلتقطون صور لجثته.
ومع تزايد الدلائل على عمليات قوات حفتر الإجرامية بحق الأسرى والمدينين في الميادين دون رادع، قال الناطق باسم حكومة الوفاق، مهند يونس، بأن تعامل “مليشيا حفتر”، مع الأسرى الذين وقعوا ضحية للصراعات الدائرة في العاصمة، تثبت مدى إجرامهم وانعدام إنسانيتهم، مؤكدًا أن عملياتهم لا تحترم الأديان ولا القوانين، مع العلم أن حصيلة الضحايا وصلت إلى 245 قتيلًا و1228 جريحًا، بحسب ما ذكرت منظمة الصحة العالمية، وحاليًا تملك “بي بي سي” أكثر من 20 صورة وفيديو تظهر فيه صور الجنود وجرائم التشويه والإذلال التي يرتكبونها بحق المدنيين.
جدير بالذكر أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تنكشف فيها بشاعة جرائم قوات حفتر، ففي عام 2017 انتشر فيديو عبر موقع يوتيوب لقائد القوات الخاصة التابعة لـ”الجيش الوطني الليبي”، محمود الورفللي، وهو يطلق النار على 3 أسرى من المقاتلين، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى استخدام المقطع المصور كدليل لإدانته كمجرم حرب. وذلك بالإضافة إلى العديد من المقاطع التي تم تصويرها بين 2014-2017 في بنغازي. وهنا يأخذ الأمر منحى مثير للقلق والفضول ويطرح تساؤلات حول الدوافع والأهداف التي تشجع قوات حفتر على توثيق جرائمها على وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا تصور وتنشر قوات حفتر هذه الجرائم؟
اعتبرت المفوضية الأوروبية هذا النوع من الاستعراض كجزء من الدعاية الإرهابية التي تسعى لكسب التأييد والانتباه من أكبر عدد ممكن من الجمهور المشاهد وتحويل مواقفهم السلبية إلى نشاطات فعالة، ما يؤدي إلى رفع من معدل الجرائم التي تلزم أنظمة العدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم بإيجاد حل لهذه الظاهرة التي لم تستطع شركات التكنولوجيا، إلى الآن، أن تضع حد لها.
مقاتلي الجيش الوطني الليبي يشعرون بالفخر بما يقومون به وذلك بصرف النظر عن مدى بشاعة أفعالهم التي تشمل إعدامات ميدانية وتقطيع جثث وتعليقها أو سحلها في الشوارع
في هذا الخصوص، يقول جوليان نيكولز، المدعي العام الأول في المحكمة الجنائية: “إن إهانة الجثث وتدنيسها جريمة كبيرة، وتحريم الإساءة لجثث جنود الطرف المعادي يعود إلى مئات السنين”، ويضيف “قد يكون القيام بتصوير هذه الأفعال أو نشرها أو بثها على وسائل التواصل الاجتماعي، محاولة لتحريض الآخرين على هذا النوع من الممارسات، وهذه جريمة أخرى إضافية”.
يؤكد ذلك خالد صالح، من منظمة حقوق الإنسان الليبية الذي ذكر سابقًا أنه “من خلال نظر فريق التحرير لصور المتداولة، نرى أن مقاتلي الجيش الوطني الليبي يشعرون بالفخر بما يقومون به وذلك بصرف النظر عن مدى بشاعة أفعالهم التي تشمل إعدامات ميدانية وتقطيع جثث وتعليقها أو سحلها في الشوارع، بالإضافة إلى إطلاق ألفاظ بذيئة ومهينة لهم ولعوائلهم.
بالجانب إلى دراسة جديدة تذكر أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا من حياة المجتمع العصري وأنشطته الاجتماعية وفعالياته اليومية، وبالتالي فإن جميع المحتويات البصرية أصبحت متاحة بجميع أنواعها وهذا لا يشمل فقط المواد الإباحيةـ بل يشمل أيضًا صور الاعتداء وفيديوهات التعذيب والجرائم الأخرى، ولا يمكن تحليل السلوك الإجرامي واندفاع مرتكبيها في منتصف الحادثة للوصول إلى هاتفهم لتصوير فعلتهم دون أن نعي أن الكاميرا لاعب رئيسي في حلقة العنف والإذلال الإنساني.
يرى المراقبون أنه من الضروري أن تنظر المنصات الرقمية بجدية إلى دورها في انتشار هذه الجرائم، فقد تكون عامل مساعد في زيادة معدل ارتكابها
وهو ما يقلق الخبراء الذين يشيرون إلى خطورة هذه المنصات في هذا الجانب، التي قد تساهم في زيادة عدد الجرائم من خلال التقليد، ففي دراسة أجريت عام 2015، نظر الباحثون في بيانات حوادث إطلاق النار الجماعي ووجدوا أنه بعد انتهاء هذه الحوادث، كان من المرجح أن يكون هناك حدث آخر خلال أسبوعين من وقوع الحادثة الأولى.
وللحد من هذه السموم، يرى المراقبون أنه من الضروري أن تنظر المنصات الرقمية بجدية إلى دورها في انتشار هذه الجرائم، فقد تكون عامل مساعد في زيادة معدل ارتكابها، فعلى سبيل المثال، لم يُحذف إلا مقطع واحد فقط بين 8 فيديوهات أخرى تشمل جرائم حرب، في المقابل أزالت إدارة فيسبوك جميع الفيديوهات ولكنها لم تغلق أي من الحسابات المسوقة للعنف والإرهاب.
وإلى ذلك تسعى المفوضية الأوروبية وغيرها من جهات حقوق الإنسان لفرض غرامات على المنصات الرقمية التي تفشل في إدارة المحتوى المنشور وإزالة المحتويات والمواد المحرضة على العنف والإرهاب، خوفًا من فتح المزيد من الأبواب نحو عمليات القتل والذبح التي يمكن أن تزداد وتيرة حدوثها بجميع تفاصيلها البشعة بعدما تخلق هذه المواقع الافتراضية شعور عام بالشرعية والقبول تجاه هذه الأفعال غير القانونية مع تكرار انتشارها وتداولها على حساباتها.