تزخر دول المغرب العربي، بالعديد من المساجد التاريخية التي كان لها الأثر الكبير في نشر الدين الإسلامي وتعاليمه بين شعوب المنطقة. في هذا التقرير سنتعرف معًا على أبرز هذه المساجد التي ما زالت شاهدة على عظمة المنطقة ودورها الكبير في الحضارة الإسلامية.
جامع عقبة بن نافع
كانت تونس التي أطلق عليها اسم إفريقية سابقًا، أولى دول المنطقة التي بنيت فيها المساجد، وكان أول جامع فيها هو عقبة بن نافع الذي يطلق عليه أيضًا جامع القيروان الكبير، وبنُي هذا الجامع على يد فاتح إفريقية عقبة بن نافع في مدينة القيروان عقب فتحها سنة 50 هجريًا.
بدأ مسجد عقبة صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه 20 عامًا حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدًا جديدًا أكبر من الأول، ثم تمت توسعته على مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي واهتم الأمراء بجماله وزخرفته، ليكون بذلك المصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية.
يشبه جامع الزيتونة جامع قرطبة، مع فنائه الخماسي المحاط برواق يدير صحن الجامع
أمام هذه التوسعات الكثيرة، يشغل جامع القيروان اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها بين 70 و122 مترًا، ليكون بذلك من أكبر وأضخم الجوامع في الغرب الإسلامي حيث تبلغ مساحته الإجمالية ما يقارب الـ9700 متر مربع.
يتمتع المسجد بست قباب هي: قبة المحراب وباب البهو، أخرتان تعلوان مدخل بيت الصلاة، وواحدة تعلو المجنبة الغربية للمسجد ثم أعلى المئذنة، كما يتمتع بمنبر رائع الجمال يعتبر إحدى التحف الفنية التي تشكل جزءًا مهمًا من التصميم والهندسة المعمارية لهذا المبنى، فهو مصنوع من الخشب المنقوش ويعتبر أقدم منبر في العالم الإسلامي.
يعتبر جامع عقبة أول المساجد في إفريقية
إلى جانب ذلك، يتمتع جامع عقبة بمحراب كسته زخارف منقوشة على ألواح رخامية لها فراغات تسمح بدخول الضوء، وقبة تغطيها زخارف نباتية على شكل ساق متوسطة أو فروع متموجة تتدلى منها عناقيد من العنب، ومئذنة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في إفريقيا، تتكون من ثلاث طبقات مربعة الشكل، وفوقها قبة مفصصة، ويصل ارتفاعها إلى 31.5 متر، وتقع في الحائط المواجه لجدار القبلة في أقصى الصحن المكشوف.
جامع الزيتونة المعمور
ثاني المساجد التاريخية في تونس، هو جامع الزيتونة أو ما يعرف باسم الجامع الأعظم، ويعود السبب الرئيس في تسميته بهذا الاسم حسب العديد من الروايات لأنه بُني على مساحة جغرافية تحوي في قلبها شجرة زيتون واحدة، فأصبح اسمه استئناسًا بهذه الشجرة.
يرجح المؤرخون أن من أمر ببنائه هو حسان بن النعمان المعروف بالغساني عام 79 هجريًا، وأتم عبيد الله بن الحباب عمارته عام 116 هجريًا خلال العصر الأموي، واستغرق بناؤه أعوامًا عدة حيث تميّز بفخامة بنائه وحسن زخرفته
تصل مساحة الجامع الإجمالية إلى 5 آلاف متر مربع، ويحتوي على تسعة مداخل و160 عمودًا أصليًا جُلب من أطلال مدينة قرطاج القديمة، ويحوي مئذنةً يصل ارتفاعها إلى 43 مترًا، ويقوم على الجامع هيئةٌ تعرف باسم مشيخة الجامع الأعظم.
يشبه جامع الزيتونة جامع قرطبة، مع فنائه الخماسي المحاط برواق يدير صحن الجامع، ويرتكز على أعمدة ذات تيجان، بينما الأروقة الثلاثة الأخرى ترتكز على أعمدة من الرخام الأبيض، وفي منتصف الفناء أو الصحن، توجد مزولة شمسية، تساعد على تحديد أوقات الصلاة.
لم يكن المعمار وجماليته الاستثناء الوحيد الذي تمتع به جامع الزيتونة، حيث شغل موقع الدفاع عن مدينة تونس لمدة طويلة، لوجهته على البحر وذلك عبر صومعته العالية المشرفة على المدينة.
جامع الناقة بطرابلس
يعتبر مسجد الناقة أعتق مساجد مدينة طرابلس الليبية، وقد اختلف المؤرخون في تاريخ بنائه بالتحديد، إلا أنهم أجمعوا على أن مساحته كانت صغيرة لا تتجاوز 900 مترمربع، ويقول بعض المؤرخين أمثال التيجاني إن هذا الجامع بني أيام المعز لدين الله الفاطمي عندما مرّ بطرابلس في طريقه إلى القاهرة بعد منتصف القرن العاشر الميلادي.
المسجد العتيق بالجزائر
تضم الجزائر مساجد تاريخية عديدة من أبرزها المسجد العتيق أو مسجد الجامع أو المسجد الكبير الواقع في الجزء الشمالي الشرقي من العاصمة في منطقة القصبة التاريخية بالقرب من الميناء. لهذا المسجد ثلاثة أبواب: اثنان منها رئيسية يلج منها الداخل رأسًا إلى حيث تقام الصلاة، والثالث مستقل لكنه يقضي إلى الموضأ الخاص به، ويقوم بيت الصلاة على 35 عمودًا غير متجانسة الأشكال والأحجام والألوان، وهي من بقايا المدن الرومانية.
ويعدّ هذا المسجد واحدًا من الآثار القليلة المتبقية من العمارة المرابطية، فقد تأسس عام 1097 في فترة حكم سلالة المرابطين على يد مؤسس الدولة يوسف بن تاشفين، ويقال إنه بُني على أنقاض كاتدرائية مسيحية تعود إلى العهد الروماني، ترتفع فوق سطحه مئذنة مربعة الشكل على الطراز المغربي لا يزيد ارتفاعها على 5 أمتار وإلى جوارها قباب صغيرة الحجم، ويخلو الجامع من النقوش والكتابات الزخرفية.
بني المسجد في شكل مستطيل قليل الارتفاع مغطى بسقوف منحدرة ممزوجة من القرميد الأحمر على شكل ثنيات عددها 11 ثنية يكون السطحان الأوسطان أكبر من غيرها وتقطعهما قبة تغطي المحراب كما هو الحال في جميع المساجد المرابطية.
تعتبر صومعة جامع شنقيط الشاهقة ذات الـ10 أمتار، رمزًا لدولة موريتانيا الحديثة
يتميز هذا المسجد كغيره من المساجد المرابطية بمبدأ التناظر، سواء في قاعات الصلاة أو في الصحون، فقاعة الصلاة فيه مستطيلة، تتعامد البلاطات فيها مع جدار القبلة، كما تنفتح على الصحن في شكل أروقة جانبية تؤطر ساحة واسعة.
وفي واجهة المسجد يمتد رواق من الأعمدة الرخامية ذات تيجان مزينة بزخارف نباتية جلبت من مسجد “السيدة” الذي هدمته الإدارة الفرنسية سنة 1832، تنتهي الأعمدة الرخامية بأقواس متعددة الفصوص زين أعلاها بشرفات مسننة الشكل.
جامع القرويين
نتوجه غربًا، حيث جامع القرويين الذي تم بناؤه قبل نحو 12 قرنًا، تحديدًا في أول أيام شهر رمضان الكريم من سنة 245 هجرية، الموافق 30 من نوفمبر 859 ميلاديًا، بمدينة فاس المغربية، على يد فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية المعروفة بـ”أم البنين التي يعود أصلها إلى القيروان بتونس.
كان هذا الجامع في البداية يتسم بالبساطة في عمارته وزخرفته وبنائه، فقد كان مربعًا على نحو ما عرف في المساجد الإسلامية الأولى إلا أنه تم تطويره وتوسيعه مع مرور الزمان وتغيرّ حكام المغرب نظرًا لما كان يشكو منه من ضيق.
تفنّن المعماريون في صنع القباب ووضع الأقواس ونقش آيات القرآن والأدعية، خاصة في عهد المرابطين الذي يشهد منبر المسجد الذي ما زال قائمًا إلى اليوم على القفزة العمرانية التي شهدها المسجد.
بني المسجد على يد إمرأة من القيروان
بعد ذلك قام الموحدون بوضع الثريا الكبرى التي تزين المسجد إلى اليوم، شاهدة على الحضارة الموحدية وروعة الفن المغربي. وفي عهد الزناتيين تم إضافة المئذنة المربعة الواسعة التي ما زالت قائمة إلى الآن لتكون بذلك أقدم منارة مربعة ثبتت في الغرب الإسلامي.
أما المرابطون فقد أضافوا الأقواس والقباب ونقوش الآيات القرآنية، وتركوا المنبر الموجود بالمسجد حتى اليوم، ثم جاء الموحدون الذين وضعوا الثريا الكبرى في صحن المسجد.
للجامع 17 بابًا، أشهرهم الباب الرئيسي المسمى “باب الشماعين” ثم “باب الحفاة” و”باب الورد”، وبفضل هذا الجامع الذي بُني على الطراز الأندلسي، تحوّلت مدينة فاس المغربية قديمًا إلى مركز علمي ينافس مراكز علمية ذائعة الصيت كقرطبة وبغداد والقاهرة والقيروان وتونس.
جامع شنقيط
إلى بلاد العلماء، وحاضنة العلم موريتانيا، حيث مسجد مدينة شنقيط التي منحت اسمها البلاد عبر التاريخ، وإليه ينسب كبار العلماء الشناقطة الذين ملأ صيتهم العالم باستظهار وحفظ العلوم، فافتتن بهم المشارقة في الأزهر الشريف والأردن والحجاز والسودان، وباقي دول العالم الإسلامي دون استثناء.
يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 800 سنة مضت (على يد جماعة العلويين الأوائل الذين دخلوا موريتانيا وأسسوا مدينة شنقيط)، حافظ خلالها المسجد على عمارته التقليدية وبُنيته القديمة، حتى إن المصلين ما زالوا يفترشون الحصى للصلاة، كونهم يعتقدون أن الصلاة على الأرض أفضل من الصلاة على الفراش.
تعكس واجهة المسجد نموذج الزخرفة الإسلامية الذي تطبعه البساطة، ويعتمد على استخدام الأقواس التي تضفي لمسات فنية وجمالية على أبواب المسجد، ويحيط بالمسجد سور من الصخور الحمراء، وللمسجد 5 أبواب للرجال، وباب سادس يتوارى خلف المئذنة في أقصى اليمين، ويؤدي عبر ممر ضيق إلى المصلى الخاص بالنساء في الركن الجنوبي الغربي من المسجد.
بفضل نمط معماره الفريد من نوعه، تمكن المسجد من مقاومة عاديات الزمن والظروف المناخية الصعبة والعزلة القاتلة، فظل شامخًا لأكثر من 8 قرون متتالية، الأمر الذي جعل المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” تصنف مدينة شنقيط كتراث بشري عالمي.
مثل جامع شنقيط منارة للعلم في الغرب الإسلامي
تعتبر صومعته الشاهقة ذات الـ10 أمتار، رمزًا لدولة موريتانيا الحديثة، وقد تفنن مصمموها في تشييدها وزُين رأسها بأربع بيضات من بيض النعام تم تثبيتها على أطرافها العلوية الأربعة، حتى أضحت تحفة تراثية خالدة على مر السنين.
يتوسط الجدار الشرقي للمسجد محراب للصلاة نصف دائري ومنبر خشبي لإلقاء الخطب، وفي الباحة الخارجية للجامع مكان مخصص للوضوء، وبيت متهاوٍ كان يخصص لغسل الموتى، وتوجد بجانب الجامع قطع حجرية منقوشة بأسماء بعض الموتى.
ما يميز مسجد شنقيط العتيق، أيضًا، أن جدرانه لا يوجد بها نوافذ للتهوية أو الإضاءة، لكن بدلاً من ذلك توجد نوافذ صغيرة مفتوحة في السقف تمد المسجد بالضوء والهواء خصوصًا وقت الزوال، ولا تتعدى فتحة النافذة الواحدة 15 سنتيمترًا مربعًا، ويتم إغلاق هذه النوافذ بقطع صخرية مصفحة تمنع تسرب الماء حين تنزل الأمطار.