“حرب بالوكالة” هكذا تسمى عندما تصنع دولة ما جيشًا خاصًا تابعًا لها ترسله لأماكن الصراع ليقضي لها مهمة الحرب في الخفاء، وفي العلن يتم إنكار أي صلة بينهما، بلاك ووتر هي شركة أمريكية أمنية خاصة اشتهرت بقيادة المهام القذرة إبان احتلال الولايات المتحدة للعراق، على غرار بلاك ووتر الأمريكية ظهرت لدى روسيا شركة خاصة تدعى فاغنر (PMC Wagner) قادت حرب بالوكالة عن الجيش الروسي في عدة أماكن أشهرها أوكرانيا وسوريا.
ما هي فاغنر؟ كيف تتأسست؟ وكيف تجند أفرادها؟
شركة أمنية روسية يملكها رجل أعمال يدعى يفغيني بريغوجين، بداية نشاطها العسكري كان عام 2014 في أوكرانيا، حيث قاتل أفرادها بجانب الانفصالين الأوكرانيين شرق البلاد ضد قوات كييف الحكومية، كان المقاتلون معظمهم من العسكريين المتقاعدين من الجيش ويقودهم رجل عسكري سابق بالاستخبارات الروسية يُدعى ديمتري أوتكين، أما عن صاحب الشركة فقد خرج من السجن بعد أن قضى 9 سنوات داخله بتهم تتعلق بالسرقة والدعارة ليصبح بعد ذلك رجل أعمال معروف ومقرب من الكرملين ويمتلك سلسلة مطاعم كبيرة ترعى بنفسها وجبات المآدب الرسمية للقاءات بوتين مع ضيوفه.
ذاع صيت بريغوجين عندما انتشرت له صور وهو يقدم الطعام بنفسه على مائدة بوتين فعُرف بعد ذلك بطباخ بوتين، وليس طباخًا فقط بل اشتهر بتوليه المهام العسكرية القذرة للكرملين خارج روسيا بشكل غير شرعي عن طريق قواته الأمنية الخاصة.
أُدرج ضمن لائحة العقوبات لوزارة الخزانة الأمريكية لاتهامه بعدة أنشطة غير شرعية منها التدخل في الانتخابات الرئاسية للولايات الأمريكية المتحدة عام 2016 لاتهام شركة إنترنت تابعة له مقرها سانت بطرسبرج بالتأثير على الانتخابات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لصالح دونالد ترامب، ووجهت له اتهامات بقيادة القتال في سوريا بعد افتضاح أمر شركته الأمنية فاغنر بالقتال بجانب القوات النظامية السورية.
تقدر أعداد المقاتلين في فاغنر على أرض سوريا بـ2000 إلى 3000 مقاتل، عسكريين متقاعدين وشباب روسي مدني فقير لا يجد وظيفة تقوت يومه وتعول أسرته، ويتم التجنيد في قاعدة عسكرية تابعة للكرملين في منطقة مولينكو تستقبل طلبات الالتحاق، يدخل المقاتل عدة فحوصات طبية وأمنية للتأكد من كفاءته للالتحاق بالقتال ويوقع عقدًا لمدة عام ويتقاضى راتبًا شهريا 1200 دولار على الأقل وتعويض الإصابة يقدر بـ4500 دولار وفي حال الوفاة تعوض أسرته بمبلغ 75 ألف دولار، ولا تعلن الشركة الروسية مكان الوفاة أو سببها بل تكتفي بتسليم الجثة إلى أهلها.
وبحسب شهادات عائلات لوكالة رويترز قالت امرأة تسلمت جثة زوجها إنها استطاعت زيارته آخرة مرة في جنوب روسيا، حيث كان بمعسكر للتدريب العسكري بعد ذلك بعدة شهور سلمتها الحكومة الروسية جثة زوجها وكان سبب الوفاة نزيف حاد نتج عن إصابة بجروح، وقالت امرأتان قاتل أزواجهن في سوريا حتى قُتلا هناك وتسلما شهادتي الوفاة، فكان الأول سبب وفاته الحرق والثاني نزيف حاد إثر شظايا وجروح بجسده ومكان الوفاة سوريا، إنها ليست المرة الأولى لذهابهما إلى سوريا فقد ذهبا من قبل ورجعا وأخبروهن أنهما يرسلا إلى المناطق شديدة القتال ليقاتلا بجانب القوات السورية.
ويُنقل المقاتلون عبر شركة أجندة الشام السورية الخاصة من مطار روستوف أون دون الروسي ذهابًا وإيابًا من وإلى مطار دمشق، وتتبع صحفي تقرير رويترز خط سير المقاتلين في أثناء وجودهم بالمطار، فلوُحظ أنهم لا يبدون أي معلومات عنهم لأي جهة صحفية لتنفيذ أوامر أعطيت لهم بذلك ويصطفون مع بعضهم البعض وينحرفون في خط سيرهم عن بقية الموجودين وفي أثناء التتبع وُجد أنهم يرحلون من المطار إلى قاعدة مُولينكو التابعة للكرملين.
أماكن القتال لفاغنر
بعد أن ظهرت فاغنر في شرق أوكرانيا لدعم الانفصاليين في قتالهم حكومة أوكرانيا الشرعية ظهرت أيضًا في سوريا ثم ظهرت أيضًا في عدة بلدان إفريقية منها إفريقيا الوسطى، ففي فبراير/شباط من العام الماضي وفي اشتباك قرب مدينة دير الزور السورية بين قوات النظام السوري ومعها قوات فاغنر الخاصة مع القوات الأمريكية التي أوقعت ما يقرب من 200 مقاتل تابعين لفاغنر
وكانت حادثة هزت عرش الكرملين وقتها، حيث غضب قيادات الكرملين لموت هذا العدد الكبير من قوات فاغنر ولعدم تنسيق القوات الخاصة وإعلام الكرملين من قبل بشن هذا الهجوم، قاتلت قوات فاغنر ضد قوات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” واستطاعت هزيمته وإعادة مدينة تدمر لصالح قوات نظام الأسد، كما قاتلت في أجزاء من حلب التي استعادها النظام، وقاتلت في أماكن أخرى بجانب القوات الإيرانية والنظامية السورية واستطاعوا جميعًا السيطرة على المناطق التي استحوذت عليها المعارضة.
لا توجد إحصائية بعدد قتلى فاغنر في سوريا ولكن تقارير كثيرة تثبت مقتل العشرات كل عام فضلاً عن الهجوم الأمريكي الذي قتل نحو 200 شخص.
وفي إفريقيا الوسطى عندما قُتل ثلاثة صحفيين روس في أثناء عملهم على تحقيق استقصائي لكشف عمل شركة فاغنر الأمنية في أراضي إفريقيا الوسطى ولم يعرف إلى الآن كيفية قتلهم، إلا أن جثثهم نقلت إلى روسيا بعد ذلك، وعرف عن روسيا تدخلها في شأن النزاع المسلح القائم في إفريقيا الوسطى بين الحكومة الرسمية للبلاد والمجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، فتدخل روسيا بمثابة الوساطة بين الطرفين مقابل حقوق استثمار وتنقيب للمعادن لشركات روسية، فضلاً عن الدعم اللوجيستي والعسكري الذي يُقدمه خبراء روسيا العسكريين سواء عن طريق مسؤولين في الحكومة أم رجال متقاعدين تابعين لشركات أمنية خاصة.
وعند اندلاع احتجاجات السودان ضد الرئيس عمر البشير الذي أقاله المجلس العسكري السوداني بعد استمرار المظاهرات المناوئة لحكمه، ظهر في أثناء تلك الاحتجاجات مرتزقة وجنود روس يقفون بجانب الآليات العسكرية من دبابات ومدرعات ممّا أثار الخوف لدى المتابعين من دعم بوتين لحكم البشير للسودان وبطش المتظاهرين بالقوة العسكرية الروسية الأمر الذي لم يحدث وتنحى البشير وما زال السودان ينتظر خريطة طريق للحكم بعد ذاك التنحي.
علاقتها بالنظام الروسي
تنفي وزارة الدفاع الروسية دائمًا أي صلة تربطها بشركات الأمن الخاصة أو أي علاقة تربطها بأي رجال أعمال يملكون تلك الشركات، على سبيل المثال لا تعترف الحكومة الروسية في بياناتها بقتلاها في أي مكان صراع إلا عندما يكون القتلى من أفراد الجيش الرسميين وترفض الاعتراف بأي قتيل تابع لشركة أمن كفاغنر، فلا يسمح القانون الروسي بتجنيد المدنيين للقيام بأعمال عسكرية ورغمًا عن ذلك تستضيف وزارة الدفاع الروسية في الخفاء مقرات تلك الشركات كمُعسكرات للتدريب والتجنيد والتوجيه والإقامة للشباب المدني المقاتل الذي اتجه إلى القتال بحثًا عن المال لعدم وجود فرصة عمل مدنية تناسبه وارتفاع أجور القتال في مناطق الصراع، حيث يتقاضى الشاب 1200 دولار على الأقل شهريًا، ما يمثل دخلاً قيمًا مقارنة بمستوى دخل المواطن الروسي المدني.