بدأت نشاطها قبل 5 سنوات كمبادرة شبابية، ثم تحوّلت السنة الماضية إلى جمعية تهدف إلى استقطاب أكبر عدد من التونسيين حول مشروعها السياسي المستقبلي، عبر أنشطة كبرى تعجز عن تمويلها وتنظيمها جمعيات عريقة، فما بالك بواحدة لم يمر على إنشائها سنوات قليلة، ما جعل العديد من التونسيين يشكّكون في مصادر تمويلها وأجنداتها الخفية خاصة أنها تعتمد خطابًا شعبويًا.
نتحدث هنا عن جمعية “عيش تونسي” التي برزت مؤخرًا بخطابها الشعبوي الذي يشكك في الأحزاب السياسية القائمة ودورها وتتقرب به إلى الشباب “الناقم” وتسعى من خلاله إلى حكم تونس مستقبلاً.
12 نقطة
منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي، أعلنت الجمعية وثيقة سمتها “وثيقة التوانسة” تتضمن 12 نقطة أبرزها إلغاء الامتيازات التي يتمتع بها السياسيون أو أصحاب المناصب وتوفير فرقة أمنية في كل وسيلة نقل واعتبار أي اعتداء بالسلاح (براكاج، تحرش، إلخ) محاولة قتل ومحاكمة مرتكبيه على هذا الأساس.
كما تضمّنت الوثيقة، نقطة تنص على الطرد النهائي لكل موظف يثبت تورطه في عملية فساد وتكوين فرقة مختصة في مقاومة الفساد، فضلاً عن تسجيل أسماء المحكومين بالفساد في قائمة متاحة لكل تونسي.
اعتمدت الجمعية تقنيات اتصالية كبرى تتطلب مبالغ مالية كبيرة، حيث جندت ممثلين وفنانين وإعلاميين للترويج للوثيقة
هذه الوثيقة، تقول ألفة التراس، وهي عضوة مؤسسة لعيش تونسي، إنها ليست برنامجًا ولا استراتيجية، بل إجراءات عاجلة رصدتها مجموعة “عيش تونسي” لتحسين وضع المواطن التونسي وضمان غد أفضل، وأشارت التراس خلال ندوة صحفية لكشف برنامج الجمعية، إلى أن الوثيقة كانت نتيجة حاجيات تكرّرت وتواترت على لسان كل التونسيين، وعُرِضت هذه الإجراءات على مجموعة من الخبراء لبحث إمكانية تطبيقها، حسب تعبيرها.
يقول القائمون على الجمعية إن هذه الوثيقة جاءت بعد استشارة زهاء 400 ألف مواطن ومواطنة من مختلف الشرائح والفئات العمرية، وذلك عبر المكالمات الهاتفية والعمل الميداني.
أموال مشبوهة
هذه الوثيقة التي أعلنت مؤخرًا في مؤتمر صحفي في واحد من أضخم الفنادق التونسية، يسعى القائمون على جمعية “عيش تونسي” إلى ترويجها بين التونسيين وتوقيع أكبر عدد منهم عليها لمنحها شرعية أكبر، تكون منطلقًا لبرنامجهم السياسي.
لترويج هذه الوثيقة، اعتمدت الجمعية خطة اتصال كبيرة، غزت مختلف شوارع تونس ووسائل الإعلام السمعي البصري في البلاد، خاصة ذات الانتشار الجماهيري الكبير (ثمن دقيقة الإشهار في المحطات التليفزيونية التونسية يقارب 3 آلاف دولار في رمضان)، فضلاً عن مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتمدت الجمعية تقنيات اتصالية كبرى تتطلب مبالغ مالية كبيرة، حيث جنّدت ممثلين وفنانين وإعلاميين للترويج للوثيقة، إلى جانب قيامها بفعاليات ضخمة خصصت لهذا الأمر.
خصصت “عيش تونسي” أموالاً طائلة لأنشطتها المختلفة
قبل ذلك، أي خلال قيام الجمعية باستشارتها الوطنية التي انبثقت عنها “وثيقة التوانسة”، نظمت العديد من الأنشطة التي تتطلب مالاً كثيرًا كتركيز شاشات عملاقة لنقل مباريات كأس العالم في مناطق مختلفة من تونس.
كما أنها، اتصلت بمئات الآلاف من التونسيين، وهو ما يؤكد شراءها المعطيات الشخصية للتونسيين من إحدى الشركات التجارية، الأمر الذي يتطلب اعتمادات كبرى، فنحن نتحدث عن معطيات شخصية يصعب الحصول عليها من أي كان.
هذه الأنشطة الكبرى جعلت العديد من التونسيين يشككون في مصادر تمويل الجمعية، خاصة أن القائمين على الجمعية لم يعلنوا مصادر تمويلها بدقة واكتفوا بالقول إنهم لم يتلقوا أي تمويل خارجي عكس ما يروج، وهو تمويل ذاتي، أي من أعضائها، خاصة المؤسسين لها، لإيمانهم بالفكرة التي يعملون على ترويجها، مع وجود أطراف أخرى أبدت رغبتها في مساعدة الجمعية بعملها.
وما زاد من شكوك التونسيين، أن أبرز ممولي الجمعية المعلنين هما رجل أعمال فرنسي وزوجته التونسية اللذان يعتبران من أهم ممولي حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانتخابية سنة 2017.
وأقرت العضو المؤسس لجمعية “عيش تونسي”، ألفة التراس في حوار مع “راديو ماد” أمس الأحد، أنها صرفت المليارات في تونس على أنشطتها منذ مدة، وتحوم حول العمليات المالية للجمعية، شبهات تجاوزات كبيرة، قام بها مسيرو الجمعية منها دفع مبالغ مالية لخدمات مقدمة للجمعية من الحساب الشخصي لأحد مسيريها وكذلك الخلاص نقدًا.
أجندة سياسية غامضة
في بداية نشاطها عرفت “عيش تونسي” نفسها بأنها مبادرة شبابية ثم جمعية، إلا أن المتأمل لعملها يرى أنها حادت عن نشاطها الجمعياتي وتحولت إلى العمل السياسي استعدادًا للانتخابات القادمة،
وإلى الآن لم تتضح الطريقة التي ستتقدم بها الجمعية للانتخابات، خاصة أن النشاط الجمعياتي يتعارض مع النشاط الحزبي في تونس، حيث يمنع القانون قيادات الأحزاب من ترؤس الجمعيات، كما يمنع الجمعيات من دعم الأحزاب أو حتى السياسيين المستقلين.
ومن المنتظر أن تتحول “وثيقة التوانسة” ذات الـ12 نقطة، في الفترة القليلة القادمة إلى برنامج انتخابي، خاصة أنها مستمدة من الشعب وهو من ساهم في صياغتها، وفق العديد من المتابعين للشأن العام في تونس.
وسبق أن قال رئيس الجمعية سليم بلحسن إن مشروع “عيش تونسي” جاء نتيجة لوضع سياسي متأزم ووضع اجتماعي واقتصادي متدهور، سيطر على الشأن العام، بما استدعى التفكير في حث التونسيين على الالتفاف حول مشروع جاد يتقفى شواغلهم ويستطلع انتظاراتهم عبر استشارة شعبية موسعة، وهو ما يؤكد وجود نية لديهم للنشاط السياسي.
المتأمل لنشاط جمعية عيش تونسي والوثيقة المنبثقة عن استشاراتها الأخيرة، يلاحظ “شعبوية” كبيرة
لم ينف القائمون على الجمعية إمكانية ترشحهم للانتخابات التشريعية المقبلة المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول القادم، فيما أكدت ألفة التراس، العضو المؤسس في الجمعية ورئيسة “مؤسسة رامبورغ” (إحدى أبرز ممولي الجمعية)، إمكانية ترشحها للاستحقاق الرئاسي القادم.
تفتقد ألفة التراس رومبورغ إلى أي تجربة سياسية سابقة وإلى وقت قريب كانت شخصية نكرة لا يعلم أحد عنها شيئًا، إلا أنها استطاعت أن تتصدر مؤخرًا الساحة السياسية في تونس نتيجة عملها الخيري والاجتماعي والثقافي ضمن منظمات المجتمع المدني.
ويتهم العديد من التونسيين، ألفة التراس، وهي من أم تونسية وأب فرنسي، بالعمالة لفرنسا، ويصفونها بأنها واجهة لجهات فرنسية تسعى إلى بسط سيطرتها على تونس، خاصة أن زوجها الملياردير الفرنسي غيوم روامبورغ، تجمعه علاقة شراكة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
خطاب شعبوي
المتأمل لنشاط جمعية عيش تونسي والوثيقة المنبثقة عن استشاراتها الأخيرة، يلاحظ “شعبوية” كبيرة، فهم يعتمدون على خطاب شعبوي لاستمالة التونسيين وحثهم على الانضمام إليهم ومساندتهم، تمهيدًا للمحطات السياسية القادمة.
ففي وثيقتهم، يقول القائمون على الجمعية إنهم سيوفرون الأدوية الأساسية في المستشفيات العمومية والصيدليات ومعاقبة كل فاسد فيها، وذلك بعد أزمة الأدوية التي عرفتها تونس مؤخرًا، في مسعى منهم لتأكيد جدارتهم بحكم البلاد.
قدمت “عيش تونسي” وعودًا دون أن توضح كيفية الالتزام بها
كما أنهم يقولون إنهم سيكافحون غلاء الأسعار بمعاقبة الوسطاء، فهم هنا يغازلون التونسيين من خلال التطرق لأحد أبرز القضايا التي تهمهم وهي الأسعار التي عرفت ارتفاعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، إلى جانب ذلك، تعد “عيش تونسي”، التونسيين بالزيادة في منحة التقاعد كلما ارتفعت الأسعار، دون أن يتطرقوا إلى كيفية ذلك، خاصة أن الصناديق الاجتماعية في البلاد تعاني أزمة مالية كبرى.
وعدت الجمعية التونسيين بالحياة الكريمة ورغد العيش، معتمدة على خطاب شعبوي يغازل التونسيين الغاضبين على الحكومة، لكنها لم توضح كيفية ذلك، فهي بذلك تتحايل على التونسيين كغيرها من الأحزاب التي أقيمت على الخداع والكذب، رغبة في الحكم.