دفعت الاحتجاجات غير المسبوقة في دير الزور والخلافات بين ميليشيا “قسد” التي تديرها تنظيمات كردية والعشائر السورية، مسؤولين في الولايات المتحدة للتدخل لحل القضية التي برزت في الآونة الأخيرة، نتيجة احتقان عشائري متزايد يرفض وجود التنظيمات الكردية في هذه المحافظة، ويحارب تهميش العشائر المتعمد في إدارها.
ولكسب العشائر السورية إلى صفها، زار مسؤولون في الولايات المتحدة الأمريكية المحافظة رفقة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان، لتخفيف التوتر الذي تعيشه المحافظة وسحب العشائر السورية إلى جانب الرياض، ضد التدخل الإيراني والتركي على حد سواء.
اجتماع سعودي أمريكي في دير الزور
عقد الخميس 13 من يونيو/حزيران الحاليّ، اجتماعًا في حقل العمر النفطي الذي تتخذه القوات الأمريكية مركزًا رئيسيًا لها بمحافظة دير الزور شرق سوريا، وضم الاجتماع عددًا من المسؤولين الأمريكيين ووفدًا سعوديًا ورؤساء مجلس دير الزور التابع لميليشيا قسد.
حضر الاجتماع نائب وزير الخارجية الأمريكي جويل رابيون والسفير ويليام روباك ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان وممثلين عن ميليشيا قسد، وهم غسان اليوسف وليلى الحسن الرئيسين المشتركين للإدارة المدنية في ديرالزور. وبحث المجتمعون آليات دعم المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد سياسيًا واقتصاديًا وخدميًا وأمنيًا، وذلك لمنع عودة تنظيم الدولة “داعش” ومحاربته في المرحلة الثانية بعد طرده من المنطقة.
وفي السياق ذاته عقد اجتماع آخر ضم ممثلين عن العشائر العربية في حقل العمر النفطي، إلى جانب ممثلين من مجلس دير الزور المدني التابع لقسد ومسؤولين سعوديين وأمريكيين، وناقش السبهان ممثلو العشائر في دعم المنطقة ماليًا بشتى الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والخدمية، مع إمكانية المحافظة على وجود قسد كممثل عسكري للمنطقة.
وقال الناشط السوري عبد اللطيف لـ”نون بوست”: إن “وزير الدولة السعودي ثامر السبهان عرض مبالغ مالية لمجلس دير الزور تقدر بـ50 مليون دولار أمريكي”، وذلك على خلفية تدهور الأوضاع الأمنية وتزايد الاحتجاجات ضد الميليشيا التي تحكم المحافظة وتهمش دور أبنائها على الصعيد العشائري في الإدارة.
ونجحت الرياض في جر العشائر إلى صالحها من خلال استغلال علاقاتها القديمة مع العشائر التي يقيم الكثير من أعضائها في المملكة العربية السعودية، وكذلك بالضغط على قسد لإعطاء دور أكبر للعشائر في المنطقة، وأكد عبد اللطيف قائلاً: “السعودية تسعى لكسب ود العشائر لتدعم موقف قسد التي وضعتها في برنامج دعمها العام الماضي”، وذلك لخسارتها فصائل المعارضة التي كانت تدعمها السعودية في الجنوب السوري.
كما عرض السبهان توفير فرص عمل وإعادة تأهيل القرى المدمرة وتعويض المتضررين جراء الحرب ضد تنظيم الدولة، وذلك مقابل كسب تأييد العشائر السورية في دير الزور لصالح “قسد” التي تسيطر على المحافظة، ووقف الصدام مع مكوناتها العسكرية والمدنية، متخوفًا من أهداف تركيا التي ترعى اجتماعات عشائرية داخل أراضيها ممثلة عن محافظة دير الزور ومناطق شمال شرق سوريا، ضد الوحدات الكردية المتمثلة بـ”قسد”، باعتبارها خطرًا يهدد أمنها القومي.
العشائر الجسر الذي يصل بدير الزور
تأخذ محافظة دير الزور طابعًا عشائريًا في الدرجة الأولى، بحيث تعتبر العشائر الرابط الاجتماعي بين مختلف أبناء المحافظة وتوجهاتهم، ولذلك لا يمكن لأي جهة الدخول إلى المحافظة أو السيطرة عليها إداريًا وعسكريًا، إلا من خلال التعاون مع العشائر التي تعتبر الجسر الواصل إلى إدارة المدينة.
وأكد هذا لـ”نون بوست” مدير شبكة “الفرات بوست” أحمد الرمضان، الذي ينحدر من محافظة ديرالزور، إذ قال، إن “الطابع العشائري يغلب على المحافظة وأي جهة خارجية سياسية أو عسكرية لا تستطيع الدخول إلى المنطقة إلا بالوصول أو التحالف مع العشائر”.
وأضاف أن “التحالف الدولي منذ دعمه لقسد في معارك طرد تنظيم الدولة “داعش” من دير الزور يرى أن قسد غير قادرة على إدارة المحافظة، والعشائر هي المخولة بإدارتها بشكل فعلي”، ويعتبر هذا الخطة البديلة في حال فشل ميليشيا قسد في إدارة المنطقة.
وتشهد محافظة دير الزور احتجاجات متقطعة نتيجة الاحتقان الشعبي ضد ميليشيا قسد وإهمالها الجانب الخدمي واعتقال المعارضين لها وزجهم بالسجون إلى جانب تنفيذ حملات التجنيد الإجباري مما دفع العشائر للوقوف إلى جانب أبنائهم، وبحسب الرمضان لا يمكن أن تهدأ المنطقة إلا بإدارتها من العشائر، وهي صاحبة الأرض ولها الأحقية في إدارتها مناطقها.
ويرى الرمضان أن العشائر السورية في دير الزور تحاول الوصول إلى جهة تأمن حياةً كريمة لأبناء دير الزور، وتقف مع أصحاب الأرض مع مراعاة توجهات أبناء المحافظة وحفظ حقوقهم التي سلبت خلال سيطرة ميليشيا “قسد”.
ويشار إلى أن محافظة دير الزور لا تضم مكونات أو قرى كردية وهي عربية بطابع عشائري، ويحكمها الآن مجلس دير الزور العسكري الذي يغلب عليه المكون الكردي ويديرها مجلس دير الزور المدني الذي وضعته الإدارة الذاتية الديمقراطية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
دعم العشائر لمواجهة طهران في سوريا
حملت زيارة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان إلى محافظة دير الزور شمال شرق سوريا عدة تساؤلات، دون ملامح واضحة لإظهار أسباب الزيارة في الوقت الراهن الذي تعيشه المحافظة، مع استمرار الغضب الشعبي من ممارسات قسد والخطر الإيراني في التمدد إلى شمال الفرات، فهل تبدو محاولة سعودية لوقف الزحف الإيراني؟
أحمد الرمضان رأى في حديثه لـ”نون بوست”، أنه “غير متوقع وصول تركيا إلى دير الزور نظرًا لبعدها عن الحدود التركية، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تتخوف منها السعودية محاولة إيران الوصول إلى شمال الفرات والسيطرة على ما تبقى من دير الزور، نظرًا لسيطرة ميليشيا إيران على الجانب الآخر من نهر الفرات”.
وبعد رفض قسد عرض التحالف الدولي في مواجهة إيران، فإن التحالف يبحث مع العشائر لتشكيل مكونات عسكرية تواجه الخطر الإيراني، ويرى الرمضان أن خطوة الرياض مدفوعة من التحالف الدولي باعتباره الورقة الأقوى في المحافظة، الذي يفرض رؤيته.
من جهته بيّن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تصريح صحفي له الأحد 16 من يونيو/حزيران، أن أهداف الرياض في سوريا هي هزيمة تنظيم داعش ومنع عودته والتعامل مع النفوذ الإيراني المزعزع لاستقرار سوريا واستخدام الوسائل المتاحة كافة.
وفي الوقت ذاته يبدو موقف العشائر واضحًا خلال محاولاتها العبور غرب الفرات والوصول إلى باقي مناطق المحافظة وطرد ميليشيا إيران منها، لإعادة أبناء جنوب دير الزور النازحين للريف الشمالي إلى ديارهم، ولذلك من المرجح أن تستغل الرياض موقف العشائر لمواجهة إيران عوضًا عن ميليشيا سوريا الديموقراطية التي رفضت العرض الأمريكي.
خطة الرياض لإبعاد أنقرة عن شرق الفرات
السعي التركي خلف تطهير شرق الفرات من الوحدات الكردية ومحادثاتها المستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم ير قبولًا لدى السعودية التي برزت في الآونة الأخيرة من خلال دعمها لميليشيا “قسد” رغم توجهاتها، ولذلك قد تدعم الرياض إنشاء فصائل عسكرية من المكون العربي تشرف عليها قوات عربية سعودية ومصرية لحماية الحدود مع تركيا، وهذا ما يطابق الرؤية الأمريكية، لوقف التدخل التركي في شمال سوريا.
حاولت الرياض منع تطور الأحداث والخلافات بين العشائر الرافضة لـ”قسد”، نظرًا لإهمالها الأمني والخدمي في المحافظة عبر دعمها بأموال ضخمة لتحسين الواقع الخدمي وتأمين فرص عمل في ظل سيطرة وإدارة قسد، وذلك لاستمرار وجود الأخيرة في المنطقة التي تقف في مواجهة التقدم التركي نحو منطقة شرق الفرات.
قال عبد اللطيف: “زيارة المسؤولين السعوديين إلى دير الزور رسالة واضحة لأنقرة أن العشائر العربية في دير الزور إلى جانبها وحليف متين لقسد”، وذلك على خلفية رعاية تركيا لعدة مؤتمرات نظمتها العشائر السورية من محافظة دير الزور في الولايات التركية، وأضاف “الاجتماع وصف التدخل التركي شرق الفرات بالاحتلال”، معتبرًا أن تركيا تسعى للتمدد في سوريا.
تبدو الرياض رافضة للوجود التركي شمال شرق سوريا، نظرًا لسوء العلاقات التركية السعودية، حيث تصاعدت الخلافات بينهما في الآونة الأخيرة، فهل تنجح الرياض في الوصول إلى مبتغاها المنشود في وقف التمدد التركي والإيراني في سوريا على حدٍ سواء أم أن المصالح السياسية تلعب دورًا في مستقبل المنطقة المجهول؟
زار السبهان ريف الرقة شمالي سوريا، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 والتقى وجهاء المنطقة وأعضاء من المجالس المحلية التابعة للقوات الكردية، كما قدم الدعم لـ”قسد”، وعقد عدة اجتماعات مع مجلس الرقة المدني، في حين قالت مصادر خاصة لـ”نون بوست” إن قسد استغلت الدعم الخليجي في إعادة إعمار المدن الكردية مثل كوباني وعين العرب وغيرها في الحسكة مهمشةً المدن العربية.