فصل جديدة من المعاناة تشهده الصحافة المصرية التي يبدو أنها باتت على بعد خطوات قليلة من غرفة الإنعاش الفعلية في ظل ما تواجهه من ضربات موجعة، واحدة تلو الأخرى، في الوقت الذي تطوق فيها السلطات ذراعيها على كل المنافذ الإعلامية الأخرى في مشهد أثار قلق واستياء الأسرة الصحفية في مصر.
ضربتان لم تفصل بينهما إلا ساعات قليلة، الأولى كانت مع إعلان مؤسسة التحرير، أول أمس الأحد، إغلاق الجريدة – مستقلة – والموقع الإلكتروني بعد مرور نحو شهرين من حجب الموقع دون سابق إنذار أو تنبيه من أي جهة، والثانية حين قررت الهيئة الوطنية للصحافة (حكومية) رفع أسعار الصحف القومية 50% من قيمتها الحاليّة.
خطوة وإن كانت ليست الأولى من نوعها إلا أنها ألقت بظلالها القاتمة على أجواء المشهد الإعلامي حالك الظلام بطبيعته خلال السنوات الأخيرة، تزامن ذلك مع اعتقال صحفيين فجر اليوم، الأمر الذي وصفه صحفيون بأنها “شهادة وفاة رسمية” لصاحبة الجلالة، مطالبين بالتوحد للتصدي لمخطط وأد الحريات الإعلامية في مصر، الذي بات من الواضح أنه مخطط متكامل وليس ضربات عشوائية.
حجب والفاعل مجهول
في بيان لها أول أمس قالت إدارة مؤسسة التحرير إنها على وشك إغلاق الجريدة في غضون شهر أو شهرين بعدما طرقت كل الأبواب لمعرفة أسباب حجب موقعها الذي يعد مصدر التمويل الأول عبر الإعلانات المنجزة من خلاله، دون أن يجيبها أحد.
الإدارة أضافت أنه بتاريخ 9-5-2019، فوجئوا جميعًا بحجب الموقع الإلكتروني لجريدة التحرير وتوقف الخدمة دون سابق إنذار أو تنبيه من أي جهة، وطوال الأيام التي تلت الحجب وحتى الآن، طرقت إدارة المؤسسة كل أبواب الجهات الرسمية للاستفسار عن سبب الحجب ومعرفة الجهة التي تقف وراءه.
ورغم أنها حاولت تخطي أزمة الحجب بطرق فنية للتخفيف من آثار حجب الموقع وإهدار عمل الزملاء بالموقع، لكن دون جدوى، ومن ثم خاطبت الجهات المعنية بالصحافة والجهات المختصة بالاتصالات، قائلة: “أرسلنا خطابًا إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الاتصالات ووزير الاتصالات، لمعرفة أسباب الحجب، وتواصلنا مع جميع المؤسسات، وقد أكدت كل الجهات أن الموقع الإلكتروني لم يرتكب أي مخالفة تستوجب الحجب، وأننا نعمل في إطار القانون والدستور وأننا نحافظ على ثوابت واستقرار الدولة المصرية”، هذا بخلاف تواصلهم مع نقابة الصحفيين المصرية.
أكدت المؤسسة أنها باتت مضطرة “لاتخاذ موقف، ما كانت لتتخذه، وقرارٍ ما كانت لتفكر فيه لولا تلك الظروف القهرية والخارجة عن إرادتها وهو: (عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين بعد شهرين من الآن)
وتابعت الإدارة: “مع عدم تلقينا أي إشعار من أي جهة تفيد وقوع مخالفات استوجبت الحجب ومع تكرار التأكيد على خلو ساحة الموقع الإلكتروني من أية مخالفات، اعتقدنا أن الأزمة مجرد خطأ فني عابر، لكن طال توقف الخدمة، وأصبح ما كنا نعتقده خطأ، أمرًا واقعًا لا نعرف مَن فَرَضه ولا على أي أساس تم حجب الموقع الذي يعد النافذة الرئيسية لعرض ما ينتجه الصحفيون من مواد صحفية”.
وفي ضوء ذلك أكدت المؤسسة أنها باتت مضطرة “لاتخاذ موقف، ما كانت لتتخذه، وقرارٍ ما كانت لتفكر فيه لولا تلك الظروف القهرية والخارجة عن إرادتها وهو: (عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين بعد شهرين من الآن) وهذه المدة التي ستتحملها المؤسسة دون عائد تأتي مراعاة لظروف العاملين واستجابة لطلب الناشر ورئيس التحرير إعطاء الجميع فرصة للعمل ربما تزول تلك الظروف ويعود الموقع الإلكتروني للعمل مرة أخرى”.
مناقشة أزمة صحفيي مؤسسة التحرير
النقابة تتضامن
حالة من الاستياء خيمت على العاملين بمؤسسة دار التحرير التي يعمل بها ما يزيد على 100 صحفي بخلاف الإداريين والفنيين، الأمر الذي دفع نقابة الصحفيين لإعلان دعمها الكامل لهم بعد إعلان البيان، حيث أكد مجلس النقابة رفضه لأي انتهاك للدستور الذي يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، باستثناء جواز فرض رقابة محددة في زمن الحرب أو التعبئة العامة، مؤكدًا أنه سيتخذ كل الإجراءات القانونية والنقابية دفاعًا عن حرية الصحافة والحقوق الدستورية والقانونية لممارستها، سواء من الإصدارات المطبوعة والإلكترونية أم من الزملاء العاملين بها.
النقابة شددت على دعمها لحرية الصحافة وللزملاء في “التحرير”، مؤكدة اتخاذ الإجراءات القانونية المتعلقة بحجب الموقع، ومخاطبة النقيب فوريًا لرئيس المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام بوصفه المسؤول عن المواقع الإلكترونية في البلاد بحكم القانون، لتوضيح وتفسير الحجب الذي تعرض له الموقع طوال الفترة المشار إليها، لإعلام الزملاء العاملين به وإدارته والرأي العام المصري علنًا بحقيقة الأمر.
الهيئة في بيان لها أعلنت أن قرار زيادة أسعار الصحف اليومية والإصدارات الأسبوعية جنيه واحد، جاء بهدف “تعويض جزء يسير من الخسائر التي تتكبدها المؤسسات الصحفية”
تحرك ربما لم يرض الكثير من أبناء الأسرة الصحفية الذين طالبوا باتخاذ موقف حازم تجاه ما تتعرض له الصحافة في بلادهم خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الصحف للحجب أو الغلق دون سبب مقنع أو حتى معرفة الجهة التي تقف وراء هذا الحجب بعدما أنكرت كل الجهات المعنية مسؤوليتها عن هذه الخطوة.
يذكر أنه منذ مايو 2017 شهدت مصر سيلاً من حجب المواقع الإلكترونية تجاوز الـ513 موقعًا، ما بين إعلامي وحقوقي، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين من أنصار الحريات الإعلامية، داخل مصر وخارجها، خاصة في ظل ضبابية المشهد وعدم وجود معلومات كافية عن أسباب الحجب.
تأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من فرض المجلس الأعلى للإعلام قبضته على منصات السوشيال ميديا “فيسبوك وتويتر” في إطار ما تزعمه الحكومة المصرية بأنه تصدٍ للأخبار المضللة والشائعات وما يحض على الكراهية والعنصرية، استنادًا إلى الدراسة التي كشفت وقوع قرابة 86% من مستخدمي الإنترنت ضحية أخبار مضللة على شبكة الإنترنت، وتفعيلاً للمادة رقم 19 من قانون تنظيم الإعلام المقر مؤخرًا الذي يعطي المجلس سلطة غلق الصفحات الشخصية وحجب المواقع.
ومن نافلة القول فإن الأعلى للإعلام الذي أسسه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الـ11 من أبريل 2017 بموجب المادة (211) من الدستور، وبحسب القانون رقم (92) لسنة 2016، أصدر 86 قرارًا عقابيًا على صحف وقنوات ومواقع إلكترونية وصحفيين وإعلاميين خلال عامين من تشكيله، وفق ما توصلت إليه ورقة بحثية أصدرها المرصد المصري لحرية الإعلام (منظمة مجتمع مدني مصرية).
ضياء رشوان نقيب الصحفيين المصريين
رفع أسعار الصحف القومية
وبينما تعاني الصحف القومية من تراجع ملحوظ في حجم المبيعات خلال السنوات الماضية بسبب حزمة من الأسباب على رأسها تواضع المادة التحريرية المقدمة وعدم تلبيتها لرغبات القراء، بجانب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالمصريين، فإذ بالهيئة الوطنية للإعلام بدلاً من أن تبحث سبل زيادة التوزيع إذ بها ترفع أسعار الصحف بمقدار 50%.
الهيئة في بيان لها أعلنت أن قرار زيادة أسعار الصحف اليومية والإصدارات الأسبوعية جنيه واحد، جاء بهدف “تعويض جزء يسير من الخسائر التي تتكبدها المؤسسات الصحفية، حيث تبلغ تكلفة الصحيفة اليومية ثمانية جنيهات والأسبوعية 12 جنيهًا في الوقت الذي تباع فيه بجنيهين فقط”.
كما أوضحت في ضوء مساعيها لتبرير هذا القرار أنها اشترطت أن ترتبط الزيادة بتطوير شامل في المحتوى التحريري وتقديم خدمات جديدة للقراء، وتطوير الصحف شكلاً ومضمونًا، حتى تحافظ على معدلات التوزيع، وتكون قادرة على المنافسة، مشيرة أن تلك الزيادة تأتي في إطار خطة شاملة لإصلاح الهياكل المالية والتمويلية للمؤسسات الصحفية القومية، سيتم إعلان تفاصيلها في الأيام القليلة القادمة.
وقد قوبل القرار بموجة من السخرية على منصات السوشيال ميديا خاصة بعد تصريح رئيس الهيئة كرم جبر الذي قال فيه إن الصحف القومية باتت “نسخة واحدة في ظل تشابه المادة المقدمة” في إشارة منه إلى أن أغلب المواد المنشورة تأتي عن مصادر رسمية في الدولة، وهو ما كان سببًا في عزوف القراء.
وبينما تعاني المنظومة الصحفية في مصر من حجب للمواقع وغلق لأخرى وسد لكل منافذ التعبير عبر تضييق الخناق على الحريات تواصل السلطات تنكيلها بالصحفيين، حيث ألقت قوات الأمن القبض فجر اليوم على الصحفيين هشام فؤد وحسام مؤنس علاوة على البرلماني السابق زياد العليمي بتهمة التورط في إدارة كيانات من شأنها الإضرار بأمن واستقرار البلاد.