لم تكن هذه المرة الأولى التي تتداول فيها وسائل الإعلام أخبارًا عن هروب نساء من القصور الخليجية، فعلى الرغم من جميع الصور والالتفاتات والحركات الاستعراضية التي تملأ حساباتهم الشخصية الرقمية، إلا أن ما يجري على أرض الواقع لا يشبه أبدًا ما نراه على صفحاتهم الافتراضية، إذ تكشف العديد من التقارير المسجلة والمسربة سرًا عن الجحيم الذي تعيشه النساء خلف أبواب القصر، وكيف أن حياتهن مراقبة ومقيدة ومهددة دائمًا بالحبس والتعذيب وأشياء أخرى لا نعرف عنها ولا يمكننا توقع مدى سوئها.
وذلك كما حدث مؤخرًا مع حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، الذي هربت زوجته الأميرة الأردنية، هيا بنت الحسين، مع طفليهما ومبلغ من المال قدره ـ 31 مليون يورو، بمساعدة دبلوماسي ألماني وتقديمها للجوء في ألمانيا والطلاق من زوجها، وقد سبقتها ابنته لطيفة في أبريل/نيسان 2018. فما القصة؟ لماذا تهرب نساء القصر من حاكم دبي؟
ماذا يفعل حاكم دبي في نساء القصر؟
طلب ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، وحاكم دبي من ألمانيا إعادة الأميرة والأطفال إلى الإمارات، إلا أن برلين رفضت هذا الطلب، ما يعني أننا قد نشهد أزمة دبلوماسية بين البلدين على إثر هذه الحادثة، فوفقًا لمديرة المنظمة البريطانية “معتقلون في الإمارات” الحقوقية في دبي، لرادا ستيرلينغ، قال: “يمثل هذا الحدث اتهام قوي ضد الإمارات العربية المتحدة وضد الشيخ محمد بن راشد شخصيًا”، وأضاف: “وهناك تداعيات مثيرة محتملة على العلاقات بين الدول المعنية بالوضع الحالي”.
جدير بالذكر أن الأميرة هي ابنة ملك الأردن الراحل، حسين بن طلال، وأخت الملك عبدالله الحالي، ولقد تزوجت من أسرة آل مكتوم في عام 2004، وعلى ما يبدو أن حياتها الزوجية لم تكن سعيدة إلى الحد الذي يجعلها تبقى بجانب بن راشد، المتباهي بتسامحه وانفتاحه وتبجيله للمرأة، ما دفعها إلى اتخاذ خطوة كهذه بالرغم من جميع العواقب المحتملة والتي يمكن أن تضع حياتها في خطر دون أن يدري أحد بأمرها. وذلك كما تؤكد ستيرلنغ، الذي يقول إن هروبها يثير تساؤلات ومخاوف جادة على حياتها التي أصبحت في خطر كبير.
تحدثت مرارًا عن هوسه في تجميل صورته وتصوير نفسه على أنه متحضر ورجل يهتم بأسرته، مؤكدةً أن لا شيء من هذا يمثل الحقيقة وكل أفعاله دعائية، فالطريقة التي يعامل بها الناس والتي يحيا بها حياته، منافيةً تمامًا لما تصوره وسائل الإعلام التي تقع تحت سيطرته
إذ تكررت الحادثة مرتين، أولًا مع ابنته لطيفة التي زعزعت الصورة التي لطالما سعى جاهدًا لتصديرها وترويجها عن نفسه للآخرين، فلقد قالت في إحدى الفيديوهات المنشورة لها قبل هروبها من القصر: “إن والدي، حاكم دبي، وكل ما يحاول تصويره لناس عن نفسه وعن حقوق الإنسان، ما هو إلا محض هراء، إنه الشخص الأكثر شرًا الذي قابلته في حياتي، هو عبارة عن شر خالص ولا شيء جيد فيه”، وأشارت إلى تورطه في وفاة الكثير من الأشخاص وتدمير حياة الكثيرين واهتمامه المفرط بتلميع صورته وسمعته فقط حتى لو دفعه الأمر إلى القتل بدم بارد من أجل ذلك، بحسب قولها.
كما تحدثت مرارًا عن هوسه في تجميل صورته وتصوير نفسه على أنه متحضر ورجل يهتم بأسرته، مؤكدةً أن لا شيء من هذا يمثل الحقيقة وكل أفعاله دعائية، فالطريقة التي يعامل بها الناس والتي يحيا بها حياته، منافيةً تمامًا لما تصوره وسائل الإعلام التي تقع تحت سيطرته. في هذا الخصوص، تضرب أمثلة على شره الذي يشمل حرق منازل بالكامل حتى تُطمس الأدلة واعتماده على الضرب والتعذيب المستمر الذي تعرضت له شخصيًا، إضافة إلى بروده في تعامله مع أبنائه الآخرين، إذ تقول: “لديه ابن في لبنان، لم يره سوى مرة واحدة وصافحه باليد فقط”، واصفةً إياه بـ”المقزز” وبـ”أسوأ مجرم يمكن أن تقابلوه يومًا ما”.
المؤسف بشأن قصة لطيفة، ليس ما أخبرتنا به أملًا بالنجاة من جحيم القصر، وإنما فشل محاولتها في الفرار على متن يخت قبالة السواحل الهندية بعد أن قامت قوات هندية وإماراتية بأخذها عنوة وإعادتها إلى دبي. هذه الحالة تكررت أيضًا في عام 2000، عندما حاولت أختها الكبرى، شمسة، الهرب ولكن ألقي القبض عليها في شوارع كامبريدج، ولم يُسمع عنها منذ ذلك الحين. وهي النهاية ذاتها التي قد تنتظر الأميرة هيا أيضًا، والتي كما ترى ستيرلنغ بأنها شهدت بلا شك أنواعًا من سوء المعاملة التي تحدثت عنها لطيفة في فيديوهاتها.
في هذا الجانب، قالت “ذا صن” إن سبب الهروب هو “خوفها على حياتها”، وبالرغم من سعيها إلى الانتقال للعاصمة البريطانية، لندن، إلا أنها لا تثق بالسلطات هناك وتخشى أن تعيدها إلى دبي، كما قبل أنها لم تستطع الفرار إلى بلدها الأصلي خوفًا على العلاقات الاقتصادية القوية بين الإمارات والأردن، والتي كانت ستضغط على شقيقها وترغمه على إرجاعها مرة أخرى إلى الإمارات حفاظًا على مصالح الأردن مع الحاكم الذي تبلغ ثروته نحو 10 مليارات يورو.
هذا الوضع ينطبق أيضًا في المملكة العربية السعودية التي شهدت حالات هرب، رفضًا للاغتصاب والزواج القسري وسوء المعاملة، مثل بنات العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، اللواتي عرفت قصتهن باسم “أميرات القصر الصامت”
بالنهاية، رفضت السلطات الألمانية تسليم الأميرة، ولم تعلق العائلة الحاكمة بعد على هذه الحادثة، ولكن من المتوقع أن تلقي بيانًا مختصرًا لتقول فيه أن هذه “المسألة شخصية” أو هناك “أجندة قطرية تسعى لتشويه سمعة الإمارات”، أو أن الأميرة والعائلة بحالة ممتازة ولا داعي للـ”أخبار الكاذبة”، وذلك بناءً على ما صرحته سابقًا بخصوص حالات الهرب السابقة، على الرغم من جميع جهود وضغوط جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
جدير بالذكر، أن هذا الوضع ينطبق أيضًا في المملكة العربية السعودية التي شهدت حالات هرب، رفضًا للاغتصاب والزواج القسري وسوء المعاملة، مثل بنات العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، اللواتي عرفت قصتهن باسم “أميرات القصر الصامت”. ومن المرجح أن تدفع هذه القضايا -بالرغم من خفوت صداها بعد وقت قصير- جمعيات حقوق الإنسان إلى التركيز على هذه المسألة، ولا سيما ممن يطلبن اللجوء السياسي هربًا من الانتهاكات الجسيمة بحقهن.