ترجمة وتحرير: نون بوست
استأجر قائد الميليشيا السوداني مجموعة ضغط كندية يأمل من خلالها تأمين اجتماع علني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والدعم من القائد العسكري الليبي، والقمح المجاني من روسيا، وذلك مقابل مقدّم قيمته ستة ملايين دولار. أما اتفاقية تقديم المشورة، التي تم التوقيع عليها في أيار/ مايو من قبل “ديكنز آند مادسون” التي يقع مقرها في مونتريال والجنرال محمد حمدان دقلو من المجلس العسكري الحاكم في السودان، فقد نُشرت في 17 حزيران/ يونيو من قبل وزارة العدل الأمريكية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
يعدّ هذا العقد الأحدث من نوعه في سلسلة من عقود الضغط الهامّة بين شركات من أمريكا الشمالية والحكومات الأفريقية الاستبدادية. وعلى مدى عقود مضت، خدمت جماعات الضغط مصالح الشركات الأمريكية والحكومات الأجنبية التي توافق على الدفع مقابل العلاقات والنفوذ. وفي الواقع، تعمل هذه الشركات على توسيع خدماتها وتعِد بالوصول إلى واشنطن وأن تكون وسيطة لحكومات الطرف الثالث في جميع أنحاء العالم وإبرام الصفقات معها.
وفقًا للأرقام التي جمعها موقع “أوبنسيكرتس.أورغ” – وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تتعقب الأموال الموظفة في السياسة الأمريكية- أنفقت الحكومات والأفراد والشركات الأجنبية ما يقارب مليار دولار على جماعات الضغط الأمريكية، خلال سنة 2017
حيال هذا الشأن، قال المسؤول السابق في وزارة الخارجية، ماثيو بيج، إن عقود الضغط بين مجموعات واشنطن والدول الأفريقية آخذة في الانتشار بسبب الاعتقاد السائد بأن البيت الأبيض برئاسة ترامب بات أكثر عرضة للتأثير الخارجي مقارنة ببقية الإدارات السابقة. وأضاف بيج، الذي هو حاليا زميل مشارك في مركز الأبحاث البريطاني تشاتام هاوس، أن هذا الأمر يمثل “انعكاسا للحقائق السياسية المتغيرة في واشنطن إذ تختلف الديناميات داخل إدارة ترامب اختلافًا جذريًا من حيث تأثير النفوذ. ولطالما كان للحكومات الأفريقية شركات ضغط تساعدها، ولكن في عصر ترامب يمكن لهذه الشركات أن تكون أكثر فعالية”.
وفقًا للأرقام التي جمعها موقع “أوبنسيكرتس.أورغ” – وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تتعقب الأموال الموظفة في السياسة الأمريكية- أنفقت الحكومات والأفراد والشركات الأجنبية ما يقارب مليار دولار على جماعات الضغط الأمريكية، خلال سنة 2017. وشملت الخدمات المقدمة تأمين التغطية الصحفية لرئيس الكاميرون الدكتاتور بول بيا البالغ من العمر 82 سنة، والدفاع عن المسؤولين في جمهورية الكونغو الديمقراطية من تهم فرض عقوبات مستهدفة، أو عرقلة التحقيق في جرائم الحرب في جنوب السودان.
فيما يتعلق بالسودان، أفادت شركة “ديكنز آند مادسون” بأنهم سيحاولون التأثير على السياسة الأمريكية لصالح المجلس العسكري الانتقالي والمساعدة في تأمين التمويل والمعدات الضرورية للجيش السوداني. وقد استولى الجنرال حميدتي وزملاؤه من ضباط الجيش على السلطة في نيسان/ أبريل، وأطاحوا بعمر البشير، وهو عدو أمريكي قديم، بعد أشهر من الاحتجاجات.
هذا الجنرال الملقب بحميدتي، الذي يحتل المرتبة الثانية في الحكم في المجلس العسكري الانتقالي والزعيم السوداني الحالي، برز على المستوى الوطني باعتباره رئيسا للجماعة شبه العسكرية المخيفة التي تُعرف باسم قوات الدعم السريع
لكن بعد قطع وعد بتسليم السلطة إلى الحكام المدنيين، تراجع هؤلاء الجنرالات عن كلامهم. وفي حزيران/ يونيو، ووجّهوا أسلحتهم نحو الشعب وقتلوا أكثر من 100 مدني في غارة ليلية خلال اعتصام لتأييد الديمقراطية. وفي الواقع، تمّ توقيع عقد الضغط في السابع من أيار/ مايو قبل شن الغارة، ولكن حتى ذلك الحين، واجهت “ديكنز آند مادسون” معركة شاقة لدفع الولايات المتحدة لاسترجاع ثقتها في الملازم أول حمدان.
إن هذا الجنرال الملقب بحميدتي، الذي يحتل المرتبة الثانية في الحكم في المجلس العسكري الانتقالي والزعيم السوداني الحالي، برز على المستوى الوطني باعتباره رئيسا للجماعة شبه العسكرية المخيفة التي تُعرف باسم قوات الدعم السريع. علاوة على ذلك، اتُهم أعضاء من هذه القوات بارتكابهم بعض الانتهاكات واسعة النطاق في حقوق الإنسان في دارفور، غرب السودان.
وفقا للبيانات المسجّلة، يمتد عقد مجموعة الضغط إلى ما هو أبعد من واشنطن، إذ أنه سيوسّع مصالح المجلس العسكري الانتقالي السوداني في روسيا والسعودية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي “وأي دولة أو دول أخرى متفق عليها بشكل متبادل”. وفي روسيا على سبيل المثال، تهدف الشركة إلى ترتيب “اجتماعات خاصة… مع كبار الشخصيات السياسية الروسية وغيرها”، إلى جانب تأمين شحنات المساعدات من القمح والوقود وعلف الحيوانات.
في ليبيا، يتمثل هدف هذه الشركات في كسب التمويل للمجلس الانتقالي من القائد العسكري الجنرال خليفة حفتر، وهو عميل آخر لديكنز آند مادسون، مقابل الدعم العسكري السوداني للجيش الوطني الليبي. وتشمل الأهداف الأخرى عقد اجتماعات مع رؤساء دول الشرق الأوسط، وتأمين الاستثمار الأمريكي في صناعة النفط في السودان وحتى التفاوض على تكوين اتحاد اقتصادي بين السودان وجنوب السودان المجاور، بعد انفصالهما سنة 2011.
يعمل الدبلوماسيون الأمريكيون السابقون مع الحكومة في السودان لمنع إنشاء محكمة للتحقيق في جرائم الحرب
على إثر الاتصال الذي تلقاه من صحيفة “فايننشال تايمز”، قال متحدث باسم “ديكنز آند مادسون” إن رئيس الشركة الذي وقّع الاتفاق، وهو ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق آري بن ميناشي، كان مسافرا ولم يكن بالإمكان الاتصال به على الفور للتعليق على المسألة. كما أن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، الذي يتطلب من الشركات التي تضغط على حكومة الولايات المتحدة نيابة عن الكيانات الأجنبية الكشف عن علاقاتها ونشر هذه البيانات عبر الإنترنت، يوفر نظرة ثاقبة على صناعة مزدهرة.
حسب هذه البيانات، يعمل الدبلوماسيون الأمريكيون السابقون مع الحكومة في السودان لمنع إنشاء محكمة للتحقيق في جرائم الحرب. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، استأجر الرئيس جوزيف كابيلا سنة 2016 شركة مير للأمن والاتصالات المحدودة، ومقرها تل أبيب، من أجل تحسين علاقاته مع إدارة ترامب. وتلقّت مير مبلغا قيمته 9.5 مليون دولار من قبل الحكومة الكونغولية بين كانون الأول/ ديسمبر 2016 وكانون الثاني/ يناير 2019، منها أربعة ملايين دولار على الأقل نُقلت إلى الشركات الأمريكية، ولكن لم يكن هناك أي تعليق فوري باسم مير.
من جهة أخرى، صرّحت شركات الضغط أن الاتفاقيات قانونيةٌ وأن عملها يوفر خدمات مهنية للقادة الشرعيين، لكن هذا المجال أثار انتقادات المنظمات غير الحكومية. وفي هذا الصدد، أوضح جيفري سميث، وهو المدير المؤسس لفانغارد أفريقيا، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تقول إنها تدعم القيادة الأخلاقية في أفريقيا، أن “الحصول على ملايين الدولارات من الديكتاتوريين الذين لا يرحمون والتعبير عن مصالحهم الأنانية قد تحوّل إلى عمل مربح. فقد تغيّرت الأولويات بشكل جذري، حيث أصبح الناس يعانون بينما تزداد قوّة وجرأة الزعماء الطغاة”.
المصدر: فايننشال تايمز