دعا الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح إلى إطلاق حوار وطني تقوده شخصيات مستقلة، بهدف التوافق بشأن تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، على ألا تشارك السلطة أو الجيش في هذا الحوار المرتقب، دعوة جديدة ثمنها البعض راجيًا نجاحها حتى تنتهي أزمة البلاد السياسية فيما توجس آخرون منها خيفة فهي تهدف وفقهم إلى رسكلة رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة القدامى.
بوادر حل للأزمة
هذه الخطة ستسفر عن حركية جديدة في الأزمة السياسية، وفق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الجزائرية حسام حمزة، الذي قال في تصريح لنون بوست: “على الأرجح ستكون حركية إيجابية تدفع نحو الحل، لأن ما دعا إليه رئيس الدولة يتلخص في جزئيتي الحوار دون إقصاء والانتخابات النزيهة مع إبداء النية لتوفير الضمانات لإجرائهما (الحوار والانتخابات) في أحسن الظروف”.
وكان بن صالح، قد دعا في خطاب ألقاه ليلة أمس الأربعاء بمناسبة الذكرى الـ57 لاستقلال الجزائر التي توافق الـ5 من يوليو/تموز، كل المكونات السياسية إلى الانخراط في مسار الحوار الوطني الشامل، الذي سيكون هدفه الأوحد حسب تعبيره تنظيم الانتخابات “التي يتعين أن تجري في أقرب الآجال الممكنة في احترام لمؤسسات الدولة”.
وقال الرئيس الجزائري المؤقت إن الانتخابات الرئاسية تبقى الحل الديمقراطي الوحيد والواقعي والمعقول، والدولة ستوفر كل الشروط المطلوبة لإجراء الحوار الوطني، ودعا بن صالح الجزائريين إلى تبني مبادرته “لأنها تتقدم كل المصالح الشخصية أو الحزبية”.
كان يفترض أن تجري انتخابات رئاسية في الـ4 من الشهر لكنها ألغيت لعدم وجود مرشحين
يعتقد المتحدث الإعلامي لحركة “عزم” حسام حمزة “أن هذين الوعدين (الحوار والانتخابات) إن عملت السلطة على احترامهما والوفاء بهما فسيدفعان نحو الحل ولن يكون لأي طرف سبب في رفضهما بما أنهما يمنحان فرصة المشاركة في إيجاد الحل للجميع دون تمييز”.
ويرى حمزة أن هذه الدعوة تأتي في إطار الاستجابة المتواصلة لمطالب الشعب التي أصر عليها طيلة الأسابيع الماضية، وأبرز مثال على ذلك هو الحديث عن استحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات التي تعد مطلبًا جوهريًا من مطالب المسيرات.
يذكر أن بن صالح أوضح في خطابه البارحة أن السلطة أو الهيئة التي ستعهد إليها مهمة تنظيم العملية الانتخابية ومراقبتها في جميع مراحلها ستكون في صلب نقاشات الحوار الوطني، الذي سينظر أيضًا في كيفية تسيير هذه السلطة وتحديد مهامها وصلاحياتها وطريقة تنظيمها وسيرها وتركيبتها من حيث اختيار الشخصيات التوافقية التي ستسيرها.
وأشار الرئيس الجزائري المؤقت إلى أن إنشاء السلطة أو الهيئة التي ستنظم الانتخابات يستتبع تكييف النظام التشريعي والتنظيمي القائم في البلاد، لا سيما قانون الانتخابات، وذلك لمراجعته من أجل توفير شروط الحياد والنزاهة والموضوعية.
استباق مبادرة المعارضة
بدوره ثمن الصحفي الجزائري رياض معزوزي ما أعلنه عبد القادر بن صالح، قائلاً: “الجيد فيما قاله رئيس الدولة هو تركيزه على الشخصيات الوطنية التوافقية التي ستشرف على الندوة الوطنية الجامعة، وكذلك تشكيل اللجنة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات بعيدًا عن تدخل الإدارة التي هي في الأساس من نتاج النظام البوتفليقي المنتهية ولايته، وبالتالي ضمان ولو جزء أو نسبة من شفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
يرى معزوزي أن “خطاب بن صالح جاء تحصيل حاصل وتحرك لا بد منه قبل ساعات فقط من اجتماع المعارضة نهاية هذا الأسبوع، لعرض خريطة طريق جادة لإخراج البلد من الأزمة، وبالتالي فرئيس الدولة يريد تبيان نيته المسبقة في حوار جاد وشامل ترعاه التشكيلات السياسية والمؤسسة العسكرية، باعتبار أن أحزاب المعارضة أكدت أن بن صالح عجز حتى عن إيجاد مخرج أو اقتراح حل جاد للوضع في الجزائر”.
وهذه ثاني دعوة للحوار يعرضها عبد القادر بن صالح في أقل من شهر، وهي تأتي قبل أسبوع من نهاية فترة الرئاسة الانتقالية في الـ9 من يوليو/تموز الحاليّ، حيث كان يفترض أن تجري انتخابات رئاسية في الـ4 من الشهر لكنها ألغيت لعدم وجود مرشحين.
القبول بمرحلة انتقالية
خطاب عبد القادر بن صالح جاء بعدما أفشل الحراك كل مخططاتهم السابقة التي بُنيت خارج تطلعات المطالب الشعبية، وفق مدير موقع طريق نيوز الجزائري لمين مغنين، الذي قال في تصريح لنون بوست: “ما يلاحظ أن السلطة المتحكمة قبلت فعليًا بمرحلة انتقالية، لكنها تشترط الإشراف عليها دون المشاركة، وهذا في حد ذاته يحتاج إلى توضيحات أكثر وضمانات أكثر”.
ويرى مغنين أن “تحييد المؤسسة العسكرية من الحوار السياسي شيء إيجابي”، إلا أنه تساءل في نفس الوقت عن تفسير خطابات وتصريحات قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح في كل خرجة يقوم بها منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه.
وأضاف “أعتقد أن الأيام والساعات القليلة القادمة كفيلة بإثبات حسن نية السلطة لإيجاد حل حقيقي للأزمة، وذلك بإطلاق سراح كل الشباب المحبوسين في قضايا الراية الأمازيغية والشعارات الثورية وإطلاق سراح المجاهد الرمز لخضر بورڨعة ورد الاعتبار له ولعائلته ولتاريخه، واعتباره أحد الشخصيات التي تحوز الشرعية المعنوية لقيادة أو المشاركة في أي حوار إن قبل ذلك”.
الشخصيات التي ستدير الحوار هي الفيصل
هذا التفاؤل الكبير لم يكن عند جميع الجزائريين، فالكثير منهم توجس من هذه المبادرة التي جاءت من طرف السلطة، ويقول مدير موقع شهاب برس الإخباري في الجزائر فاتح بن حمو في هذا الشأن: “أغلب النشطاء توجسوا من المبادرة، كونها جاءت بكلمات فضفاضة لها تفسيرات كثيرة، كما أنها حملت الحديث والتركيز على الحوار”.
وأوضح بن حمو في تصريح لنون بوست “طبعًا لا أحد ضد الحوار، لكن الإشكال يتمثل فيمن سيتم الحوار معه وماهية هذه الشخصيات التي تحدث عنها رئيس الدولة المؤقت وقال إنها مستقلة”، وتساءل “هل يكفي أن تكون دون انتماء حزبي كي نقول إنها مستقلة؟”.
وأكد مدير موقع شهاب برس الإخباري أن البعض في الجزائر يخشى من إعادة رسكله شخصيات كانت قد مارست الحكم في التسعينيات، خاصة أن الذي أتى بالمبادرة هم وجوه النظام الذي يطالب شباب الحراك برحيلهم.
“الكل يعلم أن الشعب على علم بمن جره إلى المرحلة الدموية التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وهم “ضباط فرنسا” يقول فاتح بن حمو، ويضيف “هذه الفئة هي أكثر فئة مكروهة عند الجزائريين والكل يعلم أنهم تحكموا في مفاصل الدولة في التسعينيات”.
سبق أن رفض الجزائريون العرض الأول للحوار الذي قدمه بن صالح في 3 من يونيو/حزيران من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات
لذلك يقول بن حمو: “أغلب من عمل في الحكومات التي كانت في تلك الفترة لا يمكن أن يثق بهم الشعب، خاصة إذا علمنا أن تسريبات أفادت أن بعض الشخصيات التي تواصل معها النظام الحاليّ بغية تمكينها من إدارة الحوار، هي تلك التي عملت في التسعينيات”.
في ذات السياق، يقول رياض معزوزي: “رغم الخطاب اللين وخريطة الطريق المقبولة جدًا، فإن كشف الأسماء التي ستدير هذا الحل من ندوة الوفاق أو اللجنة المستقلة المنظمة للانتخابات، هو الفيصل في نظري، لأن الرئاسة كثيرًا ما حملت آمال وأحبطتها بالأسماء التي تكون في الغالب وليدة النظام أو شاركت في إنجازاته المحبطة”.
“الأسماء التي سيتم كشفها قريبًا، قد ترضي الشارع أو تفجره، كما كان الوضع مع رئيس المجلس الدستوري فنيش الذي عوض بلعيز بعد استقالته، وهو الاسم الذي يرتبط بالنظام البوتفليقي من بدايته لنهايته” وفق قول رياض معزوزي.
انتظار رحيل الحكومة
إلى جانب انتظار الكشف عن الشخصيات التي ستدير الحوار، ينتظر العديد من الجزائريين أيضًا رحيل نور الدين بدوي وحكومته، فعدم الحديث عن استقالة الحكومة الذي يعد مطلبًا ملحًا من مطالب الحراك، سيؤدي إلى استمرار التظاهرات وسيكون له تأثير سلبي على سير الحوار، وفق حسام حمزة.
بدوره يقول رياض: “نعم يتخوف الجزائريون أن تكون الأسماء المقترحة هي وليدة النظام السابق وهو الأخطر في نظر الكثيرين، لكن إضافة إلى هذا فالحل الذي جاء به بن صالح لا يمكن أن يقبله الشعب ما لم يرحل رئيس الوزراء نور الدين بدوي وحكومته”.
سبق أن رفض الجزائريون العرض الأول للحوار الذي قدمه بن صالح في 3 من يونيو/حزيران من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية أيضًا، مطالبين برحيل كل رموز النظام قبل الدخول في أي حوار بشأن تنظيم الانتخابات.
ماذا عن الجيش؟
يجب على السلطات، وفق الإعلامي الجزائري لمين مغنين أن توضح ماهية الدعم المادي واللوجيستي الذي ستقدمه المؤسسة العسكرية للحوار، وعن إمكانية استبعاد الجيش فعليًا من الحوار والعمل السياسي في البلاد، يقول مغنين: “يعتبر هذا حلم أي دولة من دول العالم الثالث”.
لكنه قال: “أنا شخصيًا كنت أتمنى مشاركة الجيش في الحوار حتى لا يبقى خلف الستار، فبقاؤه خلف الستار هو ما يفسد غالبًا العمل السياسي، فعندما تكون فوق طاولة الحوار ستشارك بصفتك طرف، عكس جلوسك خلف الستار وتحاول توجيه الجميع بمنطق الآمر الناهي”.
يعتبر الجيش الجزائري مركز القرار في البلاد
مضيفًا “الشعب الجزائري يطمح لبناء جزائر جديدة، حرة، ديمقراطية تضمن حياة كريمة للجميع رغم الاختلاف، هذا الشعب أعطى دروسًا منذ 22 من فبراير/شباط الماضي في التماسك والوحدة والتحضر وهتف عاليًا منذ البداية ”جيش شعب خاوة خاوة”.
يعتقد مغنين أن بلاده تجاوزت مرحلة الخطر لوعي الشعب أولاً ولأن الجيش أيضًا وعلى الرغم من جميع محاولات قيادته للتحكم في زمام الأمور حسب رؤيتها يبقى له شرف عدم قمع وقتل المتظاهرين مثلما حصل في بعض الدول الأخرى التي شهدت ثورات وانتفضت ضد ”الحڤرة”.