أعلنت شركة مصرية جديدة تحت مسمى “دابسي” إطلاق تطبيق جديد لخدمات النقل الذكي خلال أيام قليلة، لإتاحة طلب سيارات خاصة وباصات ويخوت وطائرات، على أن تبدأ بثلاث مدن رئيسية كمرحلة أولى، هي القاهرة (العاصمة) وشرم الشيخ (جنوب سيناء) والغردقة (البحر الأحمر)، وذلك لمنافسة شركتي “أوبر” و”كريم” العاملتين في هذا المجال منذ سنوات.
خطوة وإن كانت متوقعة في إطار الدعوات التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكثر من مرة، بشأن توفير خدمات نقل مميزة، بأسعار عالية تتناسب والخدمة المقدمة، قادرة على سحب البساط من تحت الشركات الأجنبية، إلا أن المفاجأة تمثلت في تولي المتحدث العسكري السابق، العميد محمد سمير، رئاستها، بجانب زوجته وبعض رجال الأعمال الآخرين.
كشف النقاب عن شركة بهذا الحجم خاصة بعد إعلانها أنها ستوفر طائرات هليكوبتر بجانب 100 ألف سيارة وحافلات ودراجات بخارية كدفعة أولى، أعاد للأذهان مجددًا إمبراطورية الاقتصاد التي يملكها الجيش المصري، التي شملت خلال السنوات الأخيرة على وجه التحديد العديد من المجالات منها الطرق والمواد الغذائية والإلكترونيات والعقارات وأعمال البناء والنقل والخدمات وتصنيع الأثاث بجانب أنشطة قديمة مثل تصنيع الأجهزة المنزلية وعربات القطار الجديدة للسكك الحديد وسيارات الإطفاء.
إمكانات ضخمة
تقتحم الشركة سوق النقل المصري بإمكانات غير مسبوقة، ومغريات متعددة للعاملين بها، في خطوة تستهدف وفق البعض السيطرة على منظومة النقل الذكي في مصر بعد النجاح الكبير الذي حققته شركتي “أوبر” و”كريم” طيلة السنوات الماضية وحققت خلالها العديد من الأرباح.
يرأس مجلس إدارة الشركة رجل الأعمال طه الحكيم، فيما يشغل محمد الوكيل منصب العضو المنتدب، ووليد السكري منصب مدير قطاع تطوير الأعمال، هذا بجانب المتحدث الرسمي الأسبق للجيش مديرًا تنفيذيًا وزوجته الإعلامية إيمان أبو طالب المستشار الإعلامي للشركة.
وعدت الشركة بتقديم رواتب للسائقين تصل إلى 6 آلاف جنيه شهريًا، عند تحقيق 400 رحلة و300 ساعة “أونلاين”، بشرط أن يكون السائق حاصلاً على تقييم 4.8 نجمة، تنخفض إلى 3300 جنيه عند تحقيق 300 رحلة و250 ساعة بنفس درجة التقييم
الشركة استعانت للحصول على خدمات السائقين بوكلاء الشركة الأمريكية (حيث اشترت أوبر شركة كريم مؤخرًا ليصبحا شركة واحدة)، إذ طلبت منهم ضم 100 سائق كحد أدنى من كل مكتب، للانضمام إلى منصتها الإلكترونية مقابل منح الوكيل لائحة إعلانية، واضعة عدد من الشروط للانضمام إليها كتقديم أصل شهادة المؤهل الدراسي، وعدد 4 صور شخصية، وإجراء تحليل مخدرات بمعمل “فاست سكان”، وفحص فني للسيارة بقيمة ألف جنيه، إلى جانب رخصة السائق والسيارة.
أما عن المميزات المقدمة، فوعدت الشركة بتقديم رواتب للسائقين تصل إلى 6 آلاف جنيه شهريًا، عند تحقيق 400 رحلة و300 ساعة “أونلاين”، بشرط أن يكون السائق حاصلاً على تقييم 4.8 نجمة، تنخفض إلى 3300 جنيه عند تحقيق 300 رحلة، و250 ساعة بنفس درجة التقييم.
أسامة حلمي، رئيس شركة OST، أحد الوكلاء المجتمعين مع ممثلي “دابسي” أوضح أن الشركة تستهدف الوصول إلى 100 ألف سائق قبل انطلاق التطبيق رسميًا، بالإضافة إلى تنفيذ مليون رحلة خلال أول أيام عملها بالسوق المصرية، مشيرًا أنه لم يتم فتح باب التسجيل للسائقين حتى الآن.
المتحدث العسكري الأسبق وزوجته وسط بعض الفنانيين
ملكية الجيش بين التأكيد والنفي
في الوقت الذي تؤكد فيه بعض المصادر أن الشركة مملوكة لأحد الأجهزة التابعة للجيش المصري إلا أن الشركة نفت ارتباطها بأي جهة سيادية، مؤكدة في بيان لها نشرته على صفحتها الرسمية على “فيس بوك” أنها شركة وطنية مملوكة لبعض رجال الأعمال التي وصفتهم بـ”الوطنيين والمدنيين” ولا علاقة لها بأي جهة أيًا كانت.
البيان أوضح أنه من المتوقع فى الوقت نفسه أن يتم نشر إشاعات عن الشركة خلال الفترة الحاليّة لصالح البعض، مشيرًا إلى أنه مع وجود شركات منافسة في السوق المصرية، تأمل في استمرار السيطرة على السوق، وتتطلع الشركة للحصول على دعم معنوي كبير من الدولة لإنجاح التجربة.
أما فيما يتعلق بالاستعانة بالمتحدث العسكري الأسبق وتقليده منصب المدير التنفيذي بجانب زوجته كمستشارة إعلامية، بررت الشركة ذلك بأن الاختيار جاء لما يتمتع به سمير – الذي يشغل بجانب المدير التنفيذي، منصب رئيس قطاع تطوير الموارد البشرية في الشركة -، من خبرة طويلة كمحاضر وخبير في مجال التنمية البشرية.
وقال سمير في تصريحات سابقة إنه من المرجح بدء عمل “دابسي” بشكل رسمي خلال النصف الأول من شهر أغسطس/آب المقبل، نافيًا أن تكون الشركة ضمن ملكيته الخاصة، بحجة أن دوره يقتصر على شغل منصب تطوير العناصر البشرية في الشركة، مع عضويته في مجلس إدارتها، مدعيًا أن ملكية جهاز الخدمة الوطنية (تابع لوزارة الدفاع) للشركة أمر غير صحيح، مع تحفظه عن ذكر أي تفاصيل عن ملاكها أو المساهمين فيها.
النقل الذكي.. سوق واعدة
يمثل قطاع النقل الذكي في مصر الذي يعتمد على تطبيقات تكنولوجية سهلة الاستخدام علامة فارقة في منظومة الاقتصاد المصري ككل، لما يتضمنه من استثمارات مليارية نظرًا لتشعب أطرافه واتساع رقعته لتشمل قطاعات عدة من الشعب المصري الذي وجد في هذه الفكرة متنفسًا لتحسين حالته المعيشية.
المناخ الذي كان مهيئًا قبل سنوات لاستقبال هذا النوع من الاستثمار ساعد الشركات الأجنبية العاملة في تحقيق أرباح طائلة في الأعوام الأولى لدخول السوق المصرية، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من الجهات آنذاك ما دفعهم إلى ملاحقة تلك الشركات قضائيًا، إلا أنها – أي الشركات – نجحت في كسب كل المعارك القضائية التي خاضتها.
لم تكن الأرباح الطائلة التي يمنحها الاستثمار في سوق النقل الذكي هي الدافع الوحيد وراء إطلاق شركة “دابسي” ومساعيها للسيطرة على القدر الأكبر من “الكعكة”، فهناك دوافع أخرى ربما تسيل لعاب القائمين على أمور الشركة الجديدة، بعضها تكنولوجي والآخر أمني
وبحسب بيانات شركة أوبر، فإن أعمالها في مصر هي الأكبر بالمنطقة العربية (تستحوذ على أكثر من 50% من العمليات المنفذة لنقل الأفراد باستخدام السيارات الخاصة في مصر)، إذ يتعامل معها نحو 4 ملايين مستخدم منذ أن دشنت خدمتها في البلاد عام 2014، كما ضخت أوبر أكثر من مئة مليون دولار لتوسعة قطاع خدمة العملاء من خلال مكتبها في مصر، ولتغطية المنطقة العربية.
أما شركة كريم فقد ضخت منذ عملها في مصر نحو 30 مليون دولار، لتطوير بنيتها التكنولوجية وتشغيل مراكز الاتصال الخاصة بها، وذلك قبل أن يتم بيعها لشركة “أوبر” في صفقة قدرت بأنها الأكبر في هذا القطاع (3.1 مليار دولار)، هذا بجانب شركات أخرى عاملة في ذات المجال مثل شركة سوفل، وكذلك شركة مواصلات مصر الإماراتية، إلا أنها لم تحقق الأرباح التي حققتها الشركة الأمريكية.
ليس الاقتصاد وحده
لم تكن الأرباح الطائلة التي يمنحها الاستثمار في سوق النقل الذكي هي الدافع الوحيد وراء إطلاق شركة “دابسي” ومساعيها للسيطرة على القدر الأكبر من “الكعكة”، فهناك دوافع أخرى ربما تسيل لعاب القائمين على أمور الشركة الجديدة، بعضها تكنولوجي والآخر أمني.
في 10 من يونيو/حزيران 2017، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن جهات سيادية، سمتها “المخابرات الحربية”، طالبت شركتي أوبر وكريم، بكشف البيانات الخاصة بعملائهما وأيضًا السائقين العاملين لديهما، واعتبرت ذلك انتهاكًا لخصوصية المصريين.
الصحيفة نقلت علن مسؤول في الشركة الأمريكية قوله إن اللواء علاء عطوة من الجيش المصري في اجتماع بتاريخ 19 من يناير/كانون الثاني 2017 عرض صفقة، تشتري بموجبها شركة مملوكة للجيش تسمى MSA دهب 5% من أسهم فرع الشركة في مصر وتستضيف خوادمه.
اللواء المصري برر هذا الطلب حينها بقوله: “المعلومات هي القوة ونحن نحتاجها”، فيما عرضت القاهرة العديد من الحوافز والمميزات على الشركتين “أوبر وكريم” مقابل تزويدها بهذه البيانات وهو ما رفضته أوبر (الأمريكية)، فيما اتجهت كريم (مقرها دبي)، التي تمتلك برنامجًا مشابهًا للتتبع به معلومات 3 ملايين مصري، لمناقشة العرض في اجتماعات مع الحكومة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأضافت الصحيفة “كلا الشركتين تمنحان طوعًا معلومات الزبائن للأمن في عدة دول، فيما يخص قضايا معينة أو استجابة لطلب قانوني، لكن السماح للأجهزة الأمنية المصرية بالدخول إلى أنظمة كريم وأوبر الإلكترونية يمنحها قدرات أوسع على تتبع أشخاص متعددين وتحليل تاريخ وأنماط رحلات الشخص المستهدف”.
جدير بالذكر أن طلب الجهة السيادية المصرية الحصول على بيانات عملاء الشركة الأمريكية التي أثار توسعها حفيظة الكثيرين وقتها، جاء في وقت يناقش فيه البرلمان المصري قانونًا يجبر مقدمي الخدمة على تقديم ما لديهم من أنظمة معلومات للجهات الأمنية، وهو ما أثار تخوفات العديد من الجهات الحقوقية آنذاك.