إعادة الإعمار.. أداة النظام لاستعادة السيطرة ومكافأة الحلفاء

image

يعمل النظام السوري في الوقت الراهن على تحقيق أكبر أهدافه وأهمها ألا وهي فرض سيطرته في كل المجالات ابتداءًا من سعيها لإعادة الحياة إلى الشارع، نهايًة بالسياسة والاقتصاد بشكل رئيسي تحت مسمى “إعادة إعمار سوريا” تشارك فيها عدة دول كانت حليفة له في الحرب سيكافئها بصلاحيات ونفوذ داخل سوريا أو بإصدار قرارت وتحسينات من شأنها أن تعزز من تواجدها كوجود روسيا وإيران أو بتوليد رجال أعمال من صلب المنظومة العسكرية تحت رعايته وإشرافه. 

من حلفاء إلى شركاء ومُلّاك

لم يكن واضحًا خلال السنوات الماضية التي شاركت بها روسيا وإيران الأسد في حربه ضد السوريين، المقابل الذي ستناله لقاء أتعابها، حتى ظهر مشروع “إعادة إعمار سوريا” الذي بدأ النظام تنفيذه عبر خطط ومشاريع تهدف إلى إعادة “المياه لمجاريها” بحسب التعبير الدارج، وإحكام يده على المدن المتبقية تحت سيطرته، إلا أنه سيدفع ثمن هذا التحالف والدعم من أرض سوريا، وهو ما اتضح من خلال التسهيلات والصلاحيات التي منحها للحلفاء، والتي تؤدي كلها لنتيجة واحدة: “تعزيز النفوذ الإيراني والروسي”. 

يعد هذا المشروع من أكبر الاتفاقات التي ستربط إيران والعراق وسوريا في “علاقات اقتصادية ضخمة”، على حد وصف مدير الشركة السورية لخطوط سكك الحديد

يأتي ربط ميناء الخميني باللاذقية عبر سكة حديدية هو آخر ما وافق عليه النظام في اجتماع بين مديري شركتي خطوط السكك الحديدية السورية والعراقية، أعلنت عنه إيران في الثالث من الشهر الجاري، فيما سيبدأ خلال 3 أشهر بربط مدينتي شلمجة الإيرانية والبصرة العراقية بخط طوله 32 كيلومترًا. مشروع تموّله وتنفذه إيران، ليكتمل ربط البصرة بميناء اللاذقية.

محطة قطارات ببغداد

فيما يعد هذا المشروع من أكبر الاتفاقات التي ستربط إيران والعراق وسوريا في “علاقات اقتصادية ضخمة”، على حد وصف مدير الشركة السورية لخطوط سكك الحديد، نجيب الفارس. ولكن الفائدة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، فهذا المشروع يعتبر “الجائزة الكبرى” لإيران كونه طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها في لبنان (حزب الله)، إضافة إلى أنه طريقًا تجاريًا بديلًا عن مياه الخليج كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس”، الأمريكية. ويكتسب المشروع أهمية إضافية بالنسبة لإيران في ظل العقوبات الأمريكية المتزايدة والضغط الدولي عليها لإعادة التفاوض على الاتفاق النووي. 

يستمر مسلسل النظام في استخدامه التلفزيون الرسمي، كمتحدث وناقل أول لكل “إنجازاته” وشرعنة قراراته في شكل جديد يضمن مكانة روسيا وتقدير تضحياتها المزعومة ببثه تقريرًا مصورًا لتكريم أرملة ضابط روسي قتل في مدينة تدمر، عام 2016، من قبل السفير السوري في روسيا، رياض حداد مانحًًا إياه لقب “بطل الجمهورية العربية السورية” بالإضافة إلى صنع تمثال له سيعرض في متحف تدمر التي دمرها الجيش الروسي وتنظيم “داعش”. 

تكريم عائلة الضابط الضابط الروسي ألكسندر بروخورينكو

ونتيجة لهذه المساعي في جعل الوجود الروسي مألوفًا عند السوريين يأتي إدخال روسيا إلى قطاع الاقتصاد السوري، سواء عبر منحها مناقصات تنفيذ مشاريع أو عبر إدخال الصناعات الروسية كواردات، سلسًا وسريعًا. ويذكر من بين ذلك شراء سوريا لآليات هندسية وإنتاجية روسية ثقيلة بقيمة 9 مليار ليرة، على أن يتم تقسيط المبلغ على سبع سنوات حسب تصريح لمعاون وزير الأشغال العامة، محمد سيف الدين، في الـ6 من تموز الجاري، بنية استخدامها في إعادة إعمار المدن أو توزيعها على الشركات الإنشائية جنبًا إلى إرسال روسيا عام 2017 أربعة آلاف طن من مواد البناء لإعادة هيكلة البنية التحتية للمدن التي يسيطر عليها النظام. 

وقد كان للشركة المصدرة لهذه الجرافات تصريح بارز العام الماضي بأن وفدًا اقتصاديًا سوريًا أجرى زيارة إلى مدينة تشيليابينسك الروسية لاختبار معدات ثقيلة تنوي الحكومة السورية استيرادها علمًا بأنها الشركة ذاتها المصنعة للدبابات الروسية المتواجدة في سوريا. 

فيما يأتي إقبال النظام على الاستعانة بدول محددة كروسيا وإيران ومؤخرًا كوريا الشمالية، بعد زيارة أجراها وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، لعدة دول آسيوية طلبًا في إرسال عمالة مختصة بالبناء وإعادة التطوير. زيارته شملت الصين كذلك، والتي وصفها المعلم (وهي الدولة الدكتاتورية) بأنها تقف في خندق واحد مع سوريا أمام “العدو الاقتصادي الأمريكي وعقوباته”. 

حزمة من التحسينات والتسهيلات من جعبة النظام 

بالتزامن مع تسارع عملية الإعمار هذه التي يدعمها السياق السياسي الدولي الساعي لإنهاء الملف السوري، تنشّط النظام في حزيران الماضي، نشاطًا تمثّل في إعادة تشغيل شركات ومنح تراخيص جديدة وإجراء زيارات لبلدان عدة لبحث ملف الاقتصاد السوري. وقد شكلت وزارة الصناعة مؤخرًا عدة لجان ستعمل على إعادة المنشآت الصناعية والحرفية إلى الخدمة في عدة محافظات على رأسها محافظتي دمشق وريفها، وتضم مندوبين عن وزارة الصناعة ومديريات الكهرباء والماء، وجهات أخرى معنية بتوفير البنية التحتية والخدمية تحت اسم “العمل لسياسة إحلال بدائل المستوردات”، بينما قدر عدد المنشآت التي سيتم العمل على تأهيلها بأكثر من 400 منشأة. ووفق إحصائية لوزارة الصناعة، عام 2017، وصل إجمالي الخسائر المباشرة وغير المباشرة  إلى 883 مليار ليرة سورية.

كما توسّع عمل النظام في مدن أخرى من بينها ريف مدينة إدلب، حيث خصص 300 مليون ليرة من أجل تنفيذ مشروعين الأول إعادة تأهيل مراكز التحويل وشبكات التوتر في بلدتي نبل والزهراء في حلب والثاني إيصال الكهرباء إلى مطار أبو الظهور العسكري الذي استولى عليه في 2018، من يد “هيئة تحرير الشام”. يأتي ذلك في ظل توجهه لتخصيص أموال لمشاريع ستنفذ في مناطق كانت خاضعة لسيطرة المعارضة وليس فقط التي لم يكن عليها صراع. 

رجال أعمال روس وسوريين يصنعهم النظام 

لطالما كان لنظام الأسد داعمين من رجال أعمال وتجار بارزين ساعدوه ماديًا في محاولات إخماد الثورة، عبر إمداده بمخازن بضاعة لسجن المعتقلين أو بالمال لشراء الأسلحة والذخائر أو حتى في تلميع صورته بدعم اقتصاد البلاد والمشاريع التنموية، حتى بدأ في السنوات الأخيرة بصناعة رجال أعمال جدد من داخل المنظومة العسكرية السورية والمنظومة الاقتصادية الروسية. أبرزهم كان من بايعه على مشاريع وأراض وثروات، وهو غينادي تيموشينكو، رجل الأعمال والملياردير الروسي، الذي برز في استحواذه على ميناء طرطوس الساحلي عبر شركته “ستروي ترانس غاز” وبناء معمل غاز في تدمر شمال حمص، كما أعطاه النظام تصاريح يمتد بعضها لنصف قرن تسمح له باستخراج الفوسفات من مناجم تدمر. 

يذكر أيضًا السوري خضر علي طاهر، رجل الأعمال الذي أصدر وزير الداخلية، خالد رحمون، بحقه قرارًا في فبراير يمنع فيه التعامل معه بأيّ شكل من الأشكال ثم تراجع عنه في مارس الماضي لتأتي هيئة الاستثمار وتوافق على تأسيس منشأة صناعية له على ساحل طرطوس لصناعة ألواح “الجبس بورد” سيؤمّن من خلاله 40 فرصة عمل على أن ينتهي تنفيذه خلال ثلاث سنوات بالإضافة إلى إعفائه من الرسوم الجمركية لعدة سنوات بعد بدء المشروع.

علي طاهر المتهم بقضايا تهريب وفرض ضرائب على معامل البلاستيك في حلب لمضايقة أصحابها يمتلك شركة “إيما تيل للاتصالات”، وشركة “القلعة للحماية والحراسة الأمنية” أُسست في 2017، وشركة ياسمين للمقاولات بقيمة 22.500.000 ليرة سورية مما يعطي انطباعًا بأنه يتلقى دعمًا استثنائيًا كبيرًا يفوق سلطة وزير الداخلية.

ليس من المعقول تحقيق ما يحاول النظام رقعه من خلال المشاريع والقرارات هذه في مدة زمنية قصيرة إلا أن التزامه بالعمل في هذه الوتيرة المتسارعة وبدعم من دول عربية وأجنبية وتزايد الضغط باتجاه إعادة اللاجئين والنازحين من الدول المجاورة ومن أوروبا هي سياقات يستغلها لأجل طيّ صفحة الثورة السورية والتغطية على جرائم كان العالم كله شاهدًا عليها، تمامًا كما عمل على مسح وتغييب آثار ثمانينيات حماة.