بعد سجال استمر قرابة 3 أعوام بين أروقة مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، أعلن مجلس النواب المصري “البرلمان” موافقته النهائية على مشروع القانون المقدم بشأن تنظيم ممارسة العمل الأهلي والمعروف إعلاميًا بـ”قانون الجمعيات الأهلية” وذلك خلال جلسته العامة، أمس الإثنين.
القانون أثار منذ إعلانه بداية 2016 حالة من الجدل داخل الأوساط الحقوقية، المحلية والدولية، لما اعتبروه تأميمًا صارخًا للعمل الأهلي وإجهاض رسمي للجهود المجتمعية، خاصة بعدما قصر نشاط المنظمات غير الحكومية على العمل التنموي والاجتماعي، وفرض عقوبات على المخالفين تصل إلى السجن خمس سنوات.
المجلس في إطار مناقشة التعديلات المقدمة في أعقاب الضجة الإعلامية التي صاحبت الموافقة عليه في 2017 ألغى عقوبة السجن وتعاطى بمرونة مع بعض العراقيل الأخرى التي كانت محل نقاش، إلا أن حقوقيين أشاروا إلى أن هذا ليس بكاف، وما حدث محاولة لتحسين الصورة أمام الرأي العام العالمي.
وافق مجلس النواب في جلسته العامة، أمس الإثنين، على مشروع قانون مقدم من الحكومة “بإصدار قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي”، ومشروع قانون مقدم في ذات الموضوع من النائبة نادية هنري و60 نائبًا (أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس) بشأن “المنظمات الأهلية”، وذلك بشكل نهائي.
تعديلات شاملة
“قانون الجمعيات الأهلية الجديد، لاقى ترحيبًا من المجتمع المدني”.. بهذه الكلمات علق رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، طلعت عبد القوي، على الانتهاء من إقرار القانون داخل المجلس، مشيرًا إلى أنه اشترط الإخطار فقط للإشهار والحصول على الشخصية الاعتبارية.
وتابع رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية في مداخلة هاتفية له مع برانامج “صالة التحرير” المقدم على الفضائية المصرية “صدى البلد” أن “القانون الجديد أقر تخفيض المبلغ المخصص لإشهار المؤسسة الأهلية إلى 20 ألف جنيه”، لافتًا أن 80% من الجمعيات الأهلية وافقت على التعديلات الجديدة.
القانون في صيغته الجديدة عدل بعض المواد المثيرة للجدل منها إلغاؤه عقوبة الحبس والاكتفاء بالغرامات المالية فقط التي ربما تصل إلى مليون جنيه
في الإطار ذاته قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان “حكومي”، حافظ أبو سعدة، إن القانون الجديد سمح بإنشاء منظمة دولية في مصر والسماح للمنظمات الأهلية المصرية بإنشاء فروع لها في الخارج، معتبرًا إياه تطورًا إيجابيًا ومهمًا للغاية، مضيفًا أن الرقابة على هذه الجمعيات ستكون داخلية فيما يتعلق بعمليات التمويل، وخاضعة لوزارة التضامن الاجتماعي والجهات الرقابية دون التدخل في عملها، حفاظًا على استقلالية العمل الأهلي.
وفيما يتعلق بالفروق المتعلقة بهذا القانون مقارنة بنظيره السابق، أشار إلى أن القانون القديم كان يعطل عمل الجمعيات الأهلية، حيث كان المجتمع المدني المصري يضغط في اتجاه سرعة إنهائه، كما وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أحد مؤتمرات الشباب بتعديله، على حد قوله.
جدير بالذكر أن القانون في صيغته الجديدة عدل بعض المواد المثيرة للجدل منها إلغاؤه عقوبة الحبس والاكتفاء بالغرامات المالية فقط التي ربما تصل إلى مليون جنيه تقريبًا، كذلك استثنى القانون تطبيقه على الجمعيات المنشأة بقانون أو استنادًا إلى اتفاقيات دولية أبرمتها مصر، والخاضعة لأحكام القانون رقم 91 لسنة 1971 بمنح وزير الحربية الاختصاصات المخولة لوزير الشؤون الاجتماعية بالقانون 32 لسنة 1964 بالجمعيات والمؤسسات الخاصة بالنسبة لجمعية المحاربين القدماء والقانون رقم 10 لسنة 2009 والقوانين المنظمة للأنشطة المالية غير المصرفية.
القانون حظر على أي جهة أخرى بخلاف الجهة المختصة بالعمل الأهلي أن تسمح أو ترخص، بأي شكل وتحت أي مسمى، بمزاولة أي عمل أهلي أو نشاط مما يدخل في أغراض مؤسسات العمل الأهلي في القانون المرافق، فيما يكون تأسيس الجمعية الأهلية بموجب إخطار يقدم للجهة الإدارية المختصة وذلك التزامًا بنص المادة 75 من الدستور ونصت على ثبوت الشخصية الاعتبارية لها بمجرد الإخطار ومنحت الحق لكل شخص طبيعي أو معنوي في الانضمام إليها أو الانسحاب منها وفقًا لأحكام القانون.
المادة 71 من القانون حظرت على المنظمة الأجنبية غير الحكومية المصرح لها إرسال أو نقل أو تحويل أي أموال أو تبرعات إلى أي شخص أو منظمة أو هيئة أو مؤسسة أو جهة في الخارج إلا بعد موافقة الوزير المختص دون غيره، كما حظرت عليها كذلك تلقي أي أموال من أي شخص طبيعي أو اعتباري بخلاف مصادر تمويلها المنصوص عليها بالتصريح الصادر لها إلا بعد موافقة الوزير المختص دون غيره.
فيما جاءت المادة التي تليها لتحظر على جميع مؤسسات المجتمع الأهلي الاستعانة بالأجانب سواء في صورة خبراء أم عاملين دائمين أم مؤقتين أم متطوعين إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزير المختص، أما المادة 95 فحددت العقوبات الخاصة بمخالفة التعليمات المقررة، حيث فرضت غرامة لا تقل عن 100 ألف جنية ولا تزيد على مليون جنيه على كل من تلقى أو أرسل بصفته رئيسًا أو عضوًا أو عاملًا في جمعية أو مؤسسة أهلية أو أي كيان يمارس العمل الأهلي ولو بالمخالفة لأحكام هذا القانون سواء كانت هذه الصفة صحيحة أم مزعومة، أموالًا من جهة أجنبية أو محلية أو قام بجمع التبرعات بالمخالفة لأحكام هذا القانون وتقضي المحكمة بإلزام المحكوم عليه برد ما تلقاه أو أرسله أو جمعه من أموال، بحسب الأحوال وتؤول هذه الأموال إلى صندوق دعم مشروعات الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
كما شدد القانون على عدم الجواز للجمعيات أو لغيرها تخصيص أماكن لإيواء الأطفال والمسنين والمرضى بأمراض مزمنة وغيرهم من المحتاجين إلى الرعاية الاجتماعية وذوي الاحتياجات الخاصة، إلا بترخيص من الجهة المعنية بإصدار الترخيص.
غير كاف
وفي الجهة الأخرى ورغم التعديلات التي تضمنها القانون الجديد التي تعد نقلة نوعية وفق ما ذكرت العديد من المصادر الرسمية، فإن العديد من المنظمات الحقوقية اعتبرتها غير كافية، مشيرة إلى وجود العديد من الثغرات داخل القانون تعرقل العمل الأهلي وتضع العديد من العقبات أمام الجهود المجتمعية.
في بيان لها قالت 10 منظمات حقوقية مصرية ودولية إن التعديلات غير كافية، مضيفة أن قوانين أخرى تفرض قيودًا مشددة على المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بحاجة إلى التعديل أيضًا، وتابعت: “المشروع الجديد ما هو إلا إعادة تسويق القانون القمعي الذي يحمل الفلسفة العدائية لمنظمات المجتمع المدني”، بحسب ما ذكرته “رويترز“.
“إذا مُرر هذا القانون، فسيكون من المضحك القول بأن مصر تسمح بعمل المنظمات غير الحكومية لأنه سيجعلها تحت رقابة الأجهزة الأمنية”.. هيومان رايتس ووتش
محمد زارع مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “مستقل” قال تعليقًا على القانون بعد الموافقة عليه برلمانيًا إن الهدف من التعديلات تهدئة الرأي العام الدولي، مضيفًا أنها لا تتوافق مع الدستور أو التزامات مصر الدولية، وتابع “ولطالما لعبت المؤسسات الخيرية دورًا مهمًا في توفير الغذاء والكساء والرعاية الصحية والتعليم في بلد يعيش فيه الملايين على أقل من دولارين في اليوم”.
ويتفق في الرأي مع زارع العديد من النشطاء الذين يعتبرون القانون محاولة لعرقلة العمل في المجال الإنساني، لافتين إلى أن هناك أبعادًا أخرى وراء تلك التعديلات، خاصة أن القانون كان أحد أسباب قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجميد ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية لمصر لنحو عام.
يذكر أنه عام 2013، عوقب 43 شخصًا بينهم أمريكيون وأوروبيون ومصريون وعرب آخرون بالسجن بعد إدانتهم بتهم منها إدارة منظمات غير حكومية دون الحصول على التصاريح اللازمة، وتمت تبرئة معظمهم العام الماضي.
تأميم العمل الأهلي
في بيان تحت عنوان “تعامل البرلمان مع المجتمع المدني باعتباره عدوًا تحاك الخطط والقوانين السرية للقضاء عليه” أعلنت 6 أحزاب سياسية و22 منظمة من المجتمع المدني، رفضها التام لهذا المشروع مطالبين بإعادة النظر فيه مرة أخرى قبل فوات الأوان، معتبرين أنه في حال تمريره سيكون بمثابة مذبحة لجميع الجمعيات الأهلية في مصر.
الأحزاب قبل عامين تقريبًا وحين طُرح القانون للنقاش تحت قبة البرلمان أعربت عن اعتقادها بأن مشروع القانون يتشابه إلى حد كبير مع المشروع الذي سبق وطرحته الحكومة ورفضته المنظمات الحقوقية، ونشر بالمواقع الإخبارية في سبتمبر 2016، كاشفة أن مشروع (نواب الشعب) أشد قمعًا وعداءً للجمعيات الأهلية ولفكرة التطوع والمبادرات الجماعية.
وقد وقع على البيان كل من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، التحالف الشعبي الاشتراكي والدستور ومصر الحرية والعيش والحرية (تحت التأسيس) وحزب التيار الشعبي (تحت التأسيس)، إضافة إلى عدد من الجمعيات الأهلية أبرزها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
دوليًا.. استنكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” القانون منذ الوهلة الأولى، مؤكدة أنه سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل، لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، مضيفة على لسان سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط، في بيان لها: “يحاول مجلس النواب المصري تفادي تدقيق الجمهور بالتعجيل في اعتماد قانون من شأنه حظر ما تبقى من جماعات المجتمع المدني المستقلة في البلاد، إذا مُرر هذا القانون، فسيكون من المضحك القول بأن مصر تسمح بعمل المنظمات غير الحكومية لأنه سيجعلها تحت رقابة الأجهزة الأمنية”.
تعديلات ربما يراها البعض مرضية إلى حد ما، بصرف النظر عن الدوافع الحقيقية وراء إصدارها في هذا التوقيت الذي تتعرض فيه مصر لضغوط حقوقية دولية، وإن كان ذلك لا يمنع إمكانية إجراء تعديلات أخرى عليه مستقبلاً، تزيد من وتيرة التضييق أو المرونة، إلا أن العديد من المخاوف لا تزال تسيطر على آخرين يرون أن القادم لن يكون كما يعتقده البعض، وتبقى إستراتيجيات التنفيذ هي المحك الرئيسي للتقييم وهو ما ستكشفه الأيام القادمة.