يتواصل استهداف المصالح الفرنسية في الجزائر، فبعد الاعتقالات التي طالت أعضاء كبار في اللوبي الداعم لباريس بالجزائر وتعطيل صفقات كبرى لشركات فرنسية هناك، جاء الدور الآن على اللغة، فسلطات الجزائر في طريقها إلى تدعيم الإنجليزية عوضًا عن الفرنسية.
استهداف متواصل يسعى من خلاله حكام الجزائر الفعليين إلى استمالة عطف الشعب، فيما يراه آخرون مجرد إلهاء للمحتجين قصد إبعادهم عن القضايا الأبرز في البلاد.
إسقاط الفرنسية
بدأت العديد من الوزارات والمؤسسات العمومية في الجزائر، مؤخرًا، في اتخاذ عدة إجراءات لتدعيم اللغة الإنجليزية وإسقاط الفرنسية المهيمنة، من ذلك ما ذهبت إليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتتجه وزارة التعليم إلى اعتماد الإنجليزية لغة أجنبية أولى في التدريس والبحث العلمي بالجامعات بدلاً من الفرنسية.
واعتمدت الوزارة في ذلك على استفتاء أطلقته مؤخرًا، حيث صوّت أكثر من 90% لصالح تعزيز استعمال اللغة الإنجليزية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وقبل ذلك، وجه الوزير طيب بوزيد تعليماته إلى رؤساء الجامعات تُطالبهم بكتابة ترويسة الوثائق الرسمية والإدارية باللغتين العربية والإنجليزية، عوض الفرنسية.
وقال وزير التعليم العالي، إن إسقاط اللغة الفرنسية كان جزءًا من سياسة تهدف إلى تشجيع استخدام اللغة الإنجليزية، وأضاف طيب بوزيد أن القرار جاء استجابة لمطالب الطلاب الذين يرغبون في أن تعتمد شهاداتهم بسهولة أكبر في الخارج.
يسعى حكام الجزائر إلى إلهاء الشعب عن قضاياه الرئيسية لكسب مزيد من الوقت
أفادت وسائل إعلام أن القرار وزع على الجامعات في 21 من يوليو/تموز، وجاء فيه “كجزء من سياسة تشجيع وتعزيز استخدام اللغة الإنجليزية، ولتحقيق الرؤية الواضحة لأنشطتنا التعليمية والعلمية في قطاع التعليم العالي، أحثكم على استخدام اللغتين العربية والإنجليزية في المراسلات والوثائق الإدارية والرسمية”.
يذكر أن الفرنسية اللغة الأكثر استخدامًا في الجزائر منذ عقود، حيث تهيمن على أغلب التعاملات الرسمية داخل المؤسسات العمومية وعلى المناهج الدراسية، كما يكثر استعمالها في التخاطب اليومي بين الجزائريين.
يبدأ تدريس اللغة الفرنسية في الجزائر، إجباريًا في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية، في حين تبدأ الإنجليزية بمناهج التدريس في الطور المتوسط (الأساسي)، وتعد الجزائر من أكثر الدول التي تستعمل فيها اللغة الفرنسية خارج منظمة الفرنكوفونية، حيث أظهر آخر تقرير لـ”مرصد اللغة الفرنسية” التابع للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، أن عدد المتحدثين باللغة الفرنسية في العالم بلغ 300 مليون شخص، بينهم 13 مليونًا و800 ألف جزائري، أي ما نسبته 33% من الجزائريين يتحدثون الفرنسية في حياتهم اليومية.
بدورها، أعلنت وزارة التربية مطلع الشهر الحاليّ، إلغاء الفرنسية نهائيًا من اختبارات الترقية المهنية للمعلمين والأساتذة، كما قرر وزير التربية عبد الحكيم بلعابد إدراج الإنجليزية في مسابقات التوظيف الخارجية، وأصبح بإمكان المترشحين الاختيار بينها وبين الفرنسية.
صفعة جديدة لفرنسا
يرى العديد من الجزائريين في هذه الخطوات، صفعة قوية لفرنسا من الناحية الثقافية، بعد الصفعات الاقتصادية والسياسية السابقة، ما يجعل نفوذ باريس في الجزائر في تراجع متواصل، بعد أن كانت تحكم بأمرها في هذا البلد العربي.
تتهم فرنسا باستغلال ثروات الجزائر
أحبطت الجزائر عملية شراء العملاق الفرنسي الناشط في قطاع الطاقة “توتال”، لأصول العملاق الأمريكي “أناداركو” في الجزائر، وتتسلح السلطات الجزائرية بـ”حق الشفعة” الذي يخول لها الوقوف في طريق أي صفقة خاضعة للقانون الجزائري لدفع الضرر عن الشفيع المتصل حقه بالبضاعة التي ستباع.
كما سبق أن أقدمت سلطات الجزائر على القبض على العديد من رجال الأعمال الذين يعتبرون من “أبناء فرنسا” البررة، وإيداعهم السجن المؤقت وتوجيه تهم لهم تتعلق بالفساد والاستيلاء على ثروات البلاد.
كسب تعاطف الحراك
هذه الخطوات المتتالية يسعى من خلالها حكام الجزائر الفعليين، وفق عدد من الجزائريين، إلى كسب تعاطف الجماهير الغفيرة المشاركة في الحراك المتواصل منذ فبراير/شباط الماضي، ويعلم حكام الجزائر وعلى رأسهم الجيش، أن الجزائريين يكنون عداءً كبيرًا لفرنسا، لذلك فأفضل طريقة لكسب تعاطفهم وودهم هي ضرب مصالح فرنسا وتوجيه صفعات متتالية لها.
يرجع عداء جزء كبير من الجزائريين لفرنسا إلى ماضيها الاستعماري في بلادهم، فضلاً عن قرب باريس من نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وتسترها على جرائمه وجرائم أركان نظامه سواء السياسية أم الاقتصادية، مقابل التمتع بالعديد من الامتيازات في الجزائر.
هذا الأمر، جعل الفرنسيين في حيرة من أمرهم، ذلك أنهم يخشون تأزم الأوضاع في الجزائر وخروجها عن السيطرة في ظل التطورات الأخيرة، وهو ما يمثل خطرًا على مستقبلها هناك والامتيازات التي تتمتع بها.
تشهد الجزائر حراكًا شعبيًا يطالب بإسقاط كل رموز نظام الحكم
دأب الجزائريون منذ بداية الحراك الشعبي في بلادهم منتصف شهر فبراير/شباط الماضي، على رفع شعارات مندّدة بفرنسا “القوة الاستعمارية السابقة” التي يرى العديد من الجزائريين أنها السبب فيما وصلت إليه البلاد من أزمات متعدّدة الجوانب.
منذ 1962 مر ما لا يقل عن 800 وزير على الحكومات الجزائرية المتعاقبة، منهم 600 وزير حصلوا على جنسية أجنبية أغلبها فرنسية، وهو ما يفسر النفوذ الفرنسي الكبير في الجزائر، يذكر أن فرنسا استعمرت الجزائر منذ 1830 حتى العام 1962 عندما نالت استقلالها، بعد حرب استمرت ثماني سنوات لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
إلهاء المحتجين
فضلاً عن كسب تعاطف الجماهير وكسب ودهم، يرى العديد من الجزائريين أن الهدف من وراء استهداف مصالح فرنسا في الجزائر، إلهاء المحتجين المصرين على تحقيق مطالبهم كاملة، فيرى هؤلاء أن قيادة الجيش والمحيطين بها في مواقع القرار يسعون إلى إلهاء الجزائريين بقضايا هامشية على حساب القضايا المهمة التي وجب الاهتمام بها في هذه الظرفية الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
يكن عدد كبير من الجزائريين عداءً كبيرًا لفرنسا
تشهد الجزائر منذ منتصف شهر فبراير/شباط الماضي حراكًا شعبيًا كبيرًا، من بين نتائجه إلى الآن استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإقالة العديد من المسؤولين والزج بعدد منهم في السجون بتهم تتعلق بالفساد والتآمر على أمن الدولة.
تسعى سلطات الجزائر الحاكمة إلى استغلال انشغال الجزائريين بهذه القضية حتى تتمكن من تنفيذ أجندتها، وفسح المجال أمامها للقيام بكل ما تريد في غفلة عن الجماهير الجزائرية.