يتواصل الجدل في تونس على خلفية القبض على المرشح الرئاسي نبيل القروي وإيداعه السجن المدني بالمرناقية قبل أيام قليلة على موعد الاستحقاق الانتخابي المهم الذي ستشهده البلاد منتصف الشهر المقبل.
جدل ما فتئ يشتد حدة خاصة في ظل تتالي الاتهامات الموجهة إلى رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد من أطراف عدة باستغلال القضاء وأجهزة الدولة لتصفية منافسيه، الأمر الذي ينفيه مقربون من الشاهد، مؤكدين أن عملية إيقاف القروي تمت بمقتضى القانون.
تفاصيل عملية القبض على القروي
عشية الجمعة الماضية، أعلنت وزارة الداخلية التونسية، توقيف رجل الإعلام نبيل القروي، تنفيذًا لأمر قضائي صادر بحقه، وقالت الداخلية التونسية في بيان “تنفيذًا لبطاقة الجلب الصادرة عن إحدى دوائر محكمة الاستئناف بتونس ضد نبيل القروي، تولى فريق تابع للإدارة العامة للأمن الوطني الجمعة (..) إيقاف المعني بالأمر”.
وأضاف نص البيان أن التوقيف تم “بعد الاستظهار ببطاقة الإيداع المذكورة بناءً على طلب منه (نبيل القروي)، حيث اطلع عليها وامتثل للوحدات الأمنية التي تولت تطبيق الإجراءات القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات وإيداعه السجن المدني بمدينة المرناقية”.
يعد نبيل القروي، أحد رجال نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ثم أحد مؤسسي حزب نداء تونس، وريث التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي)
عملية الإيقاف تمت عندما كان مرشح الرئاسة نبيل القروي في طريقه للعودة للعاصمة تونس، قادمًا من محافظة باجة (غرب) التي تبعد قرابة 105 كيلومترات عن العاصمة، تحديدًا عند مدينة مجاز الباب” (56 كيلومترًا عن العاصمة).
وأوضحت الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف بتونس أن قرار إصدار مذكرة الاعتقال بحق كل من رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي وشقيقه غازي القروي (في حالة فرار)، تأتي في إطار تطبيق الفصل 117 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص صراحة على أنه “يجوز دائمًا لدائرة الاتهام أن تصدر بطاقة إيداع ضد المظنون فيه (مذكرة اعتقال للمتهم)”.
حيثيات القضية
إيقاف القروي وإيداعه السجن، جاء على خلفية شكاية رفعتها ضده منظمة “أنا يقظ” منذ سنة 2016 بتهمة التهرب الضريبي، وتمثل منظمة أنا يقظ التي تأسست إثر الثورة التونسية في 21 من مارس 2011، نقطة الاتصال الرسمية لمنظمة الشفافية الدولية بتونس منذ نوفمبر 2013.
وتهدف المنظمة إلى مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية، وتضم مجموعة من الشباب والشابات النشطاء في مختلف جهات الجمهورية ويعمل جميعهم على الحفاظ على مكتسبات الثورة، حسب ما جاء في موقعها، وكثيرًا ما تنشر هذه المنظمة الرقابية على موقعها تقارير تتحدث عن شبهات الفساد في مؤسسات حكومية وفي البرلمان وتجاوزات في مجالات عدة.
قبل عملية الإيقاف، قرر قاضي التحقيق المتعهد بالقضية بالقطب القضائي الاقتصادي توجيه تهم للمرشح الرئاسي نبيل القروي – وهو مالك قناة نسمة التليفزيونية وممثل جمعية خليل تونس الخيرية – “غسل الأموال والتحيل”، باستغلال التسهيلات التي خولتها خصائص النشاط المهني، وذلك طبقًا لأحكام القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ليتم على إثرها تحجير السفر على المظنون فيه، وتجميد التعامل على الأملاك المنقولة والعقارية التابعة له، وتجميد الأرصدة البنكية الراجعة له، في 8 من يوليو/تموز الماضي.
تتعلق في حق القروي قضايا فساد
يعد نبيل القروي، أحد رجال نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ثم أحد مؤسسي حزب نداء تونس، وريث التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي)، وأحد رجال الأعمال الذين يتهمون بالفساد والتحيل وتبييض الأموال، كما يتهم باستغلال معاناة المحتاجين والفقراء في تونس.
وكانت منظمة “أنا يقظ” قد نشرت ضمن تحقيقات بشأن الفساد في قطاعات متعددة مثل قطاع الإعلام والقطاعين العام والخاص وفي المجالات التي تهم السياسيين ورجال الأعمال، في يوليو 2016، تحقيق استقصائي عن شركة “نسمة برودكست ش م م” وهي إحدى الشركات محدودة المسؤولية التابعة لمجموعة القروي، تم الكشف فيه عن حصول “أنا يقظ” على أدلة بخصوص شبهة فساد تتعلق “بالتهرب الضريبي للقناة وعدم تسديدها للعديد من الخطايا المتخلدة بذمتها لفائدة الدولة”.
لا حصانة للسياسيين في قضايا الحق العام
“المرشح الرئاسي الشعبوي والمثير للجدل نبيل القروي لم يخف أن له ديونًا للدولة نتيجة التهرب الضريبي وعدم خلاص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فضلاً عن وجود قضايا تلاحقه أمام المحاكم ووصف الأمر بالطبيعي بل فسر ذلك بالصعوبات الاقتصادية وتدني قيمة الدينار التونسي” يقول الصحفي التونسي كريم البوعلي.
يضيف البوعلي في تصريح لنون بوست “هذا الاعتراف من القروي في أحد تصريحاته يعطي مصداقية للتبعات القضائية التي بدأت ضده منذ سنة 2016 في قضية متعددة الأطوار، انتهت بزجّه في السجن وهو أمر عادي في اعتقادي نظرًا لاستقلالية السلطة القضائية في تونس” .
يستنكر العديد من السياسيين استغلال القروي مؤسسته الإعلامية الخاصة التي حصلت على حقوق البث زمن نظام الرئيس المخلوع بن علي، للترويج لخطابه الشعبوي
بدوره يرى الصحفي التونسي حمدي الزايدي، أن الجميع يعلم أن القروي تتعلق به قضايا وتهم بالفساد والتهرب الضريبي وتبييض الأموال أساسًا إلى جانب استغلال نشاط جمعياتي لأغراض سياسية، وفي تعقيبه على الحديث عن توقيت عملية الإيقاف، يؤكد الزايدي في حديثه لنون بوست “من غير المنطقي أن نحدد مواعيدًا لتنفيذ بطاقات الإيداع والأحكام القضائية”.
يتابع الصحفي التونسي “المنطق يفرض أنه لا حصانة للسياسيين في قضايا الحق العام والفساد، فهي لا تسقط بمجرد أن يصبح المتهم سياسيًا أو مرشحًا للرئاسيات”، ويوضح الزايدي أن الإجراء المتخذ في حق القروي طبيعي وسليم.
فتح ملفات كل المرشحين الذين تتعلق بهم تهم أو قضايا
رغم ما ذهب إليه، فقد أشار حمدي الزايدي إلى “ضرورة فتح تحقيق جدي في شبهات توظيف القضاء من طرف الحكومة والبحث في ظروف إيقاف نبيل القروي في هذه الظرفية بالذات خاصة والكل يعلم أن القضايا المتعلقة به تعود إلى ثلاث سنوات مضت”، وفق قوله.
وأضاف “لا بد للقضاء أن يقوم بعمله على أكمل وجه ويبين للرأي العام ما للقروي وما عليه ويوضح التهم الموجهة له، ليتبين الخيط الأبيض من الأسود، فالتعتيم لا يخدم إلا الأطراف التي تريد إرباك العملية الانتخابية وتوظيفها لأطراف ضد أخرى للضغط على الناخبين”.
برع مالك قناة نسمة الخاصة نبيل القروي الذي أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية، في توظيف العمل الخيري والإعلامي بمجال العمل السياسي
كما ينبغي للنيابة العمومية وفق الزايدي أيضًا أن تتحرك تجاه فتح ملفات كل المرشحين الذين تتعلق بهم تهم أو قضايا مرفوعة لدى القضاء ويبحثون عن حصانة في حال فوزهم في الانتخابات للإفلات من العقاب، يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، قبلت في 14 من أغسطس/آب الحاليّ، ملفات 26 مرشحًا من أصل 97 ملفًا، للتنافس في انتخابات رئاسية تجري جولتها الأولى في 15 من سبتمبر/أيلول المقبل.
من جهته أشار كريم البوعلي إلى سرعة تنفيذ قرار قاضي التحقيق من وزارة الداخلية التي تتبع السلطة التنفيذية، وقال في هذا الشأن “إن كان هذا الأمر مؤشرًا على نجاعة عمل الوزارة فقد يكون دليلاً على انتظار الحكومة – التي أعلن رئيسها المتخلي يوسف الشاهد ترشحه للرئاسية – للقرار للتخلص من منافس سياسي”.
كلمة حق الغاية منها تصفية حسابات سياسية
الصحفية التونسية عائشة الغربي أوضحت لنون بوست أن “عملية إلقاء القبض على نبيل القروي في هذا التوقيت هي كلمة حق يخشى أن تكون الغاية منها تصفية حسابات عالقة بين القروي ورئيس الحكومة السابق والمرشح الحاليّ لمنصب رئيس الجمهورية يوسف الشاهد”.
“لا يمكن اليوم أن ننفي خطورة ما أقدم عليه القروي في حق التونسيين باستغلال قناته للترويج له سياسيًا ومحاولة تشهيره بنشطاء في المجتمع المدني بسبب تحقيقات كشفت فساده المالي، لكن اعتقاله الذي روج له المقربون منه على أنه اختطاف من شأنه أن يرجح كفته على باقي المرشحين خاصة أنه لا يسقط عنه صفة المرشح مباشرة”، تقول الغربي.
وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بوفون قد أكد لوسائل إعلام محلية أن القروي “سيظل مدرجًا في قائمة المرشحين طالما لم يصدر حكم نهائي يحرمه من حق الترشح”، وتجرى الحملة الانتخابية بين 2 و13 من سبتمبر/أيلول القادم، وبعد يوم صمت انتخابي، يقترع الناخبون في 15 من الشهر نفسه، على أن تعلن النتائج الأولية في 17 من ذلك الشهر.
ومنذ بداية الخلاف بين الرئيس الراحل الباحي قائد السبسي ونجله من جهة ويوسف الشاهد من جهة ثانية، حاول نبيل القروي ضرب رئيس الحكومة وتحميله مسؤولية الأزمات السياسية والاجتماعية بالبلاد من خلال قناته، كما اتهمه بالضغط على الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري لإغلاق قناته بعد تدخل القوى العامة لتنفيذ قرار الغلق.
هذه المحاولات واجهها الشاهد بمحاولة إقصاء القروي من المشهد السياسي في البلاد، حيث قدمت الحكومة مقترحات لتعديل القانون الانتخابي يمنع نبيل القروي من الترشح آليًا، ورغم مصادقة البرلمان على التنقيحات بقي محل جدل ورفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي التوقيع عليه.
بعد خطاب التفويض الذي ألقاه يوسف الشاهد بيوم واحد لرئيس الحكومة المؤقت كمال مرجان، أودع القروي السجن، مما جعل التأويلات تصب في خانة محاولة الشاهد استبعاد القروي بأي شكل من الأشكال خاصة مع تصدره نوايا التصويت الرئاسية والتشريعية بالنسبة لحزبه “قلب تونس”.
جدير بالذكر، أنه بعد أسابيع قليلة من إعلان نبيل القروي الذي يعتبر أحد أباطرة الإعلام المنحازين للثورة المضادة في تونس، ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، تصدر مالك قناة “نسمة” الخاصة وحزبه نوايا التصويت في الإنتخابات المقبلة خريف العام 2019، وفق العديد من مراكز استطلاعات الرأي التونسية والغربية، مستغلاً قناته التليفزيونية وجمعية “خليل تونس” الخيرية.
يستنكر العديد من السياسيين استغلال نبيل القروي مؤسسته الإعلامية الخاصة التي حصلت على حقوق البث زمن نظام الرئيس المخلوع بن علي، نتيجة الخدمات التي قدمها له ولنظامه، للترويج لخطابه الشعبوي القائم على نصرة المستضعفين والفقراء، يذكر أن القروي يرفض تجديد رخصة البث لقناته لأسباب عدة.
برع مالك قناة نسمة الخاصة نبيل القروي الذي أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية، في توظيف العمل الخيري والإعلامي بمجال العمل السياسي، فهو يستخدم منذ سنوات برنامجًا خيريًا يبث يوميًا على قناته، لتقديم مساعدات للفقراء بغية الوصول إلى كرسي الرئاسة.